خطبة ( من مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه )

خطبة ( من مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه )

مشاهدات: 539

خطبة

( من مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدثنا في الجمعة الماضية عن مناقب أبي بكر الصديق، ونتحدث في هذا اليوم عن مناقب عمر بن الخطاب، ومناقبهما كثيرة، لكننا اقتصرنا على بعض منها، وتحدثنا عن أبي بكر، وسنتحدث عن عمر رضي الله عنه حتى يتبين ضلال الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

إسلامه:

النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عند أحمد والترمذي: (اللهم أعز هذا الدين بأحد هذين الرجلين)، وهما عمرو بن هشام يعني أبا جهل، أو عمر بن الخطاب، فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه، فأسلم رضي الله عنه، جاء عند الطبراني، ووثق رجاله الهيثمي في المجمع من أن عمر رضي الله عنه لما أسلم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدره ثلاثا فقال: (اللهم أخرج من صدر عمر الغل، وأبدله إيمانا)، اللهم أخرج ما في صدره من غل وأبدله إيمانا، اللهم أخرج ما في صدره من غل وأبدله إيمانا.

وجاء عند ابن حبان كما ثبت أن عمر رضي الله عنه لما أسلم لم تدر قريش بإسلامه، فقال: أي الناس أنشأ للحديث؟ يعني من ينشر الحديث، ويروجه بين الناس، فقالوا جميل بن معمر، وجميل أسلم فيما بعد، وحسن إسلامه، وشهد حنينا، فقالوا جميل بن معمر، وكانت هذه الصفة به قبل أن يسلم في الجاهلية، قال ابن عمر، وهو ابن عمر، قال عبد الله: فتتبعت  عمر وأعقل ماذا سيكون، فأتى عمر إلى جميل، فقال: إني أسلمت، قال ابن عمر: فوالله ما رد عليه جميل بكلمة حتى أتى المسجد، فنادى أندية قريش: إن ابن الخطاب صبأ، فقال عمر: كذبت بل أسلمت، وآمنت بالله، وصدقت رسوله صلى الله عليه وسلم، فثار عليه كفار قريش، فصارعهم، وصارعوه حتى ركضت الشمس على رؤوسهم، قال ابن عمر: فأتى رجل، وعليه حلة من حرير، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: إن ابن الخطاب صبأ، قال: رجل اختار لنفسه دينا، أتظنون أن “عدي” تسلم إليكم صاحبهم؟! قال: فكأنما كانوا ثوبا انكشفوا عنه”، فقال عبد الله لما هاجرنا سألت أبي: من ذلك الرجل الذي دافع عنك؟ فقال: إنه العاص بن وائل. وقد مات على الكفر نسأل الله السلامة والعافية، وهو الد الصحابي الجليل عمرو بن العاص.

وجاء عند الطبراني، ووثق رجاله الهيثمي، قال عمر: “والله لن أدع مجلسا  جلسته في الكفر إلا نشرت فيه إسلامي” فكان يفعل، فكانوا يثورون عليه، ويثور عليهم رضي الله عنه.

ولذا جاء عند البخاري قال عبد الله: ” مازلنا أعزة  حينما أسلم عمر”، يعني أظهرنا الإسلام في مثل ذلك الوقت.

مناقبه رضي الله عنه:

جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا نائم رأيت امرأة عند قصر تتوضأ، فقلت لمن هذا القصر؟ فقيل: إنه لعمر، فذكرت غيرتك يا عمر، فبكى عمر، فقال أو عليك أغار؟!)، وفي رواية البخاري: “من أن تلك المرأة جارية، وأن سبب تلك الغيرة ما جاء عند البخاري قال: (وعند هذا القصر جارية، فقال صلى الله عليه وسلم: (فأردت أن أدخل في هذا القصر، فأنظر إليه، فذكرت غيرتك يا عمر، فولي مدبرا، فقال عمر: أوعليك أغار يا رسول الله؟!)

قال ابن حبان في صحيحه قال:”إن هذه القصة أتت أيضا ليلة الإسراء، فقال رحمه الله: فدل هذا على مزية فضل عمر رضي الله عنه”، قال رحمه الله: “فهما قصتان متغايرتان من حيث الوقت، فلا تعارض بينهما” إذاً التكرار يدل على فضل عمر رضي الله عنه.

من مناقب عمر رضي الله عنه:

ما جاء في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (لقد أتيت بقدح من لبن، فشربت منه حتى رأيت الري في أظفاري) وفي رواية البخاري:(يخرج من أطرافي) (حتى رأيت الري في أظفاري، فبقيت منه فضلة، فأعطيتها عمر، قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم).

قال ابن حجر رحمه الله: هو العلم بسياسة أمور الناس، إذ كان يسوسهم بالكتاب وبالسنة، وذلك امتاز عمر لطول خلافته، هذا هو قول ابن حجر، لكني وجدت عند ابن حبان من أن ابا بكر ظفر بهذه أيضا، فلعل ابن حجر لعله رأى ذلك أنه شاذ باعتبار أن عبد الله العطار، وهو ثقة خالفه ثقتان من حيث السند، فزاد في إسناده راويا، وذكر عمر بدل أبي بكر رضي الله عنهما، فالحديث الذي عند ابن حبان قال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت عسًّا) يعني قدحا كبيرا ( عسا مملوءا بلبن، فشربت منه، حتى تملأت، فرأيتها بين جلدي ولحمي، فأعطيت الفضلة أبا بكر، فقالوا: يا رسول الله..) الصحابة يفسرون، قالوا: هذا علم أعطاكه الله عز وجل (حتى تملأت منه، ثم أعطيته أبا بكر، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد أصبتم)

وهناك من يراه ثابتا كالمحب محب الدين الطبري، وهو يختلف عن الطبري صاحب التفسير وصاحب التاريخ، صاحب التفسير توفي سنة ثلاثمائة وعشر، ومحب الدين الطبري وله الرياض النضرة في مناقب العشرة توفي سنة ستمائة وأربع وتسعين للهجرة يعني بينهما ما يقرب من أربعمائة سنة، قال محب الدين الطبري: وهما حديثان صحيحان، فيحمل هذا على أن هذا ورد في حق أبي بكر وهذا في حق عمر رضي الله عنهما.

ومن مناقب  عمر رضي الله عنه:

 ما جاء في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: “كانت النسوة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علت أصواتهن، وهذا كما قال القاضي عياض: إما قبل النهي عن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم، أو أصواتهن لما اجتمعن علت، لا أن كل واحدة علا صوتها”

“قد علت أصواتهن، فاستأذن عمر، فبادرن الحجاب، وهن يسألن النبي  صلى الله عليه وسلم، ويستكثرنه إما من السؤال، أو من المال، فلما دخل عمر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله أضحك الله سنك”، ليس معنى ذلك كثرة الضحك؛ لأن كثرة الضحك مذمومة شرعا كما جاء عند الترمذي، وغيره، لكن المقصود من ذلك: “أضحك الله سنك” هو السرور وعدم الحزن، فقال: ” لم تضحك يا رسول الله؟ فقال: إن هؤلاء النسوة لما سمعن بك بادرن الحجاب، فأتى إليهن عمرو: أي عدوات أنفسهن أتهبنني، ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فقلن له: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم”

وليس معنى ذلك أنه على أفعل التفضيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء من الفظاظة والغلظة، لا، هذا أفعل التفضيل ليس على بابه.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إيهًا يا ابن الخطاب) وفي رواية عند البخاري: (إيهٍ) يعني تحدث بما تشاء يا ابن الخطاب، فقد أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه لما بين منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يبين منزلة عمر رضي الله عنه، فقال كما في رواية البخاري: (إيهٍ يا ابن الخطاب، فوالله ما سلكت فجا) يعني طريقا واسع(قط إلا سلك الشيطان فجا غير فجك)، وهذا لا يدل على عصمة عمر، لا، وإنما فيه بيان من أن الشيطان يخاف من عمر، لكن يوسوس الشيطان لعمر، نعم، فهو ليس بمعصوم، وهذا هو أصح من  قول من يقول من أن عمر ما ترك للشيطان سبيلا، فوقع في الذنب حتى يتسلط عليه الشيطان، لكن الأول هو الأشهر.

 ومن مناقب عمر رضي الله عنه:

من أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: (عرض عليَّ الناس وعليهم قمص) جميع قميص (فمنهم من يبلغ إلى ثديه) ثديه جمع ثدي، وهذا يدل على أن الثدي يطلق على الرجل كما أنه يطلق على أنه موضع من المرأة، خلافا لمن قال إنه لا يطلق على الرجل، فهذا الحديث يرد علي(فمنهم من يبلغ إلى ثديه، قال: فمر عمر، وعليه قميص يجره)، هذا يدل على ماذا؟ يدل على عظم دين عمر، (قيل يا رسول الله ما أولته؟ قال: الدين) (قال الدين)، لم؟ لأن الله يقول {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ وهذا يدل على عظم دين عمر، وأن عمر لما يجر هذا المقيص، فهو يستره رضي الله عنه كما أنه، وهذا لا يدل على جورا الإسبال، لا، فليتنبه لهذا الأمر الرؤيا تختلف عن اليقظة، فهذا يدل على أنه مستور من نار الله، وأيضا لأنه ستبقى له آثار بعد وفاته يستن الناس بها، (قيل فما أولته يا رسول الله؟ قال الدين)

وليتنبه: هذا لا يدل على فضيلة عمر على أبي بكر، لا، ولذلك ذكر العيني في عمدة القاري كلاما طويلا لكني أذكر جملة واحدة قال: “فقد ورد الإجماع على أفضلية أبي بكر قال: ولا يدل هذا الحديث على أن هذا محصور في عمر رضي الله عنه، فقد يدخل فيه أبو بكر”

المهم قال مثل هذه الإيرادات الرد عليها من أن أبا بكر بالأدلة، وأيضا بإجماع الصحابة من أنه أفضل الصحابة، إذاً هو أفضل من عمر، ولذلك مر معنا في الخطبة الماضية كما عند البخاري عن ابن عمر قال: ” كنا نخير زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنختار أبا بكر، ثم عمر”

بل إن عمر كان يبين فضل أبي بكر، عند البخاري في سقيفة بني ساعدة لما مات النبي صلى الله عليه وسلم فقال الأنصار: منكم أمير ومنا أمير، فقال تكلم أبو بكر بكلام أعجبني إلا كلمة قال: وأنا أختار لكم أحد هذين الرجلين، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة قال: والله ما كرهت من قوله إلا هذه” ثم قال: ” والله لأن تقدم عنقي فتضرب من غير أن يقربني ذلك إلى إثم” يعني: ” تضرب عنقي  من غير أن يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن”، يقول: “والله لأن تقدم عنقي فتضرب من غير أن يقربني ذلك إلى إثم” يعني تضرب  عنقي من غير أن يكون هناك إثم، يعني يكون ضرب عنقي ليس من إثم وقعت فيه، “من غير أن يقربني إلى إثم أحب إلي من أن أتقدم على قوم فيهم أبو بكر”

وفي رواية أحمد كما ثبت: “إلا أن تغيرت نفسي شيئا عند الموت لا أجده الآن”، قال ابن بطال في شرحه على البخاري:” هذا يدل على أنه أراد أن يؤكد يمينه، وأراد رضي الله عنه من أنه لا يعلم بالحال؛ لأنه يعلم أن الله يقلب القلوب “إلا أن تسول لي نفسي شئيا عند الموت لا أجده الآن”، وهذا يدل على فضيلته رضي الله عنه.

ومن فضائل عمر ومن مناقبه:

من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: (لقد كان فيمن كان قبلكم محدثون) يعني ملهمون موفقون، ولذا لو صح الحديث عند الطبراني في الأوسط “من أن الملائكة قالوا كيف يحدث، قال: تتكلم الملائكة على لسانه”، قال صلى الله عليه وسلم: (لقد كان فيمن كان قبلكم محدثون، فإن يكن أحد من أمتي فعمر) وفي رواية البخاري: (لقد كان في بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن أحد فعمر)، ولذلك عند الترمذي قال صلى الله عليه وسلم  كما ثبت عنه: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وعلى قلبه)، وعند أحمد كما ثبت: “من أن الصحابة ما قالوا في أمر شيئا فقال عمر إلا نزل القرآن على نحو مما يقوله عمر”

وليعلم أن المحدث من أنه يعرض ما يلهمه على الكتاب والسنة، فإن وافق فبها، وإلا فإنه لا يكون مقبولا.

ومن مناقب عمر رضي الله عنه:

من أنه جاء عند الطبراني بإسناد حسنه الهيثمي في المجمع، ثبت عنه رضي الله عنه: “أنه ركب فرسا، فأركضه، فانكشفت فخذه، وبها شامة سوداء، فرآها نصارى نجران، فقالوا هذا هو الرجل الذي نقرأ في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا”

فرضي الله عنه…

أما وفاة عمر رضي الله عنه:

فإنه جاء في صحيح مسلم قال: “رأيت في المنام أن ديكا نقرني نقرتين، أو ثلاثة فلا أرى ذلك إلا حضور أجلي”، وجاء عند البخاري من أنه رضي الله عنه قال: “لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي أبدا” قال: “فما أوتي عليه أربع إلا وقد أصيب رضي الله عنه”، ولذلك عند  أحمد لما خطب الخطبة في يوم الجمعة ثبت أنه أصيب من يوم الأربعاء،  وقد جاء عند ابن سعد بإسناد صححه ابن حجر قال هو صحيح إلى الزهري: “من أن عمر ما كان يأذن لأحد من السبي يدخل المدينة، فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، وهو والٍ على الكوفة، قال: إن هذا رجل حداد نقاش نجار فسينتفع الناس به، وهو غلام للمغيرة، فائذن له، فأذن له عمر”، فجعل المغيرة عليه خراجا مائة، فأتى هذا الغلام، وهو أبو لؤلؤة المجوسي، فقال لعمر لتكلم المغيرة حتى يخفف عني، فقال عمر: “ما أرى هذا الخراج كثيرا عليك في عملك”، فولى ساخطا، فلقيه عمر بعد ليال، وعمر أراد أن يكلم المغيرة، ولذلك في صحيح البخاري قال: “لقد فعلت به خيرا” يقول عن أبي لؤلؤة: “لقد فعلت به خيرا”، فمر به بعد ليال، فقال عمر: “سمعت أنك تستطيع أن تصنع رحى تطحن بالريح، فقال أبو لؤلؤة: لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس”، وكان قوله، وهو عابس، فقال عمر مخبرا لمن عنده: “لقد توعدني هذا الغلام”، فاختفى له في الغلس بليل في زاوية من زوايا المسجد، وكان عمر إذا خرج  بالغلس يذكر الناس الصلاة الصلاة. وهذا شاهدته وأنا صغير كان الإنسان إذا خرج من بيته يحث الناس الصلاة الصلاة، وهو يمشي في الطريق، إذاً بعض الناس والله ما يفعل مما يناجى به في الطرقات من أمر الناس بالصلاة من أنه بدعة، وقد رددت على هذا الكلام بمقطع أطول من هذا، هذه سنة.

فخرج رضي الله عنه، وهو يقول الصلاة الصلاة، فدخل المسجد، وفي صحيح البخاري: ” كان عمر إذا أتى بين الصفين قال: استووا فإذا لم ير خللا كبر رضي الله عنه”، وكان يقرأ في الركعة الأولى بسورة يوسف، أو النحل حتى يجتمع الناس؛ لأنه كان يقرؤها في الركعة الأولى، فأتى رضي الله عنه فكبر، فلما كبر رضي الله عنه لم يسمع له صوت، فقال: “قتلني أو أكلني الكلب” يقصد هذا الغلام، فأتى هذا، فطعن عمر رضي الله عنه بثلاث طعنات تحت السرة، كما جاء عند أحمد وعند ابن سعد بإسناد صححه ابن حجر في الفتح إلى الزهري من أنه أصاب الصفاق، وهي التي قتلته، ولذلك عندنا نقول: صفاق البطن، وهو الغشاء الذي يكون بين الجلد والأمعاء، فكانت هي السبب في قتله بأمر الله، كانت سببا في قتله، فقال: “أكلني أو قتلني الكلب”.

فأما من كان حول عمر رضي الله عنه، فعلموا، وأما من كان في جوانب المسجد، فإنهم لا يدرون، فما فقدوا إلا صوت عمر، فقالوا: سبحان الله سبحان الله، فطار العلج وهو هذا الكافر، فطار العلج وسمي بالطيران؛ لأنه كان مسرعا، فطار العلج، فلا يرى أحدا عن يمينه وشماله إلا طعنه، فطعن ثلاثة عشر رجلا، مات منهم سبعة، فأخذ بعض الصحابة برنسا، البرنس وهو كساء يوضع على الرأس، فوضعه عليه فلما رأى الرجل هذا العلح من أنه مأخوذ نحر نفسه.

فقدم كما عند البخاري قدم عمر عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم صلاة خفف فيها، فلما انتهي من الصلاة حمل رضي الله عنه، وكأن الناس لم يصابوا بمصيبة قبلها أبدا.

عند الطبراني بإسناد حسنه الهيثمي في المجمع: “نادى عمر عبد الله بن عباس، وكان يقربه ويحبه ويدنيه ويسمع منه، قال: انظر إلى الناس، فلعله من ذنب فعلناه في أحد من الناس، فخرج ابن عباس، فرجع إليه، فقال: “والله ما مررت بملأ إلا وهم يبكون كأنهم فقدوا أبكار أولادهم”من عظم المصيبة، فقال: “رأيت البشر في وجهه رضي الله عنه”، فقال رضي الله عنه كما عند البخاري قال: ” من قتلني قال أبو لؤلؤة المجوسي، فقال: “الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على رجل مسلم”، ولذلك في المطالب العالية وصححه ابن حجر كان يقول: “اللهم لا تجعل قتلي على رجل سجد لك سجدة حتى لا يحاججني بها عندك يوم القيامة”.

فأصيب رضي الله عنه، فجعل ابن عباس كما عند البخاري يجزعه؛ لأنه كان يتألم، يجزعه ليس معنى ذلك أن عمر يجزع، لا، وإنما يخفف عنه يخفف عنه، ولذلك قال عمر كما عند البخاري: “ما ترى من جزع إلا من أجلك، ومن أجل أصحابك”، يعني خيفة من أن الفتن تأتي بعد موته عليهم، فجعل ابن عباس كما عند الطبراني بإسناد حسنه الهيثمي في المجمع: “جعل يثني عليه بثناء طويل، فقال عمر: إن المغرور من تغرونه”، المغرور من يغتر بمدحكم وبثنائكم، ثم قال: “يا عبد الله أتشهد لي عند الله يوم القيامة؟”، فقال عبد الله رضي الله: نعم، فقال عمر: “اللهم لك الحمد”.

فجعل الناس يدخلون عليه، ولذلك في صحيح مسلم من أن ابن عمر دخل على أخته حفصة بنت عمر، فقالت: إن أباك لن يستخلف، فقال ما كان ليدع الناس، قالت: إنه لن يستخلف، فقال: والله لأكلمنه، فدخل عليه، لكنه لم يستطع الكلام، ثم رجع، فسأل عمر عن أحوال الناس، فأخبره، ثم قال له ابنه قال: لقد سمعت قولا يقوله الناس، فآليت يعني حلفت أن أخبرك به، قال: وما ذاك؟ قال: إنك لن تستخلف، ثم قال عبد الله بن عمر: أرأيت لو أن لك راعيا يرعى إبلك، أو غنمك، ثم أتى وتركها، سيكون قد ضيع، فوافق له قولي، ثم سكت ساعة، فقال: والله لئن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإذا لم أستخلف فقد ترك ذلك من هو خير مني النبي صلى الله عليه وسلم. 

وجعل ـ كما عند البخاري ـ الصحابة يقولون: استخلف، فقال كما عند مسلم قال: ” أتولى أمركم حيا وميتا، فإن الله لن يضيع دينكم، وإنما الخلافة في هؤلاء الستة، فذكر عثمان وعليا وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن، فدخل عليهم شاب ـ كما عند البخاري ـ فأثنى عليه، قال: أبشر ببشرى الله لك، وذكر ثناء طويلا ـ كما عند البخاري ـ فلما ولى الغلام وعمر يتألم إذا بإزاره يجر في الأرض، فقال ادعوا لي الغلام، فقال: “يا ابن أخي ارفع ثوبك” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في سكرات الموت، “ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربك”

فيقول ابن عباس ـ كما عند البخاري ـ قال: دخل رجل من خلفي، فرأيت فإذا هو علي بن أبي طالب، فترحم علي على عمر، ثم قال: ـ ولتسمع الرافضة ثناء علي رضي الله عنه على عمر فتبا وخزيا لهؤلاء الرافضة ـ فقال علي: والله ما خلفت أحدا” يعني ما تركت أحدا “والله ما خلفت أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله من عملك يا عمر، ووالله لأظن أن الله سيجمعك بصاحبيك لأني كثيرا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر)، نعم، هذا هو قدر عمر عند علي، بل ثبت كما حسنه الهيثمي في مجمع الزائد عن علي قال: ” إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر” هذا قول علي رضي الله عنه.

مات رضي الله عنه، وقد جاء عند الطبراني بإسناد قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح سوى أسد بن موسى وهو ثقة، من أن الطبراني ذكر من بين رواته وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ” لو وضع علم الناس في كفة ميزان، ووضع علم عمر لرجح علمه بعلمهم”، قال وكيع وهو الراوي عن الأعمش قال الأعمش فأنكرت ذلك، فأتيت إلى إبراهيم فقال: لقد قال ابن مسعود أعظم من ذلك قال: “إني لأظن أن تسعة أعشار العلم قد ذهب يوم أن ذهب عمر”

لكن ليعلم: أن دين الله باق، لا يتعلق بأحد، ولكن من باب بيان فضل عمر وأنه كان فاهما بالنصوص، كما أنه محدث كما مر في الأحاديث السابقة.

هذه فضائل ومزايا عمر رضي الله عنه.

ولذلك في صحيح البخاري قال عمر بن الخطاب لابنه عبد الله: “اذهب إلى عائشة، وقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه أن يدفن عمر مع صاحبيه فيقول: أتيت إليها، فاستأذنتها، وسلمت عليها، فوجدتها قاعدة تبكي، فقالت: والله لقد أردته لنفسي، ولأوثرن به لعمر على نفسي، فرجع عبد الله، وكان عمر رضي الله عنه قال: اذهب فقل لها قل يقول عمر، ولا تقل أمير المؤمينن” قال الشراح من باب أن يبين لها من أن هذا ليس من باب الأمر، وحتى لا تحابيه، فالشاهد من هذا أنه لما رجع قال عمر: ” أسندوني” يعني ارفعوني، قال: ماذا عندك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت، عمر فرح بذلك، ثم كما عند الطبراني بإسناد حسنه الهيثمي في المجمع: كان عمر قد وضع على فخذ ابنه عبد الله بن عمر، فقال ضع رأسي على الأرض، فيقول عبد الله: فوضعت رأسه على ساقي، فقال: ضع رأسي على الأرض، فيقول: فوضعت رأسه، فألقي رأسه ولحيته على الأرض، ثم قال: “ويلك وويل لأمك يا عمر إن لم يغفر الله لك يا عمر”

سبحان الله!

ولذلك في صحيح البخاري لما أثنوا عليه قال لما أثني عليه قال: “وددت أنها كفاف، لا لي، ولا علي”

يقول: “والله لو أن لي طلاع الأرض ـ يعني ملأ الأرض سميت طلاع؛ لأن الشي يطلع منه من الامتلاء ـ والله لو أن لي طلاع الأرض، لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه” يعني قبل أن أرى عذاب الله، “ويلك وويل لأمك يا عمر إن لم يغفر الله لك ياعمر”.

فكثير من الناس في لهو وغفلة، سنبابات سناب شات، تويتر، فيس بوك في غفلة ومرح ولهو، وقد يصحب ذلك آثاما كثيرة وكأنهم ضمنوا الجنة، هذا حال عمر رضي الله عنه.

ثم قال رضي الله عنه كما عند البخاري: ” إذا قضيت” يعني مت “فاحملوني وقولوا لعائشة يستأذن عمر، فإن أذنت لي، فأدخلوني، وإن رددتني فردوني إلى مقابر المسلمين” فتوفي رضي الله عنه.

فتبا للرافضة وأخزى الله الرافضة الذين يسبون عمر رضي الله عنه.

مناقبه كثيرة، ومناقب أبي بكر أيضا كثيرة، لكن نقتصر على ما ذكرناه.