خطبة ( نور على نور ) خمس وعشرون فائدة تضيء لك الطريق إن أردت ( النور )

خطبة ( نور على نور ) خمس وعشرون فائدة تضيء لك الطريق إن أردت ( النور )

مشاهدات: 635

خطبة

( نور على نور )

خمس وعشرون فائدة تضيء لك الطريق إن أردت ( النور )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“نور على نور”

هذا النور لما كان بهذه المنزلة العظيمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يرزقه هذا النور: (اللهم اجعل من أمامي نورا، ومن خلفي نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، واجعل في بصري نورا، وفي سمعي نورا، وفي قلبي نورا، واجعل لي نورا)

يقول ابن القيم كما في الوابل الصيب يقول: ولذا كان هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم ليستغرق هذا النور جميع  ذرات جسده الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطا به، بل دعا صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل ذاته صلى الله عليه وسلم أن يجعلها نورا، ولذلك هذا النور يقول ابن القيم كما في الوابل الصيب: ولذا فدين الله نور، وكتابه نور، ورسوله صلى الله عليه وسلم نور، ودار الله وهي الجنة امتلأت بالنور، والله جل وعلا نور السموات والأرض، وحجابه النور، والأرض يوم القيامة تشرق بنوره، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} قال: فما ذلكم النور من نور شمس،  ولا قمر؛ لأن الشمس تكور، والقمر يذهب نوره، فإذا جاء الله لفصل القضاء أشرقت الأرض بنور ربها، هذا النور نور على نور.

عبد الله:

سل ربك أن يرزقك هذا النور، وأن يجعله في قلبك، وأن يملأ قلبك به، فهذا النور هو ما أودعه الله عز وجل في قلب عبده المؤمن من محبة الله من معرفة الله، من تعظيم الله، من خشية الله، من خوف الله، من رجاء الله هذا النور كلما عظم في القلب تزايد حتى يظهر هذا النور على وجه وبدن المؤمن، فإذا مات فإن نوره يوم القيامة يكون بين يديه في ظلمة الجسر، قال ابن القيم: ونور كل عبد يوم القيامة من حيث  القوة، ومن حيث  الضعف؛ لأن هناك من يكون له نور كالشمس وكالقمر وكالنجوم، كالسراج، وبعضه يضيء له نور أحيانا ينطفئ، فيقول قوة وضعف ذلك النور بحسب ذلك النور الذي في قلبه في الدنيا بحسب قوته، وبحسب ضعفه، قال: ولما لم يكن للمنافقين نور ثابت، وإنما هو نور ظاهر؛ لأنهم تزيوا بصورة أهل الإسلام، وفي قلوبهم الكفر، قال: فإنه يبدو لهم يوم القيامة ظاهرا لكنه يزول؛ لأن الله جل وعلا وصفهم بقوله {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَحالهم مع أهل الإسلام من حيث الظاهر في هذه الدنيا يصلون ويحجون، وهم مع أهل الإسلام في هذه العبادات الظاهرة، لكنهم فارقوا هذا الإسلام، فحالهم كحال من هو في ظلمة شديدة، وعنده نور، فانطفأ ذلك النور، ولذلك قال رحمه الله: لم يقل ذهب الله بنارهم، وإنما قال {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}؛ لأن النار تشتمل على الإضاءة وعلى الإحراق، قال: فبقيت نار النفاق والشكوك والشبهات تحرق قلوبهم؛ لأنهم فارقوا الإسلام، وكذلك يوم القيامة، تلك الشبهات، وذلكم النفاق الذي أحرق قلوبهم في الدنيا أوصلهم إلى نار تحرقهم يوم القيامة، وذلكم النور يذهب عنهم يوم القيامة.

ولذلك عبد الله كل ذلك مقدمة مني لكي أصل إلى أمر مهم وهو، وما مضى مهم، وكل شرع الله مهم، وكل مواعظ الدين مهمة، ألم يطرأ في بالك، وأنت تقرأ كلام الله جل وعلا، وهذه الآية نحتاجها في هذا الزمن، ونحتاج كل ما في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما صح عنه في هذا الزمن وفي أي زمن.

هذه الآية نحتاجها؛ لكي أدخل من خلالها إلى بعض ما يقع من المسلمين، ألم يطرا في بالك، وأنت تقرأ سورة النور ما معنى هذه الآية {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} الذي بعدها مقدمة الخطبة {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

{مَثَلُ نُورِهِ} مثل نور ما أودعه الله من الإيمان والخشية في قلب المؤمن  بما جاء به الوحي كهذا المثل {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} المشكاة هي الكوة في الدار بمثابة النافذة، قديما يضعون السراج في مكان نافذة في الجدار حتى ينحصر النور في ذلك المكان، {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} وهي الموضوعة في هذه الكوة {الزُّجَاجَةُ} من صفائها {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} مادة تلك الفتيلة التي تشعل النار {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} شجرتها  ظاهرة للشمس في أول النهار، وفي آخره يعني تصيبها الشمس أول النهار وآخره {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} وذلك لأن مثل هذه الشجرة قد صفت، فخلت من الكوادر مما يكدرها {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} الزيت يكاد يضيء، فكيف إذا مس النار؟!

ما الذي بعدها؟ {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، نور ذلك الزيت ونور تلك الفتيلة إذا أشعلت بهذا الزيت، فكيف يكون النور وكيف تكون الإضاءة؟ {نُورٌ عَلَى نُورٍ}

إذًا: صدر المؤمن كالكوة، الكوة ما الذي يها فيها؟ زجاجة، قلب المؤمن في صدره إذن شبه قلب المؤمن بتلك الزجاجة، لم؟ لأن الزجاجة من أوصافها ماذا؟ أنها صافية، وذلك لأنه يعرف الحق لصفاء ما في قلبه، من صفات الزجاجة أنها رقيقة، وهذا هو قلب المؤمن رحيم  لطيف بإخوانه، من صفات هذه الزجاجة أنها صلبة ليست لينة، أنها صلبة، وكذلك المؤمن شديد على أعداء الله شديد على أهل البدع والأهواء والخرافات، سبحان الله! {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، قال ابن القيم كما في الوابل الصيب قال: وليست أي صفة تعارض صفة أخرى، بل كل صفة تعضد الصفة الأخرى، هذا القلب الذي في صدر المؤمن بمثابة تلك الزجاجة التي في الكوة، تلك الزجاجة التي فيها الفتيل توقد من ماذا؟ توقد من شجرة شجرة الزيتون {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} ذلكم النور الذي في قلب المؤمن يقول ابن القيم: مادته من الوحي من القرآن من السنة، ذلكم الزيت المضيء الذي يكاد يضيء إذا أشعل بتلك القتيلة نور على نور، نور ذلك الزيت مع نور الفتيلة إذا أشعلت نور على نور، كذلك نور المؤمن نور على نور، نور الفطرة الصافية مع نور الوحي، ولذلك قال ابن القيم: ولذلك المؤمن يقول سبحان الله! المؤمن لصفاء قلبه ولنور قلبه يعرف الحق يعرفه من حيث الإجمال يعرف الحق، وإن لم يسمع فيه أثرا، فإذا جاء ذلكم الأثر الذي من الشرع وافق تلك الفطرة، وافق تلك الفطرة، فالفطرة تأتي ببيان الحق على وجه الإجمال، والشرع يأتي بذلك مفصلا {نُورٌ عَلَى نُورٍ}.

قلت: وهذا ما أريد أن أتحدث عنه في مثل هذا الزمن: بعض الناس يقول  والله ما عاد عرفنا الصح من الغلط في هذا الزمن إنسان يحرم، وإنسان يحلل، إنسان يقول كذا بالإثبات، وآخر ينفي، نعم؛ لأن أمثال هؤلاء ممن يقول هذا القول لم يأخذ العلم الشرعي من أهله المعتبرين المحققين، وإنما يقبل كل شيء كل ما أتاه مما يتعلق بالدين قبله، وهذا يذكرني بكلام ابن القيم في الوابل الصيب يقول: “إزاء هذا القلب الذي هو النور إزاءه قلبان: قلب حجري صلب” بعض الناس قلبه ليس كالقلب الأول القلب الأول قلب نوراني، نور، يقول: ” قلب حجري صلب” قاسي، لم؟ قال: “لأنه لا يعرف الحق، فليس عنده صفاء، ولا رحمة في قلبه بالخلق ما يرحم؛ لأن  قلبه قلب قاسي، فليس بصاف حتى يعرف الحق، ويعرف الشرع، وليس بقلب رقيق، وإنما هو قلب قاسي، فلا يرحم الخلق بخلاف صفات المؤمن”

القلب الثاني: قال: “قلب مائي ضعيف”، نعم بعض الناس قلبه قلب مائي ضعيف يقبل أي شيء يقبل أي صورة يقبلها، يخالط أي شيء، يسمع أي شيء، يقبله سواء كان طيبا أم خبيثا، وهذا هو حال بعض من الناس نسأل الله السلامة والعافية يقول ما أدري ما هو الصح من الغلط، والله لو بقيت فطرتك على ما هي عليه، وذلك بأن تلقيت العلم الشرعي من أهله، والله من حين ما تسمع الكلمة يقع في نفسك شيء تقول والله هذا ما يوافق الشرع، قلبي لا يطمئن إليه، نعم، ولذلك معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام كما قال صلى الله عليه وسلم سئل كما عند أبي داود كما ثبت عنه لما قيل له: كيف أعرف الحق من الباطل؟ فقال معاذ: ” فإن على الحق نورا” فإن على الحق نورا، ولذلك بعضهم يقبل أي شيء، ويقول والله ما أدري ما الصح من الغلط، والله لو أخذت العلم الشرعي من أهله لعرفت بإذن الله، ولكن بعض الناس يقول فلان نفع الله به، نفع الله به، ما مصدر هذا النفع؟ هل ما نفع على ما جاء به شرع الله على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم أنه تأثير وقتي سرعان ما يزول، إما بانحراف أخلاقي، وإما بانحراف فكري

“نفع الله به”، ثم إذا نفع الله به انظر ما لديه من الطوام، والمصائب في دين الله، ولذلك فالناس الآن في مثل هذا الزمن يأتي أي رسالة دينية ما يدرون عنها، نسخ ولصق وإرسال، أي مقطع يأتي نسخ ولصق وإرسال، ثم بعد حين إذا بأحد العلماء المحققين يأتي ويفند خطأ تلك الرسالة، أو ذلك المقطع، ويقول بعض الناس والله ما عاد ندري ما الصح من الغلط، خذ  العلم من أهله المعتبرين حتى يحصل لك ماذا؟ “نور على نور”

معاء بن جبل قال: “فإن على الحق نورا”، ولذلك يقول ابن القيم: هذا قلب  مائي ضعيف، ضعيف يتأثر بأي شيء يأتي إليه يتأثر، يخالط خبيثا أو طيبا يقبله، فهذا ضعيف لا يمدح، وذلكم قلب قاسي مظلم لا يمدح.

يمدح من؟ صاحب القلب مثل الزجاجة صافية؛ لأنه يعرف الحق لما في قلبه من نور الشرع، رقيقة؛ لأنه يرحم إخوانه، وأعظم ما يرحم المسلم إخوانه أن يرحمهم في دين الله عز وجل، وأن يكف لسانه وظهوره وبروزه عن دين الناس؛ حتى لا يضلهم بما يقوله من الخرافات والخزعبلات.

إذن قلب رقيق؛ لأنه رحيم، وقلب أيضا صلب هو لا يتوانى مع أعداء الله من المبتدعة والضالين، ولذلك بعض الناس مما حصل في قلبه من الظلمة؛  لأنه قلب مائي ضعيف يقول لماذا تردون على أهل البدع، لا تبخل في دين الله عز وجل، بعض الناس يقول: لماذا تردون ولماذا تبين هذه الأخطاء؟

سبحان الله! راجع قلبك عبد الله، حاسب قلبك عبد الله، إن أردت النور على النور نور على نور والله لا حياة لك إلا مع هذا النور، نعم، ولذلك يقول ابن القيم كما في الوابل الصيب يقول: ” ما يمكن أن يعيش آدمي ولا حيوان إلا في نور” لا يعيش أي حيوان إلا في نور، ما يعيش في ظلمة، الحيوان لا يكون إلا في نور، هذا نور حسي، ولذلك: ما ظنكم بنور الشرع؟!  تأمل معي ولذلك يذكر الله عز وجل الحياة مع النور {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} هذه الحياة {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} هذا النور، سبحان الله! جمعت الحياة مع النورقال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا} سماه روحا؛ لأن به حياة {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا}

قال ابن القيم: بجمع بين الحياة وبين النور؛ لأنه لا يمكن أن يعيش أحد من غير نور، فالحياة مع النور متلازمان قال: فأمة فقد فيها نور الوحي أمة ميتة، وقلب فقد منه نور الوحي قلب ميت، قال رحمه الله: وبقدر ما في قلبك من هذا النور تصدر أقوالك وأفعالك، وعليها النور بحسب ما في هذا القلب، ويوم أن تصعد روحك إلى السماء حال الموت، وتفتح لها أبواب السماء حتى يكتبها الله في عليين أرواح المؤمنين على حسب ذلك النور الذي في قلوبهم، قال ولذلك: لا تصعد أرواح الفجرة الكفار، لا تصعد؛ لأنه ليس بها نور، وإنما تطرح في الأرض طرحا كما في حديث البراء الطويل ولذلك {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُلم؟ لأنها صادرة من نور فأقوالك وأفعالك عليها من النور بحسب ما في قلبك في هذه الدنيا، روحك تصعد إلى السماء، وتفتح لها أبواب السماء، وتصعد بحسب ما في قلبك من هذا النور، نورك يوم القيامة في الظلمة على الجسر على متن جهنم نورك على قدر هذا النور الذي في قلبك.

انتبه عبد الله: نور على نور، ليكن قلبك بمثابة هذا القلب، لا يكن قلبك قلبا قاسيا مظلما حجريا، وانتبه وهذا الذي يقع فيه وللأسف بحسب العاطفة الدينية، وهي عاطفة محمودة، العاطفة الدينية محمودة، لكن إذا لم تربط بالشرع فهي عاطفة مذمومة تجر صاحبها إلى ويلات، وانتبه لا يكن قلبك قلبا مائيا ضعيفا فتقبل أي شيء، فدينك أعظم ما يكون لديك، والموفق من وفقه الله.

أسأل الله أن ينير أقوالنا وأعمالنا وبصائرنا وقلوبنا وأرواحنا، وأن ينير لنا في محشرنا وفي قبورنا.