هل بلغ الترف والعبث بالنعمة أمس بطريقة واليوم عبث بطريقة أخرى فهل ننتظر هذه العقوبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد ظهرت وللأسف بعض الصور التي يمتهن فيها بعض النعم من باب التبذير والإسراف أو من باب المفاخرة أو من باب ما يقال إكرام الضيف وما شابه ذلك من هذه الأسباب التي تنذر بخطر عظيم تذهب هذه النعم التي ينعم الله بها على البلد ، ولذا قال تعالى { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }
فهذه الآية معناها على الأظهر :
أنه جل وعلا إذا أراد أن يهلك قرية أمر مترفيها أمرا قدريا ففسقوا فيها فاشتد طغيانهم فحقت عليها كلمة العذاب فدمرناها تدميرا ، وهذا أظهر من قول من يقول أمرنا مترفيها بالطاعة لكنهم فسقوا فيها ، فالقول الأول هو الأظهر باعتبار أنه لا يستلزم من ذلك حذفا
فالشاهد من هذا :
أنه تعالى قال { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }
ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش قالت ( يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث )
قال القرطبي في التفسير دل هذا على أن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع قلت يدل على ذلك { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } فهي لا تصيب فاعل الظلم فقط وإنما تصيبه وتصيب غيره
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث جرير عند أحمد وأبي داود بإسناد صحيح ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعلمه ثم لم يغيوه إلا عمهم الله منه بعقاب )
يعني هم أعز وأكثر وهم أكثر ممن عمل هذا الظلم لأن من لم يعمل هذا الذنب إذا كانوا أكثر ممن علمه كانوا قاردين على تغيير المنكر غالبا لأنهم كثر وأعظم منعة وعزة وقوة فتركهم لهم بذلك رضا بالمحرم فإن قيل فقد قال تعالى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } فكيف يؤاخذ أحد بذنب أحد وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب ؟
فالجواب كما قال القرطبي في التفسير أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض والواجب على كل من رآه أن يغيروه فإذا سكت عليه فكلهم عاصي هذا بفعله وهذا برضاه
فهذه الصورة وإن كانت قليلة ولا تمثل المجتمع إلا أن الواجب أن ينكر على هؤلاء إنكارا يردعهم عن مثل هذا الأمر وعليهم أن يتقوا الله
على هؤلاء الذين يبعثرون هذه النعم ولا يعرفون قدرها عليهم أن يتقوا الله وليعلموا أن غيرهم محتاج إلى كسرة خبزة يابسة في زمن يقال هو زمن المدنية والترف في بلدان أخرى فليتقوا الله وليعلموا أن الله أنعم عليهم بنعم إما بنعم عامة على وجه العموم باعتبار أن بلدهم بلد غنى ولم يحصل بها فقر أو أنعم الله عليهم بغنى خاص يخصهم هم إذ أعطاهم الله ما لم يعط غيرهم من أفراد المجتمع
فكيف يعبث بهذه النعم عبثا واضحا يدل على أن المراد التبذير والإسراف والمفاخرة
فنسأل الله أن يهدي الجميع