خطبة (1)
نوادر عن أفضل أيام الدنيا في حديث(ما من أيام العمل فيها أفضل من هذه العشر)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر ( قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وكذلك أخرج قبل هؤلاء الإمام أحمد في مسنده
وهذا اللفظ هو لفظ أبي داود وذكرته لأنه هو المشتهر ، ونأتي على جمل هذه الحديث لبيان فضله ولبيان فضل هذه الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة
قوله عليه الصلاة والسلام ( ما من أيام ) في رواية أحمد ( من من الأيام العمل )
( ما من أيام ) هنا تأكيد لفضيلة هذه الأيام وهي أيام العشر ،ولذلك أكد عليه الصلاة والسلام فضلها بمزيد حرف ” من ” الزائد لأن الحروف الزائدة تأتي للتأكيد ، الأصل : ما أيام فأتى بكلمة ” من ” ( ما من أيام ) لبيان وزيادة فضل هذه الأيام
ولذا : ثبت عند البزار من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( أفضل أيام الدنيا أيام العشر ) يعني عشر ذي الحجة
فهي أفضل أيام الدنيا
ولذا كما سبق في خطب سابقة اختلف العلماء هل هي أفضل أم العشر الأواخر من شهر رمضان ؟
بعضهم يرجح هذه العشر وبعضهم يرجح العشر الأواخر من شهر رمضان
شيخ الإسلام يقول: إن أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان ، أما الليالي ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.
وهنا ندخل إلى مسألة وهي :
هل مجموع العشر الأوائل من شهر ذي الحجة بأيامها ولياليها أفضل من مجموع أيام وليالي العشر الأواخر من رمضان ؟ نعم
مجموع أيام كما قال ابن رجب في لطائف المعارف قال ذكر المتأخرون من أن أيام وليالي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة بمجموعها أفضل من مجموع أيام وليالي العشر الأواخر من شهر رمضان
ولو قال قائل : أيدل هذا على أن ليالي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة أيدل هذا على أنه ليس لها فضل ؟
الجواب عن هذا أن لها فضلا ، ولذا لو صح حديث جابر لكان فيصلا وهو لفظه ( ما من ليالي أفضل من ليالي العشر ) لكنه لا يصح مع ذلك كله فانتبه لاشك أن أيام يعني النهار من طوع الفجر الثاني من أذان الفجر إلى أذان المغرب لا شك أن اليوم من أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة لاشك أن له فضيلة عظمى باعتبار هذا الحديث الذي ذكر ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام )
لكن الليالي لها فضل، بدليل كما قال ابن رجب قال جماهير المفسرين على أن قول الله عز وجل { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } أنها هي ليالي عشر ذي الحجة
وهذا المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما والصحيح عنه خلافا لما ذكر عنه من أنه قال المراد ليالي عشر الأواخر من رمضان قال والرواية عنه ضعيفة والصحيح عنه وعن الجماهير أن الله أقسم بليالي عشر ذي الحجة
فدل هذا على أن لها فضلا ومزية لكن لا تساوى لا تساوى بنهار أيام العشر
لو قال قائل : ما مزية هذه العشر حتى تكون أفضل أيام الدنيا ؟
فالجواب عن هذا كما قال ابن حجر في الفتح قال لأن أمهات العبادات تقع فيها
ما هي أمهات العبادات ؟ قال الصلاة والصوم والصدقة والحج، هذه أمهات العبادات فدل هذا على فضلها
ولذلك سعيد بن جبير كما عن الدارمي وثبت وهو الراوي عن ابن عباس هذا الحديث ورواه عنه مسلم البطين ، البطين ليس أبا لمسلم وإنما هو لقب له لعظم بطنه عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام )
كان سعيد بن جبير إذا دخلت العشر يجتهد اجتهادا ما يكاد أن يطيق هذا الاجتهاد ، وما هذا إلا لمزية هذه العشر
( ما من أيام العمل الصالح )
العمل الصالح : ما هو العمل الصالح ؟
أي عبادة يرضاها الله من قول أو فعل فهي عمل صالح ، إذن في هذه العشر يجتهد بسائر أنواع الطاعات بسائر أنواع الطاعات ولذلك بوب ابن حبان في صحيحه فقال باب استحباب الاجتهاد بسائر أنواع الطاعات في هذه العشر
فالعمل الصالح شامل من صوم من ذكر ، من قراءة قرآن عمل صالح شامل ، لكن ليعلم وهو يتناقل في وسائل التواصل من أن من عبد الله في هذه العشر يوما واحدا فكأنما عبد الله سنتين ، ومن بلغ هذا الحديث إلى أناس فكأنه عبد الله ثمانين سنة ، هذا لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام ولا يصح حديث وقد جاء عند الترمذي لا يصح أن صيام يوم من أيام العشر أنه يعدل سنة ، وأن قيام الليل يعدل بقيام ليلة القدر
ليالي العشر لا يصح هذا
ولم يصح أن الصيام ليوم من أيام العشر يعدل سنتين أو أن العبادة تضعف بسبعمائة ضعف أو أن الصوم في يوم واحد يعدل بألف يوم فيما سواه
هذا لا يصح
الصيام مستحب وهو الصحيح ودع عنك ما يذكر مما يقال لا يستحب الصوم بل إن بعضهم بدع فقال من صام في هذه العشر فهو مبتدع
سبحان الله !
النبي عليه الصلاة والسلام أنهى عن الصوم ؟ قال ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام )
بل جاء عند أحمد وأبي داود والنسائي عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يصوم تسع ذي الحجة وهو حديث ثابت ، وعلى افتراض أنه لا يصح فالعموم هنا واضح أكد عليه الصلاة والسلام بـ ” من” وأتى بـ ” ال ” المحلاة في العمل الصالح
فاجتهد وصم في هذه الأيام إن لم تستطع أن تصومها كلها فصم بعضها ولو ما تيسر لك
قال النووي والكلام كلامه قال النووي قال العلماء وقد يتوهم من ذلك ان الصيام مكروه قال لا ، بل قالوا والقول قول النووي يعني قال العلماء بل قالوا يستحب استحبابا شديدا استحبابا شديدا أن يصام هذه الأيام ؛ لحديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يصوم تسع ذي الحجة قال ويؤكد ذلك ما جاء في صحيح البخاري ( ما العمل الصالح أفضل منها في هذه الأيام )
فدل هذا على أنه يستحب لك أن تصوم هذه الأيام أو أن تصوم بعضها ولاسيما أن تصوم يوم عرفة ، فقوله عليه الصلاة والسلام ( ما من أيام العمل الصالح فيها )
رواية الترمذي ( فيهن )
( ما من أيام العمل الصالح ) قال الطيبي العمل مبتدأ خبره أحب خبره أحب ، وعندنا ” ما ” تتطلب اسما وخبرا ما من أيام أصلها ما أيام ، أيام اسم ما ؛ لأنها تعمل عمل ليس وجملة المبتدأ والخبر ( العمل الصالح أحب ) هي في محل خبر لـ ” ما “
إذن ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله )
سبحان الله ! أحب إلى الله ، العمل الصالح يعني غير ما ذكر من الصيام : الذكر الذكر ، ولذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في مسند الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما ثبت عنه ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )
بل جاء عند الطبراني بإسناد ثابت لشواهده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل )
فأكثر في هذه الأيام من قول سبحان الله الحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام )
( أحب إلى الله )
سبحان الله ! العمل محبوب في هذه الأيام بل إن العمل في هذه الأيام إذا أتي به ابتغاء وجه الله وعلى مقتضى سنة نبي الله عليه الصلاة والسلام فإنه يكون عملا مزكى ، أزكى منه في غيره من الأيام الأخرى ، ولذلك عند الدارمي كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام ( ما من أيام أزكى عند الله وأعظم أجرا ) أعظم منصوبة لأنها معطوفة على أزكى الذي هو خبر لـ ” ما “
( ما من أيام أزكى عند الله وأعظم أجرا من عشر ذي الحجة )
إذن العمل فيها سبحان الله ! محبوب عند الله
رواية البخاري تدل على أنه أفضل ، رواية الدارمي تدل على أنه مزكى لأنه عمل زكي وأن الأجر فيه عظيم ، سبحان الله ! أحب إلى الله من هذه الأيام ، أحب إلى الله
يقول ابن رجب يقول العمل المقبول فيها إذا أودي أفضل من العمل الفاضل الذي يؤدى في غيرها
أضرب لك مثالا :
الذكر أفضل من الدعاء الدعاء أقل لو ذكرت الله ، الدعاء أقل في الأفضلية من الذكر ، الذكر أولا ثم الدعاء ، لو ذكرت الله في غير أيام ذي الحجة ودعوت الله في أيام ذي الحجة كان الدعاء أفضل من الذكر الذي هو في الأصل أفضل من الدعاء كان أفضل من الذكر الذي أوقعته خارج هذه العشر
سبحان الله ! كيف ارتقى العمل المفضول بأن يكون مساويا لعمل الفاضل أو أفضل منه بسبب هذا الزمن ، ولذلك قال ابن حجر كما في الفتح قال فيه بيان تفضيل بعض الأزمنة على بعض كما أن بعض الأماكن أفضل من بعض
الله فضَّل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى يقول كذلك تفضيل المسجد الحرام أفضل من النبوي والنبوي أفضل من المسجد الأقصى ، كما أن التفضيل حصل ووقع في المكان كذلك بعض الأزمنة فزمان عشر ذي الحجة أفضل من غيرها
سبحان الله ! ارتقى العمل المفضول إلى درجة العمل الفاضل أو أن يكون أفضل منه فسبحان الله كما قال السندي في تعليقاته وفي شرحه على سنن ابن ماجه قال الشيء قد يكون أفضل من نفسه باعتبار العمل الصالح مثل العمل الصالح
إذن هو لو ذكر الله خارج العشر عشر ذي الحجة وذكر الله في عشر ذي الحجة سبحان الله ! العمل هو هو هذا ذكر وهذا ذكر ، لكن هذا وقع خارج العشر وهذا وقع في عشر ذي الحجة ، فيفضل العمل الصالح على نفسه
سبحان الله ! الشيء يفضل على نفسه باعتبارات
فهنا فضل هذا العمل الصالح الذي أوقع في عشر ذي الحجة على العمل الصالح الذي هو ذاته الذي أوقع خارج عشر ذي الحجة بسبب أفضلية هذه العشر
أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قال ابن حجر قد توهم البعض فظن أن كلمة يعني أيام العشر أنها تفسير من أحد الرواة قال وهذا خطأ بل ورد في الروايات الأخرى التصريح من أن أيام العشر ذي الحجة وردت في الخبر وليس تفسيرا من أحد الرواة
( قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )
لعل الحديث إن شاء الله نكمله في الجمعة القادمة لأنه بقيت بقايا من الفضائل لهذا الحديث الذي تضمن فضل العشر الأوائل من شهر ذي الحجة ويكفي ما ذكرته من فضائل حتى تستفيد في مستقبل أيامك في هذه الأيام لتعمل العمل الصالح ابتغاء وجه الله عز وجل
وإذا أتت الجمعة القادمة بإذن الله تبين لنا أيضا مزيد فضل لهذه الأيام
أسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
خطبة (2)
نوادر عن أفضل أيام الدنيا في حديث(ما من أيام العمل فيها أفضل من هذه العشر)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر ( قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )
هذا الحديث لفظه لأبي داود وهو المشهور وأصله في صحيح البخاري وفي رواية الترمذي ( ما من أيام العمل الصالح فيهن ) بدل ( فيها ) ( من هذه الأيام من أيام العشر ) بدون كلمة ( يعني ) وفي رواية أحمد ( ما من الأيام أيام العمل فيه أفضل من هذه الأيام )
وأما نصه عند البخاري :
قال عليه الصلاة والسلام : ( ما العمل في أيام أفضل من هذه قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء )
وفي رواية عند البخاري ( ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه )
وفي رواية أخرى عند البخاري( ما العمل في أيام أفضل من هذا العشر ) بصيغة التذكير في إحدى النسخ من هذا العشر
إذن هذا الحديث رواه هؤلاء الأئمة
ولو قال قائل : وهي لطيفة ذكرها ابن رجب في كتابه فتح الباري وفتح الباري لابن رجب كتاب عظيم النفع ، سبحان الله ! فيه دقائق من المسائل العملية والفقهية لكنه لم يكمله ولو لأكمله فإنه قل أن توجد مسائل في كتب مثل هذا الكتاب ، ولا عجب فإن نفسه وطريقته كمدرسة ابن تيمية من أخذ بها وسار عليها في أي زمن نفع نفسه بإذن الله ونفع غيره لكنها تحتاج إلى مثابرة ومجاهدة ومصابرة وتعب بعد توفيق الله والموفق من وفقه الله
قال ابن رجب لعل مسلما لم يخرجه لأن من رواه عن الأعمش هو شعبة فشعبة رواه مع جماعة عن الأعمش ، والأعمش رواه معه عن مسلم البطين جماعة ومسلم البطين رواه جماعة أخرى روى جماعة من الرواة معه عن سعيد بن جبير ، ورواه جماعة مع سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهماعلى اختلاف في ذلك
قال ابن رجب يطول ذكره فلعل هذا هو السبب
( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) قال الحجاوي في الإقناع وهو كتاب في فقه الإمام أحمد
قال الحجاوي قال الشيخ ويقول الحجاوي مرادي بالشيخ في هذا الكتاب المراد بالشيخ إذا أطلقته إنما أريد بالشيخ بحر العلوم أبي العباس أحمد بن تيمية قال ابن تيمية قال استيعاب العشر الأوائل من ذي الحجة بالعبادة في الليل وفي النهار أفضل من الجهاد الذي لم تذهب نفس الإنسان ولم يذهب ماله فيه
قال وتعلم العلم وتعليمه تعلمه ونشره قال هو نوع من الجهاد بل قال هو الجهاد فدل على أفضلية هذه العشر، بل إن هذا اليوم وهو يوم الجمعة وقع في هذه العشر ، ومعلوم فضل يوم الجمعة ، ولذا نقل ابن حجر عن بعض العلماء وهو الداودي قال لم يرد النبي عليه الصلاة والسلام أن تكون هذه الأيام أفضل من يوم الجمعة لأن يوم الجمعة يقع في هذه الأيام فيكون بذلك يلزم من ذلك أن يفضل الشيء على نفسه .
قال ابن حجر وتعقب ولم يذكر من هو المعقب على كلامه قال أيام عشر ذي الحجة أفضل من أي يوم في غيرها سواء كان يوم الجمعة أو لم يكن فيقول : إذا وقع يوم الجمعة في العشر من ذي الحجة فإنه يفضل على يوم الجمعة الذي يقع في غيره ، لم ؟ قال لاجتماع الفضلين ، أي فضلين ؟ فضل يوم الجمعة وفضل يوم من أيام العشر
وهذه الأيام : الناس منصرفون عنها لا يعرفون قدرها هي أفضل أيام الدنيا كما ذكرنا ذلك في الجمعة الماضية وتدل عليه الأحاديث الصحيحة أفضل أيام الدنيا هي هذه الأيام الناس يغفلون عنها
بل قال الرحيباني رحمه الله في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى وهو في الفقه الحنبلي قال وتضعف الحسنة في زمان فاضل مثل ماذا مثل عشر ذي الحجة ، قال رحمه الله ومثل رمضان ومثل الأشهر الحرم ، قال وأيضا تضعف الحسنة في مكان فاضل كمكة والمدينة
وهنا لو نظرت إلى هذا اليوم وهو يوم الجمعة الذي وقع في العشر هذا على فضائل هو يوم الجمعة من حيث الأصل له فضله وقع في عشر ذي الحجة ووقع في شهر محرم لأن شهر ذي الحجة من الأشهر الحرم الفاضلة فإن كان الإنسان في مكة أو في المدينة زاد فضل آخر ، فدل هذا على أن مثل هذه الأزمنة ينبغي أن تستغل
ولكن : إذا قيل في مثل هذه الأيام والأزمان الفاضلة قال ابن تيمية بعض الناس إذا علم أن هناك أزمانا فاضلة ابتدع بدعا من تلقاء نفسه ظنا منه أنها تقربه إلى الله ، وهذا لا يجوز
إذن ليحرص المسلم على اغتنام ما حث الشرع على اغتنامه في الأزمنة دون أن تكون هناك بدع .
بل قال ابن رجب في كتابه فتح الباري قال : النوافل التي تقع في عشر ذي الحجة أفضل من النوافل التي تقع في أي عشر من الشهور الأخرى ، والفرائض التي تقع في عشر ذي الحجة أفضل من الفرائض التي تقع في عشر أخرى في سائر الشهور
الفرض أفضل من الفرض ، النفل أفضل من النفل
لكن قال رحمه الله قال وضرب مثالا ، قال لكن النفل لا يكون أفضل من الفرض فيقول صيام العشر الأواخر من رمضان أفضل من صيام العشر الأول من شهر ذي الحجة ، لم ؟ لأن هذه نافلة وتلك فرض ، لكن مع التساوي نفل في هذه العشر ونفل في عشر أخرى في أي شهر هنا أفضل ، فرض وقع في عشر ذي الحجة أفضل من أي فرض وقع في عشر شهور أخرى
بل لفضل هذه الأيام كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر من عليه قضاء من رمضان أن يقضيها في هذه الأيام قال ابن رجب في فتح الباري لفضل هذه الأيام ، وإن كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرى أنها تصام نفلا والقضاء يؤخره حتى يستغل هذه الأيام الفاضلة
وبما أن الحديث جرنا هنا ، سبحان الله ! بعض الناس ينكر على من يصوم هذه العشر وذكرت ذلك وطرفا منه بل العجب إن بعضهم يقول إن صيامها بدعة ، سبحان الله !
الأدلة خذها :
أولا : قوله عليه الصلاة والسلام ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله ) دخل الصوم في العمل الصالح في هذه الأيام
ثانيا : جاء عند علي بن الجعد في مسنده عن الحر أنه قال جاورت ابن عمر فكان يصوم هذه العشر
ثالثا : النبي عليه الصلاة والسلام في حديث هنيدة بن خالد عن امرأته أن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أخبرت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم تسع ذي الحجة كما عند أحمد وأبي داود وغيرهما
الأمر الرابع : أن عمر رضي الله عنه كما قال ابن رجب يأمر أن تقضى الأيام التي عليك في رمضان في هذه الأيام العشر ، لم ؟
لفضلها حتى تكسب الصوم ولو فرضا في وقتها لكن علي بن أبي طالب كما سلف كان يرى أن الفرض الذي هو القضاء يؤجل وأن عليك أن تستغل هذه الأيام بالصوم ، فدل هذا على ماذا ؟ على أنه ثابت بالسنة وثابت عن سلف هذه الأمة
بل تبويب وهو الأمر الخامس : تبويب المحدثين في كتبهم باب فضل صيام العشر ، باب استحباب صيام العشر
تبويب الفقهاء أيضا في كتب الفقه ، ولذلك قال النووي في المنهاج قال يستحب صيامها استحبابا شديدا
ولو قال قائل : جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لم يصم النبي عليه الصلاة والسلام العشر ؟
قال النووي لعل ذلك لعارض طرأ عليه من مرض أو سفر أو كما قال ابن حجر في الفتح أراد عليه الصلاة والسلام لو صامها أراد ألا تفرض على أمته خشية أن تفرض على أمته
أو أنها أرادت أنه صام بعضها ولم يصم كلها ، أو أنها لم تعلم بحاله عليه الصلاة والسلام وعلم غيرها ومن علم حجة على من لم يعلم
انتبه هذا بيان فضل صيام هذه الأيام وهي أيام فاضلة عظيمة جدا
فما تبقى من أيام صمها واحرص على صيام يوم عرفة ، أيام فاضلة
أتدرون أن ابن رجب في كتابه فتح الباري قال هل عشر ذي الحجة العمل فيها أفضل من أيام كثيرة في غير هذه العشر ؟
بمعنى أن العمل في هذه العشر هل هو أفضل من عشرين يوما أو من العمل في خمسة وعشرين يوما في غيرها ؟
مما يدل على أهمية هذه الأيام وعلى فضلها ، ولو صح من أن صيام كل يوم يعدل سنة أو العمل فيها يعدل سنة أو سنتين وأن العمل في يوم عرفة يعدل بعشرة ألاف يوم لكان فاصلا فدل هذا على أن هذه العشر لها مزيتها ولها فضلها
( قالوا يا رسول الله ولا الجهاد ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله )
في رواية كما قال ابن حجر قال رجل قال ولم أقف على تعيينه ( قالوا ولا الجهاد ) وفي رواية ( كرروها مرتين ) وفي راوية ( كررها ثلاث مرات) ( قالوا ولا الجهاد ولا الجهاد ولا الجهاد )
وهذا يدل على أن الجهاد عندهم وهو الجهاد الشرعي المنضبط بشروطه الذي يفهمه الصحابة أنه أفضل ما يكون بدليل حديث ما جاء في الصحيح حديث أبي هريرة : ( لما أتى رجل فقال يا رسول الله دلني على عمل أفضل من الجهاد قال لا أجده ثم قال عليه الصلاة والسلام أتستطيع إذا خرج المجاهد أن تقوم في مصلاك فتصلي ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر قال ومن يطيق ذلك يا رسول الله ؟ )
بل لتعلموا : أن بعض الصحابة فضل الحج لأنه يقع في هذه العشر فضله على الجهاد في سبيل الله
ولذلك لو قال قائل الذي في الصحيحين لما سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الأعمال قال ( إيمان بالله ورسوله ثم الجهاد ثم حج مبرور )
أخر الحج ، قال ابن رجب قال المراد من ذلك تقديم الجهاد الذي تذهب معه الأنفس والأموال لكن الحج يكون أفضل أو أن الحج أفضل من أي نوع من أنوع الجهاد حتى لو ذهب نفس الإنسان وذهبت أمواله
متى ؟ قال إذا كان هذا الحج قد استبق فيه العمل الصالح من أداء الواجبات وترك المحرمات وأداء السنن وكثرة الذكر ونفع الناس بالصدقة ونحو ذلك فيكون أفضل
دل هذا على أن هناك خلافا بين أهل العلم مما يدل على فضيلة هذه الأيام
( قالوا ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد إلا رجل ) مرفوعة لأن الاستثناء متصل لأنها بدل الأصل إلا عمل رجل فجعل المضاف إليه في مقام المضاف ، ويصح كما قال بعض العلماء إلا رجل الاستثناء غير متصل فيكون المعنى لكن رجل ، وفي رواية ( إلا من خرج )
( إلا من خرج فلم يرجع بنفسه وماله بشيء من ذلك )
سبحان الله !
يقول ابن المنير وهي أحمد بن محمد وهو مما علق على كتاب صحيح البخاري يقول إن قوله ( فلم يرجع ) دل على أنه لابد أن يرجع لكن ماله يذهب ، والصحيح أن قوله ( لم يرجع بشيء ) أن ( شيء ) نكرة في سياق النفي فتعم فتعم أنه لم يرجع أبدا لا بنفسه ولا بماله وتدل عليه النصوص الأخرى منها ما في صحيح أبي عوانة ( إلا من أريق دمه وعقر جواده ) فدل هذا عباد الله على أفضلية هذه الأيام فلنحرص عليها
بوب البخاري في صحيحه فقال باب فضل العمل في أيام التشريق وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( ما العمل في في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد ؟ قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء )
بعض شراح البخاري كما قال ابن حجر ظن وقد سبقه في ذلك أيضا ابن رجب قالوا ظنوا أن البخاري يفضل العمل في أيام التشريق على عشر ذي الحجة لأنه ذكر هذا الحديث تحت هذا العنوان
ومما يدل على ذلك رواية ( ما العمل في العشر أفضل في هذه )
ففهم من ذلك أن الظاهر أن أيام العشر العمل فيها أقل من العمل في أيام التشريق ، وهذا ليس مرادا ، أيام العشر أفضل من أيام التشريق
ولذلك رواية ( ما العمل في العشر أفضل من العمل في هذه ) قال ابن حجر في الفتح قال هي شاذة وتردها الأدلة الأخرى التي بينت فضل هذه العشر .
بل قال ابن رجب في كتابه فتح الباري لعل هذا من تصرف الرواة لكن قال ابن رجب قال سبق البخاري عبد الرزاق في مصنفه فإنه ذكر هذا الحديث تحت باب فضل العمل في أيام التشريق ويقول ابن رجب إنما ذكر البخاري ، وقلت هذا لأنه ربما مع وسائل التواصل ربما أنها تسوق رسالة من أن أيام التشريق أفضل من أيام عشر ذي الحجة ويأتون بمثل هذا الكلام فأردت التنبيه عليه
قال ابن رجب إنما ذكر البخاري هذا الحديث لا ليبين فضل أيام التشريق على عشر ذي الحجة وإنما أراد أن يبين فضل عشر ذي الحجة وكذلك فضل أيام التشريق بدليل قال إنه ذكر تحت هذا الباب أن ابن عباس رضي الله عنهما فسر الأيام المعلومات بأنها عشر ذي الحجة وأن الأيام المعدودات أنها أيام التشريق
وذكر البخاري رحمه الله أن أبا هريرة وابن عمر كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ثم ذكر حديث ابن عباس
فدل هذا على أن البخاري أراد أن يبين أنه كما لأيام عشر ذي الحجة كما أن لها فضلا كذلك أيام التشريق ، ولاشك أن أيام التشريق لها فضل ، ولذلك في السنن قال عليه الصلاة والسلام ( يوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام ) فلها فضل ، ولذلك يحرص على التكبير
تذكرت فائدة لما ذكرت حديث أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، ذكر ابن رجب في كتابه فتح الباري عن ميمون بن مهران أنه قال أدركت أناسا يكبرون في العشر حتى إني لأشبه تكبيرهم بالأمواج
الأمواج لها صوت من عظم التكبير قال ” فنكص الناس عن التكبير “
فما ظنكم لو أدرك زماننا هذا الذي يقال فيه لو قيل انعدم التكبير في هذه العشر لصح أن يقال وإن قيل قيل على قلة نادرة أو وللأسف على استحياء غيرك يجاهر بالذنوب وبالمعاصي ألا تجهر بهذه السنة سنة التكبير في هذه الأيام
فنسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والإعانة على الخير