خطبة ( فضل صيام شهر الله المحرم وصوم يوم عاشوراء )

خطبة ( فضل صيام شهر الله المحرم وصوم يوم عاشوراء )

مشاهدات: 757

بسم الله الرحمن الرحيم

[فضل صيام شهر الله المحرم وصوم يوم عاشوراء]

لفضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

 

الشهر المحرم هو أحد الشهور الأربعة التي حرمها الله عز وجل- وعظمها { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ …} [ التوبة : 36 ] .

 

تلك الأربعة : ثلاثةٌ سرد، وواحدٌ فرد

الثلاثة:- ذو القَعدة، وذو الحِجة، ومحرم هذه سرد.

وأما الوحيد وهو الفرد:- شهر رجب.

وهذا الشهر الذي نحن فيه بيّن النبي ﷺ فضيلة الصيام فيه فَقالَ ﷺ : ” ‏أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ “

أخرجهُ مسلمٌ (1163) .

 

فيُستحب للمسلم أن يصوم في هذا الشهر، فإن عجَزَ عن ذلك فليصُم اليوم العاشر والتاسع فقد قال النبي ﷺ عن يوم عاشوراء : “وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ” رواه مسلم 1162.

 

وليُضِف من باب الاستحباب صيام يوم التاسع؛ لأن النبي ﷺ كان يصومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فقيلَ لهُ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ ﷺ : ” لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسِع” . رواه مسلم 1916

 

  • فإن عجزَ الإنسان من أن يُضيفَ التاسع على العاشر فليصُم العاشر وحده، ولايُكره إفراد صومِ يوم عاشوراء؛ وذلك لأن النبي ﷺ كان يصومُ هذا اليوم وحدَهُ طيلةَ حياته، وإنما قال: “لئِن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع” لمّا قيل له إن اليهود والنصارى تُعظمه، وهذا من باب الكمال في مخالفةِ هؤلاء، وإلا فهو ﷺ كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن يهاجرَ إلى المدينة وقبل أن يعلمَ بحال اليهود بصيام يوم عاشوراء
  • فدلّ هذا على أن المسلم لو أفرد صيام يوم عاشوراء فلا حرج عليه ولهُ هذا الفضل من أنه يكفر السنة التي قبله
  • وتكفيرُ صوم يوم عاشوراء لهذه الذنوب إنما هي للذنوب الصغائر لكن قد يوجد عند الإنسان كبائر ولا توجد عنده صغائر، قال النووي رحمه الله :” يُرجى أن يُخَفَفَ وأن يُكفَرَ عن بعضِ تلك الكبائر”.
  • فإن قيل:- إنسانٌ لا صغائر عندَهُ ولا كبائر، فيُقال: يُكتَبُ لهذا المسلم من الأجر والحسنات نظير هذا الصيام .
  • وهذا اليوم يوم عاشوراء إن أدركك هذا اليوم وأنت في السفر فَلْتَحْرِص عليه، ولذا جاء عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أنه كان يصوم يوم عاشوراء في السفر، وهذا الأثر وإن كان فيه مقال إلا أن هناك ما يؤيده، فعند البيهقي في الشُّعَب من أنَّ الزُّهريَ رحمه الله كان يصوم يوم عاشوراء في السفر وكان يأمر بفطر رمضان في السفر فقيل له في ذلك فقال رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت” ، فقيل له: أتصومُ يومَ عاشوراء في السفر، وإذا سافرتَ في رمضان أفطرتَ؟ فما الفرق ؟ فقال رحمه الله: لأن اللهَ عزوجل قال عن صيامِ رمضان: {فعدةٌ من أيامٍ أُخَر} وهناك أيام تُقضى فيها أيامُ رمضان، أما يومُ عاشوراء فإنهُ لا يومَ يُقضى فيه هذا اليوم .
  • ولهذا يحرص المسلم سواء كان مقيم أو كان مسافر على صيامِ يومِ عاشوراء، بل يُستحبُّ أن يُصَوَّمَ الصغار كما فعل الصحابةُ -رضي الله عنهم- فقد جاء في الصحيحين: أن الصحابةَ رضي اللهُ عنهم كانوا يَصومون يومَ عاشوراء وكانوا يُصَوِّمونَ صبيانَهم ؛ وهذا من باب تمرين الصغار على الصيام.

جاء في الصحيحين قولُ ابن عباس رضي الله عنهما َما رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى سائر الأيام من يومِ عاشوراء.

(مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ)

وقال ابنُ حجر رحمه الله : وهذا حسْبَ علمِ ابنَ عباس رضي الله عنهما وإلا فصيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، معَ بقاء الفضل لصيام يوم عاشوراء، لأن صيام يوم عرفة يُكَفرُ سنتين ، أما صيام يوم عاشوراء فإنه يُكَفِّرُ سنةً واحدة.

ولكن لو قيل: لماذا صيام يوم عرفة يُكَفرُ سنتين ، و صيام يوم عاشوراء يُكَفِّرُ سنةً واحدة؟ فالجوابُ عن ذلك: كما ذكر ابنُ حجر رحمه الله في الفتح قال:

لأن صيامَ يومِ عرفة منسوبٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأما صيام يومِ عاشوراء فمنسوبٌ إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فكان اليهودُ يصومونه، ولذلك فُضِّلَ صيامُ يومِ عرفة على يومِ عاشوراء، وذلك لِعِظَمِ فضيلةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.