خطبة
هذه ( الآلام ) التي تصيبك ستجعلها ( ملذات) إن سمعت هذا الكلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الألم، وما أدراكم ما الألم؟
إذا كنت تتألم من وظيفة مزعجة، أو لم تحصل على وظيفة مناسبة، أو بك هم مقلق، أو تعيش في عيشة ضيقة، أو تخاف في المستقبل من أمر مخوف، أو بك مرض متعب مؤلم ما تدري لعل تلك الآلام والمحن والبلايا لعل الله جل وعلا أراد بك خيرا.
يقول ابن القيم كما في كتابه شفاء العليل: الملائكة لما سألت الله عز وجل أتجعل في الأرض من يفسد فيها، ويسفك الدماء خفيت عليهم المصالح، فكيف بك أنت، وأنت لا تحيط بالله علما.
ويقول رحمه الله: ” فسبحان الله الذي أحسن كل شيء خلقه”
ويقول رحمه الله كما في كتابه شفاء العليل: ” إذا كانت الآلام والمحن والبلايا كذلك إذا كانت كذلك، فتلك الآلام إما إحسان وفضل من الله، أو عدل وحكمة من الله، أو نزلت بك تلك الآلام لإصلاح وتهيئة يصلحك الله، ويهيئك بلذة عظيمة قادمة، أو أن تلك الآلام التي نزلت بك دفعت عنك آلاما أصعب، أو أن تلك الآلام قد تولدت من ملاذ سابقة، فتلك الملاذ هي أسباب هذه الآلام”
نعم، من بطر فيما مضى واستخف بنعم الله عز وجل، ولم يراع لها شأنا وأشبع غرائزه، وغفل عن أمر الله تلك الملذات تتولد عنها هذه الآلام فيقول رحمه الله مبينا أن الملذة قد تورث ألما فيقول: ” كم في طلوع الشمس مع أن طلوعها مفرح كم في طلوع الشمس من ألم لحاضر ومسافر، وكم في نزول المطر من أذى كما قال جل وعلا {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} قال: وأعظم لذات بني آدم أعظم ما يتلذذ به ابن آدم في هذه الدنيا الأكل والشرب واللباس والجماع والمناصب، قال: ” وتلك اللذات هي سبب كل ما ينشأ لبني آدم من الآلام، فكل آلام بني آدم ناشئة من تلك الملاذ لكن قال: ” الآلام وإن عظمت فهي سبب النعم”
فتأمل تلك الآلام التي يلقاها طالب العلم الشرعي، وتلك الآلام التي تكون من الصفات الحميدة التي يتحلى بها المسلم من الصبر والحلم والإحسان ونحو ذلك كم تورث لهؤلاء تلك الآلام أورثت لهم تلك الملاذ، فإذا كانت الآلام ـ أنت تتأمل أنت تتأمل ـ إذا كانت تلك الآلام تورث ملاذا، فكمال العقل أن يصبر العبد عليها، ويقول تأمل تلك الآلام والأوجاع والأمراض على بدن الإنسان، فيقول فالحمى إذا أقبلت على مريض استبشر الأطباء بها، لم؟ لأنها تنضج مواد فاسدة في البدن ما لا ينضجه أي دواء، ويقول: تتبعت فوائد المرض، فوجدتها تزيد على مائة فائدة.
ويقول: أما تلك الآلام على الأبدان، فإنها لزائج على القلب إذا كان ذلكم القلب حيا صالحا، قال: فتلك الآلام التي تنزل بك يقول رحمه الله تلك الآلام هي أعظم النعم عليك، لم؟ قال: لأنها هي أسباب وجود النعم، قال: ولذلك قالت العقلاء قاطبة النعيم لا يدركه أحد بالنعيم واللذة لا يدركها أحد باللذة، فيقول رحمه الله: فسبحان الله الذي خلق من الأضداد أضدادها، وما يخالفها، أخرج الحي من الميت، والميت من الحي، والرطب من اليابس، واليابس من الرطب، والألم أخرجه من اللذة، واللذة خرجت من الألم.
ثم قال: إن مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، لم؟ سبحان الله! لأن رحمة الله سبقت غضبه، والنعمة متقدمة على البلية، والشر ليس في أفعال الله، ولا في صفات الله، إنما الشر في مفعولات الله، في مخلوقات الله، فيقول: الله لم يخلق تلك الآلام عبثا وسدى، لا، ما خلقها إلا لأنها تضمر لذة لك، وأنت عبد الله كما قال أنت من لوازمك الفقر والحاجة، ولو لم يكن كذلك لكانت هذه الدنيا دار بقاء، والله لم يجعلها دار بقاء، فيقول رحمه الله: ما أمرض الله جل وعلا عبده إلا ليشفيه وما حرمه إلا ليعطيه لكن النفوس الجاهلة تجهل حكمة الله جل وعلا، لم؟ قال: لأن الحمد من لوازم ذات الله، ولا يكون الله إلا محمودا فافتتح خلقه بالحمد {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وأنهى هذا الكون بالحمد {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهو جل وعلا يقول كما وسع علمه كل شيء ورحمته وسعت كل شيء، فحمده كذلك، فلم يشرع الله ولم يقدر الله شيئا إلا بحمد منه جل وعلا.
ثم قال رحمه الله يقول: الابتلاء كائن في هذه الدنيا ولا محالة، لم؟ لأن الله لما خلق الكون خلقه للابتلاء، لما جعل الأرض وما عليها زينة خلقها للابتلاء، لما خلق الموت والحياة جعل ذلك للابتلاء {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}
فقال رحمه الله: كما في طريق الهجرتين، يقول رحمه الله: فإن أتت تلك الآلام عليك، فجعلت العبد يقبل على الله كان ذلك علامة لسعادته، ويقول: الشدة بتراء لا دوام لها، وإن طالت، يقول: لا دوام لها، وإن طالت فإنها إن أقلعت تقلع عنه، وقد عوضه الله جل وعلا أجل من هذا إذ كان بعيدا عن الله فقربه الله، كان بعيدا عن الله فانطرح بين يدي الله؛ ولذلك قال رحمه الله كما ذكر البعلي في مختصر الصواعق، كتاب لابن القيم، يقول: جعل الله جل وعلا الشدة بين فرجين فرج قبلها، وفرج بعدها، وجعل البلية بين عافيتين، وجعل العسر بين يسرين، فليس هناك بلاء دائم، ولا عسر دائم، ولا مشقة دائمة، لم؟ لأن الشر ليس إلى الله، الشر ليس إلى الله، والخير في أفعاله وفي صفاته والنعم والنعم من مقتضى صفاته جل وعلا، لكن الشر ليس إليه، فيقول: إن العبد لينظر إلى الشيء، فيقول إنه نقمة لكن في باطنه النعمة، يقول: وكلما عظم البلاء وعظمت الآلام كلما كانت اللذات أعظم وأعظم.
وقال في كتابه الوابل الصيب: عليك بذكر الله، فذكر الله ييسر كل عسير ويسهل كل صعب، ويخفف كل محنة، فيقول: ما ذكر الله جل وعلا ما ذكر الله على شيء صعب إلا تسهل، ولا على عسير إلا تيسر، ولا على كربة إلا انفرجت، قال: فذكر الله هو الفرج بعد الشدة، وهو اليسر بعد العسر، نعم، ومن ذلك قلت: ومن ذلك أن تدعو الله كما شرحت ذلك في الخطبة الماضية الذي في الصحيحين الدعاء ( اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) وكذلك ما ذكرته من دعاء شرحته في الخطبة التي قبل الخطبة الماضية ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)
وإن كنت تخشى من أمر تتوقع أن يقع بك، أو أن هناك شيئا يهددك في الحاضر، أو في المستقبل كرر: ” حسبي الله ونعم الوكيل” يقول ابن عباس رضي الله عنهما كما عند البخاري: ” قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل لهم {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، ما الثمرة؟ {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}
ويقول رحمه الله كما في إغاثة اللهفان: إذا أراد الله بعبد أن يهيئه إلى أعلى المقامات، وإلى أحسنها هيأ له من الآلام ما يتوصل بهذه الآلام إلى تلك المقامات الرفيعة، يقول: تأمل أهل الجنة، ما وصلوا إلى الجنة إلا بعد أن تقدمهم أهوال في البعث وفي النشور وما شابه ذلك مما يكون في يوم القيامة.
يقول: تأمل حال النبي عليه الصلاة والسلام أخرج من مكة، وقد قاسى ما قاسى، وعانى ما عانى عليه الصلاة والسلام، لكن تلك الآلام أعقبت له مدخلا كريما عظيما لما دخل مكة، قال: وكذلك حال الأنبياء عليهم السلام
فيقول رحمه الله كما في كتابه الفوائد ـ ولعلي أختم بهذاـ يقول رحمه الله يقول: ” تأمل الأب الرحيم الحريص على ابنه، وعلى مصالحه، فإنه إن قيل له يقطع عرقه من أجل أن يخرج الدم الفاسد قطعه، وإن قيل ستبتر يده ليبق جسده قال تقطع، قال ويحمي عنه أمورا من الدنيا لمصلحته إذا خاف عليه الفساد، يقول: لا بخلا منه وإنما لمصلحته، فيقول ابن القيم: فأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين أرحم بعباده منهم لأنفسهم، ومن أمهاتهم، ومن آبائهم، لكن يقول من يعرف ذلك؟ يعرف ذلك من عرف أسماء الله وصفاته جل وعلا، لكن من جهل أسماء الله وأفعال الله جل وعلا وما له من الصفات اعترض على قدر الله جل وعلا، فيقول: لو أنه قيل لهم اختاروا لأنفسكم خيرا ما استطاعوا فيقول فلا هم لربهم عرفوا، ولا هم لمصالحهم تحصلوا، قال: والله الموفق، والله الموفق.
ثم قال رحمه الله قال: وقضاء الله ما يجري بك من الآلام كما أسلفت في مقدمة الخطبة مرض تعب هم مزعج وظيفة متعبة لم تحصل على وظيفة مناسبة ضاقت بك الحياة، قلت منك الأموال، خسرت أموالا طائلة في تجارة، قضاء الله لك كله خير، يقول: فقضاء الله دائر بين الحكمة والمصلحة، والعدل والرحمة، يقول وتأمل الدعاء المشهور عند أحمد: “اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك” ما قضيته من قضاء به أذى أو تعب أو مشقة، فيقول رحمه الله: فكل ذلك خير ولكن لمن؟ للمؤمن كما جاء في الحديث الذي عند مسلم: ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن”
فيقول رحمه الله: إذا عاش العبد في هذه الحال عاش في جنة قبل جنة الآخرة ما هي؟ قال: جنة الرضا عن الله ،فلا يزال يرضى عن الله، فيقول فيكون في نعيم.
قلت: أقرب ذلك حتى لا تنزعج كثيرا مما قد يصيبك في هذه الدنيا، أو ما يفوتك من هذه الدنيا، النبي عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي وغيره لما أوصى ابن عباس رضي الله عنهما، وكان غلاما قال: ” واعلم أن الأمة ـ يعني البشرية كل البشر كل الخلق ـ قال: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشي لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف”
هذا هو الإيمان بالقضاء وبالقدر، ولذلك في السنن ماذا قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه فيما يتعلق بالإيمان بالقدر قال: ” وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك” ما أصابك مما لم ترغب به نفسك لم يكن ليخطئك لم يكن ليذهب إلى غيرك، هذا قضاء الله، “وما أخطأك لم يكن ليصيبك” ما فاتك من هذه الدنيا والله فاتتني والله مثلا تجارة أو مربح أو ما شابه ذلك يقول يا ليتني بعت هذه السلعة قبل أن أخسر أو قبل أن تحصل خسارة أو ما شابه ذلك، ما فاتك شيء من الدنيا من أرباحها، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، لم؟ لأن هذا هو قضاء الله.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من عباده الموفقين الذين يشكرون الله عند النعماء، ويصبرون ويرضون عن الله عند الضراء.