أما بعد : ..
فقد ذكر البخاري رحمه الله في آخر صحيحه قول النبي صلى الله عليه و سلم(كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله و بحمده ، سبحان الله العظيم ) لو نظرنا إلى هذا الحديث لوجدنا أن النبي صلى الله عليه و سلم حث أمته على عمل يسير و هو يسير على من يسره الله عليه ،و لكنه ثقيل على أناس لم يعرفوا قدرهذا الذكر،و لذلك لما أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم و قال( يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فدلني على عمل أتشبث به ) فقال عليه الصلاة و السلام ( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ) فإذا ترطب اللسان بالذكر ظفر الإنسان بحسنات عظيمة،من بين هذه الحسنات أن هاتين الجملتين ثقيلتان في الميزان و هذا يدل على ماذا؟يدل على أن هناك موازين تُنصب يوم القيامة ، هذه الموازين كما دلّت السنة في أحاديث كثيرة يوزن فيها الرجل العامل ، و توزن فيها الصحائف ، و توزن فيها الأعمال ، كما دل هذا الحديث ، و إن كانت أقوالا إلا أن الله تعالى يحولها إلى أجرام توزن ، و لكن ما قدر هاتين الكلمتين الخفيفتين على اللسان ؟ قدرهما أنهما ثقيلتان في الميزان ترجح أعمال العبد و أعظم بهما من كلمتين لأنهما حبيبتان إلى الرحمن ، فالله سبحانه و تعالى يحب أن يُذكر [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ] {البقرة:152} و الذاكر لله عز و جل يكون على خير عظيم، و لذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله ( إن الذكر للقلب بمثابة الماء للسمك، فإذا أخرج السمك من الماء مات السمك فإذا أخرج الذكر من القلب مات القلب ) و الذكر أفضله ما توافق مع القلب ،ليست كلمات مجردة فقط و إنما بالقلب ،و لذا يرتب ابن القيم رحمه الله الذكر على ثلاث مراتب :
أنظروا (سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم) كلمات بها سجع و ليس بها عيب إذا أتت من غير قصد ، فالسجع المنهي عنه ما أُتي به على وجه التكلف ، أو إذا أُريد بالسجع أن يبطل الحق ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لذاك الرجل ( أسجع كسجع الكهان )لما أراد أن يبطل حقا أوجبه الشرع ، ما هاتان الكلمتان ؟ سبحان الله و بحمد سبحان الله العظيم ، ما أسهلها ( سبحان الله ) تنزه الله عز و جل عما يليق به (و بحمده) تثبت المحامد الكاملة لله عز و جل ،فإذا انتفى عن الله عز و جل ما لا يليق به و كان له من الصفات أعظمها أليس هو الأحق بالتعظيم ؟ بلى ، و لذا ما الذي بعدها ؟ سبحان الله العظيم ، و لذلك أبو ذر قال للنبي صلى الله عليه و سلم كما في صحيح مسلم ( ما أحب الكلام إلى الله ؟ قال عليه الصلاة و السلام : ما اصطفاه الله لملائكته سبحان الله وبحمده )
اصطَفى اللهُ عزّ وجلّ هذه الكلماتِ لِملائكتِه فَعَلَى العبدِ أنْ يُكثِرَ مِن ذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، و مَنْ أكثرَ مِن ذِكْرِ اللهِ مَنَعَهُ هذا الذِّكْرُ مِنْ أنْ يقعَ فِيما يُسْخِطُ اللهَ .
أسأل الله أن نكون من الذاكرين الله كثيرا ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم