بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة (عشرون فائدة مهمة في بيان ضرر الخوارج وفساد منهجهم قديما وحديثا)
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
15/ 8/ 1443 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله بيان خطر الخوارج،
وأن المنهج الذي هم عليه منهج سييء وخبيث،
ذلك بأنهم استباحوا دماء المسلمين، ويستبيحون الخروج على الولاة، ولا يتورعون عن تكفير المسلمين، ولخطرهم فإن النبي ﷺ حذر منهم أشد التحذير في مواطن عدة.
ولذلك هم كلما قُطِعُوا خرجوا.
يتناسلون حتى يخرجوا مع الدجال في جيشه لقتال المسلمين آخر الزمن، النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند ابن ماجه وغيره: «كلَّما خرج قرْنٌ قُطِعَ»
حتى قال: «حتى يخرجَ في أعراضِهم الدَّجالُ»
يعني هم يقاتلون في الجيش الذي يكون فيه الدجال
«كلَّما خرج قرْنٌ قُطِعَ»: قال السندي: يعني استحق أن يُقطع. وأيضًا هو ينقطع، لكن كلما مضى زمن، خرج قرن آخر إلى آخر ما يكون في قتالهم مع الدجال.
والخوارج أول ما خرجوا، خرجوا على عثمان رضي الله عنه، وأحاطوا بداره، ومن ثَم لمَا خرجوا على عثمان استطار الشر وانتشر في بلاد المسلمين، وتتابعت الفتن.
ولذلك قال شيخ الإسلام –رحمه الله-كما في منهاج السنة النبوية: في عهد عثمان لم تكن هناك بدعة ظاهرة
لكن لما خرج هؤلاء على عثمان، خرج بعد هؤلاء الرافضة.
ولذلك لو تأملت لوجدت أن الرافضة عَظُم شرهم في عهد علي رضي الله عنه، فازدادوا خروجًا.
ولهذا لو تأمل العاقل بفهمه وببصيرته وبعينه، لأدرك أن كل خروج بأي زمن وحتى في هذا الزمن، لأدرك أن خروج هؤلاء على الولاة يُقدِّمون ما يقدمونه للرافضة من مصالح، شاءوا أم لم يشاؤوا، وتأملوا في تلك البلدان التي خُرج على ولاة أمرها في هذا الزمن، من الذي استفاد؟
استفادت الرافضة.
يقول شيخ الإسلام –رحمه الله-كما في مجموع الفتاوى: لما خرجوا على عثمان خرجت الرافضة لما خُرِج على يزيد بن معاوية خرجت بدعة القدرية والمرجئة.
فإذًا هؤلاء إنما يقدمون المصالح والمنافع لأهل البدع.
ولذلك هم لا يتورعون عن دماء المسلمين بأبشع صور القتل، ليس في هذا الزمن كما رئي فيما مضى، بل من العهد القديم.
ذكر الذهبي –رحمه الله-في سير أعلام النبلاء، وفي عهد علي رضي الله عنه أن عبد الله بن خباب خرج مسافرًا هو وزوجته وكانت حاملًا، فأدركوه، فذبحوه كما تذبح الشاة، وأتوا إلى زوجته وبقروا بطنها وأخرجوا جنينها بأفظع ما يكون، وأبشع ما يكون من أنواع القتل، فبعث إليهم عبد الله بن عباس ليناظرهم، فرجع من رجع، وبقي من بقي، حتى وقعت وقعة النهروان التي قاتل فيها علي رضي الله عنه هؤلاء الخوارج.
ولذلك يقول شيخ الإسلام –رحمه الله-هؤلاء الخوارج ما عرفوا منهج الصحابة رضي الله عنهم في القتال.
يقول: الصحابة رضي الله عنهم ما قاتلوا أحدًا، لا على ولاية، ولا على خلافة، إنما قاتل الصحابة -هذا واضح فيمن تأمل سيرهم- إنما قاتل الصحابة الكفار كسرى وقيصر وأشباه هؤلاء.
ولذلك هم لم يعرفوا منهج الصحابة رضي الله عنهم، وبالتالي فإنهم اعتدوا على حرمات المسلمين.
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال؟
في الصحيحين «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلَامِ ويَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ».
يقول ابن حجر –رحمه الله-في الفتح:
ذلك لأن قلوبهم لم تنشرح للعلم الشرعي.
ما انشرحت بالعلم الشرعي، فالشريعة سمحة فهؤلاء عكسوا الشريعة فقاتلوا أهل الإسلام.
ولذلك هو كما نقل عن ابن هبيرة قال:
قتال الخوارج أولى من قتال الكفار.
يقوله ابن هبيرة لمَ؟
قال: لأن المحافظة على رأس مال الإسلام أولى من الربح.
قتال الكفار ربح، لكن قتال الخوارج؛ أن يُحفظ رأس مال الإسلام لمَ؟
لأن هؤلاء إنما يريدون الإساءة إلى الإسلام، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام شدد في مثل هذا الأمر قال:
«طُوبَى لِمَن قتلهم وطوبَى لمن قتلوه».
وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين:
« لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»
وفي رواية « لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ»
وذلك لأن أعظم ما يكون خطرا على الإسلام وعلى أهله، من تزيَّا بزيِّ الصلاح والخير، وهو يريد بذلك إفساد دين الله –عز وجل-.
ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة:
«يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ»
«ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ»
لكن العبرة ليست بالعبادة فقط، وإنما العبرة كما هي بالعبادة، أيضًا بسلامة المنهج؛ أن يكون المسلم على معتقد أهل السنة والجماعة.
ولذلك في صحيح مسلم قال علي رضي الله عنه في ثنايا قتال الخوارج قال: ” لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا “ على وزن تفرحوا لفظًا ومعنى، يعني لولا أن تفرحوا
« لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بما وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، علَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ »
” لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا “ أن يصيبكم الفرح، ومن ثم فإنكم تتكلون
على هذا الأجر وتدعون العمل، فتركهم علي رضي الله عنه.
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم:
«هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والْخَلِيقَةِ»
بعض العلماء يقول: هذا من باب التأكيد، لكن الذي يظهر لي أنه ليس من باب التأكيد، وإنما هم شر الخلق يعني شر البشر، وشر الخليقة يعني شر الدواب الأخرى، شر الخلق والخليقة، وما أتت هذه التحذيرات ممن؟
ليست من أي شخص، وليست من أي عالم مهما عظم علمه، لا، إنما أتت هذه التحذيرات من النبي عليه الصلاة والسلام، ليبين خطر هؤلاء.
فقال عليه الصلاة والسلام: «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والْخَلِيقَةِ»
ولذلك ماذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي وغيره؟
قال: «الخوارجُ كلابُ النارِ»
وفي رواية «الخوارجُ كلابُ أَهلِ النَّارِ»
سبحان الله وصفوا بهذا الوصف، لأن أخس ما يكون من الحيوانات هذا الكلب، الذي إن تركته في ظل ظليل لهث، وإن أركضته لهث، إن نقاشته إن حاورته لا يقتنع،
إلا مَن مَنَّ الله –عز وجل-عليه بالهداية وبالتوفيق.
ولذلك يكون لهم نُباح في النار يتعذبون بهذا النُّباح، ويعذبون أيضًا أهل النار، وما أتت هذه التحذيرات النبوية منه عليه الصلاة والسلام، إلا لشدة خطر هؤلاء؛ فليتنبه لمثل هذا المنهج الفاسد.
والحديث عن الخوارج كثير، والنصوص الشرعية كثيرة، لكن المسلم كيف ينجو؟
ينجو بعد توفيق الله، وبعد عصمة الله –عز وجل-.
أولًا أن يتعلم العلم الشرعي الصحيح، وأن يتعلمه من أهله، وليس كل من ادعى علمًا أنه يؤخذ منه العلم، وأن يحرص المسلم على منهج أهل السنة والجماعة، وأن يبحث عنه، وأن يقرأه، وأن يواصل في قراءته، وألا يستهين بذلك، حتى لا ينحرف، وحتى لا يزيغ، وأيضًا على المسلم أن يكون ملازمًا لجماعة المسلمين، وأن يكون مع ولاة أمره.
ولذلك ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟
أحاديث كثيرة في الحث على الترابط والألفة بين الراعي والرعية، وبيان حقوق الولاة، والحرص على الجماعة، أحاديث لو ظللنا خطبا لكان لها ذلك، لكن ماذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي؟ -لأن هدفي وهدفك وهدف كل مسلم الجنة- ماذا قال عند الترمذي؟
«مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ» البحبوحة: السعة والخيار،
«مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلَيلزمُ الجماعةَ».
أسأل الله –عز وجل-أن يحفظني وأن يحفظكم وأن يحفظ بلاد المسلمين من شر هؤلاء، ومن كل شر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد.
فيا عباد الله اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، هذا وصلوا رحمكم الله على أعظم نبي وأشرف هاد، كما أمركم الله بذلك إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم، وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء، وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، اللهم من أراد بهذه البلاد فتنة وشرا وزعزعة، فأشغله في نفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.