خطبة رقم (18)
(ثمانية أصول)
يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل
( معارضة الفتوى للشرع )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في جُمَعٍ سابقة عن ثلاثةٍ وخمسين أصلًا بعدَ المِئة مِن الأُصولِ المُهمّةِ التي يحتاجها العامّيّ وطالب العِلم في هذا الزّمن حَتَّىٰ يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزّلل
الأصل الرّابع والخَمْسُونَ بعدَ المِئة :
مَن يُعارِضُ دِينَ الله وأحاديثَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالفَتاوَى المُخالِفة فإنّه يُخشى عليه – كما قال الإمام أحمد – يُخشى عليه مِن الزَّيغ والضلال الذي يُوقِعُه في الشِّرك بِالله
قال الإمام أحمد رحمه الله : ( عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عَرَفوا الإسنادَ وصِحَّتَه ( يعني الحديث وصحّته ) يَذهبون إلى رأي سُفيان ( سُفيان هو سُفيان الثَّوريّ إمام مِن الأئمّة ) ومع ذلك يقول : لَوْ قَدَّموا رأيَه على الحديث الصحيح هذا مَحَلُّ إنكار
( عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عرفوا الإسنادَ وصِحّته يذهبون إلى رأي سُفيان ) وقد قال الله تعالى : { … فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال الإمام أحمد : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة هي الشِّرك . لَعَلَّهُ يَرُدُّ بعضَ ما قاله صلّى الله عليه وآله وسلّم فَيَقَع في شيء مِن الزّيغ فَيَهلَك .
الأصل الخامِسُ والخَمْسُونَ بعدَ المِئة
مَن قَدَّمَ الفَتاوى التي تَجعلُ الحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا ،والتي تُحرِّمُ ما أَحَلَّ الله أو تُبيح ما حَرَّمَ الله
مَن قَدَّمَ هذه الفتاوىٰ وقدَّم أصحابَها ، فإنّه جَعَلَ أصحابَها أنْدادًا مِن دون الله
عَدِيّ بن حاتمٍ -كما ثبتَ عند التِّرمِذيّ- سَمِعَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يَقرأ { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ … } الأحبار (عُلماء اليهود) ، والرُّهبان ( عُلماء النصارى )
{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
قال عديّ يا رسولَ الله : إنَّا لَمْ نَعبُدْهُم – يعني لَمْ نركَعْ لهم وَلَمْ نسجُدْ لهم ولمْ نُصَلِّ لَهُمْ –
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( أَلَيْسَ إذا حَرَّمُوا ما أَحَلَّ الله حَرَّمتُموه ، وإذا أَحَلُّوا ما حَرَّمَ الله أَحْلَلْتُموه ))
فَقال عديّ رضي الله عنه : بَلَىٰ
فَقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : “فَتِلْكَ عِبادَتُهم
الأصل السَّادِسُ والخَمْسُونَ بعدَ المِئة
التَّحليل والتَّحريم حقٌّ لله ، لا يجوزُ لِأَحَدٍ أن يَعتَدِيَ عليه بِالآراءِ الفاسِدة وبِالفتاوى المُنحَرِفة أَوْ حَتَّىٰ ما يَكُونُ مِن بعضِ العَوامّ في المَجالِس يقولون : هذا حَرَام وَهُمْ لا يَعلمون الحُكْم
قال عزّ وجلّ { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } ما العاقِبة ؟
{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } يَتمتّعون في هذه الدُّنيا إمّا بِمال أو بِوَجاهة أو يُوصَف بِأَوصاف مِن أنّه عالِمٌ أَوْ كذا أو كذا أو أنّه مُواكِبٌ لِلعَصر ولِمُستَجِدّات العصر
{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
:الأصل السَّابِع والخَمْسُونَ بعدَ المِئة
القَولُ على الله مِن غَيرِ عِلم بِتِلك الفتاوىٰ والآراءِ الفاسِدة جَعَلَها اللهُ عزّ وجلّ قَرينَةً للشِّركِ بِاللهِ ، ممّا يَدُلّ على أنّها بَريد الشِّركِ بِاللهِ
قال تعالىٰ { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } ما الذي بَــعْــدَها ؟
{ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } التَّتِمَّة { وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
الفُتيا في الدِّين مِن غِيرِ عِلم قَولٌ على الله بِلا عِلم
وهذا يُؤَيِّد ما ذَكَرهُ . مَن ؟ الإمام أحمد رحمه الله لمّا قال : أَتَدْرِي ما الفِتْنَة ؟ هي الشِّرك لَعَلَّهُ أن يَرُدَّ بعضَ قَولِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَيَقَع في شَيْءٍ مِن الزَّيغ فَيَهلَك .
: الأصل الثّامِنُ والخَمْسُونَ بعد المِئة
لِيَسأل الْمُسْلِمُ رَبَّهُ البَصيرةَ في دِينِه ؛ فإنّ الأُمورَ قد تَخْتَلِطُ عَلَيْهِ بِمَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَه ويُفسِد دِينَ غَيرِه
فهؤلاء المُنافقون ماذا قال الله عزّ وجلّ عنهم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
انْظُرْ إلى انْتِكاس الفِطَر والبَصائر . جَعَلُوا الإفسادَ – مع أنّهم وَقَعوا فيه – جَعَلوهُ صلاحًا. بل جَعَلوا أنفُسَهم بِأَنَّهُمْ مُصلِحون
: الأصلُ التَّاسِعُ والخَمْسُونَ بعدَ المِئة
الله جلّ وعلا قال { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }
الإفساد في الأرض نوعان :
إفسادٌ حِسِّيّ : بقَتل الناس وبِتَدمِير مُمتلَكاتِهم وبِالاعتِداء عليهم . هذا إفساد حِسِّيّ
إفسادٌ مَعنَوِيّ : أعظَم ، وهوَ الإفساد في الأرض ، بعدَ أن أصلحَها الله عزّ وجلّ بِإرسال الرُّسُل وبِإنزال الْكُتُب ، بعدَ أن أصلَحَها بِهذا الدِّين . يُفسَدُ في الأرض بِالشِّرك وبِالبِدع ، بِالذُّنوب ، بِمُجاهَرَةِ الله بِالمعاصي والذُّنوب
هذا إفسادٌ أَعْظَم . إفسادٌ مَعنَوِيّ
وَلْيَعلَم الناس أنّه متى ما وقَعَ الفسادُ المعنوِيّ بِما يُـخــالِــفُ دِينَ الله إذا وقعَ في الأرض ، فَسَدَت الأرض فسادًا حِسِيًّا ؛ لأنّه لا يُمْكِنُ أن يُصْلِحَ أحوالَ الناس إلّا هذا الدِّين
ولِذا لا يَقُل أَحَد ضاقت علَينا الأرزاق والأحوال وما شابَهَ ذلك . كُـــلٌّ يُفَتِّشُ عن نَـفْـسِـهِ بِمَ أفسدَ في الأرض بِما يُـخــالِــفُ دِينَ الله
قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا } هذا هُوَ الإصلاح { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
: الأصل السِّتُّون بعدَ المِئة
لا يُمْكِنُ أن تكونَ أحوالُ الناس على خَيْرِ ما يُريدون إلّا بِهذا الدِّين ، بِأن يُجعَلَ هذا الدِّين هُوَ المُقَدَّم على كُلّ الآراء والأهواء
قال تعالىٰ { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
استِفهام لِلنَّفي يَتَضمّن التَّحَدِّي . أي لا أحد أحسَن حُكْمًا مِن الله ، وفيهِ تَحدِّي أن يُؤتى بِحُكْمٍ أحسَن مِن حُكم الله عزّ وجلّ { .. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
أصحاب يَقين هُمْ أصحاب العِلم الثابت التامّ المُستَلزِم لِلعَمَل الصَّالِح
عِــــلْـــــمٌ وعَــمَـــلٌ صــالِـــحٌ يَصِل الإنسان بذلك إلى اليقين . ولا يَحصُل إلّا بِالصَّبْر والمُصابرة
: الأصلُ الحادي والسِّتُّونَ بعدَ المِئة
أَخْذُ الرَّشاوىٰ معلومٌ أنّه حَرام ومِن كَبَائِر الذُّنوب وأفظعُ أنواعِه أن تُؤخَذ الرَّشاوىٰ لِتَعطيلِ أحكام الدِّين
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبتَ عند أحمد ( لعنَ اللهُ الرَّاشي والمُرتَشي )
فَمَن أَخَذَ رِشوَة مِن أجل أن يَتغاضىٰ عن دِينه أو عن حُكمٍ شرعيّ أو ما شابَهَ ذلك فإنّ بهِ شَبَهًا بِاليهود
قال عزّ وجلّ لمّا ذَكَرَ أنّه قَطَّعَ اليهود ومَزَّقَهم في الأرض شَذَرَ مَذَر قال { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } لَمْ يَقُل ( خَلَفٌ )
لأنّ ( خَلَفٌ ) كلمة مَدْح ، ( خَلْفٌ ) بِتَسكين اللام ذَمّ
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ } وَرِثوا التوراة
{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } عَرَض ، الدُّنيا عَرَض ، ثمّ يَزول يَنتهي
{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } لِدُنُوِّ هذه الدُّنيا ، ودُنُوِّ مَنزِلَتِها ، ويَستَعجلون الشيء القريب ، ولا يَنتظرون الشيء الذي قد أَعَدَّه الله عزّ وجلّ لِلمُتَّقين في الآخرة ، وما يَكُونُ لَهُم أيضًا مِن المُتَّقِين ما يَكُونُ لَهُم في الدُّنيا
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } يعني الرَّشاوىٰ { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } إصرار على أَخْذ الرَّشاوىٰ
{ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ } ما هو الذي في هذا الكِتاب ؟
وهذا ذمٌّ لِليهود وفيه تَـــنْـــبِـــيـــهٌ لِهذه الأُمّة أن يَقَعوا في مِثْل ما وَقَعوا فيه
{ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ } ما الذي في مِيثاق الْكِتَاب ؟
{ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } مِن أجْلِ هذه الرَّشاوىٰ
{ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } تَعلَّموا ما فيه . الحُجَّة قامت عليهم
{ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ .. } هذا الصِّنف يريد ما عِنْدَ الله عزّ وجلّ
{ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
اللَّهُمَّ اكْفِنا بِحَلالِك عن حَرامِك ، وبِفَضلِك عمّن سِواك