الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
فقد أخرج الطبراني من حديث ثوبان رضي الله عنه ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان )
حسنه الألباني رحمه الله .
ما معنى هذا الحديث ؟
معناه كما قال المناوي رحمه الله في ” فيض القدير “
قال إنّ الإنسانَ إذا وفقَّهُ اللهُ عزّ وجلّ أقامَ اللهُ به مصالحَ الإسلامِ والمسلمين ، إمّا بِعلمٍ يكتَسِبه وينشُرُه وإمّا بثَروة يُنفِقُها وإمّا بِشَجاعة يتفانَى بِها للإسلامِ فَيسُدُّ مَسَدَّ ألف ، وهذا لا يكونُ إلا للإنسَانِ من بينَ المخلُوقَات
، لا يمكن أن يظفر به مخلوق من غير بني الإنسان ، لا يمكن أن يظفر بفضل عدد ألف من نظيره في الخلق إلا ابن آدم ، يعني لو أتى مثلا جني من الجن وقام بأي عمل من الأعمال لا يمكن أن يقوم بما يقوم به ألف من الجن من حيث العمل الذي يقوم به إلا ابن آدم ، وهذا من فضل الله عز وجل على بني آدم { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70 .
فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لنا نحن البشر أن نهتم بطاعة الله عز وجل وأن نحرص على الأعمال الصالحة التي يتعدى نفعها للآخرين ، إذا عجز الإنسان عن أن يقم بعمل يسد مسد ألف من بني الإنسان على أقل الأحوال لو يسد مسد خمسمائة بعمل يقوم به ينفع غيره ، إن لم يستطع مائة ، على أقل الأحوال أن يكون الإنسان محسنا مطيعا في ذاته ،لأن ابن آدم لا يكون له فضل ولا قيمة إلا بطاعة الله عز وجل ، فإذا عجز ابن آدم من أن يسد مسد ألف على أقل ما يكون يكون مطيعا لله عز وجل في ذاته فيصلح نفسه ، فلعل الحديث فُهم ، فهذه خصيصة للإنسان ، يعني لو أتى أي مخلوق آخر مهما عمل من الأعمال التي تقربه إلى الله عز وجل لا يمكن أن يسد مسد ألف من بني جنسه إلا ابن آدم ، بعلم ، بشفاعة ، بمعونة ولو لم تكن مادية فإن فيها خيرا عظيما ، ولذا ماذا قال عز وجل في العمل الصالح المتعدي نفعه ؟
{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114 ، سبحان الله – تصور لو أن الإنسان مثلا لديه مال هذا المال يتعدى نفعه للآخرين يُؤجر ولو أُخذ من غير ما ينوي ، تصور لو أن المزارع يطارد الطيور لا يريدها تأكل من مزرعته أو من ثماره ، فإنه يؤجر لو أكلت ، لكن ليس مثل أجر مَنْ يبتغي بذلك وجه الله ، ولذا صنَّف الله عز وجل العمل الصالح المتعدي نفعه إلى صنفين ، صنف لا ينوي وصنف ينوي ، فقال في الذي لا ينوي {لاَّ خَيْرَ } يعني هناك خيرية لمن عمل الأعمال المذكورة في الآية { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } ثم قال { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114 .
نسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يُحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .