شرح حديث ( الشؤم في ثلاث المرأة والفرس والدار )
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعن غيره ، قوله صلى الله عليه وسلم :
( الشؤم في ثلاث ” المرأة والفرس والدار )
وورد فيهما ( إنما الشؤم )
وورد فيهما : ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار وفي المرأة )
وورد عند مسلم ( إن يكن شيء من الشؤم حق ) ثم ذكر الحديث .
وود عند أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
( إن تكن الطيرة في شيء ) ثم ذكر الحديث .
والطيرة والشؤم بمعنى واحد .
هذا الحديث هل يدل على جواز التشاؤم في هذه الأشياء الثلاثة ؟
قال بعض العلماء :
إن هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى :
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }الحديد22
والصحيح أنه ليس بمنسوخ ، لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال مع إمكان الجمع ولاسيما أنه ورد في نفس الحديث أنه صلى الله عليه وسلم نفى التطير ثم أثبته في هذه الأشياء الثلاثة ، فدل على عدم النسخ .
وقال بعض العلماء :
ليس هناك تشاؤم في هذه الأشياء الثلاثة ، ورواية :
( الشؤم في ثلاثة ) وراية ( إنما الشؤم في ثلاثة ) تفسرها الرواية الأخرى ( إن كان الشؤم في شيء ) كما عند مسلم ،إذاً لا تشاؤم في هذه الأشياء الثلاثة ، كحال التشاؤم المذموم في جميع أحواله .
وقال بعض العلماء :
إن رواية ( إنما الشؤم ) ورواية ( الشؤم في ثلاثة ) مرجوحة ، وإنما الصحيح ( إن كان الشؤم في شيء ) ورواية( إن يكن الشؤم في شيء حق )
وهذا القول قريب من القول الثاني .
وقال بعض العلماء :
الحديث على ظاهره وأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الشؤم في هذه الأشياء الثلاثة لا لأنها مؤثرة بنفسها ، وإنما خيفة من أن يتوسع الباب على أصحابها ، وبالتالي فإنهم يتخلصون من هذه الأشياء الثلاثة ، حتى لا يظن أن كل ما وقع له يكون من هذه الأشياء الثلاثة ، ويدل له ما جاء عند أبي داود :
( أن ناساً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا في دار كثر فيها أموالنا وأولادنا فنزلنا في دار قلَّت فيها أموالنا وأولادنا ، فقال صلى الله عليه وسلم ذروها ذميمة )
يعني اتركوا هذه الدار ، فذمها صلى الله عليه وسلم باعتبار أنها محل لفتح الباب عليهم ، لا لأنها مؤثرة ولا لأنها تجلب هذا الشر الذي لا يلائمه .
ولو قال قائل : هل الحكم يتعلق بالفرس فقط ؟
نقول : يمكن أن يكون الحكم متعلقاً بالفرس باعتبار التنصيص عليه .
لكن ورد عند البخاري في إحدى الروايات ( الدابة ) بدل ( الفرس )
وورد عند مسلم ( المسكن ) بدل ( الدار )
وورد عند الترمذي ( الجمع بين المسكن والدابة )
وبالتالي فإنه فيما يظهر أن الأقرب أنه يشمل كل مركوب وكل مسكن ، ومع هذا كله فلا يستسلم الإنسان لهذه الأشياء، لكن لو لم يتوافق معه بيت ولا امرأة ولا مركوب ، هنا له أن يتخلص منه لا لأنه تشاؤم – لا – حتى لا ينفتح الباب عليه فيظن أن كل ما أصابه إنما من هذه الأشياء .
لو قال قائل :
لماذا هذه الأشياء الثلاثة ، ربما هناك أشياء أخرى ينفتح عليه الباب منها ؟
نقول : لأن هذه الأشياء يكثر للإنسان أن يلازمها ، لأنها قريبة منه باستمرار ، فجاء الشرع بسد الأبواب ، أما ما عداها كما قال صلى الله عليه وسلم في المسند من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ري الله عنهما :
( من ردَّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك )
فهذه الأشياء الثلاثة تسومح فيها لطول ملازمتها للإنسان ،
مع أن بعض العلماء يقول : لا يلتفت إليها بتاتا ، فحالها كحال الأمور الأخرى ، وعلى المسلم أن يحرص على عقيدته وألا يفتح الباب على نفسه ، لكن ذكرت هذه الفوائد من باب أن يكون المسلم على اطلاع على ما قاله أهل العلم .
( ومن الفوائد )
جاء عند الدمياطي بذكر العلة :
الشؤم في ( الفرس ) المقصود منه الفرس الضروب ، لعله لكثرة ضربه يضعف .
والشؤم في ( المرأة ) باعتبار أنها تحن إلى زوجها الأول .
والشؤم في ( الدار ) باعتبار أنه بعيد عن المسجد فلا يسمع الأذان لكن الحديث ضعيف .
( ومن الفوائد )
أن كلمة ( الشؤْم ) بتسكين الواو ، ويجوز أن تسهَّل الواو ويقال ( الشُوُم )
( ومن الفوائد )
قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن كان الشؤم في ثلاث ) وفي رواية ( إنما الشؤم في ثلاث )
قوله ( في ثلاث ) متعلق بمحذوف تقديره ( كائن ) يعني إن ( الشؤم في ثلاث ) فكائن في كذا وكذا .
( ومن الفوائد )
قال القرطبي رحمه :
” ولا يظن أنه يحمل على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر بذاته ، فإن ذلك خطأ ، وإنما عني أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس ، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يترك هذه الأشياء المذكورة في الحديث وأن يستبدلها بغيرها .
( ومن الفوائد )
أنه جاء عند أبي داود الطيالسي :
( أن عائشة رضي الله عنها أُخبِرت عن حديث أبي هريرة ، فقالت رضي الله عنها لم يحفظ ، فإنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ” قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة ، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله )
ولكن مكحول لم يسمع من عائشة رضي الله عنها ، فهذا الحديث منقطع ، لكن رواه أحمد – كما قال ابن حجر رحمه الله :
( أنه دخل عليه رجلان من بني عامر فأخبراها بحديث أبي هريرة فغضبت غضبا شديدا وقالت إنما قاله صلى الله عليه وسلم لأن أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك )
قال ابن حجر رحمه الله : ولا معنى لإنكارها رضي الله عنها ، لأن أبا هريرة رضي الله عنه لم يروه وحده “
وبالفعل فقد مر معنا حديث سعد بن أبي وقاص وكذلك حديث أم سلمة عند ابن ماجه .
( ومن الفوائد )
أن حديث ( إنما الشؤم في ثلاث ) يعارضه حديث حكيم بن معاوية عند الترمذي :
( لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس )
انظروا
البركة والتفاؤل تكون في هذه الأشياء الثلاث ، فخالف ظاهر الحديث السابق الذي أثبت الشؤم ، وهنا قال ( اليُمن )
لكن الحديث ضعيف ، كما قال ابن حجر رحمه الله ، مع مخالفته للأحاديث الصحيحة التي ذكرت الشؤم .
( ومن الفوائد )
أنه جاء في مصنف عبد الرزاق عن معمر رحمه الله ، قال :
( سمعت من يفسر هذا الحديث فيقول إن الشؤم في المرأة باعتبار أنها غير ولود ، والشؤم في الفرس باعتبار لا يُغزى عليه ، والشؤم في الدار لأنه يبتلى بجار السوء )
( ومن الفوائد )
أنه أُمر في حديث ( ذروها ذميمة ) أمر بالانتقال ليزول التعذيب حسما للمادة وسدا للذريعة ، لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد أنه وقع بالتطير ، فيتحول منها .
( ومن الفوائد )
قال ابن حجر رحمه الله : إن قوله ( ذروها ذميمة )
لا يمنع أن يذم المحل المكروه ، وإن كان لا ينسب إليه شرعا ما يكون ، كما يذم العاصي بمعصيته مع أنه بقدر الله عز وجل .
( ومن الفوائد )
أن بعض العلماء يقول : إن ذكر هذه الأشياء الثلاثة باعتبار عدم الموافقة ، يعني يحمل على قلة الموافقة وسوء الطباع ، لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كما في المسند :
( من سعادة المرء المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الهنيء ، ومن شقاوة المرء المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء )
( ومن الفوائد )
أنه ورد عند ابن حبان عن أنس رضي الله عنه :
( لا طيرة والطيرة على من تطير )
ولكن في صحته نظر كما قال ابن حجر رحمه الله
( ومن الفوائد )
أن أم سلمة رضي الله عنها كما عند ابن ماجه ذكرت هذا الحديث بزيادة ( والسيف )
لكنها مدرجة ، والمحفوظ بدون كلمة السيف .
( ومن الفوائد )
أن التشاؤم ذكره ابن حجر رحمه الله في كتابه ” الزواجر عن اقتراف الكبائر “
وابن حجر هذا ليس هو ابن حجر المعروف صاحب الفتح – لا – هذا أحمد بن محمد بن علي بن محمد الهيتمي السعدي أبو العباس رحمه الله توفي سنة 974 للهجرة ، فهو بعد ابن حجر المصري صاحب الفتح لأن اسم ابن حجر الذي نذكره كثيرا هو ” أحمد بن علي بن محمد ” المتوفى سنة 852 للهجرة .