ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
لقرب خروج فصل الشتاء وقرب صيد ما يسمى بـ ( الضب ) هذا الضب من حيث بيان حكم الشرع فيه وما له من المحاسن وما عليه من المساوئ ، كان من المناسب شرعاً أن يُبين ما هو حال هذا الحيوان .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
هذا الضب ما حكم أكله ؟
هل هو محرم ؟ قد قال به طائفة من أهل العلم ، ولكنه قول ضعيف .
هل يكره أكله مطلقا ؟
قد قال بهذا طائفة من أهل العلم .
ولكن الصواب / أنه يكره في حق من لا ترغبه نفسه ومن يتقذر منه ، أما من لا يتقذر منه وترغب نفسه إليه فإنه حلال ولا بأس به ، هذا حكم فأين الأدلة ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنها :
يعني بين بين .
النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود والنسائي :
يعني لم ينه عن أكله ، صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين قال :
( دخلت على خالتي ميمونة ) زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ( إذ قُرِّب إليه خَوان ) شيء يوضع عليه الطعام
( وعليه لحم ، فلما أراد أن يأكل قالت إنه لحم ضب يا رسول الله ، فكفَّ يده صلى الله عليه وسلم ثم قال لم يكن بأرض قومي )
عند مسلم :
( قال لهم : كلوا ، فأكل خالدٌ والفضل والمرأة ، قال كلوا وأطعموا فإنه حلال – أو قال – إنه ليس به بأس لكنه ليس بطعامي )
لو قال قائل : جاء في حديث عبد الرحمن بن شبل كما عند أبي داود :
( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب )
المقصود من النهي هنا : نهي التنزيه والكراهة لمن لا يرغب فيه ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يرغب في أكله .
ومما يدل على ذلك ما جاء في المسند وقال عنه ابن حجر رحمه الله في الفتح ” إسناده صحيح “ قال عبد الرحمن بن حسنة :
( نزلنا بأرض كثيرة الضباب فطبخوا منها وأكلوا ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وأخشى أن تكون هذه فأكفئوها ) يعني القدور ( فقالوا يا رسول الله الناس قد اشتووها وأكلوها ، فلم يأكل ولم ينه )
فدل على أن النهي ليس للتحريم وإنما للكراهة لمن يتقذر ذلك .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وأخشى أن تكون هذه )
وفي الحديث الآخر : ( وإني لا أدري ما هي )
فإنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم بهذه ، ثم على افتراض هذا فإنه صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الضب ما قاله من الشك أنه مسخ مما مسخت به دواب من بني إسرائيل إنما قال ذلك قبل أن يعلمه الله جل وعلا أنه لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا ، فإنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود ، لما ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير ، قال :
( إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا ، وكانت القردة والخنازير قبل ذلك )
فدل هذا على أن ما يوجد الآن من قردة ومن خنازير فإنها ليست نسلا مما مسخ من بني إسرائيل
وجاء عند الطحاوي من حديث عائشة رضي الله عنها :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه ضب فلم يأكله عليه الصلاة والسلام ، فقام سائل على بيته ، فقامت رضي الله عنها فأعطته الضب ، فقال صلى الله عليه وسلم أتعطينه ما لا تأكلين ؟ )
وهذا مثل النهي بالتصدق بالتمر الرديء يجوز التصدق به ، ولكن من الأفضل ألا يفعل ذلك ، لكن لو تصدق بالتمر الرديء فلا إشكال في ذلك ، لو تصدق بالضب من يكرهه أيضا فلا إشكال في ذلك .
فخلاصة الحكم : أن أكل الضب ليس بمحرم وليس بمكروه مطلقا ، وإنما مكروه لمن يتقذر من أكله ومن لا يرغب فيه ، وهذا فحوى حكم ابن حجر رحمه الله وغيره من العلماء كثير .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
لو قال قائل :
لماذا لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم الضب ؟
فالجواب عن هذا :
أنه ليس بأرض قومه ، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين الذي ذكرته آنفا ، قال :
( إنه ليس بأرض قومي ) وعند مسلم ( ليس بطعامي )
وهذا كما قال ابن بطال رحمه الله :
” لو أن الإنسان منع نفسه من أكل ما هو حلال لعدم اعتياد بيئته لأكله فلا يدخل في الذم “
لأنه صلى الله عليه وسلم ما رغب في أكله لأنه ليس بأرض قومه وليس من طعامه صلى الله عليه وسلم .
وجاء عند الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ، قال :
( فإني يحضرني من الله حاضرة )
قال المازري رحمه الله ” يعني الملائكة “
قالوا : لأن لحم الضب ثقيل وتنشأ منه رائحة ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أكله كما كره أكل الثوم من أجل الملائكة .
قال ابن حجر رحمه الله : إن صح هذا الحديث فهذا يدل على أن عدم أكله صلى الله عليه وسلم للضب من أجل سببين :
أولا : أنه ليس بأرض قومه .
ثانيا : لأن الملائكة تحضره عليه الصلاة والسلام ، فكره أن يستقبلها برائحة لحم الضب .
لو قال قائل : أليست الضباب موجودة في الحجاز ؟
فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنه ليس بأرض قومي ) كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
فالجواب عن هذا : أن أرض الحجاز موجود بها الضباب ، لكن مقصوده صلى الله عليه وسلم في قوله ( ليس بأرض قومي ) يعني مكة وما حولها ، ومما يدل على أن الضب موجود في الحجاز ما جاء في صحيح مسلم عن يزيد بن الأصم قال :
( دعانا عروس ) وهذا يدل على أنه ربما يوضع لحم الضب وليمة للزوج .
( عروس ) العروس في اللغة العربية تطلق على الرجل وعلى المرأة ، فلو قال شخص ” امرأة عروس ” و ” رجل عروس ” فهذا صحيح ، بعض الناس يظن أن كلمة
” عروس “ تطلق على المرأة فقط – لا – ” رجل عروس وامرأة عروس ”
قال ( دعانا عروس فقدم لنا ثلاثة عشر ضبا )
فدل هذا على أنه موجود بأرض الحجاز .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
هذا الضب عمره طويل ، ربما يصل – كما ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح عن بعض علماء اللغة – ربما يصل عمره إلى سبعمائة سنة .
قال أنس رضي الله عنه : ” إن الضب ليموت في جحره هزالا بسبب ذنب ابن آدم “
يعني لما تحبس السماء المطر ، لماذا ذكر أنس رضي الله عنه الضب ؟
لأنه من أقوى وأصبر الحيوانات على الجوع ومع ذلك يموت هزالا بسبب ذنوب بني آدم .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
– هذا الضب لا يشرب ، هذا ما ذكروه ، لكني رأيت في مقطع أن هناك ضبا يشرب ، لكن هل شربه مجرد هواء من هذا الماء – الله أعلم – لكن العرب يقولون إنه لا يشرب – – ويكتفي بالنسيم البارد وبرد الهواء .
– يبول في كل أربعين يوما قطرة .
– لا يسقط له سن ، وأسنانه قطعة واحدة ، وهذا شيء مشاهد
– لحمه : يذهب بالعطش ، ولا يخرج في الشتاء .
– ذنبه : ذوب عقد ، كما هو معروف .
– طول ذنبه : يكون قدر شبر ، يعني أطول ما يكون .
– جلده : عند العرب يدبغ فيوضع فيه السمن .
– هو : دويبة – كما في لسان العرب – يشبه الورل .
ينطق الضب بالضاد بدون العصا ، ويكتبه بعض الناس بالظاء بعصا ، وهو في اللغة يكتب بالضاد من غير عصا وينطق بالضاد .
وكيف يجمع الضب ؟
يجمع ا لضب : ” أضب “ تقول هذه أضب وضباب ، وبعض الألفاظ التي تنطق بها الضب هي موجودة في اللغة العربية ، لكن ربما نحن من خلال المستشرقين غُير في لفظها وفي تشكيلها وحتى ما هو من المزايا موجود عندنا وموجود عند العرب ، لكن هناك بعض التغيرات في النطق .
إذاً جمعه ” أضب وضباب ” وإذا كثرت الضباب كثرة عظيمة توصف في اللغة العربية أنها ” ضبان “
– الأرض التي بها الضباب تطقها عن العرب ” أرض مضبة ”
يعني كثيرة الضباب ، وهذا مما ينطق به أصحاب هذه الضباب .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
العرب تستقذر الورل ولا تستقذر الضب ، لم ؟
لأن الورل يأكل العقارب والحيات والخنافس والهوام ، أما الضب فإنه لا يأكل إلا العشب .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
إذا سمن الضب اصفر صدره .
ولحمه يسمن ، ولذلك في العرب كان النساء يتسمنن بأكل لحمه ، وهذا فيما مضى لأنهم كانوا يحبون المرأة الجميلة ، ومكمن الجمال فيما مضى عند المرأة في سمنها ، ولكن في هذا العصر – لا – الأغلبية يريدون النحيفة – سبحان الله – هذا يدل على أن ابن آدم يخالف واقعه ، فيما مضى الأكل قليل لدى الناس ويجبرون المرأة على خلاف واقعها حتى تأكل والأكل قليل لأن الجمال في سمنتها ، الآن الأكل كثير ومتنوع ومن أطايب المأكولات والمشروبات ومع ذلك يطالبون المرأة بخلاف واقعها فيقولون نريد النحيفة ، امسكي عن الأكل مع كثرته وتنوعه ، وفيما مضى يقولون كلي مع قلة الأكل ، والله المستعان .
فالشاهد من هذا أن لحم الضب يسمن .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
” الذي يصيد الضب ما اسمه عند العرب “
عندنا يسمى بالمضبب ، والمضبب هو اسم الذي يصب الماء في جحر الضب حتى يأخذه ، وهذا من خلال ما بحثت عنه يدل على أن صيد الضباب لم يكن معهودا فيما مضى بالرمي ، وإنما هو معهود بصب الماء أو بعدوها وهو الجريان خلفها حتى تصاد ، لكن في هذا العصر أصبح الصيد لها بالرمي .
فالشاهد أن من يصب الماء في جحره ليخرج هذا يسمى بالمضبب .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
” ما هي كنية الضب ” ؟
الضب هو الذكر منه ، ضبَّة هي الأنثى
كنيته : ” أبا حِسل “ ولذلك ربما من سمع سبب هذه الكنية ممن لا يأكله ازداد له كرها ، وربما من يحب أكله يحجم عن أكله .
فالضب يكنى بأبي حسل والحسل هو الصغير منه ، يقولون في المثل ” أعق من ضب “ فالضب عاق ، ولذلك العرب إذا رأوا أن الإنسان عق بوالدين قالوا ” هذا أعق من ضب “
لم ؟
ذكر ابن قتيبة في ” تأويل مختلف الحديث ” بيتا من الشعر
أكلتَ بنيك أكلَ الضب حتى
تركتَ بنيك ليس لهم عديد
يقول ابن الجوزي في كشف المشكل عن الصحيحين ، قال : ” تجيء الضبة إلى المكان فتصف بيضها عشرين بيضة ثم تدع هذا البيض أربعين يوما ثم إذا أتى زمن خروجه أتت فأكلته فلا يسلم منه إلا ما هرب منها ، فلذلك قيل أعق من ضب “
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
” أمثال عن العرب في الضب “
يقولون : ” لا أفعله حتى يرد الماء الضب ”
من أراد أن ييئس شخصا قال لا أفعله حتى يرد الضب الماء ” لأن الضب لا يرد على الماء ، وخصوصا أن عند العرب أنه لا يشرب وإنما النسيم والهواء البارد .
ومن الأمثال :
يقولون : ” كف البخيل ككف الضب ”
الضب كفه فيه خشونة وعدم ليونة ، كذلك البخيل هو لا ينفق فيكون كفه خشناً ككف الضب .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
” ذنب وكشية الضب “
هذا الضب ذنبه أحرش الذي يمسه الناس ” العكرة ” وله مزايا إن شاء الله سوف نتحدث عنها ،وهذا عند من يحب أكل الضباب ، لكن من لا يأكلها فإنه لا يرغب فيه البتة بل يكرهونها ويكرهون آكلها ولا يرغبون في ذكرها ، لكن من يحب هذه الضباب يحب هذا الذنب .
وكذلك الشحمة الصفراء التي تكون في بطنه ، وكذلك الأنثى من الضب التي في بطنها البيض ، ولذلك ذكر ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث قال بعضهم :
” ضبَّة مكون ” يعني التي في بطنها بيض ، ونحن نسميها بـ ” المِكَن “ والنطق الصحيح ” مَكِن “ مثل ” كتف ”
يقولون “ ضبة مكون ” يعني من اجتمع بيضها في بطنها ” ضبة مكون أحب إلي من دجاجة سمينة “
وذكر ابن الجوزي في ” كشف المشكل ” أن بعضهم أنشد بعض الأبيات من الشعر فقال :
فلو كان هذا الضبُّ لا ذنب له ولا كُشْيَة
الكُشْيَة : الشحمة الصفراء التي في بطن الضب
فلو كان هذا الضبُّ لا ذنب له
ولا كُشْية ما مسَّه الدهرَ لامس
ولكنه من ذُنَيْبِه وكشيته
دبَّت إليه الدهارس
من أجل هذا الذنب ومن أجل هذه الشحمة دبَّت إليه الدهارس ، والدهرس : هو الرجل الذكي الفطين النشط ممن يصيد الضباب ، فيحرص على صيدها .
وقال آخر :
ولو أنت لو ذقتَ الكُشَّ بالأكباد
لما تركت الضبَّ يعدو بالواد
مما يدل على أنهم كانوا يصيدون الضباب جريا وليس رميا
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
” عدم أكله صلى الله عليه وسلم للضب لا يدل على عيب الطعام ، وإنما هو من الطعام الذي لا يشهيه “
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن الضبَّ يحرم على المُحرم أن يصيده ، وكذلك من هو مُحل ، فيما لو قُدِّر أنه رأى ضبا في حرم مكة – لأن الضباب ليست موجودة في مكة – لكن ربما يأتي به أناس ويضعونه فيها ، فلا يصيده ، فلو صاد المُحْرِم الضب أو صاد المحل الضب في حرم مكة فإنه يلزم بأن يخرج ” جديا ” وهو ما بلغ من المعز ستة أشهر يتصدق به على فقراء الحرم ، فمن صاد الضب حال الإحرام أو المحل صاد في حرم مكة فإنه يلزم شرعا بهذه الفدية ، ما الدليل ؟
ما جاء عند الشافعي والبيهقي بإسناد صححه ابن حجر في التلخيص ، قال عمر رضي الله عنه :
( في الضب إذا صاده المحرم جدي )
وهذا يدل على أن الضب معروف لدى الصحابة رضي الله عنهم .
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله :
لا يظن ظان أنه لما نذكر ما يتعلق بالضب أننا نحرص على صيده ولاسيما بهذه المبالغات التي تحصل من بعض الناس ، لأنه وللأسف رأيت في بعض الصور أن أناساً صادوا ضباباً حتى ملئوا السيارات وكانت الضباب بعضها فوق بعض ، وكثير من هؤلاء أحيانا يرمون الصيد ولا يستفيدون منه ، وبالتالي فإن هذا مما لا يليق بالمسلم أن يفعله ، ولذلك عند الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بإسناد حسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة )
ولذلك جاءت أحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أن بعض العلماء يرى أنها حسنة باعتبار مجموعها ، منها ما جاء في مستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ما من أحد يقتل عصفورا ) وهذا يشمل العصفور وغيره ، ولكن عُبِّر بالعصفور لأنه أقل ما يصاد :
( من ما أحد يقتل عصفورا فما فوقه بغير حقها إلا سأله الله ، قيل وما حقها ؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به )
وعند أحمد :
( من قتل عصفورا بغير حق سأله الله يوم القيامة )
وعند أحمد :
( من قتل عصفورا عبثا عج هذا العصفور يوم القيامة فقال يا رب إن فلانا قتلني من غير منفعة ، فسله لم فعل ذلك ) ؟
وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنها تدل على أن المسلم لا يكون بهذه الصورة من حيث الإجهاز على هذه الضباب أو على غيرها مما يصاد .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
قال ابن قتيبة في ” تأويل مختلف الحديث ” :
” إن هناك حديثا يتناقل ولكنه من أحاديث الخرافة وهو :
( أن الضب كان يهوديا عاقَّا فمسخه الله ضبا )
وكذلك ما ذكره القاري في عمدته ، قال :
( وتزعم الأعراب في خرافتها أن الضفدع كان له ذنب فأخذ الضب ذنبه )
أيضا هذا لا يصح .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن جحر الضب ملتوي إلتواءً شديدا ومتعرج تعرجاً واضحا بيناً ، ألا تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم من باب التحذير لهذه الأمة وليس من باب الإقرار لها قال كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه :
( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟! )
هذا تحذير منه صلى الله عليه وسلم ، لماذا عبَّر بجحر الضب ؟ لأن جحر الضب ملتوي وصعب أن يدخل فيه ، فكأن هؤلاء اليهود والنصارى لو أنهم ساروا في طريق متعرج شديد العرجة كعرجة جحر الضب لدخلته هذه الأمة ، مما يدل على أن الأمة يجب عليها أن تتنبه لما يدار لها وما يدار حولها .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
جاء عن الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه – وهو حديث ضعيف لكن أردت بذلك التنبيه وهو حديث :
( لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له من يؤذيه )
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن من يصيد الضباب ربما يصيدها بالرمي ، فتنقطع منه قطعة فلا يجوز أكلها ، وأي حيوان أو دابة يجوز أكله إذا ذكي بقطع الحلقوم والمريء إذا قطع منه شيء في حياته وهو حي مثلا شاة قطعت يدها وهي حية فهذا المقطوع ميتة لا يجوز أكله ، ربما يصيدون الضب فيُقطع جزء منه ويدخل في الجحر ، ممكن يجز نصفه من الرمي فيدخل في جحره ، فلا يجوز أكل هذا النصف المقطوع ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن أبي داود والترمذي :
( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت )
ثم إذا قبضت عليه – والحديث للضباب ولغيرها – إذا قبضت عليه وهو حي بعدما رميته وهو حي يجب أن تذكيه ، فإن تركته من غير تذكية حتى مات فإنه يكون ميتة ولا يجوز أكله .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن من يصيد الضب بالرمي لا ينس التسمية ، لأنه إن ترك التسمية لم يجزئ أكل هذا المصيد ضبَّا أو غير ضب ، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه :
( إذا رميت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل )
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي والترمذي :
( من اتبع الصيد غَفَلَ ) ويضبط ( غَفُلَ )
يعني انتبه يا من تصيد لا تشغلك هواية الصيد عما يجب عليك من حقوق دينية أو دنيوية ، ثم عليك أثناء الصيد ألا تنس ذكر الله ، اذكر الله ” سبحان الله ، الحمد الله ، أكبر الله ، أستغفر الله ” حتى لا تكون من الغافلين .
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن بعض الناس يظن لحديث يتوارد أن ما صيد شيء إلا لأنه ضيَّع التسبيح ، قال تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ }الإسراء44 ، هذا الحديث عند أبي نعيم في الحلية :
( ما صِيد صَيْد ولا قطعت شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح )
ولكنه حديث لا يصح .
الخاتمة : ……………..