( أما بعد : فيا عباد الله )
هنا فوائد متناثرة عن المطر والاستسقاء والأجواء ، ولعل بعض هذه الفوائد تكون نادرة .
( من الفوائد )
” أن صلاة الاستقاء سنة مؤكدة عند جميع العلماء ما عدا أبا حنيفة رحمه الله فإنه لا يرى سنيتها “
( ومن الفوائد )
أن أول صلاة للاستسقاء فعلها النبي صلى الله عليه وسلم – كما ذكر ابن حبان رحمه الله – كانت في السنة السادسة من الهجرة ، في شهر رمضان .
( ومن الفوائد )
أنه جاء في حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء )
قد يفهم من هذا أنه لا ترفع اليدان في الدعاء إلا في حالة الاستسقاء فقط ، وهذا ليس بصحيح ، ولهذا قال ابن حجر رحمه الله ” يحمل قول أنس على ما رآه رضي الله عنه ، وإلا فإن الأحاديث كثيرة في استحباب رفع اليدين في الدعاء “
( ومن الفوائد )
أنه من المعلوم أنه إذا قحطت الأرض وأجدبت تشرع صلاة الاستسقاء “
لكن لو قال قائل :
لو أن الأنهار غارت ، وكذلك العيون غارت مياهها ، أيشرع الاستسقاء من أجل أن تعود مياه هذه الأنهار ومياه هذه العيون إلى حالتها السابقة ؟
قولان لأهل العلم : والصواب أنه لا يشرع مثل هذا ، لم ؟ لأن نهر النيل غار في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يستسق .
( ومن الفوائد )
أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( إذا استسقى على منبر يوم الجمعة في خطبتها رفع يديه )
وكذلك ( الصحابة رفعوا أيديهم ) كما جاء عند البخاري
لكن في غير دعاء الاستسقاء في الخطبة لا ترفع اليد لا من الخطيب ولا من المأموم – وهذا هو الصواب – لما ورد عند مسلم كما في حديث عمارة بن رويبة :
( أنه صلى الله عليه وسلم في الخطبة إذا دعا أشار بأصبعه السبابة )
( ومن الفوائد )
أنه جاء في الصحيحين :
( أنه لما أجدبت الأرض وأتى ذلكم الرجل فقال يا رسول الله هلكت الأموال وجاع العيال فاستسق لنا ، فاستسقى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله المطر ، فأتى رجل ) لكن هل هو هذا الرجل أم غيره ؟
يقول ابن حجر رحمه الله : المذكور في الحديث أنه نكرة ، والقاعدة:
[ أن النكرة إذا تعددت فإنها تقتضي المغايرة ]
بمعنى أن هذا الرجل الذي أتى فقال ( اسأل الله أن يحبس عنا المطر ) هو غير الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة التي سبقتها طلب منه أن يستسقي له .
ولكن هذه القاعدة لا يلتفت إليها هنا ، لم ؟
لأنه وردت آثار كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :
( أن هذا الرجل هو الرجل بعينه الذي طلب الاستسقاء وهو الذي طلب إمساك المطر )
( ومن الفوائد )
أنه جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى على منبر يوم الجمعة في خطبتها أنه سال وادي قناة شهرا )
” قناة “ هي أرض زراعية بالمدينة من جهة أحد ، قال :
( سال وادي قناة شهرا ، ولم يأت أحد من أي ناحية إلا حدَّث بالجََود )
يعني بالمطر الغزير .
( ومن الفوائد )
ما هي الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تقال في الاستسقاء ؟
مما ورد كما عند أبي داود من حديث عائشة رضي الله عنها :
( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغاً إلى حين )
وأيضا من الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود :
( اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت )
ومن الأدعية كما في صحيح البخاري :
( اللهم اسقنا )
وعند البخاري ومسلم :
( اللهم أغثنا )
وعند أبي داود :
( اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا عاجلا غير آجل نافعاً غير ضار )
هناك دعاء يقال ، لكن هل هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟وهو :
( اللهم سقيا رحمة ، لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء وغرق ، اللهم إن بالبلاد من اللأواء والجهد والجوع ما لا نشكوه إلا إليك ، اللهم أنبت لنا به الزرع وأدر لنا به الضرع ، واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك ، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفر بأنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا )
قال ابن حجر رحمه الله ” روي مرفوعا ولكني لم أقف عليه “
وقد جاءت الجملة الأولى :
( اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق )
جاءت عند البيهقي وعند الشافعي رحمه الله في مسنده ، لكنها مرسلة .
لكن قال الألباني رحمه الله كما في ” تمام المنة ” قال :
” وهذا إعلال قاصر جداً ، بل في هذا الحديث من هو متهم بالكذب والوضع “
إذاً هذه الجمل لو قالها الإنسان أحيانا لا بأس بها ، لكنها لم ترد عنه صلى الله عليه وسلم فيما نعلم .
( ومن الفوائد )
أن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود :
( في مصلى الاستسقاء لم يزل يرفع يديه )
وهذا يدل على استحباب رفع اليدين في الاستسقاء .
( ومن الفوائد )
كما جاء عند أبي داود من حديث عائشة رضي الله عنها:
( أن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استقبل الناس بظهره وحوَّل رداءه ) وتحويل الرداء هو أن يقلب من جهة اليمين إلى جهة اليسار – على الصحيح ( وحوَّل رداءه وهو رافع يديه )
هذا يدل على أن استقبال القبلة – كما قال ابن حجر رحمه الله – أثناء الاستسقاء في المصلى ، وأن تحويل الرداء لا يكون بعد الفراغ من الاستسقاء – لا – وإنما يكون في ثنايا الاستسقاء وهو رافع يديه .
( ومن الفوائد )
جاء عند أبي داود من حديث عائشة رضي الله عنها بإسناد حسن :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى أنشئت سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله )
الفائدة هنا في قوله ( ثم أمطر بإذن الله )
يقول بعض العلماء : إذا جاء كلمة ( مطر ) في النصوص الشرعية فتدل على الخير ، كما في الصحيحين :
( مطرنا بفضل الله ورحمته )
وإن أتت كلمة ( أمطر ) بالهمزة فتدل على العذاب ، قال تعالى :
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ }الأعراف84
كما في قصة لوط .
لكن هذه الرواية في هذا الحديث ترد هذا القول ، فيرد في جانب مطر الخير ( أمطر – ومطر ) كما هنا :
( أنشئت سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله )
( ومن الفوائد )
بيان حال البشر وأنهم ضعفاء ، يريدون المطر وإذا نزل المطر إذا بهم في حال المطر غير حالهم قبل نزول المطر ، كيف ؟
في حديث عائشة رضي الله عنها في سنن أبي داود :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى سالت السيول فأسرع الناس إلى الكِنّ )
يعني يذهبون لكي يستتروا من المطر ( فأسرع الناس إلى الكن ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله ) صلوات ربي وسلامه عليه .
( ومن الفوائد )
أنه يستحب للخطباء في صلاة الاستسقاء – ليس في الجمعة – أن يكثروا من الاستغفار في ثنايا خطبة الاستسقاء “
ولذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى بهم صلاة الاستسقاء فلم يزد على الاستغفار ، فقيل له إنك لم تخطب ولم تستسق !
فقال رضي الله عنه : ” لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها الغيث “
رواه سعيد بن منصور في سننه ، قال الألباني رحمه الله كما في ” الإرواء ” هو محتمل للتحسين .
( ومن الفوائد )
أن صلاة الاستسقاء هي مثل صلاة العيد إلا في بعض الأشياء ،لكن الأصل أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد من حيث الصفة ومن حيث الأحكام ، ولذلك في حديث ابن عباس بإسناد حسن أنه قال :
( صلاها النبي صلى الله عليه وسلم – يعني صلاة الاستسقاء – كما كان يصلي صلاة العيد )
( ومن الفوائد )
أنه جاء في الصحيحين :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه )
وجاء عند مسلم :
( أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء حتى جعل ظهور يديه نحو السماء )
فهل إذا استسقى المسلم يجعل ظهور كفيه إلى السماء أم لا ؟
قال بهذا بعض العلماء .
لكن شيخ الإسلام رحمه الله يقول : ( فجعل ظهورهما نحو السماء ) لأنه بالغ صلى الله عليه وسلم بالرفع فظنَّ من يراه من شدة الرفع أن ظهور الكفين نحو السماء .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود :
( إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها )
( ومن الفوائد )
أن الإنسان إذا خرج إلى صلاة الاستسقاء يخرج متواضعا متخشعا متذللا ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
أيستحب إخراج البهائم في صلاة الاستسقاء ؟
الصحيح أنه لا يستحب ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم .
لكن لو قال قائل : ورد عند أحمد رحمه الله في ” الزهد “( أن سليمان عليه السلام لما أراد أن يستسقي وذهب معه أصحابه فرأى نملة تستسقي فقال عليه السلام لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم )
يعني باستسقاء هذه النملة .
لكن هذا الحديث لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم ، بل هو حديث ضعيف في شأن سليمان عليه السلام .
( ومن الفوائد )
أن تحويل الرداء في صلاة الاستسقاء يكون من جهة اليمين إلى جهة اليسار ، وهذا هو رأي الجمهور ، خلافا للشافعي رحمه الله الذي يقول بالتنكيس ، بمعنى أنه يجعل ما هو أعلى في الأسفل وما هو في الأسفل في الأعلى .
لكن الصحيح وتدل عليه الروايات هو رأي الجمهور من أنه يقلب الرداء من جهة اليمين إلى جهة اليسار ، ومن اليسار إلى جهة اليمين ، لماذا ؟
جاء عند الدارقطني وقال إنه مرسل ، وقال ابن حجر رحمه الله رواته ثقات ، قال :
( إنه أمارة بينك وبين الله ليتحول حالك )
إذاً من باب التفاؤل أن يقلب الله حال الجدب إلى حال الرخاء والسعة .
لو قال قائل :
كم يبقى معي هذا الرداء الذي حولته ؟
يبقى حتى تنزع لباسك ، فإذا نزعت لباسك فلتنزعه .
وبعض الناس لا يلبس مشلحا ، بإمكانه أن يحول شماغه أو أي شيء من ملابسه وبذلك تحصل السنة بإذن الله جل وعلا .
( ومن الفوائد )
أن صلاة الاستسقاء في المصلى من السنة ، وهنا سنة هجرت والأئمة لو فعلوها لشنع بها ، وهذا من باب تضييع السنن ، يفترض على العلماء وعلى طلاب العلم أن يبينوا للناس السنن ولو لم تطبق حاليا ، أهم شيء ألا تذهب هذه السنن ، لأنه لو سكت عن هذه السنة ربما لو فعلت قيل هذه بدعة ، ننبه الناس ولو لم نفعلها ، غدا أو بعد غد لما ينتشر هذا العلم الذي يكاد أن يندثر من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فربما في المستقبل أن تطبق في الواقع ، ما هي تلك السنة ؟
المشهور والمعروف والمطبق أن خطبة الاستسقاء تكون بعد صلاة الاستسقاء – كما جاء في المسند من فعله صلى الله عليه وسلم – ألا تعلموا أنه صلى الله عليه وسلم ورد عنه كما عند أبي داود أنه خطب قبل صلاة الاستسقاء
( أتى إلى المصلى فخطب ورفع يديه وحوَّل ظهره إلى الناس وحوَّل رداءه وجعل يدعو ثم نزل فصلى بالناس ركعتين )
وكثير من الناس لا يعرفونها ويمكن لم يُسمع بها إلا الآن ، فلينتبه إلى تطبيق السنن .
( ومن الفوائد )
أنه إذا تأهب الناس للخروج لصلاة الاستسقاء فأنزل الله المطر فهل يصلون أم لا ؟
انتشر في صلاة الاستسقاء أن صلاة الاستسقاء مثلا في يوم ” الاثنين “ وليعلم أنه ليس هناك دليل فيما نعلم على تخصيص يوم الاثنين بصلاة الاستسقاء ، لكن ربما يختار يوم الاثنين لأن الناس في معظمهم صوَّام ، لكن ليست هناك سنة معلومة عنه صلى الله عليه وسلم في تخصيص يوم الاثنين لصلاة الاستسقاء .
لو أن الناس تأهبوا للخروج فهل يستسقون أم لا ؟
إذا كان هذا المطر نافعا بحيث عمَّ أرجاء البلاد ولم تبق حاجة في مدينة من المدن ، هنا لا يخرجون ولو فعلوا لابتدعوا ، لأنها سنة شرعت لسبب وفات هذا السبب .
لكن لو أن المطر نزل عندنا ، لكن في بعض المدن مازالت الناس بحاجة ، فهل نصلي مع أن المطر نزل علينا ؟
نصلي لرفع حاجة إخواننا المسلمين .
نكتفي بهذا القدر ، والآن انتشر الحديث عما يسمى ” قوس قزح ” وبعض الناس ربما تمر به ما تسمى المجرة ” وتكون في السماء ، ما هي هذه المجرة ؟ وما يتعلق بقوس قزح لو مثلا اخضر هل له حكمة أو اصفر هل له حكمة ؟ وأيضا فيما يخص الرياح هل لو هبَّت الرياح هل نفعل فعلا آخر غير الدعاء ؟
نكمل إن شاء الله تعالى في الخطبة القادمة .
الخاتمة : ………………..