محاضرات وكلمات
هل صحيح أن عمرة ذي القعدة أفضل من عمرة رمضان ؟
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــ
هناك مسألة أثيرت في هذه الأيام وما أكثر ما تثار المسائل
وهذه المسألة ما كانت هناك نية أن أتحدث عنها لولا أن من أشاعها قلل من شأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين لتلك المرأة :
( عمرة في رمضان تعدل حجة ) وفي رواية ( تقضي حجة أو قال حجة معي )
قالوا إن العمرة في شهر ذي القعدة أفضل من العمرة في شهر رمضان .
وقالوا إن الحديث الوارد عن عمرة في رمضان هو مخصوص بهذه المرأة فقط .
وهذا مما دعاني إلى أن أتحدث عن هذه المسألة ، وإلا ففضل العمرة في ذي القعدة ثابت في الشرع .
لنأت إلى هذه المسألة مفصلة
النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين :
( اعتمر أربع عمر )
نأتي إلى العمرة في رجب ، جاء في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
( اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب )
فردت عليه عائشة رضي الله عنها فقال :
” ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وابن عمر معه وما اعتمر في رجب “
في رواية مسلم : ( سمع ابن عمر رضي الله عنهما ما قالته عائشة رضي الله عنها فلم يجب لا بلا ولا بنعم )
قال القرطبي والنووي وابن القيم وابن حجر رحمهم الله ” إن هذا يدل على أنه رجع إلى كلامها فإنه رضي الله عنه نسي أو شك “
إذاً / ليست هناك عمرة واقعة منه صلى الله عليه وسلم في رجب .
نأتي إلى وقع العمرة منه صلى الله عليه وسلم في رمضان “
جاء عند الدارقطني وحسنه ، قالت عائشة رضي الله عنها
( خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان ، فقصر الصلاة وأتممت وأفطر وصمت ، فقلت بأبي أنت وأمي أنت يا رسول الله لقد فعلتُ خلاف ما فعلت ، فقال صلى الله عليه وسلم أحسنت يا عائشة )
فهذا الحديث يدل على أن العمرة وقعت منه في رمضان ، لكنها في الحقيقة لم تقع من فعله في رمضان ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ” هذا غلط “
لكن قال ابن حجر رحمه الله ” الدارقطني الذي أخرجه حسنه ، وبالتالي فإن قولها ( خرجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان ) كلمة ” خرجت “ متعلقة برمضان ، يعني خرجت معه في السفرة التي خرج فيها في رمضان وذلك في فتح مكة ، فلما فرغ من فتح مكة اعتمر بعد رمضان من تلك السنة التي خرج فيها “
إذاً لا عمرة وقعت منه صلى الله عليه وسلم في رمضان .
نأتي إلى شوال /
في حديث عائشة رضي الله عنه عند أبي داود ، قالت :
( اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في شوال )
قال ابن القيم رحمه الله كما في زاد المعاد :
” إن كان هذا محفوظا فإنه يدل على أنه أوقعها في ذي القعدة “
قال ابن حجر رحمه الله وهو الصواب /
” هو محفوظ وصحيح – وممن صححه الألباني – أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ إحرام العمرة في آخر شوال فوقع الفعل في ذي القعدة .
نأتي إلى مسألة الاعتمار في أشهر الحج
ما هي أشهر الحج ؟
[ شوال – ذو القعدة – ذو الحجة ]
العمرة في هذه الأشهر لها فضيلة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها .
قال ابن القيم رحمه الله : وأوسط أشهر الحج ذو القعدة
لكن كم أوقع في ذي القعدة ؟ أربع عمر .
قال البراء ابن عازب رضي الله عنه كما في الصحيحين :
( اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مرتين )
إذاً أين الاثنتان الأخريتان ؟
نقول / التي صدَّ عنها في السنة السادسة من الهجرة، والتي مع حجته .
ولذلك أنس رضي الله عنه كما في الصحيحين قال :
( اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر غير العمرة التي في حجته )
لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوقع عمرته التي في حجته في أواخر شهر ذي القعدة وانتهاؤها مع انتهاء الحج .
وبالتالي فإن الاعتمار في أشهر الحج ولاسيما في ذي القعدة له فضل ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله :
” لعل النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتمر في رمضان لأنه كان مشغولا بعبادات ولم يستطع أن يجمع بين هذه العبادات وبين العمرة وخشي صلى الله عليه وسلم لو اعتمر في رمضان أن يشق على أمته ،لأنهم كانوا يتابعونه ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يترك أشياء كثيرة خشية أن تفرض على أمته “
قال ابن حجر رحمه الله : ” العمرة في رمضان أفضل للأمة ، بينما العمرة في شهر ذي القعدة أفضل له صلى الله عليه وسلم “
لم ؟
لأنه كان يحب أن يخالف المشركين ، كان المشركون يقولون إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ، فبين صلى الله عليه وسلم بقوله من أن العمرة في أشهر الحج جائزة ، وبين ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم .
كوننا نأتي إلى ما عليه الناس من القِدم ، والناس يضربون مراكب الطائرات والسيارات من أجل أن يأتوا إلى هذا البيت لعمرة رمضان ونقول إن العمرة في شهر ذي القعدة أفضل من رمضان لأن رمضان العمرة فيه مخصوص بها تلك المرأة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لها هذا القول ، لم يقال هذا ؟ ما الداعي ؟
ألا يحسن بنا أن نقول : عمرة في رمضان لها فضل ومزية لأن النص جاء بها ، ثم لا تغفلوا عن أداء العمرة في ذي القعدة فإن لها فضلا لا يقل عن فضل العمرة في رمضان ، وبالتالي نجعل الناس على ما هم عليه ، لأنهم على خير ، ثم نفتح لهم بابا آخر من أبواب الخير فيعتمروا في رمضان وفي أشهر الحج .
ثم لو قلنا / إن العمرة في ذي القعدة أفضل إذاً ماذا عسانا أن نقول في العمرة التي في شوال ؟
لابد أن نقول اعتمروا في آخر شوال بداية ولتكن النهاية في أوائل ذي القعدة .
ثم لماذا نأتي إلى هذا الحديث ونقول هو مخصوص ، لم ؟
قالوا لأن سعيد بن جبير رحمه الله قال لا أعلم أن هذا الأمر وجه إلى امرأة غيرها .
نقول / هذا علمه رحمه الله ، ولذلك قال ( لا أعلم ) لم يقطع .
أما قول المرأة كما عند أبي داود :
( لا أدري أهذا ليس خاصة أم لعامة الأمة )
هي لم تجزم .
ثم ليعلم أن الأحكام الشرعية إذا صدرت لشخص فهي لجميع الأمة ، فليس هناك شخص يخص بحكم شرعي إلا بدليل حتى النبي صلى الله عليه وسلم فهو والأمة سواء في الأحكام إلا ما أتى الدليل بتخصيصه صلى الله عليه وسلم ، بل إن كثيرا من الصحابة يقولون ( أهي لي خاصة ؟ فيقول لا بل للأمة عامة )
ثم من هي هذه المرأة ؟
هي ” أم سنان ” كما جاء عند البخاري .
قال ابن حجر رحمه الله جاء عند ابن حبان وذكر له متابعات قال ( إنها أم سليم )
وقال ورد عند النسائي عن ( أم معقل الأسدية ) وهي من بني أسد وتلك أنصارية ولا يمكن أن تتفق القصة .
وجاء عند ابن السكن ( أم طُليق )
وورد عن ( أم الهيثم )
إذاً عندنا خمس نساء ، فلماذا نقول هي خاصة بهذه المرأة ؟
والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في المسند وسنن الترمذي قال ( قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة )
وجاء في رواية أحمد قال :
( قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة )
لو قلت للناس اترك العمرة في شهر رمضان وخذها في شهر ذي القعدة لما سمع لك ، ولذلك لتعملوا أن الأفضل كما بين ذلك ابن حجر رحمه الله أن العمرة في رمضان أفضل للأمة ، لكن لا يعني أن العمرة في أشهر الحج ليس لها فضل – لا – ليست هناك عمرة تلي في الفضل بعد عمرة رمضان إلا عمرة في أشهر الحج ، وأحسن أشهر الحج شهر ذي القعدة .