خطبة(22)
(أصل مهم) يحتاجه العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل
(عقوبة من لم يشكر النعم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَحَدَّثنا في خُطَبٍ سالِفةٍ عن سبعةٍ وسبعين أصلًا بعدَ المئة مِن الأصول المهمّة التي يحتاجها العامّيّ وطالِبُ العِلم في هذا الزَّمَن حتّى يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلَل
: الأصل الثَّامن والسَّبعون بعدَ المِئة
مَن أعطاهُ الله عزّ وجلّ النِّعَم فَلَم يَشكُر اللّهَ عزّ وجلّ عليها ، فهو قادرٌ عزّ وجلّ على أن يَسلُبَ تلكَ النِّعَم مِنْهُ في لَمْحَةِ بَصَر وَلَو بَلَغَ مِن المُلك والقُوّة والثراء ما بَلَغ
في الصَّحِيحَين قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ” إنّ ثلاثةً في بَنِي إسرائيل أبْرَص وأقْرَع وأَعمَى أرادَ اللهُ أن يَبْتَلِيَهُم فَبَعَثَ إليهم مَلَكًا، فَأَتَى – يعني أتى المَلَك – فَأَتَى إلى الأبرص فقال : أيُّ شَيْءٍ أحبُّ إليك ؟ قالَ : جِلدٌ حَسَن ولَونٌ حَسَن ، ويَذهَبُ عَـنِّي هذا الذي قَذِرَني النَّاسُ بهِ . فَمَسَحَه ، فَذَهَبَ عنه قَذَرُه ، وأُعْطِيَ جِلدًا حَسَنًا ولَونًا حَسَنًا . فَقالَ لهُ : أَيُّ المالِ أَحَبُّ إليك ؟ قالَ : الإبِل . فَأُعْطِيَ ناقةً عُشَراء – يعني أُعْطِيَ ناقةً حامِلًا – فَقالَ : باركَ اللهُ لكَ فيها
ثُمَّ أتى إلى الأقْرع ، فَقالَ لهُ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إليك ؟ فقال : شَعْرٌ حَسَن ، ويَذهبُ عَنِّي هذا الذي قَذِرَني الناس . فَمَسَحَه ؛ فَذَهَبَ عَـنْـهُ وأُعطِيَ شَعْرًا حَسَنًا . ثُمَّ قال : أيُّ المالِ أَحَبُّ إليكَ ؟ قال : البَقَر . فأُعطِيَ بقرةً حامِلًا فقال : باركَ اللهُ لكَ فيها
ثُمَّ أتى إلى الأعمى فُقال : أيُّ شَيْءٍ أحبُّ إليك ؟ فقال : يَرُدُّ الله عليَّ بَصَرِي ، فأُبْصِرُ به الناس ، فَمَسَحَه ؛ فَذَهَبَ عَـنْـهُ . فَقالَ : أيُّ المالِ أَحَبُّ إليك ؟ قالَ : الغَنَم . فأُعطِيَ شاةً والِدًا
فكانَ لِهَذَا وادٍ مِن الإبل ، ولِهذا وادٍ مِن البَقَر ، ولِهذا وادٍ مِن الغَنَم
ثُمَّ أَتَى – يَعني المَلَك – ثُمَّ أَتَى على صُورَتِه وهَيئَته إلى الأبرص فقال : رَجُلٌ مِسكين انقَطَعَت بِيَ الحِبال في سَفَري ، فلا بَلاغَ لِيَ اليوم إلّا بِاللهِ ثُمَّ بِـكَ ، أسألُكَ بِالذي أعطاكَ اللونَ الحَسَن والجِلدَ الحَسَن والمال بَعيرًا أتَبَلَّغُ بهِ في سَفَرِي . فَقالَ لهُ الأبرص : الحُقوقُ كثيرة . فَقالَ المَلَك : كَأنِّي أَعْرِفُك ، أَلَمْ تَكُنْ أبْرَص فَشَفاكَ الله ، وكُنتَ فقيرًا فأغْناكَ الله ؟! فقال : إنّما ورِثتُ هذا المال كابِرًا عن كابِر (يعني : عن شَريف مِن شَريف ، أو عن أب إلى جَدّ إلى جَدّ) فَقالَ لهُ : إن كُنتَ كاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنتَ
ثُمَّ أَتَى إلى الأقْرع فَقالَ لهُ مِثْلَ ما قال لِلأبرص ، فَردَّ عَلَيْهِ الأقرَع مِثْل ما رَدَّ عليه الأبرص
ثُمَّ أَتَى إلى الأعمى فَقال : رَجُلٌ مِسكين وابنُ سَبيل انقَطَعَت بِيَ الحِبال في سفَري ، فلا بَلاغَ لِيَ اليوم إلّا بالله ثُمَّ بِكَ . أسأَلُكَ بالذي ردَّ عليكَ بَصَرَك شاةً أَتَبَلَّغُ بِها في سَفَرِي . فَقالَ الأعمى : قد كُنتُ أعمى فَرَدَّ اللهُ إليَّ بَصَري ،وكنتُ فقيرًا فَأغْنانِي الله ، فَخُذْ ما شِئتَ ودَعْ ما شِئت ، فَوَالله لا أَجْهَدُكَ شيئًا أَخَذتَهُ لِلّه فَقالَ لهُ : أَمسِكْ مالَك ، فإنّما ابتُلِيتُم ، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ عنكَ ، وسَخِطَ على صاحِبَيْك “
هذا الحديثُ لهُ فوائدُ كثيرة جدًّا ، لَكنّني أقْتَصِرُ على الفوائد المُتعلِّقة بِالتَّوْحِيدِ ، وتلكَ الفوائد هي بِمَثابةِ الأصول :
▪مِن الفوائد
أنّ الأبرصَ والأقرَعَ ، سَأَلَا ماذا ؟
الجِلد الحَسَن واللَّون الحَسَن ، وذاكَ سألَ الـشَّعرَ الحَسَن
لَكِنَّ الأعمى بهِ قَناعَة قال : يَرُدُّ اللهُ إلَيَّ بَصَري ، فَأُبْصِرُ به الناس . لَمْ يَقُل أُريدُ بَصَرًا ثاقِبًا
وهذا يدلّ على ماذا ؟
يدلّ على ما قالهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عِنْدَ مُسلم ” إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكم وأَعمالِكم”
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ المَلَك فَـعَـلَ الـسَّــبـَب ، مَسَحَ على الأبرص والأقرع والأعمى فَشَفاهُم اللهُ عزّ وجلّ بِسَببِ هذه المَسْحَة
فدلّ هذا على ماذا ؟
على فِعْلِ الأسْباب
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ الأبرص بهِ نَوعٌ مِن أنْواعِ الكِبْر بِخِلاف الأعمى فَبِهِ التواضع ، لِأنّه مِن حيثُ الأصل إِنْ لَمْ يَعْصِمِ اللهُ عزّ وجلّ صَاحِبَ الإبِل وإلّا وَقَعَ في الكِبر والخُيَلاء
هذا الأبرص طَلَبَ ماذا ؟ طلبَ الإبل
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عِنْدَ مُسلم قال “الكِبر والخُيَلاء في أهلِ الإبِل”
وقال “والسَّكِينةُ (التَّواضُع) في أهلِ الغَنَم”
▪وَمِنَ الفوائد
أنَّ هذا المَلَك سَأَل اللهَ عزّ وجلّ مُتَوَسِّلًا بأفعالِه ، فأفعالُ الله يُـؤخَـذُ منها صِفات لِلّه عزّ وجلّ . ولِذا ماذا قال له ” أسألُكَ بالذي أعطاكَ اللونَ الحَسَن والجِلدَ الحَسَن “
مَن الذي أعطاهُ ؟ هو الله
فِعْلٌ مِن الله ، صِفَةٌ مِن صِفات الله
ودلّ هذا على أنّ التَّوسُّلَ لايجوزُ إلّا في ثلاثِ حالات . ما عَدَاها فَهُوَ تَوَسُّلٌ مَذمومٌ بَعْضُهُ يُوقِعُ صاحِبَه في الشِّرك
التَّوَسُّلُ الجائز ثلاثةُ أنواع :
– مِن التَّوَسُّل الجائز : أن تَتَوَسَّلَ إلى الله بِأسمائه وبِصِفاته
كَأَن تقول : يا الله ، يا رحمن ارحمني ، يا غَنيّ أغْنِني
أو بِصِفَةٍ مِن صِفاته : بِرَحمَتِكَ أَسأَلُكَ كذا وكذا
-النوع الثاني مِن أنواع التوسُّل الجائز
أن تَتَوَسَّلَ إلى الله بِدُعاء الصَّالِحِين ، لا بِذَواتِهِم . كأنْ تأتِيَ إلى شخصٍ صَالِح وتقولُ له : ادْعُ لي
لَكِن انْتَبِهْ ، إذا قُلتَ لهُ ادعُ لي ، فأنتَ تُريدُ ماذا ؟ أن تَنفَعَه وأن تَنفَعَ نفسَك . لِمَ ؟
لِأَنَّه إذا دَعا لكَ ، فَهُناك مَلَك ، إذا دَعا المسلمُ – كما جَاءَ في الحديث الصحيح – ” إذا دَعا الْمُسْلِمُ لِأَخيهِ في ظَهرِ الغَيب فيقولُ المَلَك : وَلَكَ بِالمِثل “
ولذلك في النوع الثاني تَوَسَّلَ الصحابةُ رَضِيَ الله عنهم بِدُعاء العبّاس بن عبدالمُطّلِب . فقامَ العَبّاس فسألَ اللهَ أن يَسقِيَهُم المطر في عَهدِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه
أمّا النَّوع الأوّل فَدَلِيلُه قوله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا }
–النوع الثالث مِن أنواع التَّوَسُّل الجائز :
أن تَتَوَسَّلَ إلى الله بِعَمَلٍ صالحٍ قُمْتَ به أنتَ لَمْ يَقُمْ به غيرك
كَأَن تقول : ياربِّ ، إن كان هذا العَمَل ابْتِغَاء وَجهِك فَفَرِّج عنّي أو فَارزُقْني . فهذا جائز
ولذلك ، أولئك الثلاثة الذين انطَبَقَت عليهم الصخرة ، سَأَلوا اللهَ بِأَحَبِّ الأعمال إليهم حَتَّىٰ انفَرَجَت عنهم الصخرة ثُمَّ خَرَجُوا
فَالمَلَك ماذا قال ؟
” أَسأَلُكَ بالذي أعطاكَ اللَّونَ الحَسَن والجِلدَ الحَسَن والمال ، بعيرًا أَتَبَلُّغ به في سَفَري “
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ المَخلوقَ إذا ذُكِرَ مع الله في أمْرٍ يستطيعُه المَخلوق لابُدَّ أن تأتِيَ بكلمة ( ثُمَّ)
ولذلك المَلَك ماذا قال ؟
)” فَلا بَلاغَ لِيَ اليومَ إلّا بِاللهِ ثُمَّ بِـكَ ” ( ثُمَّ بِك
) هذا إذا كان قادِرًا على هذا الشيء ، تأتي بكلمة ( ثُمَّ
أمّا لو قُلتَ ( إلّا بِاللهِ وبك ) فهذا شِركٌ أصغر
فإن أردتَ أنّه مِثْلُ الله تَمامًا : فَيَكُونُ شِركًا أَكبَر
▪وَمِنَ الفوائد
أنّه يجوزُ أن تُعَلِّق دُعاءَك على شَرط ، فهذا المَلَك ماذا قال ؟
قال ” إن كُنتَ ” – هُنا شَرطِيّة –
” إن كُنتَ كاذبًا ، فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنت ..”
ولذلك لو أنّ الإنسان مثلًا في دُعائه يقول : يا ربِّ إن كانَ هذا الشيء فيه خَيْرٌ لي فَيَسِّرهُ لي .
هذا جائز . بِشَرط أن يكون المقصود أنَّك تُفَوِّضُ أَمْرَك إلى الله في مِثْل هذا الشيء المطلوب
ولذلك شُرِعَتْ لنا الاستِخارة كما عند البخاريّ ( اللَّهُمَّ إن كُنتَ تعلم هذا الأمر خَيْرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وآجله ، فَاقدُرْهُ لي ) مِن باب تفويض الأمر إلى الله ؛
لأنّكَ ما تدري هل المَصلَحَة في هذا الأمر الذي سألتَ اللهَ هذا الشيء أم أنَّك لا تدري هل المصلحة في غَيره . فالله أَعْلَمُ بذلك
لَكِنْ لَوْ أنّ الإنسان قَيَّدَ دُعاءَهُ بِشَرطٍ مُستَغنيًا عن الله . هذا حرام
ولذلك ماذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه ” لا يَقُل أحَدُكُم : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إن شِئتَ ، اللَّهُمَّ ارحمنِي إن شِئتَ . لِيَعزِم المسألة “
▪ومِن الفوائد
أنّ الإنسانَ لَوْ قالَ إذا سُئل : يا فُلان ، ماهذا المال الذي لديك ؟ كيف تَحَصَّلتَ عليه !
لَوْ قالَ : وَرِثْتُهُ مِن آبائي وأجدادي أو مِن كابِر إلى كابِر على سبيل الخَبَر . فلا إشكالَ في ذلك ، فلا حَــرَجَ ؛ لِأَنَّ الإرث جَعَلَهُ الشَّرع سَبَبًا لِلتَّمَلُّك . هذا مُجرّد خَبَر ، يُخبِرُهُ
لَكِنْ هُنا ، هذا الأبرص لمّا قال ( وَرِثتُه كابِرًا عن كابِر ) ماذا أراد ؟
أرادَ أن يَنسُبَ النِّعمةَ إلى غيرِ الله ، أرادَ أن يَنسُبَ النِّعمةَ إلى غير الله ، أن يَنسُبَها إلى أشرافِه وإلى آبائه وإلى أجدادِه .
كما قال قارون { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي … } لكنّ الإنسان إذا أَخْبَرَ مُجرّد خَبَر ،
مِن أين هذا المال ؟
وَاللهِ ، ماتَ أبي . أو مات فُلان الذي أَرِثُهُ ، فَوَرِثْتُ هذا المال . فلا حَــرَجَ في ذَلِكَ على سبيلِ الإخبار
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ هذا الأعمى شَكَرَ الله ، فَرَضِيَ الله عنه
شكرَ الله بِأركانِ الشُّكْرِ الثلاثة
الــشُّـــكــر لا يَتمّ إلّا بِثلاثةِ أركان :
– أن تَشكُرَ الله بِلِسانك : مُتَحَدِّثًا بالنِّعمة تواضُعًا لِلّه ، لا مِن أجْلِ التَّكَبُّرِ على الناس { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }
– أن تَشكُرَ الله بِقَلبِك : فَتَعْتَقِد أنّ هذه النِّعمة مِن الله لا مِن حَوْلِك ولا مِن قُوَّتِك ولا مِن تِجارتِك ولا مِن ذكائك . لا كما قاله قارون { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي }
ولذلك ماذا قال تعالى { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه }
– أن تَشكُرَ الله عزّ وجلّ
هو الرُّكنُ الثَّالِثُ : أن تَشكُرَ الله بِجَوارِحك ، قال تعالى { … اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }
هذا الأعمى أَتَى بِأركان الشُّكر الثلاثة
▫الشُّكرُ بِالقلب وبِاللسان وبِالجوارِح
ماذا قال ؟
قال ( قد كنتُ أعمى فَرَدَّ الله إلَيَّ بَصَري ، وكنتُ فقيرًا فَأغْنانِي الله )
▫تَحَدُّث بِنِعمةِ الله عزّ وجلّ . نَطَقَ بها على لِسانه
▫الشُّكرُ بِالجَوارح : ماذا قال له ؟ ( خُذْ ما شِئتَ وَدَعْ ما شِئتَ ) ( خُذْ ما شِئتَ وَدَعْ ما شِئتَ )
) الشُّكرُ بالقلبِ ، قال ( فَوَاللهِ ، لا أَجْهَدُكَ شيئًا أَخَذتَهُ لِلّهِ
دليلُ الإخلاص ودليلٌ على صِدقِ ما في قَلْبِهِ
هذه فوائد هي بِمثابة الأصول تحت هذا الحديث الذي يَندرِج تحتَ ماذا ؟
تحتَ هذا الأَصْل العظيم : ( إذا أعطاكَ الله عزّ وجلّ نِعمةً فَاشكُرِ اللهَ عزّ وجلّ عليها ، فإن لَم تَشكُرِ اللهَ ، فَاللهُ قادِرٌ على أن يُزيلها مِنْكَ في لَمحَةِ بَصَر وَلَوْ بَلَغْتَ مِنَ المُلْك والقُوّة والثراء والخَدَم والحَشَم ما بَلَغْتَ )