خطبة رقم (14)
( تسعة أصول )
مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل
( الخوف )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في جُمَعٍ سالفة عن أربعةَ عَشَرَ أصلًا بَعد المئة مِن الأصول المهمّة التي يحتاجها العامّيّ ، وطالب العِلم في هذا الزمن حتّى يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلل
الأصل الخامس عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العَبد يكون بَيْنَ رَجاءِ الله وبَيْنَ خَوْف الله ، لا يُغَلِّب أحدَهما على الآخَر
إن غَلَّبَ جانب الخَوْف بِأن يَتَذَكَّرَ وَعيد الله مُغَلِّبًا ذلك على وَعْد الله وثَوابِه
( وهو الرَّجاء ) ، هُنا إن غَلَّب جانب الخَوْف وَقَعَ في القُنوط مِن رَحمةِ الله
وإن غَلَّب جانب الرَّجاء ( الثواب ) فإنّه يَأْمَن مِن مَكْر الله فَيَستَهين بِالذُّنوب
فالعَبد يكون بَين هذا الخوف وَبَيْن هذا الرجاء
الأصل السادس عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال :
{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
يعني :
يُخَوِّفُكم بِأَوليائِه ، وهذا ما بَين مُستَقِلّ ومُستَكثِر
فالشيطان يُرسِلُ أولياءَه مِن الجِنّ ، بل رُبّما يُرسِلُ أولياءه مِن شياطين الإنس فيُخَوِّفون ابنَ آدم مِن فِعل الطاعة ، كأنْ يريد مَثَلًا أن يَأْمُر بِمعروف أو ينهى عن منكر فَيَأتي التخويف
بل حتّى في أَدَقّ الصُّوَر ، بعضُ الناس ربّما يريد أن يَطلُب العِلمَ الشرعيّ فَيَأتي بعضُ شياطين الإنس فيقول : إنّ العِلم صَعْب أو هذا الدرس الذي ستَحضُرُه صَعْب
هذا أخَذَ نَصِيبًا مِن هذه الآية
الأصل السابع عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال :
{ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
دَلَّ هذا على أنّ الْخَوْف مِن الله مِن الإيمان ، بل مِن أصولِ الإيمان ِ الخوفُ مِن الله
قال ابن القيِّم رحمه الله :
” مَن خاف اللّهَ خافَهُ كُلُّ شيء ، ومَن لَم يَخَفِ اللّهَ أخافَهُ الله مِن كُلِّ شيء “
الأصل الثامن عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع الخوف :
( خوفُ السِّرّ ) :
الذي هو الْكُفْر بِاللّه الذي يُخرِجُ عن مِلَّة الإسلام
كَأَن يخافَ المخلوقُ أحدًا غَيْرَ الله كَخَوفِه مِن الله ، كَحالِ بعضِ مَن يَتَوَجَّه ويَدعو الأولياءَ وأهلِ القبور ، إذا حذَّرتَهُ وَقُلْتَ لَهُ هؤلاء مخلوقون لايَملِكون نفعًا ولا يَدفَعون ضَرًّا ، قالوا : اسْكُت . يُخشَى عليكَ مِن الوَلِيّ أن يُصيبَك بِكَذا أو أن يَضُرَّك بِكَذا
هذا كُفرٌ بِاللّه – نسأل الله السلامة والعافية – كُفرٌ يُخرِجُه عَن مِلَّة الإسلام
قال تعالى :
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }
الأصل التاسع عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع الْخَوْف :
( الخَوف الطبيعيّ ) :
كَأَن يَخافَ الإنسان مِن سَبُعٍ يَفترِسُه أو مِن سَيْلٍ يُهلِكُه
بل قد يكون واجبًا لِإنقاذِ نَفْسِه مِن التَّهْلُكَة
قال تعالى :
{ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }
الأصل العشرون بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع الخوف :
( خَوْف التَّوَهُّم ) :
بعضُ الناس يَزداد عنده الخوف فيكون مُتَوَهِّمًا
كَأَن يَتَوَهَّم مِن أنّ الأنوار أُطفِئَت بِسبب الجِنّ ، أو إذا سَمِع صَوتًا قَالَ هؤلاء جِنّ ، أو إذا مَشَى في مكانٍ مُظلِم خاف أن يكون وراءه أحد . هذا مذموم
وكذلك يَصدُق على بعضٍ مِن الناس خَوْف التَّوَهُّم مِن المَوْت .
الخوف مِن الموت إذا كان يَدْعُو العَبد إلى طاعة الله واجتِناب معصية الله فهذا محمود ،
لَكِن بعض الناس يَخَاف مِن الموت تَوَهُّمًا خِيفَةً مِن أن يُفارِق هذه الدنيا أو خِيفةً على أولاده أو على أُسرَتِه ، وهذا خَوفٌ مذموم
بل على الإنسان أن يَتوكَّل على الله ، قال تعالى :
{ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }
الأصل الحادي والعشرون بعدَ المئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال :
{ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }
مَن يَخشَى اللّهَ ويَخافُ الله هُم العُلَماء ، ليس المقصود مِن ذلك مَن لديه معلوماتٌ وَلَو كانت غزيرةً بِالعِلم الشرعيّ ، ليسَ هذا فَحَسْب
لا شكَّ أنّه إذا كان لديه عِلمٌ شرعيّ ويَحسُنُ إذا كان عِلمًا غزيرًا مُحَقَّقًا وأطاع الله ، هنا يَصدُقُ عليه هذا الوَصفُ في الآية .
لَكِن لَو كان عِندَه عِلمٌ غزيرٌ بِالعِلم الشرعيّ لكِنَه يعصِي الله ، فَهُوَ الجاهِل .
فالذي أَقَلّ عِلْم مِنْهُ مِمَّن أطاعَ الله ، هُو العالِم . هذا هو المقصود في الآية
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } :
لِأنّهم مَن يُطيعُ الله ويَخشى ويَترُك معصية الله عَلِمَ عظَمَةَ الله فَلَم يَعصِهِ
ولِذا ماذا قال تعالى ؟
{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
وَقَعُوا في السُّوءِ بِجَهالة عَن عَمْدٍ ، لِأنّهم في تلك الحال لَم يَعلَمُوا ولَم يَستَحضِروا عظَمَة الله ، فكانوا جُهّالًا مِن هذه الحَيثِيّة فَوَقَعوا في الذَّنب
الأصل الثاني والعشرون بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول شيخ الإسلام رحمه الله :
” خِفِ الله َ في الناس ولا تَخَف الناس في الله ، وارجُ الله في الناس ولا ترجو الناس في اللّه “
ما معنى هذا الكلام ؟
معناه :
إذا أَعطَيتَ الخَلق شيئًا فلا تنتظِرْ منهم رجاءً ولا خيرًا ، إنَّما تُعطي ابتغاء الأجر مِن الله
وإذا كَفَفتَ شَرَّك عن الناس فَكُفَّ شَرَّك عن الناس خَوفًا مِن الله لا خَوفًا منهم
ولِذا يقول رحمهُ الله :
” مِن ضَعفِ اليقين – يقين العبد يَضعُف لأنّ اليقين درجة عالية في الدين – يقول :
” يَضعُف يقين العبد إذا خاف مِن المخلوق ورَجَا ما بِيَد المخلوقات ، يَضعُف يَقِينُه “
دليلُ هذا :
ما ثَبَتَ في وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لِابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما (( واعلَمْ أنّ الأُمّة .. )) يعني الخَلْق ، كُلّ الخَلْق
(( واعلَمْ أنّ الأُمّة لَو اجتمَعَت على أن يَنفَعوك ، لَم يَنفَعوك بِشَيْءٍ إلّا قد كَتَبَه الله لك ، وَلَو اجتمَعَت الأُمّة على أن يَضُرُّوك لَمْ يَضُرّوك بِشَيْءٍ إلَّا قد كَتَبَه الله عليك ، رُفِعَت الأقلام وجَفَّت الصُّحُف )) كُلُّ شيءٍ قد كُتِب في اللَّوح المحفوظ
الأصل الثالث والعشرون بعدَ المئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند ابنِ حِبّان قال :
(( مَن التَمَسَ رِضا الله بِسَخَطِ الناس ، رَضِيَ اللهُ عنه وأَرضَى الناسَ عنه ، ومَن التَمَسَ رِضا الناس بِسَخَطِ الله ، سَخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناس ))
تأمَّلْ :
(( مَن التَمَسَ ))
يَدُلّ على أنّ العبد المؤمن حريصٌ على أن يَلتَمِس -بِاجتهادٍ منه- ما يُرضِي الله
مَن قَدَّمَ رِضا الله على رِضا المخلوقين ، وقَدَّمَ شَرْع الله على ما يَرضاه الناس ويُحِبّونه فإنّ الله عزّ وجلّ يَرضى عنه
والناسُ في صورة الأَمْر سَيَسخَطون عليه ، لَكِن مَلِك القلوب ، مُصَرِّف القلوب ، مُدَبِّر الأمور بِقُدرةٍ منه عزّ وجلّ يَصرِف قلوبَهم مِن السُّخط عليه إلى الرِّضا عنه :
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
ولو سَخِطوا عليه في أوّل الأمر
(( مَن التَمَسَ رِضا الله بِسَخَطِ الناس ، رَضِيَ اللهُ عنه وأَرضَى الناسَ عنه ))
الصِّنفُ الثاني :
أعوذ بِاللّه مِن الخُذلان :
(( ومَن التَمَسَ رِضا الناس بِسَخَطِ الله ، سَخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناس ))
يَلتَمِس رِضا الناس وَلَو على حِسَاب شَرْع الله وعلى ما يُحِبُّه الله . العاقبة : يَسخَطُ الله عليه .
الناس في أوّل الأمر ، ماذا ؟ يَرضَون عنه
لَكِن مُصَرِّف القلوب مُدَبِّر الأمور – وَلَو طال الزَّمَن – فإنّهم يَسخَطون عليه
تأمَّل :
(( ومَن التَمَسَ )) يعني يَبْحَث بِدِقّة
(( ومَن التَمَسَ رِضا الناس بِسَخَطِ الله ، سَخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناس ))
فما ظنُّكم ، ما ظنُّكم ؟ ما ظَنُّكُم بِمَن التَمَسَ وبَحَث عَن رِضا الناس على حساب دِين الله عن طريق دِين الله [ كَمَن يأتي بِالفتاوَى التي تُخالِف شَرْع الله ] .
الصُّورة السابقة هو يُرضِي الناس بِناءً على ماذا ؟ بِناءً على تَقديمِه لِرِضاهم على رِضا الله .
هذا أفظع وأشنع ، يَجعل دِينَ الله سَبِيلًا له لِإرضاء الناس بِسَخَط الله
فما ظَنُّكُم بِمَن يَلتَمِس رِضا الناس ويَبحث عمّا يُرضي المخلوق ، يَبْحَث عمّا يُرضي المخلوق مِن أَجْل أن يُرضِيَهُ بِسَخَط الله
والطريقة ؟ فَتاواه الدِّينيّة التي يَجب وَمِن الواجب عليه أن يُراعِيَ اللّهَ فيها ، يَجْعَل تلك الفَتاوى بِلَوْيِ أعناق النُّصوص أو بِتَحريف النُّصوص أو بِمُعارضة النُّصوص ، يَجعلُها سَبِيلًا لإرضاء المخلوق على رِضا الله .
أعوذ بِاللّه مِن الخُذلان
هذه أصولٌ مهمّة تحتاجها الأُمّة ولها تَتِمّة بإذن الله تعالى .