وصايا ابن القيم الطبية المبنية على القواعد الشرعية

وصايا ابن القيم الطبية المبنية على القواعد الشرعية

مشاهدات: 907

 

( وصايا ابن القيم الطبية المبنية على القواعد الشرعية )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

ربما يقال إن جل ما يتحدث عنه هو عن الدين ، أفلا يكون هناك حديث عن الدنيا ؟

فنقول : بلى ، يكون هناك حديث عن الدنيا ، ولكن على مقتضى ما جاءت به شريعة الله جل وعلا ، وعلى مقتضى ما جاءت به سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذا المنطلق اجتزأت لكم بعض الوصايا الطبية المبنية على القواعد الشرعية من كتاب ابن القيم رحمه الله [ الطب النبوي ]

ولعل قائلا يسأل فيقول : ما علاقة ابن القيم رحمه الله بهذه الأصول النافعة في الطب ؟

فأقول : سبحان الله ابن القيم رحمه الله توقع أن ينقدح في الذهن مثل هذا السؤال ، فأجاب في أواخر هذه الوصايا أذكرها إن شاء الله في آخر ما أذكره هنا – سبحان الله – لا يمكن لأي خطيب أو أي واعظ أو أي داعية أو طالب علم أو أي عالم أن يستغني عما جاءت به الشريعة الإسلامية ، بل إن الحلاوة في حديثك يا خطيب يا داعية يا واعظ يا طالب علم يا عالم الحلاوة إنما تكون في كلامك إذا ضُمِّن هذا الكلام ما قاله الله جل وعلا أو قاله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولذا ترون الحلاوة في كلام ابن تيمية وفي كلام تلميذه ابن القيم رحمهما الله وفي غيرهما من علماء الأمة ، وهذا مما يغذي القلوب ويزيد في العقل ، وينمي قدرات الإنسان ، اجتزأت لكم شيئا منها ، فلنتكن أسماعكم على محضر منها لأننا بحاجة إليها ولاسيما في مثل هذا الزمن ، والذي ذكر ذلك شخص ليس من هذا الزمن بل قبلنا بمئات السنين .

( من الوصايا الطبية )

( لا تنم حتى تعرض نفسك بيت الخلاء )

الذي نسميه الحمام ، وإلا فالحمام هو المكان الذي تتصاعد منه أبخرة حارة فيما مضى ، ولذلك يمكن أن يكون هو حمام [ الساونا ] الذي يوجد في بعض المراكز الرياضية .

ومنها :

( احذر من دخول بيت الخلاء عقيب امتلاء المعدة )

ومنها :

( باكر بالغداء وعجِّل بالعشاء )

ليس عندهم ثلاث وجبات – بل – عندهم غداء في أول النهار وعشاء في آخر النهار .

ومنها :

( لا تأكل الفاكهة إلا في أوان نضجها )

ومنها :

( لا يتعالجن أحد منكم ما دام بدنه يحتمل الداء والمرض )

ومنها :

( تنظيف المعدة كل شهر مذيب للبلغم )

ومنها :

( لا تأكل من اللحم إلا فتيا )

أي إلا صغيرا

ومنها :

( لا تشرب الدواء إلا من علة )

ومنها :

( أجد مضغ الطعام )

ومنها :

( لا تأكل حتى تجوع )

ومنها :

( لا تحبس البول والغائط والريح )

ومنها :

( لا تأكلن طعام وفي معدتك طعام )

 

 

 

 

ومنها :

( لا تأكل ما تعجز أسنانك عن مضغه فتعجز معدتك عن هضمه )

ومنها :

( عليك بدخول الحمام فإنه يخرج من الأذى الذي في أعماق البدن ما لا تخرجه الأدوية  )

كما أسلفنا الحمام هو المكان الذي تتصاعد منه أبخرة حارة .

ومنها :

( أكثر من شم الطيب )

ومنها :

( أكثر من الاغتسال من غير جماع )

ومنها :

( أكل العصافير والفستق يزيدان في الجماع )

ومنها :

( ترك فضول الكلام والحرص على مجالسة العلماء تزيد العقل )

ومنها :

( احذر من الكلام الكثير فإنه يقلل مخ الدماغ ويضعفه ويسارع بالشيب )

ومنها :

( احذر من النوم الكثير فإنه يصفِّر الوجه ويعمي القلب ويكسِّل عن العمل ويولِّد الرطوبات في البدن )

ومنها :

( احذر من الأكل الكثير فإنه يفسد فم المعدة ويضعف الجسم ويولد الرياح الغليظة والأدواء العسرة )

ومنها :

( احذر من الجماع الكثير فإنه يهدم البدن ويضعف القوى ويرخي العصب ويجفف رطوبات البدن ، وأنفع ما يكون من الجماع إذا صادف شهوة من امرأة حلال مع طول الزمن وبعد العهد وخلاء القلب من الشواغل النفسانية ولم يفرط فيه ولم يقارن هذا الجماع ما لا ينبغي أن يقارنه من امتلاء مفرط للمعدة أو من حرٍّ مفرط أو برد مفرط ، فإذا انتفت هذه الأشياء أثناء الجماع انتفع البدن بها فإن فقدت شيئا منها حصل لك الضرر بهذا الجماع بحسب ذلك ، وإذا افتقدتها كلها أو معظمها فهذا هو الهلاك المعجَّل )

ومنها :

( لا تدع الجماع فإن البئر إذا لم تنزح ذهب ماؤها )

فكذلك هذا المني إذا لم يخرج فإنه يقل أو يضعف خروجه

( ويبغي ملاعبتها – أي الزوجة – وتقبيلها ولا يتكلَّف في الجماع ، وإذا ثبت فضل المني فاعلم أنه لا ينبغي أن يوضع إلا في محله الشرعي الذي هو طلب النسل )

ومنها :

( اجتنب شم الغبار والدخان والنتن )

ومنها :

( لا تأكل في الصيف لحما كثيرا )

ومنها :

( لا ينم  صاحب الحمَّى الباردة في الشمس )

 

ومنها :

( من شرب كل يوم قدحا من ماء حار أمن من الأعلال )

بإذن الله جل وعلا .

ومنها :

( لا تدع المشي فإنك إن احتجت إليه يوما قدرت عليه )

ومنها :

( احذر من الهم والحزن والسهر )

ومنها :

( النوم على القفا بكثرة يضر بالفهم والذهن )

وهنا كلمة ذكرها رحمه الله  جميلة جدا ، قال :

( الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع )

كونك تقلل من الشيء الذي يضر ببدنك أحسن من أن تملأ بدنك بشيء نافع .

قال رحمه الله لعل قائلا يقول :

ما علاقة الهدي النبوي بهذه الوصايا الطبية ؟

قال رحمه الله :

وهذا القول من تقصير القائل في فهم ما جاء به الشرع ، فإن هذا وأضعاف أضعافه من فهم بعض ما جاء به الشرع ومن إرشاداته ودلالته ، وحسن الفهم عن الله وعن رسول الله عليه وسلم يمنُّ به جل وعلا على من يشاء من عباده ، قال وقد ذكرنا أصول الطب الثلاثة وهي موجودة في القرآن – وسأذكرها إن شاء الله – قال وكيف تنكر أن تكون شريعة الله التي تضمنت مصالح الدنيا والآخرة ألا تكون مشتملة على صلاح الأبدان كما هو مشتملة على صلاح القلوب ، وأنها مرشدة إلى حفظ الصحة ، ولا تكن ممن إذا جهل شيئا عاداه ، ولو رزق العبد تضلعا – وهذا ما نحتاج إليه ولاسيما في هذا الزمن الذي انصرفت فيه الأفهام والأذهان وكل شيء ، انصرفت عنه انصرافاً تاما – قال رحمه الله  : ولو رزق البعد تضلعا من كتاب الله جل وعلا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورزق فهما تاما في النصوص ولوازمها لاستغنى بها عن كلام كل ما سواه ولاستطاع أن يستنبط العلوم الصحيحة من النصوص الشرعية ، فمدار العلوم كلها على معرفة الله جل وعلا ومعرفة أمره وخلقه وذلك مُسلَّم إلى الرسول عليهم الصلاة والسلام ، وأتباع الرسل هم أعلم الناس بطب الأبدان من غيرهم ، وأتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم هم أكمل الناس معرفة بطب الأبدان لأن معهم أعظم الكتب السماوية ومعهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم “

أتعلمون أن أصول الطب ثلاثة ، ما هي أصول الطب ؟

الأصول الأول : أن تحفظ صحتك .

الأصول الثاني : أن تخرج الأذى من بدنك .

الأصول الثالث : حمية البدن عمَّا يؤذيه .

ألا تعلمون أن هذه الأصول الثلاثة عند الأطباء [ حفظ الصحة والحمية  عن كل ما يؤذي واستفراغ الشيء المؤذي من البدن ] ألا تعلمون أنها موجودة في كتاب الله جل وعلا  ؟

” في آية الوضوء وفي آية الصوم وفي آية الحج “

 

 

قال ابن القيم رحمه الله :

” وذكر مرض البدن في الحج وفي الصوم وفي الوضوء إنه لسر بديع يبين لك عظمة القرآن ويبين لك الاستغناء به عن فهم وعقل ما سواه .

الأصل الأول ” حفظ الصحة ” ورد في آية الصوم ، قال جل وعلا :

{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة184

المعنى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ }  فأفطر {  فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }

قال رحمه الله : هذا هو الأصل الأول من أصول الطب وهو حفظ الصحة ، فأباح الله جل وعلا الفطر للمريض للمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته حتى لا يذهبها الصوم .

الأصل الثاني : ” استخراج الأشياء المؤذية من البدن ، قال رحمه الله : وهذا مذكور في آية الحج ، قال جل وعلا:

{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }البقرة 196

ولذلك كعب بن عجرة لما آذاه القمل في رأسه أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحلق شعره ، قال رحمه الله :

” فحلق الرأس في الإحرام هو استفراغ للأبخرة الرديئة التي أوجبت الأذى في رأسه باختفائها تحت الشعر فإذا حُلق رأسه انفتحت مسامّ الرأس فخرجت تلك الأبخرة منها ، فهذا الاستفراغ استفراغ يسير وهذا من طريقة القرآن أن ينبه القرآن بالأدنى على الأعلى ، لأن الأذى الذي يكون في بدن الإنسان ويستفرغ ويضر البدن بقاؤه وانحباسه هي عشرة “

ذكر منها ” حبس الدم – ولذلك حث الإسلام على الحجامة – حبس الدم والبول والغائط والريح والقيء والعطاس “

 قال رحمه الله : وكل واحدة توجب ضررا بانحباسها في البدن .

الأصل الثالث : ” الحمية لهذا البدن من أن يصيبه أذى مستقبلي ، قال رحمه الله في آية الوضوء ، قال تعالى :

{ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً }المائدة6

فالمريض الذي يجد الماء ولو استخدمه في الوضوء لأضر بدنه أباح له الإسلام أن يعدل إلى التيمم خيفة وحمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه ” ا.هـ

عرضت هذه الوصايا من أجل أن نعلم أن الشريعة أتت بمصالح العباد في الدين والدنيا ، بصلاح القلوب وصلاح الأبدان ، وأيضا لنعرف قيمة أهل العلم الذي إذا تكلموا لا يتكلمون إلا بالدليل الشرعي ، وكلما تضلع الإنسان وأحب أن يقول مستدلا بالكتاب والسنة وأعمل ذهنه وفقه الله جل  وعلا ، وإلا لو جلس الواحد منا دهرا طويلا ما استطاع أن يستنبط أصول الطب الثلاثة من هذه الآيات ، بعض الناس يقرأ خمسين أو ستين سنة يقرأ هذه الآيات ومع ذلك تمر هكذا ، فانظروا إلى أن صلاحنا وسعادتنا ورفعتنا إنما هي بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، لا نريد أفهام البشر التي لا تكون منضبطة على فهم السلف ، لا نريد اجتهادات من أحد حسب ما يمليه عليه عقله  -لا – وإنما نفهم الكتاب والسنة على ضوء ما فهمه السلف .

ولتعلموا أني لو أردت أن أتحدث عما تحدث عنه ابن القيم رحمه الله في كتابه [ الطب النبوي ] وهو موجود ضمن أجزاء [ زاد المعاد ] لظللت ست أ وسبع خطب ، لكن اجتزأت ما أردت أن أبين فيه عظمة الإسلام وعظمة أئمة الإسلام كابن القيم رحمه الله في ذكر مثل هذه الأصول الطبية .

الخاتمة : ………………………