بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة (من مزايا العشر الأواخر من شهر رمضان) بأدلتها الشرعية
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
19/9/1440 هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71]
أما بعد فيا عبادَ الله:
نتحدث في هذا اليوم عن بعض مزايا العشر الأواخر من شهر رمضان باختصار بأدلتها الشرعية.
أولًا: هذه العشر أقسم اللهُ عز وجل بها على أحدِ أقوال المفسرين، فإن كانت كما قال بعضُ المفسرين هي العشر، فهذا يدل على عِظَمِها {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1-2].
ثانيًا: العلماء اختلفوا هل هذه العشر أفضل من العشر الأوائل من شهر ذي الحجة؟ أم العكس؟ قولان، والقولُ الفصلُ في هذا: من أن الليل في هذه العشر الأواخر في شهر رمضان أفضل من الليل في عشر ذي الحجة، لكن نهار العشر الأوائل من شهر ذي الحجة أفضل من نهارِ هذه العشر الأواخر من شهر رمضان كما حقق ذلك شيخُ الإسلام رحمه الله.
ثالثًا: عائشةُ رضي الله عنها كما في صحيح مسلم قالت: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ”.
رابعًا: النبي ﷺ كما في الصحيحين “إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ”
شَدَّ مِئْزَرَهُ: كناية عن ترك الجماع، وأيضًا يدخل فيه قول من يقول: يدخل فيه تبعًا من أن ذلك كناية عن الجد والاجتهاد في طاعة الله عز وجل، فهو تَرَك واعتزل الجماع في هذه العشر للاجتهاد في طاعة الله عز وجل.
خامسًا: هذه العشر أُنزل فيها القرآن قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]، لكنه ما نزل إلا في ليلة القدر، وليلة القدر إنما هي في هذه العشر الأواخر من هذا الشهر قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان:3]
وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1].
سادسًا: هذه العشر بها ليلةُ القدر، ولذلك النبيُّ ﷺ كما جاءت بذلك الأحاديثُ الصحيحة اجتهد في أن يعرفَ هذه الليلة في أي ليلةٍ من رمضان، فأُخبر ﷺ من أنها في هذه العشر، وهذه الليلة ليلةُ القدر لها منزلتُها وقدرُها من حيث العبادة، من حيثُ قيام الليل، ولذلك قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر:2] استفهام لتفخيمها وتعظيمها لعِظَمِ ما ذَكَره ﷺ عنها،
في الصحيحين: “مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”
وهذه الليلة يقدر الله عز وجل فيها ما يجري من أقدار إلى السنة القادمة، هذه الأقدار تقديرات سنوية تؤخذ من اللوح المحفوظ الذي لا يتبدل ولا يتغير؛ ولذلك ماذا قال عز وجل؟
{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر:4] يعني جبريل {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} من ماذا؟
{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4]، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان:3]،
ما الذي بعدها؟ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]، ما يكون في اللوح المحفوظ من هذه السنة يقدر لك فيما تستقبله من أيام سنتك، مما يقدره الله عز وجل عليك، ويقدره على الخلق.
ولذلك قال عز وجل عن ليلة القدر {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]
يعني من أذان المغرب إلى أذان الفجر هي سلام {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5].
سابعًا: ليحرص المسلم في هذه العشر على دعاء ربه عز وجل، ولذا جاء في المسند وسنن الترمذي وهو حديث ثابت ليس به انقطاع على الصحيح، وقد فصلت ذلك في موطن آخر من أراد الرجوع إليه، فهو موجود على اليوتيوب ” قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: قُلْتُ : يا رَسولَ اللهِ، أرأيْتَ إنْ عَلِمتُ أيَّ ليلةٍ لَيلةُ القدْرِ ما أقولُ فِيها؟ قال: قُولي: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ، تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي”
أكثِرْ من هذا الدعاء في العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله:
ثامنًا: من مزايا هذه العشر كما جاءت بذلك الأحاديثُ الصحيحة من أنه ﷺ اعتكف في هذه العشر طلبا لليلة القدر، وهذا الاعتكاف سُنَّة {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} قال: {وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125] وقد اعتكف ﷺ واعتكف نساؤه رضي الله عنهن، ولذلك يستحب للإنسان حتى لو كانت امرأة وأُمِنت الفتنة، أن تعتكف فإن لم تستطع لشغلٍ لها، أو مثلا لعدم أمْنِ الفتنة، فإن للإنسان من رجل أو امرأة يعتكف من أذان المغرب إلى أذان الفجر، والأفضل أن يعتكف العشر كلها، إن لم تستطع على أقل الأحوال لو تعتكف ليلة أو تعتكف يومًا.
ولذلك في الصحيحين قال عمر رضي الله عنه: ” يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: أوْفِ بنَذْرِكَ.” لو تعتكف ليلةً واحدة، إن أكثرتَ فخير،
إن اعتكفت بالنهار من أذان الفجر إلى غروب الشمس خير، لكن لا يُترك؛ ولا يَلزم أن يعتكف الإنسان كل العشر،
وأيضًا لو دخلت بنية أن تعتكف يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام، ثم بدا لك أن تترك الاعتكاف لعذر أو لغير عذر، فثوابك باقٍ فيما اعتكفت فيه من أيام ما ينقطع،
ولو دخلت فيه – في الاعتكاف- ما يلزمك إلا إذا نذرت، فلله الحمد والمنة، فليُحرص على هذا الاعتكاف، ولو لما تيسر من ليلة أو من يوم.
أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاةَ أمرِنا لما تحبه وترضاه يا كريم، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم سنة نبيك محمد ﷺ
اللهم من أراد بهذه البلاد في دينها وفي عقيدتها وفي أمنها ورخائها سوءا وشرًا وبلاء وفتنة، اللهم فاشغله في نفسه، اللهم فاشغله في نفسه، اللهم فاشغله في نفسه
ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا نفسته، ولا عسيرا إلا يسرته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيتَه، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائبًا إلا رددته، ولا ولدا إلا أصلحته، ولا أيمًا إلا زوجته، ولا عقيمًا إلا ذرية صالحة وهبته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا، ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم صلٍ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.