( فوائد مجهولة وسنن مهجورة ــ الجزء الثالث )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
ما زال الحديث يتبع بعضه بعضاً عن أحاديث تضمنت ” إما فائدة مجهولة وإما سنة مهجورة “
( فمن الفوائد )
أن هناك سنة قد هجرت حال الأكل أو بعد الأكل عند إخوانه المسلمين “
جاء في المسند من حديث أنس رضي الله عنه :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند قوم )
يعني إذا أكل شيئا عند قوم
( قال : أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامَكم الأبرار وتنزلت عليكم الملائكة )
وفي رواية الطبراني :
( وصلَّت عليكم الملائكة )
أو يقول كما جاء عند مسلم من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه :
( اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم )
هذه الأدعية – وللأسف – لا تقال عندما يأكل الإنسان وجبة إفطار أو غداء أو عشاء عند إخوانه .
( ومن الفوائد )
أن الناس يستريبون “ هل الموتى يعرفون أحوال الأحياء ” ؟
جاء في المسند من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن أعمالكم تُعرض على عشائركم وأقربائكم الأموات ، فإن كانت خيراً استبشروا ، وإن كانت سوى ذلك قالوا ” اللهم لا تميتهم حتى تهديهم كما هديتنا )
________
( ومن الفوائد )
أنه من المعلوم ” أن إخراج الزكاة من الواجبات “ ولكنَّ بعضاً من الناس لا يعلم أن في تركه لإخراج الزكاة شراً في ماله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن خزيمة من حديث جابر رضي الله عنه :
( إذا أدَّيت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شرَّه )
( ومن الفوائد )
وهذا يصلح لمن كان أميناً لصندوق أو خازناً أو وزير مالية ، أو من يتكفل بشؤون شخص من التجَّار الذين يُأمرون بإخراج شيء من الأموال ، عليهم أن يستحضروا طيبة النفس في إخراجه مع أنه لا يخرج من أموالهم ، فمثلا : لو ” أمر الملك بشيء فإن من يكون له ولاية على إخراج هذا المال ممن هو خازن أو من هو وزير أو من هو أمين لثروة شخص من الأشخاص وأمر أن يُخرج شيء من ماله ”
عليه أن يخرجه بنية طيبة سمحة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه :
( الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أُمِر به كاملا مُوفرا طيِّبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر به هو أحد المتصدقين )
فيكون هو ومن مالك لهذا المال يكونان في الأجر سواء من حيث الصدقة .
********
( ومن الفوائد )
أنه مما ينبغي للمسلم : إذا رزقه الله خيرا أن يبدأ بنفسه ويبدأ بأهل بيته “
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ، قال :
( إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته )
( ومن الفوائد )
أنه من المعلوم ” أن التجارة يندر فيها أن تكون خالصة من الشوائب “ ولاسيما في هذا الزمن ، فعلى التجار أن يكثروا من الصدقة ” قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند والسنن :
( يا معشر التجَّار إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة )
________
( ومن الفوائد )
أنه ينبغي للمسلم ألا يسأل الناس أي شيء مهما كان ولو قلّ ولو دقَّ ، حتى لو وقع السوط على الأرض لا تسأل أحداً أن يرفعه إليك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث أبي ذر رضي الله عنه :
( لا تسأل الناس شيئا ولو سوطك ، وإن سقط سوطك حتى تنزل إليه فتأخذه )
( ومن الفوائد )
أن الناس يعرفون فضل صيام ثلاثة أيام من الشهر ”
لكن يجهلون أن صيام ثلاثة أيام من الشهر فيها تنقية وتصفية لقلب العبد مما يشوبه من الحقد والحسد ونحو ذلك ، فهو علاج
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند النسائي :
( ألا أخبركم بما يُذهب وحْر الصدر ؟ )
يعني غبشه من حقد وحسد
( قالوا : وما هو يا رسول الله ؟
قال : صيام ثلاثة أيام من كل شهر )
والناس يعرفون فضل صيام أيام البيض “ لكنهم يجهلون ما جاء عند الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدع صيام أيام البيض لا في حضر ولا في سفر )
( ومن الفوائد )
أن من السنة “ أن يكثر العبد من صيام شهر شعبان “
وجاءت أحاديث كثير ة منها حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود :
( كان أحب الشهور إليه صلى الله عليه وسلم أن يصوم شعبان ثم يصله برمضان )
( ومن الفوائد )
أن من يذهب إلى العمرة أو إلى الحج : عليه أن يكثر من التلبية ومن التكبير ، وهذا شيء وارد فضله في الشريعة ، لكن هناك فضل يجهله كثير من الناس إن لم يكن الكل ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( ما أهلَّ مُهل ولا كبَّر مكبر إلا بُشِّر بالجنة)
( ومن الفوائد )
أن من كان ساكنا في مكة أو من لديه ماء زمزم وأتى شخص مسافر فازدحم الناس على ماء زمزم فعليهم أن يقدموا المسافر ، فالمسافر أولى بالشرب ممن هو مقيم وعنده ماء زمزم ،قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( ابن السبيل أولُ شارب )
________
( ومن الفوائد )
أن هناك سنة يعمل بها الناس ويجهلون أنها سنة ، وهي ” حملهم لماء زمزم ”
بعض الناس إذا ذهب إلى مكة يحمل معه ماء زمزم هذا من السنة .
_وماء زمزم لا يتغير بإخراجه من مكة ، ولا تذهب بركته، ولذا في حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل ماء زمزم )
( ومن الفوائد )
أن الناس يعرفون” فضل استلام الحَجَر الأسود “
وهناك أحاديث كثيرة في فضله ، وسبق وأن ذكرتها في خطب تتعلق بالحج ، لكن هناك حديث يجهله كثير من الناس ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :
( إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق )
( ومن الفوائد )
وهذا خطأ عظيم يقع فيه كثير من أصحاب البهائم ولاسيما الإبل ،أنهم :
” إذا أتوا بالفحل إلى شخص ما أخذوا على ضرابه أجرة “
فهذا لا يجوز ، لا يجوز أن تأخذ عوضا على ضراب البهائم من فحولها، ولذا في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه :
( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل )
فإذا أردت أن يكون لك أجر فلتهده إلى صاحبك أو إلى أخيك المسلم ، وإن كنت لا تعرفه ابتغاء الأجر من الله عز وجل .
________
( ومن الفوائد )
وهي سنة مهجورة :
” أن من أراد أن يبيع أرضه أو يبيع بيته ، وليس هناك شراكة بينه وبين جاره الذي هو ملاصق له ”
السنة في حقه أن يعرضه عليه – وليس بواجب – لكن من السنة إذا أردت أن تبيع بيتك أو أن تبيع أرضك عليك أن تعرضها أو تعرض بيتك على جارك الملاصق لك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
( من كانت له أرض فأراد أن يبيعها فليعرضها على جاره )
( ومن الفوائد )
أنه ما ينبغي للمسلم ” أن يرد الهدية التي تهدى إليه ولو قلَّت ، ولذا في المسند قال صلى الله عليه وسلم :
( لا تردوا الهدية )
وجاء عند البخاري :
( كان صلى الله عليه وسلم يقبلُ الهدية ويثيب عليها )
( ومن الفوائد )
أنه مما يستحب وليس بواجب مما يستحب للمرأة إذا كان لديها مال ” ألا تتصدق من هذا المال إلا إذا أخبرت واستأذنت زوجها “
وليس بواجب حتى لا يتسلط الرجال على الناس – لا – وإنما هو من السنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :
( لا يجوز لامرأة هبة من مالها إلا بإذن زوجها إذا ملك زوجها عصمتها )
( ومن الفوائد )
أن من السنة : أن يعطى الأجير أجرته ، وهذا شيء معروف ، ولكن هناك عقاب شديد لمن فرَّط في هذا الجانب ، لأن بعضاً من الناس يكون عنده عمال تحت كفالته ويماطل بهم في رواتبهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الحاكم :
( إن أعظم الذنوب عند الله رجلٌ تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها ، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته ، وآخر يقتل دابة عبثاً )
لا يريد إلا العبث .
( ومن الفوائد )
وهذا خاص بالمتزوجين أو لمن هو مقبل على الزواج :
أنه إذا أراد أن يجامع زوجته عليه أن يستحضر أن ينشأ من هذا الجماع بإذن الله ولد صالح ، هذا جانب .
الجانب الآخر : ألا يكون مستعجلاً في جماعه لزوجته ، بل يسبق ذلك مداعبة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر عند الخطيب البغدادي قال لجابر :
( إذا أتيت أهلك فاعمل عملاً كيِّساً ) يعني اعمل عمل من هو ذو عقل يرغب في الولد ويرغب في الاستمتاع بهذا الجماع .
( ومن الفوائد )
أن الناس يجهلون حال المرأة فيما لو تزوجت باثنين فماتوا ، لمن تكون في الجنة لو دخلوا الجنة ؟
قال بعض العلماء : هي تختار .
ولكن جاء حديث فصل في هذا الموضوع وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه :
( المرأة لآخر أزواجها )
________
( ومن الفوائد )
أن بعضاً من الناس قد يشير إلى أخيه المسلم ليروعه بحديدة – يريد المزاح – وكما يحصل من البعض يرى صاحبه في الطريق فيميل إليه بالسيارة ، هذا من الخطأ الشديد وعليه الوعيد واللعنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( من أشار لأخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه )
( ومن الفوائد )
أن من حفر بئرا في أرضه فسقط فيها أحد فمات ، ولم يفرِّط في هذا الحفر ، أو أنه أشعل نارا ولم يفرط في إشعال هذه النار بحيث تكون كبيرة ، وإنما أشعلها بقدر الحاجة ، أو أنه مر بدابته فأفسدت هذه الدابة شيئا بمؤخرتها ، فإنه لا يترتب عليه شئ لا من حيث حكم الآخرة ولا من حيث حكم الدنيا ، يعني يكون هدرا .
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( العجماء جُبار )
العجماء : البهيمة .
جبار : هَدَر .
( العجماء جبار ، والبئر جبار )
وجاء عند أبي داود :
( النار جبار )
********
( ومن الفوائد )
وهذا مما قد يحصل من فتن في هذه الأيام ، وما يدرى ماذا سيكون في مستقبل الأيام ، على المسلم أن يتقي الله عز وجل فيما يخص ولاة أمره وفيما يخص نفسه هو ، كيف؟
يعني إما أن يوقر ولي الأمر وأن يحترمه ، وإن عجز فعليه أن يلزم بيته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث معاذ رضي الله عنه :
( خمسٌ من فعلهن كان ضامنا على الله )
يعني أجره مضمون ، ذكر من بين هؤلاء الخمسة ، قال :
( رجل دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره )
إن لم يفعل ويجعل لولي الأمر قدرا ومكانة ، لأن هذا القدر والمكانة لم نجعلها نحن في أنفسنا لولي الأمر – لا – وإنما جعلها الشرع ، ولذلك من يقرأ كتب أهل السنة والجماعة يرى ذلك ، قال :
( أو رجل قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس )
( ومن الفوائد )
أنه من المعلوم أن الناس يسافرون في مثل هذه الأيام وفي غيرها ، لكن الأفضل – وهي سنة لا يعرفها الناس – أن الأفضل أن يسافر المسلم يوم الخميس ، ولذلك جاء عند الطبراني :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب ان يسافر يوم الخميس )
والأفضل لمن أراد أن يسافر يوم الخميس أو في غيره من الأيام – وهذا على حسب الوسع وقدر الإنسان – الأفضل له أن يسافر بالليل ، وهذا شيء أدركته أنا ، سافرت إلى منطقة بالليل وبالنهار ووجدت الفرق بينهما ، لأن الأرض تطوى بالليل ، قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه :
( عليكم بالدلجة )
يعني بالسفر بالليل .
( عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل )
********
( ومن الفوائد )
أن ” تعليم وتعلم السباحة مستحب وكذلك الرمي “
فمن السنة أن يعلم الإنسان نفسه الرمي وأن يعلم أولاده ، وأن يعلم نفسه السباحة وأن يعلم أولاده ومن تحته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند النسائي من حديث جابر رضي الله عنه :
( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب )
قال القرطبي رحمه الله :
” هذا الحديث يدل على تحريم الغناء ” وهذه فائدة عرضية ، والأدلة على ذلك كثيرة .
( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب إلا أن تكو ن أربعا ، ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين )
يعني بين الهدفين الذين يرميان بالرماية .
( وتعليم الرجل السباحة )
( ومن الفوائد )
وهي سنة مهجورة :
أنه من باب الوجوب – كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام رحمه – وليس مستحبا إنما هو من باب الوجوب
” أنه في السفر إذا كنتم ثلاثة فأكثر أن تؤمِّروا واحدا “
وإذا أُمِّر هذا الأمير في هذا السفر يجب أن يطاع ، ليست أمارة شكلية أو صورية كما يظن بعض الناس – لا – وإنما إذا أُمِّر الأمير في السفر فعليه أن يطاع فيما يأمر وفيما ينهى بالمعروف .
الدليل :
قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّرا أحدهم )
إذاً / من باب أولى اذا كانوا أربعة أو خمسة أو ستة .
********
الخطبة الثانية
( أما بعد فيا عباد الله )
من المعلوم “ أن المسلم إذا مات يغسل وترا ، إما ثلاثا أو خمسا أو سبعا “ كما جاءت بذلك الأحاديث ، وكذلك يحفر له اللحد في القبر ، هذه ليست سنة محمدية – لا – بل هي سنة أبينا آدم عليه السلام ، ولذا جاء عند الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لما توفي آدم غسلته الملائكة وتراً ، ولحدوا له لحداً ، وقالوا هي سنة آدم في ولده )
( ومن الفوائد )
وهذا مما نجهله :
“أنه يستحب للمسلم إذا زار أحدا كصديق أو قريب أو ما شابه ذلك ورأى الصبيان عليه أن يسلم عليهم وأن يمسح على رؤوسهم “
هذا من السنة خصوصا ” مسح الرأس “ يكاد أن يكون معدوما ، ولذلك عند النسائي من حديث أنس رضي الله عنه :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ) صلوات ربي وسلامه عليه
والحديث يتبع بعضه في الجمعة القادمة إن شاء الله تعالى ، وكما أسلفت هذه السنن إذا لم يستطع المسلم أن يعمل بها على وجه الدوام أو على وجه الإكثار ، على أقل الأحوال لو يعمل بها مرة واحدة في عمره حتى يصدق عليه أنه اتبع النبي صلى الله عليه وسلم إما في قوله وإما في فعله في هذه السنة حتى يُكتب عند الله أنه تأسى واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة ولو مرة واحدة في عمره .
الخاتمة : ………………..