معنى حديث ( لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام …. )

معنى حديث ( لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام …. )

مشاهدات: 550

( لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام  ) 

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها )

ما معنى هذا الحديث ؟

معنى هذا الحديث أن حبس الطعام مما وقع فيه بنو إسرائيل كان سببا لإفساده إذا بقي مدة

( لم يخبث الطعام ) أي لم يفسد .

( لم يخنز اللحم ) يعني لم يتغير إذا طُبخ .

فدل هذا على أن حبس الشيء لا يزيده وإنما يُفسده ويُمحق بركته ، ولذا قبل ما وقعت فيه بنو إسرائيل مما وقعوا فيه ، ولعل هذا وقع في زمن التيه ، لما حرَّم الله عز وجل أن يصلوا إلى الأرض المقدسة وجعلوا يتيهون في الأرض أربعين سنة ، حصل ما حصل كما أشار إلى ذلك بعض العلماء كما في ( الفتح ) حصل أن حبسوا الطعام خيفة من أن يفنى ويزول ، ولكن إنفاذه إرجاع له ونماء وبركة وزيادة ، وهذا يدل على أن الطعام قبل أن يقعوا فيما وقعوا فيه كان الطعام لا يخبث ولا يخنز ، لم ؟ لأنه يُصرف ولا يبقى ، وهذا يدل على أن بركة المال أو بركة الطعام لا تحصل بحبسه ، بعض الناس يتصور – وهذا تصور المخلوقين – أنه كلما حبس الشيء وادخره كلما كان أنفع له في مستقبل أمره ، وهذا ليس بصحيح ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة رضي الله عنهم ذات يوم فقال ( أيكم مال وارثه أحبُ إليه من ماله ؟ قال يا رسول الله مال أحدنا أحب إليه من مال وارثه ) فمال الإنسان أحب إليه من مال وارثه ، فماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ قال ( فإن ماله ما قدَّم وإن مال وارثه ما أخّر ) بقدر ما نجمع ، هذا ليس لنا فهو لوارثنا ، ولذلك لما ذُبحت شاة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ( رجع عليه الصلاة والسلام وقال لعائشة أين الشاة ؟ قالت يا رسول الله لم يبق إلا كتفُها ) يعني تصدقت بهذه الشاة ولم يبق إلا الكتف ( فقال صلى الله عليه وسلم بقيت كلها إلا كتفها ) ما صُرف على الفقراء هو الذي بقي ، هو المُدََخر لنا ، لكن الذي بقي في المحسوس هو هذا الكتف .

( ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها )

ليست الخيانة المذكورة – كما أشار إلى ذلك ابن حجر في الفتح والمناوي في فيض القدير – ليست خيانة الزنا – حاشا وكلا – ولكن الخيانة هنا هو الذنب الذي أوقعت فيه حواء آدم ، فهي التي جرَّت آدم – كما قال ابن حجر رحمه الله – إلى أن يأكل من الشجرة ، دعته امرأته إلى أن يأكل من الشجرة ، فحصل ما حصل من أكلها وبعد ذلك أُخرج من الجنة ، لأن الخيانة قد تطلق على الذنب ، ولذلك عاتب الله عز وجل الصحابة لما حرَّم عليهم الجماع فيما بعد العشاء في الصيام ، ثم نُسخ هذا ، ماذا قال عز وجل ؟

{ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ }البقرة187، يعني مَنْ أوقع نفسه في الذنب فهو خائن ، لكن يخون مَنْ ؟ يخون نفسه هو ، وقد تُطلق الخيانة على الكفر ، قال تعالى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا }التحريم10 { فَخَانَتَاهُمَا } بالكفر ، وليس بالفاحشة ، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما ( لم يكن تحت نبي بغي ) ما يمكن هذا ، شرف لهؤلاء الأنبياء ، وفي هذا دعوة وإشارة من النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الإنسان لا ينْجرّ ولا ينساق إلى ما تهواه زوجته ، حتى ولو كانت صالحة ، فحواء صالحة ، فالمرأة ضعيفة في فهمها ، في فكرها ، سريعة التأثر ، ولذا الإنسان إذا دعته امرأته إلى شيء يعرض هذا الشيء على الشرع ، هل هو مخالف للشرع فيحجم ، وإذا كان مما هو مباح فلا بأس بذلك  ( خيركم خيركم لأهله ) ( استوصوا بالنساء خيرا ) لكن فيما يتعلق بحدود الله عز وجل يقف الإنسان ، ففي هذا إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى أن الإنسان يتنبه حينما تدعوه امرأته إلى أن يعمل شيئا ، ولذلك قال ( ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها )

وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .