خطبة(24)
(أصل مهم) يحتاجه العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل
(لا تعلق الدعاء بالمشيئة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَحَدَّثنا في خُطَبٍ سالِفة عن تِسْعَةٍ وسَبْعِينَ أصْلًا بعدَ المِئة مِن الأصول المُهِمّة التي يحتاجُها العامِّيّ وطالِب العِلم في هذا الزّمن وفي غَيْرِهِ حَتَّىٰ يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلَل
الأصلُ الثمانونَ بعدَ المِئة :
لا يجوزُ لِلمُسـلم إذا دَعا اللهَ عزّ وجلّ أَوْ دَعا لِغَيرِه أن يقولَ في دُعائهِ ( إن شاءَ الله )
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين (( لا يقولنّ أحَدُكُم : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إن شِئتَ ، اللَّهُمَّ ارحَمْني إن شِئتَ ، لِيَعزِم المَسْألَة ؛ فإنّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ ))
وعند مُسلم (( .. وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ . فَإنَّهُ لا يَتَعاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ ))
وهذا الحديثُ تَنْدَرِجُ تحته عِدَّةُ فوائد هي بِمَثابَة الأُصول
▪مِن الفوائد :
أنّ قَوْلَ ( إن شاءَ الله ) في الدُّعاء مُحَرَّمٌ لِهذهِ الأسباب الثلاثة المَذكورة في هذا الحديث ، وَهِيَ :
أوّلًا : أنّ قولَه ( إن شاءَ الله ) يُشْعِرُ بأنَّ العَبْدَ يَظُنُّ أنّ هُناكَ مَن يَمنعُ اللهَ عزّ وجلّ مِن تَحقيقِ دَعوَتِهِ لأنّه قال في الرِّواية (( فإنّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ ))
ثانيًا : قد يُشْعِرُ هذا اللفظ وهو قول ( إن شاءَ الله ) في الدُّعاء مِن أنَّ العَبْدَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الله ، ولذلك جاءت رِواية (( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ ))
ثَالِثًا : قد يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَعتَقِد أنّ اللهَ عزّ وجلّ لا يستطيعُ أن يُحَقِّقَ دَعْوَتَه ، ولِذلِكَ تدلّ عليه رِواية (( فَإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ ))
▪ومِن الفوائد :
أنّ قَوْل ( إن شاءَ الله ) وهذا كثيرًا ما يَكُونُ على اللِّسان ولا سِيَّما مِن كِبارِ السِّنِّ ، أو حَتَّىٰ مِن أعْظَمِ النَّاسِ يقولونَ في الدُّعاءِ مِثَلًا [ الدُّعاء وخُصوصًا مِن الوالِدَين : اللهُ يَرزُقُك إن شاءَ الله ، اللهُ يُوَفِّقُكَ إن شاءَ الله ] يدعونَ لهُ بِتِلك الدَّعَوات ويَأتُونَ بِالمَشيئة . فَلْيُتَنَبَّه .
وإن كانوا لا يَقصُدون . لَكِنْ يُتَنَبَّه .
وهذا – حَتَّىٰ لا يَخْتَلِط الأمر- يَختَلِف عن الخَبَر :
مَثَلًا لوقُلتُ :
سَأُسَافِر . لا بدّ أن أقول ( إن شاءَ الله ) .
سأذْهبُ إلى ذَلِكَ المكان إن شاءَ الله . لأنّه خَبَر
ولذلك في الحديث عِنْدَ أبي دَاوُدَ (( كانَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا أفْطَرَ – يعني مِن صَوْمِه – قال : ذَهَبَ الظَّمَأ وابْتَلَّتِ العُروق وثَبَتَ الأجرُ إن شاءَ الله ))
هذا ليسَ دُعاءً . هذا خَبَر وإن كانَ يَتَضَمَّن الدُّعاء .
إِذَن ، خُلاصَةُ الْقَوْل :
– إذا كانَ الإنسانُ سَيُخْبِرُ عن شيء ، فَلْيَقُل 🙁 إن شاءَ الله )
{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ..}
– لَكِنْ حِينَما تَدعو لِنَفْسِك أو تَدعو لِغَيْرِك فلا تَقُل ( إن شاء الله )
ولِذَلِكَ في الحديث (( فَلْيَعزِم المَسْألَة ))
▪ومِن الفوائد :
أنّ الدُّعاء في تَحرِيمهِ إذا ذُكِرَ ( إن شاءَ الله ) لا يُحصَر في الرَّحمَة والمَغفِرَة ، بَلْ في كُلِّ شيء .
ولذلكَ لَوْ قال الإنسان ( اللَّهُمَّ ارزُقني إن شِئتَ ) فلا يَجُوز .
ولذلكَ في إحدى رِوايَتَي البُخَارِيّ رحمه الله (( لا يَقُلْ أحَدُكُم اللَّهُمَّ ارحَمْني إن شِئتَ ، اغْفِرْ لي إن شئت ، ارزُقني إن شِئْتَ ، فإنّ اللهَ يَفْعَلُ ما يشاء فلا مُكرِهَ له ))
▪ومِن الفوائد :
أنّ هذا الأمرَ لا يَتَعَلَّقُ بالمَشيئة .
لَوْ قالَ الإنسانُ ( اللَّهُمَّ ارحمني إذا أردْتَ يا الله ) أو ( .. إذا أَذِنتَ يا الله ) فإنّ الحُكْمَ هُوَ هُوَ .
▪ومِن الفوائد :
أنّ على المسلمَ إذا دَعا اللهَ عزّ وجلّ أن يَعزِمَ في المسألة ، أن يَعزِمَ في المسألة .
ولذلك في رِواية البُخَارِيّ (( وَلْيَعْزِم مَسْأَلَتَه ؛ فإنّ اللهَ يَفْعَلُ ما يشاء ))
وَهُنا إذا عَزَمَ العَبْدُ في دُعائه وأَلَحَّ في دُعائهِ للهِ عزّ وجلّ تَتَحقّقُ عِنْدَهُ أركان العِبادة .
ما هِيَ أركانُ العِبادة ؟
مِثْلُ هذه المسائل وَلَوْ طَرَحْناها ، مَسائل تَتَعَلَّق بالعقيدة
بعضٌ مِن الناس ، إن لَمْ يَكُنْ الأكثر ما يعْرِف ما هِيَ أركان العِبادة .
أركانُ العِبادة :
مَحبّةُ الله ، خَوْفُ الله ، رَجاءُ الله .
أنتَ إذا دَعَوْتَ اللهَ بِإلْحاح وبِعَزْم تَتَحَقَّقُ فيكَ هذه الأركان .
لأنّكَ إذا سألتَ اللهَ أن يُحَقِّقَ لكَ أمرًا نافِعًا .
هذا يدلّ على ماذا ؟
– على أنَّكَ تَرجُو الله
إذا دَعَوْتَ اللهَ عزّ وجلّ أن يُزيلَ عنكَ شيئًا مَكروهًا .
– هذا يتعلّق بِجانِب الخَوْف مِن الله
إذا أَلْحَحْتَ في الدُّعاء .
– الذي يُدْعَى يُحَبُّ . هذا مَحبّةُ الله
ولذلك لَوْ سُئِلْتَ : لماذا قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ في السُّنَّن (( الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة )) ؟
لأنّ أركان العِبادة ( مَحبّة وخَوْف ورَجاء ) تَتَحَقَّق في الدُّعاء .
▪ومِن الفوائد :
أنّ قولَه صلّى الله عليه وآله وسلّم (( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ )) كلّما عَظُمَت رَغبَتُكَ في دُعاءِ الله في الِالتِجاء إلى الله ، في الِاستِعانة بِالله ، في الِاستِغاثة بِالله كُلَّما زادَت مَحَبَّتُكَ لِلّه وأَحَبَّكَ الله وارْتَفَعَت مَنزِلَتُكَ عند الله
ولذلك لمّا ذَكَرَ الله عزّ وجلّ عدَدًا مِن الأنبياء ماذا قال كما في سورة الأنبياء لمّا أثنى عليهم ؟
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }
{ يَدْعُونَنَا رَغَبًا } يعني : يَطلُبون النّفع مِن الله { وَرَهَبًا } يعني : خَوْفًا مِن الله عزّ وجلّ ، ويسألون الله عزّ وجلّ أن يُجَنِّبَهم المكروه وَالضُّرّ
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
▪ومِن الفوائد :
أَكْثِرْ مِن دُعاءِ الله عزّ وجلّ (( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ ولْيَعزِم المَسْألَة )) فَإنَّكَ لن تَخسرَ شيئًا بَلْ ستستفيد
جاء مِن مجموع الأحاديث الصحيحة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم :
أنّ مَن دَعا الله هُوَ بَيْنَ ثلاث حالات :
– إمّا أن تَتَحَقّق لهُ دَعوَتُه
– إن لَمْ تَتَحَقَّق فقد يَصرِفُ الله عزّ وجلّ عنه مِن السُّوء والبلاء نَظير ما دَعاه ، يُمكِن أن يكونَ هذا السوء والبلاء لا يستطيع الإنسان أن يتحمّله ، فَبِتِلك الدَّعَوات التي تُريدُ مِن الله أن تتحقّق قد يَصرِفُ اللهُ عزّ وجلّ عنك البلاء نَظير تِلْك الدَّعَوات
– أو – كما جاءت بِذلك الأحاديث – تُدَّخَر لكَ أجورٌ عِنْدَ الله عزّ وجلّ يومَ القيامة
▪ومِن الفوائد :
إذا سألتَ الله عزّ وجلّ فاسألِ اللهَ كُلّ أُمنِياتك . ولذلك في الرواية (( فَإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ ))
لا يَعظُم على الله عزّ وجلّ شيء
ولذلك في الحديث في صحيح مسلم :
(( قال اللهُ عزّ وجلّ : يا عِبَادِي لَوْ أنّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا في صَعيدٍ واحدٍ ، فَسَأَلني كُلُّ واحدٍ مَسأَلَتَه ، ما نَقَصَ ذلك مِن مُلكي شيئًا إلّا كما يَنقُصُ المِخْيَط – يعني الإبرة – إذا أُدْخِل في البَحْر ))
إذا أُدْخِلَت الإبرةُ في البحر ثُمَّ رَفَعْتَها، كم تأخُذ ؟ لا تأخُذُ شيئًا
{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ .. }
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }
ومِن ثَمَّ فإنّ ما يتعلّق بِجانب الدُّعاء يَحرِص الْمُسْلِمُ على أن يُقْبِلَ على الله عزّ وجلّ بِـقَـلْـبِـهِ حالَ الدُّعاء ، ولْيَعْزِم المسألة ولا يَستَعجِل ، ولْيَعلَم أنّه لن يَخسَرَ شيئًا ، بل سيستفيد مِن دُعائه وَلَوْ لَمْ تَتَحَقّق أُمْنِيّاتُه ، وَلَوْ لَمْ تَتَحَقّق أُمْنِيّاتُه .
هذه فوائد تحتَ هذا الحديث ، وهي بمثابة الأصول . وهذه الأصول لها تَتِمّة -لأنّها مُـــهِـــمَّـــةٌ- بإذن الله عزّ وجلّ