كيف نتعامل مع أخطاء من هم في الدولة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليعلم الجميع أنه لن يسلم أحد من الخطأ والزلل ثم في المقابل لن يسلم أحد من أن يتهم إما في ديانته وإما في عرضه فكون الإنسان لا يسلم من الزلل والخطأ هذا أتت به الأدلة الشرعية لأن أصل بني آدم الخطأ والزلل مهما كان ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم يقول ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يستغفرون الله فيغفر الله لهم )
أما كون الإنسان لا يسلم من أن يتهم في دينه أو في عرضه أو في أمانته فإن هذا مشاهد على عبر التاريخ ، بل في كتاب الله ما يدل على ذلك ، كيف ؟ اتهم الأنبياء والتاريخ يشهد بما جاء للصالحين والأولياء من التهم
هذه النظرة العامة فيما يخص بني البشر ، نحن في هذا الزمن أتت إلينا هذه الوسائل وهي وسائل التواصل كان من الأجدر من المسلمين أن يتخذوها وسيلة لنشر الخير لا وسيلة تصيد للأخطاء ، لم ؟ لأنه كما تلتمس عليه الخطأ أنت لا تسلم من الخطأ ونحن نقول لا يعني أن الإنسان إذا أخطأ سواء كان فردا أو على مستوى الدولة أو كان قائدا في قيادة شرعية لا يعني أنه يسكت عنه ، بل يبين له الحق لكن بالطريقة الشرعية
النبي صلى الله عليه وسلم حصل في عهده عليه الصلاة والسلام ما حصل من أخطاء ومع ذلك ما صرح باسم أحد ( ما بال قوم يفعلون كذا وكذا )
إذا كان لدى الإنسان ملحوظة أو خطأ تحقق منه خطأ لا بمجرد ما يستقبل من هنا ومن هناك { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } هم لا يشيعون الفاحشة وإنما محبة فقط مجرد محبة وقعت في القلب دون أن يصدر منهم فعل { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
ولذا عبارة السلف يقولون إذا سمعت من أخيك كلمة تحتمل من السوء ولو بنسبة تسعة وتسعين بالمائة وواحد بالمائة تحتمل محملا حسنا إذا سمعت من أخيك كلمة فاحملها على محمل حسن ما وجدت إلى ذلك سبيلا
نحن في عصر فتن والإنسان عليه أن يبكي على خطيئته لا أن يبكي على خطيئة الآخرين ، نصلح عيوبنا نحن ، وكما أسلفت النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم قال ( الدين النصيحة ) في السنن كررها ثلاثا ( الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )
النصح واجب على الجميع لكن ليس بهذه الطرق التي تشاع فيها الأخطاء يعني لما تشاع هذه الأخطاء هل هناك مصلحة تعود على الأمة في مثل هذه الإشاعات إشاعة هذا الخطا الذي تحقق مائة في المائة أنه خطأ ليست هناك مصلحة بل قد يزداد الشر وتعظم الفرقة بين المسلمين ونحن في أمس الحاجة مهما كانت من أخطاء بين أهل السنة نحن في أمس الحاجة إلى التعاضد والتكاتف ، ولذلك قال عز وجل { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } فدل على أن أهل الاجتماع هم أهل الرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن قال ( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يا رسول الله ؟ قال الجماعة )
وفي رواية ( على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )
تجد أن ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما عليه الصحابة هو الجماعة ، ولذلك وصف أهل السنة بأنهم ليسوا بأهل السنة فقط ، لا ، أهل السنة والجماعة
نحن في مثل هذا العصر يتربص بنا الأعداء من الطوائف الأخرى خليق وواجب بنا أن نكون على قلب رجل واحد إذا أخطأت مهما كنت صغيرا أم كبيرا عاليا أم حقيرا وضعيا أم فقيرا غنيا أم كبيرا ، لا ينظر إلى هذا ولا يعني هذا أن المسلم يحرم عليه أن يتكلم ، لا ، واجب عليه أن يتكلم لكن بالطريقة الشرعية ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما طريق النجاة ؟ لخصها عليه الصلاة والسلام في ثلاث كلمات قال ( أمسك عليك لسانك ) لأن اللسان من الخطورة بمكان وكل يعرف مدى خطورة اللسان ما ورد في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومما أثر عن السلف الصالح ويجري مجرى الحديث باللسان ما يكون في هذا الزمن من الكتابة في فلان أو في فلان ، قال ( أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك )
لا تبك على خطيئة الآخرين ولا يعني ذلك أن نسكت عن خطئيات الآخرين ، لا، نناصح ولكن بالطريقة الشرعية ونحن نعلم ويعلم الجميع مدى مكانة وقدر المشايخ الكبار الذين ذهبوا شيخنا ابن باز شيخنا ابن عثيمين الأمة اتفقت على سلامة منهج هؤلاء وعلى حب هؤلاء ومن سار على طريقتهم ما كانت هذه الطريقة طريقة لهم أبدا بل كان شيخنا ابن باز يحذر الشباب من أن يدخلوا في السياسة فكيف إذا دخل الناس في نوايا الآخرين
ولذلك بعض الناس لما تقول له هل سمعت هذا ؟ قال أظن أو أنني سمعت أن الناس يقولون هذا هذا ما انتشر
ثم أيضا ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( بئس ) فعل ذم ( بئس مطية الرجل زعمه )
والنبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود قال ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) وفي مقدمة صحيح مسلم ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )
فنصيحتي لنفسي أولا ثم للمسلمين عموما أن يتقوا الله في هذه المسائل وألا يكتب إلا بما يفيد أنفسهم ويفيد مجتمعاتهم ؛ لأن هذه الوسائل هي وسائل خير إذا استخدمت في الخير ، في كثير منها نجد أنه يتحدث عن ماذا فعل فلان ؟ وماذا جنى فلان ؟ وأين ذهب فلان ؟
سبحان الله ! أين نحن ؟ أين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ماذا فعل ابو بكر ؟ ماذا فعل عمر ؟ ماذا فعل الصحابة ؟ ماذا فعل السلف ؟ هذا هو الواجب علينا في مثل هذا الزمن وإلا فالكل سيحاسب { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
بل قد يخط الإنسان ويكتب الإنسان تغريدة فتنتشر دون أن يتحقق من صدقها فيسيء إلى أخيه المسلم فيتعرض للعذاب الشديد ، لم ؟ لأن التغريدة قد تصل إلى مليون إلى عشرات الملايين ثم يبوء بالإثم وهذا ينقل عن هذا وهذا ينقل عن هذا ثم إذا بهذه التغريدة كأنها واقع حتى ولو كانت صدقا وحقيقة فلا يمنع
لو كان مسؤولا كبيرا تناصحه أدخل عليه في مكتبه وأناصحه وأبريء ذمتي ، ولذا شيخنا ابن باز إذا تحقق من أمر فيما يخص أحد المسؤولين كتب إليه
من كان يريد منهجية ابن باز وابن عثمين رحمة الله على علماء المسلمين فإن ما يجري الآن من بعض الناس كالطعن في فلان وفي فلان فإنه ليس على منهج الشيخ ابن باز ومنهج الشيخ ابن عثيمين ونحن نعلم أن منهج هذين الشيخين بالذات وفي العلماء الآخرين خير عيظم أن منهجمها على منهج السلف الصالح فنسأل الله للجميع العصمة من الزلل .
ليس واجبا علينا في دعوتنا أن تخرج الثمرة { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } أنا آتي إلى هذا المسؤول وأنصحه إن انتصح فبها ونعمت إن لم ينتصح فإنه لا يلزمني أن أتعرض إليه
ولذلك الإمام أحمد رحمة الله عليه في فتنة خلق القرآن مع أنه إمام عذب وسجن وضرب رحمه الله ومع ذلك لم تنقل عنه كلمة في الطعن في فلان أو في علان بل كما نقل الأئمة نقلوا قوله رحمه الله ” لو كانت لي دعوة مستجابة لصرفتها للإمام ” بل قال كما نقل ذلك ابن كثير في البداية ونقل ذلك غيره أنه قال : ” كل من آذاني فهو في حل إلا من بقي على بدعته “
هذه سلامة الصدور ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن لما هو عليه الصلاة والسلام بين من هو أحب الناس إلى الله قال ( ذو القلب المخموم قيل من هو ذو القلب المخموم قال الذي لا غل فيه ولا حسد )
فالله الله في حسناتنا ألا تضيع ، والله الله في مجتمعنا وفي أمننا وفي استقرارنا وفي خيراتنا ألا تضيع في خضم هذه التغريدات
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة لو جلسنا إلى نهاية الحلقة ما استوفيناها
( إن الله كره لكم قيل وقال )
حتى لو كان صدقا ، كذلك في السنن ( أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا )
ثم لست ملزما لأن يهتدي فلان عليك البلاغ { إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ }
الله عز وجل قال { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } ولذلك يمكن أن نأخذ من المسلم ما نريد بالتطلف أحسن من العنف { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } النبي صلى الله عليه وسلم يقول صفوان بن أمية لما فتح عليه الصلاة والسلام مكة قال ( أعطاني محمد وهو أبغض الناس إلي فمازال يعطيني مازال يعطيني حتى صار أحب الناس إلي )
ثمامة بن أثال لما مسكه الصحابة وربطوه في سارية من سواري المسجد وأحسن إليه النبي صلى الله عليه وسلم قام بنفسه وشهد شهادة الحق
في صحيح مسلم ( أتى رجل إلى قومه قال ياقوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر )
فلابد أن نستوعب الطريق والمنهج الذي عليه سلف هذه الأمة ، أما أن نضيع حسناتنا وأن نضيع ما نحن عليه هذا لا خير فيه ، يعني لما تكن علي زلة ثم أنت تنشرها وأنا أتتبع زلاتك وهذا يتتبع زلات فلان الأعداء أعداء الدين يتربصون بنا ويفعلون فينا تمثر به ما يريدون من جهود ونحن اشتغلنا بأنفسنا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأن الكلام يودي إلى ما هو أعظم ولذلك في حجة الوداع ماذا قال ؟ قال ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )
الفتن تأتي من الكلام ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن لما ذكر الفتن قال ( ووقوع اللسان فيها كوقوع السيف )
ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية لما ذكر الفتن التي بين الصحابة قال ” تلك فتن صان الله عنها أبداننا ، فنسأل أن يصون عنها ألسنتنا “
أبو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول ( هذا الذي أوردني المهالك )
الكلمة من حيث التأثير أسهل من الكتابة ، الكتابة في جانب أعظم لأنها كتبت وهي التي تبقى ويتناقلها الناس ، ثم إن أمام الإنسان أمامه جنة ونار وكل سيحاسب ، فنسأل الله لنا الهداية
على المسلم أن يدعو لإخوانه
يعني كل من وقع في خطأ أو في زلل نتهمه في عرضه أو في أمانته أو في ديانته هذا ليس بمنهج السلف { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا } مع أني أكرر وأكثر من التكرار لا يعني من حديثي أن المسلم يسكت عن أن ينكر الذنب ، النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند قال ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه )
فيأتي إلى المسلم ويحدثه فإن انتصح وإلا فقد برئت ذمتي والإثم يبوء به
ولذلك في قصة بني إسرائيل أنهم احتالوا على صيد السمك { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } انظروا وتأملوا معي هذه لفتة مهمة جدا { قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } نحن نعذر أنفسنا عند الله بأننا قمنا بواجب النصح فدل هذا على أن أول ما تسعى إليه أن تبرئ ذمتك أن تخلص نفسك وأن الثمرة { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الثمرة لست ملزما بها أهم شيء أني أبرئ ذمتي أمام رب العالمين ، أنني بلغت هذا المسؤول أو ذلك القائد عن هذا الزلل إن اتقى الله ، إن لم يتق الله فأنا برئت ذمتي
ثم إذا حقيقة لأن الموضوع مهم جدا ولم أتهيأ ولم أستعد له لكن بما أنك فتحت الموضوع يعني إذا لم ينتصح هذا المسؤول وأكثرت الحديث عنه والطعن فيه ولم يستجب أأنتقل إلى الطريقة الأخرى ، وهي طريقة الاعتداء ؟ !
ما بعد اللسان وما بعد الكلمة إلا الاعتداء
فنسأل الله للجميع التوفيق والسداد والعصمة من الزلل حتى نلقاه