التفسير المختصر الشامل الدرس (11) تفسير سورة البقرة من الآية (124) إلى الآية (134)

التفسير المختصر الشامل الدرس (11) تفسير سورة البقرة من الآية (124) إلى الآية (134)

مشاهدات: 478

التفسير المختصر الشامل ( 11 )

تفسير سورة البقرة :

من الآية ( 124) إلى الآية (  134)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } :

أتى ذِكْر إبراهيم هُنا مِن باب أن يُذكِّر الْعَرَب الذين لَمْ يؤمنوا بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ لأنّهم كانوا يفتخِرون بِأَنَّهُمْ على عقيدة  إبراهيم أو أنّ إبراهيم يجعلون له منزلةً عندهم ، وفيه أيضًا  تذكيرٌ لليهود والنصارى الذين يعظِّمون إبراهيم ، فَذِكرُه مِن باب تذكير هؤلاء : إن كُنتُم تَتّبعون إبراهيم فَعَلَيكم أن تؤمنوا بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي أُمِر باتّباع إبراهيم

 

 { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

ولذلك ردّ الله عزّ وجلّ عليهم :

{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

 

ولذلك :

النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أُمِر كما في سورة الأَنْعَام :

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

 

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا }

 

وأنتم يا هؤلاء لستم مُتّبِعين لإبراهيم عليه السلام

 

{ وَإِذِ ابْتَلَى } أي اختَبَر { إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } المُبْتلِي هو الله عزّ وجلّ . ابتَلى مَن ؟ إبراهيم

 

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } :

 { بِكَلِمَاتٍ } :

ما هِيَ تلك الكلمات ؟ اختُلِف فيها اختِلافًا كثيرًا .

والصواب :

أنّ إبراهيم عليه السلام ابتُلِيَ بِكلمات الله القَدَرِيَّة وبِكلِمات الله الشرعيّة

ابتُلِيَ بِكلمات الله القَدَرِيَّة :

أُمِر بِذَبْحِ ابنه ، أُمِر بِالهِجرة ، وبِمُفارَقَةِ أبيه وَقَوْمه

ابْتُلِيَ بأمور شرعيّة :

وذلك بِبناء البيت ، وذلك بِخصال الفِطرة .

فكلمة ( كَلِمَات ) تشمل كلّ ما ابْتُـلِيَ به إبراهيم مِن الكلمات القدَرِيّة والشرعية .

 

{ فَأَتَمَّهُنَّ } قام بِهنّ ، قام بهذه الكلمات على أحسن ما يكون ، ومَن أحبَّ إبراهيم ، أَوْ قال إنّي مُتّبع لإبراهيم فَلْيَفعل ولْيَصنع كما صنعَ إبراهيم

 

قال تعالى : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى }

 

{ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } : أي قُدوة .

 { إِمَامًا } :

قدوة ، يُقتَدى بِك في الخير . وهذا إن دلّ ، يدلّ على أنّ الإنسان يَصِل إلى الإمامة في الدِّين بعد الامتِحان والابتِلاء . قال عزّ وجلّ – لأنّ الإمامة في الدِّين لا تكون إلّا عن طريق الصَّبر واليقين ، الصبر واليقين –

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } فابْتُلِي إبراهيم ، وأتمّ ما ابْتُلِي به فصارَ إمامًا

 

{ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } :

وهذا يدلّ على أنّ الأب يحبّ أن يَظفَرَ أبناؤُه بِمِثْلِ ما يَظفَرُ به مِن الخير والطاعة والعمل الصالح ، ولذلك في قوله عزّ وجلّ :

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }

قال بعض المفسِّرين : المقصود مِن ذلك مِن أَنَّ الآباء يَرَوْن ما تَقِرُّ به أعيُنُهم إذ يَرَوْن أبناءهم وهم مُطيعون لله عزّ وجلّ

 

 { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } :

 { لَا يَنَالُ عَهْدِي } :

يعني الإمامة ، لا ينالُها الظالمون . فالظَّالِم لا يكون إمامًا في الدِّين . وكذلك لا ينال عهد الله عزّ وجلّ في يوم القيامة ، إذ إنّ مصير هذا الظالم إن كان كافِرًا مصيرَه إلى النار ، لأنّ أعظمَ الظلم هو الشرك بالله عزّ وجلّ . ولا يكون إمامًا في الدنيا إذا كان كافرًا ، وكذلك إذا كان مسلمًا لَكِنّه ظالم .

 

وقد أَخذَ مِن هذه الآية  { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أخَذَ مِن هذه الآية ، أخذ الخوارِج أنّه إذا كان الوالي ظالِمًا فاسقًا فإنّه يُخرَجُ عليه . وهذا لا دليل لهم فيه البتّة ، وذلك لأنّهم يقولون إذا فَسَق أو ظَلَم فإنّه يُخرَج عليه ويُعزَل .

ومُعتقد أهل الـسُّـنَّـة والجماعة مِن أنّ الوالي ولو فَسَق ولو ظَلَم ولو جارَ فإنّه لا يُخرَج عليه ؛ لأنّه لو خُرِج عليه لترتّبَت على ذلك مفاسِدُ عظيمة . والواقِع يَشهد بهذا .

فَالآية لا تُسعِفُهم أصلًا .

ثُمَّ إنّه في أصل الآية : { قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } وَلَمْ يَقُل إذا نالَ العهد ثُمَّ ظَلَم أنّه يُخرَج عليه ، أو أنّه لا عهد له

 

 { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ } :

أي الكعبة . كما قال تعالى في سورة المائدة :

{ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

 

{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً } :

أي يثوبون ويرجِعون إِلَيْهِ ، فما مِن شخص يَخرُجُ مِنهُ إلّا ونفسُه تُريدُ أن تعودَ إِلَيْهِ

 

فَهُوَ { مَثَابَةً } أي يعود الناس إِلَيْهِ ويرجعون إِلَيْهِ ، وأيضًا هو مَجمَع للناس .

 قال تعالى :

{ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ }

 

{ وَأَمْنًا } : أي ذَا أمن .

 

 { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } :

أخَذَ مِن هذه الآية بعض العلماء مع فِــعْــل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقِراءته لهذه الآية ، قالوا : لمّا صلّى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خَلْف المقام ، قالوا إنّ رَكْعَتي الطواف واجبة ؛ لقوله : ( خُذُوا عنّي مناسِكَكم )

 

والذي يظهر هو قول الجُمهور :

مِن أنّها سُنّة ، وذلك للقراءة الأخرى التي ليس بِها أَمْـر { وَاتَّخَذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } إضافةً إلى أنّ اتِّخاذ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لِمَقام إبراهيم مُصلَّى إنّما هو عن رأيٍ قاله عُمَر رضي الله عنه . فحصلَ أمرُ الله مُوافَقةً لعُمَر أو العَكس .

 

ولذلك :

قال عمر رضي الله عنه كما ثبت عنه ، قال ( وافَقْتُ ربّي أو – الشكّ مِن الراوي ليس منّي – أَوْ وافَقَني ربّي )

( وافقْتُ ربّي أَوْ وافَقَني ربّي في ثلاث ) ثمّ ذَكَرَ ، قال :

( قلتُ يا رسولَ الله : لَوْ اتّخذتَ مَقام إبراهيم مُصلَّى ) . 

 

{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } :

وهذا المَقام كان قريبًا مِن الكعبة ، و ذلك لمّا ارتَفعَ البِناء ، أراد إبراهيم عليه السلام أن يكونَ على عُلُوّ ، فَأُتِيَ بهِ هذا المَقام ، أو هذا الحَجَر ، حتى جَعَلَ الله عزّ وجلّ فيه آية ، وهي مَوضع قَدَمَيه ، وهو موضع قدميه .

ولذلك كان يدور به كلّما أرادَ أن يرفع البناء . وهذا المقام أَخَّـرَهُ عمر رضي الله عنه ، وذلك بأنّ الصحابة لَمْ يُخالِفوه . ولَعلّ الأمر في ذلك ، لأنّه قال ( وافقتُ ربّي أو وافَقَني ربّي في ثلاث ، وذكر هذا الأمر :  مِن أنّه لمّا حصلت الموافقة وأخَذَ المَقام قريبًا مِن الكعبة إلى هذا المكان ، دلّ هذا على أنّ الصحابة رضي الله عنهم ، رَأَوْا أنّه على حقّ وعلى صواب

 

 { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } :

ولذلك صلّى خَلفَهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم ركعتين

 

{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } :

قالَ :{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وَلَمْ يَقُل تمسّحوا بِمقام إبراهيم كما يفعله بعض مِن الناس في هذا الزّمن ، لأنّ هذا التَّمسُّح وهذا التبرُّك وسيلة مِن وسائل الشرك ، ولا يجوز في شرع الله عزّ وجلّ

 

{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } :

مَقَام إبراهيم ، أضافَ المَقام إلى إبراهيم تشريفًا لهذا المَقام الذي يكون أيضًا تشريفًا لِإبراهيمَ عليه السلام .

 وقد قال بعض العلماء : إنّ المَقام هُنا لا يُحصَر على المَقام المعروف الآن ، وإنّما المقصود مِن مقام إبراهيم مَشاعِر ومَناسِك وأماكِن الحجّ كَعَرفات ومِنى وما شابهَ ذلك

هذا وإن قِيل به فَهُوَ قَوْل مُعْتَبَر ، ولكن الظاهِر مِن السِّياق أنّ المَقام هُوَ المَقام المعروف ، ويدخل هذا ضِمنًا .

لَكِنْ إذا قيل بهذا القول  { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } ليس معنى ذلك أنّه يُؤتى إلى عرفة وإلى مِنى ويُصلّى فيها ، وإنّما المقصود  { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } معنى { مُصَلًّى } أي مُتَعبَّدًا ، أي تَتَعبّدون الله عزّ وجلّ بِمَا – بِشَرط – بِمَا شرعه عزّ وجلّ لكم في مناسك الحجّ

 

 { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ } :

عَدَّ { عَهِدْنَا } بِـ { إِلَى } لِكَيْ يَتضمّن الوَحْي { وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ } فيكون العَهد منه جلّ وعلا إلى إبراهيم بالوحْي وبِالأمر

 

 { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا } :

{ أَن } : تفسيريّة ، لأنّ ضابِط ( أن ) التفسيريّة أن يَـــأْتِـــيَ قَبلها ما يدلّ على معنى القول لا على حروفه ، لأنّ العهد يدلّ على معنى القول ، يَتضمّن القول ، وليس هو قولًا { أَن } ما هو هذا العهد ؟ مُفسّر ( كلمة أن ) تُفَسِّر هذا العهد الذي بَعدَه

 

{ طَهِّرَا بَيْتِيَ } :

طَهِّراه مِن الأَنْجاس المعنَوِيّة كالشرك والبِدَع ، والأنجاس الحِسّيّة مِن القاذورات .

وأيضًا لِيَكُن فِعلُكما هذا على طهارةٍ منكما مِن الشرك ومِن ما يُـخــالِــفُ شرع الله عزّ وجلّ

 

{ بَيْتِيَ } أضاف ( البيت ) إِلَيْهِ جلّ وعلا تشريفًا لهذا البيت ، كما أضاف عزّ وجلّ ( الناقة ) { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } مِن باب إضافة المَخلوق إلى خالقِه تشريفًا لهذا المخلوق

 

{ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ } :

الذين يطوفون حول البيت ، وقَدَّمَهم في الذِّكر ؛ لأنّ ألصَق ما يكون بالبيت مِن الْعِبَادَاتِ ( الطواف )

{ وَالْعَاكِفِينَ } : وهُو مَن يَعْتَكِف

{ وَالرُّكَّعِ } : مَن يَركَع ، والمَقصود الصلاة

{ السُّجُودِ } : هو السجود المعروف ، والمقصود مِن ذلك الصلاة .

 

 وأتى بها مُرَتَّبة :

 – { لِلطَّائِفِينَ } :

لأنّ الطواف لا يَصِحّ إلّا بالكَعبة ، ولذلك ليسَ هُناك شيء يُطاف به على وَجْه الأرض إلّا الكعبة ، ما عدا ذلك فَـلَـيْـسَ مِن شرع الله ، ومُخالِف للتوحيد .

– ثُمَّ ذَكَرَ { الْعَاكِفِينَ } لِمَ ؟ لأنّ الاعــتـِــكــاف يَصِحّ في كلّ مسجد ، ولا يَلزَم في المسجد الْحَرَام

 – { الرُّكَّعِ السُّجُودِ } :

المقصود مِن ذلك الصلاة ، فالصلاة تَصِحّ في أي مكان . قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ( جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا )

 

وقال هُنا { لِلطَّائِفِينَ } عَطَفَ { وَالْعَاكِفِينَ }

{ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } :

لَمْ يعطِف ؛ لأنّهما في عِبادة واحدة وهي الصلاة ، وخالَفَ بَين لفظ

{ الرُّكَّعِ السُّجُودِ } ولم يَقُل ( السُّجَّد ) لعلّ ذلك مِن باب تَنَوُّع الأسلوب .

 

وَلَمْ يَذكُر القِيام ، لأنّ الركوع والسجود لا يَتِمّ إلّا  بِالقيام ، ولذلك ذَكَرَه عزّ وجلّ في سورة الحجّ :

{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }

 

وبعض المفسِّرين قال : { لِلطَّائِفِينَ } أي مَن أتى مِن الغُرَباء خارِج مكّة { وَالْعَاكِفِينَ } هُوَ مَن كان في أهل مكّة وكان ساكنًا في مكّة ، وهذا يَدخُلُ ضِمنًا .

وَمِمَّا يؤيّده قوله عزّ وجلّ :

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  }

 

( الْعَاكِفُ ) يعني المُقِيم

( الْبَادِ ) الغريب الذي يأتي إِلَيْهِ .

فلا تَعارُض بين القَوْلَين .

 

 { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } :

هُنا دُعــاء مِن إبراهيم عليه السلام . لمّا بَيَّن عزّ وجلّ لإبراهيم عِظَم هذا البيت وأنّه مأمورٌ بِأن يُطَهَّر هذا البيت للطائفين والعاكفين والرّكّع السجود. هُنا دعا إبراهيم .

 

وَهُنا لَفْتَة :

في الآية السابقة  :

{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }

فإنّه ما يَحدُث في هذا العصر مِن التصوير عند الكعبة ، وأَخْذ الصُّوَر على أنّها ذِكرى أو ما شابهَ ذلك ، هذا ليسَ مِن تطهير البيت الْحَرَام .

وينبغي للمسلمين ، بل يَجِب على هؤلاء الذين يُصَوِّرون أن يتّقوا الله عزّ وجلّ ، وألّا يفعلوا هذا الصَّنيع في بيت الله عزّ وجلّ .

والتصوير أقسامه وأنواعه بَيَّنتُها في غير هذا المَوطِن . ما يجوز منه ومالا يجوز .

 

 { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } :

هُنا دَعا إبراهيم ، لمّا بَيَّنَ الله عزّ وجلّ لهُ فَضْـل هذا المكان ، وما يكون لهذا المكان مِن الفضل .

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } دَعا هُنا

 

في سورة إبراهيم :

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ }

أتى بكلمة { الْبَلَدَ } مُحَلّاة بالألِف واللّام .

 

هُنا قال { بَلَدًا }

 

فقال بعض العلماء : إنّ هذا مِن باب التِّكرار والإلحاح في الدّعاء مِن إبراهيم ، دعا الله مرّتين مِن باب التِّكرار .

 

وَلَكِنْ الذي يظهر أنّ الـدَّعـوة هُنا في سورة البقرة :

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا }

قَبْلَ أن يَبنيَ هذا البيت ، دعا له قَبْلَ أن يبنيَ هذا البيت .

 

وذلك لأنّ هذا البيت كما جاء في الأحاديث الصحيحة كان ــ لمّا وَضَع إبراهيمُ عليه السلام وَضَعَ هاجرَ وابنَها إسماعيل- كان أَكمَة ، يعني رَبوة مُرتَفِعة

 

لمّا أرادَ أن يبنيَ هذا البيت -على ظاهر السِّياق- دعا قبل أن يَبنِيَه ، بِدَليل ما بَعده مِن آيات :

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

 

بينما في سورة إبراهيم ، ماذا قال ؟

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ }

دلّ هذا على أنّها دعوَتان : قَبل البِناء وبَعد البِناء

 

 { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ } 

{ وَارْزُقْ أَهْلَهُ } : أي مَن يَسكنُ فيه .

 { مِنَ الثَّمَرَاتِ } لِمَ ؟

لأنّ هذا المكان ليسَ مكان يُزرَعُ فيه :

{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

 

{ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } :

قد قيل مِن أنّ الله عزّ وجلّ انتزَعَ الطائف مِن الشام لِبُرودتها وأتى بهذا المكان وطاف به في هذا المكان ، فَقيل الطائف باعتِبار أنّه طِيفَ به في مكّة ، فأصبح هذا المكان مكانًا بارِدًا لِكَي تَرِد الثمار إلى هذا المكان

لكنّه حديثٌ لا يَثبُت ، ولا يَصِحّ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم

 

{ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } :

{ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } :

هُنا قَيَّدَ إبراهيمُ ؛ لِأنّه لمّا قال في الإمامة { وَمِن ذُرِّيَّتِي }

قال عزّ وجلّ: { قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

 

هُنا إبراهيمُ عليه السلام قَيَّدَ ، قال :{ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }

قَالَ عزّ وجلّ : { قَالَ وَمَن كَفَرَ } يعني سَأرْزُقُه ، سأرزقُه .

قال تعالى في سورة الإسراء :

{ كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا }

 

وقيل { قَالَ وَمَن كَفَرَ } : القائل هُوَ إبراهيم ، لكنّه بعيد عن السِّياق ؛ لأنّه قال بعد ذلك  { فَأُمَتِّعُهُ } { فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا }

 

{ فَأُمَتِّعُهُ } :

الدنيا يستمتعُ بها الكافر ، ولو رُزِق { فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } يعني أُلْجِئُهُ  :

{ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

{ بِئْسَ الْمَصِيرُ } :

النار ، قال تعالى :

{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

 

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } :

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ } :

الأُسُس ، قال بعض المفسِّرين : الجُدُر ، لكنّ القواعد هي الأُسُس ، ولا ينفي هذا القول ؛ لأنّه إذا بَنَى الأساس ظهرت الجُدران

 

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ }:

أي وإسماعيلُ يَرفعُ معه .

وكان هذا البِناء لمّا أتى إبراهيم ، قال : إنّ هُنا بَيتًا أمَرَني الله عزّ وجلّ أن أبْنِيَه ، فهل تُعينُني ؟ قال : نَعَمْ .

وهذا بَعدَ ما ماتَت أُمُّ إسماعيل -كما ثَبَتَ بذلك الخَبَرـ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم .

 

مع هذا البِناء { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } هُـمـا في عمَلٍ صَالِح وبأمْرٍ مِن الله عزّ وجلّ ، ومع ذلك لا يَركَنُ الإنسان إلى عَمَلِه وإنّما يسألُ اللهَ عزّ وجلّ القَبول

 

{ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } :

فَهُوَ السميع الذي يسمَعُ كلّ شيء ، والعالِم بكلّ شيء . ومِن ذلك تَعلَمُ حالَنا وتَسمَعُ دُعاءَنا ، فاسْتَجِب لنا

 

{ رَبَّنَا } :

كَرَّرَ كلِمة { رَبَّنَا } مِن باب الثناء على الله عزّ وجلّ ، وَلَمْ يَقُل ( وَاجْعَلْنَا مُسْلِميْنِ )

 

{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } :

وهذا إن دلّ يدلّ على أنّ الإنسان مهما عَظُمَت مَرتَبَتُه ، ومهما كان له مِن الفضل عند الله عزّ وجلّ -كَحال إبراهيم وإسماعيل- إلّا أنّه محتاجٌ إلى الله عزّ وجلّ

 

{ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا } :

{ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً } :

أي جَماعة { مُّسْلِمَةً لَّكَ } هذا يدلّ على ماذا ؟

يدلّ على أنّ الآباء يُحِبُّون لأبنائهم ما يُحِبُّون لأنفسهم مِن الطاعة ومن الخير ، ولذلك في دُعائِهما { وَمِن ذُرِّيَّتِنَا } أي مِن البعض ، وذلك لأنّ البعض كما في أوّل الآيات قال :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

 

{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } :

{ أَرِنَا } : أَرِنا : رؤية عِلمِيّة كَعِلْم ، أو رؤية بَصَرِيّة ؟ قيل بهذا وقيل بهذا ، ولا تَناقض

 

{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } : يعني علِّمْنا مَناسِكَنا ، أي أماكن العِبادة ، ومِن ذلك شعائر الحجّ ، وكذلك ما يتعلّق بالذّبح  { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } علِّمْنا وأرِنا ، رؤية بَصَرِيّة أيضًا

 

{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا } :

فالتوبة يحتاجُها حَتَّىٰ الأنبياء ، ولذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبتَ عنه يقول : ( إنّي لأستغفر الله في اليوم مِئةَ مرّة )

 

{ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } :

اسمان مِن أسمائه عزّ وجلّ { التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ومَضَى الحديث عن هذين الاسمين ، فَهُوَ يتوب عزّ وجلّ رحمةً بِعباده . ومِن رحمته بِعباده أن شرعَ لهم التوبة

 

 

{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا } : كَرَّرَ أيضًا كلمة { رَبَّنَا } مِن باب تِكرار الثناء على الله عزّ وجلّ ، ولِذا على المسلم إذا دعا الله عزّ وجلّ أن يُثنِيَ عليه عزّ وجلّ

 

{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ } :

أي في هؤلاء الْعَرَب { رَسُولًا } نَكَّرَ الرسول ، ذَكَرهُ إبراهيم عليه السلام وإسماعيل ، ومضى ذِكْرُ هذا الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن يُعرَفَ اسمُه ، حَتَّىٰ أتى عيسى عليه السلام وصَرَّحَ به :

{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }

 

{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ } :

أي يقرأ ( التِّلاوة ) هُنا بمعنى الْقِرَاءَةِ ، لأنّه قال بعدها :{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } ورَتَّبَها هُنا ، لأنّه مِن باب أنّ البِداءة تكون بِالقِراءة ، ثُمَّ تَفهيم المعاني ، ثُمَّ التَّطبيق

 

{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } :

{ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } :

 { الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } إذا اجتَمَعَتا :

فَالكِتاب : ( القرآن ) ، والحِكمة : ( السُّنَّة )

فإذا اجتَمَعا يَكونان بهذا الْمَعْنَىٰ

 

ولا تنافي لهذا القول مع مَن يقول إنّ الحِكمةَ هي الإصابة في القول وفي العمل ، ولا شكّ أنّ مَن أَخَذَ بِالكتاب وبِالسُّنَّة فإنّه سيُصيب في أقواله وفي أفعاله .

 

لَكِنْ إذا أُفرِدَت الحِكمة :

{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } :

  • فإن كانت في سِياق الأنبياء ، فالمقصود مِن ذلك النُّبُوّة
  • وإن كان غير الأنبياء ، فالمقصود مِن ذلك العِلْم بِعُلوم القرآن مِن الناسِخ والمنسوخ والمُطْلَق والمُقيَّد وما شابَهَ ذلك

 

{ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } :

{ وَيُزَكِّيهِمْ } :

يعني يُطَهِّرُهم بِمَا يتلو عليهم مِن هذه الآيات كما قال عزّ وجلّ :

{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }

وقال تعالى :

{ رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا }

 

{ إِنَّكَ أَنتَ } : مِن باب التأكيد

{ الْعَزِيزُ } : يعني القويّ ، الغالب ، الذي لا يُنال بِسُوء

{ الْحَكِيمُ } : الذي يضع الأشياء في مَواضِعها اللائقة بِها . فهَو عزّ وجلّ عزيز وحكيم ، فَهُوَ قويّ وقادِر على أن يَبعثَ هذا الرسول ، وبِالفعل بَعَثَه

 

وهوَ حكيم إذِ اختارَ عزّ وجلّ مَن هو مُناسِب لِـهــذه الرسالة ، ولذلك قال عزّ وجلّ :

{ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ }

فَهُوَ الحكيم

{ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

 

ثُمَّ قال { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ  } :

{ وَمَن يَرْغَبُ } :

لمّا بيّن عزّ وجلّ فَضْلَ إبراهيم عليه السلام وما قامَ به ، أشار إلى أنّ أولئك اليهود والنصارى وكفّار قريش الذين يَرَوْن لِإبراهيم عندَهم مَنزلة مِن أنّهم إذا تَرَكُوا مِلَّة إبراهيم التي هي مِلَّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وسيأتي لهذا تفصيل [ هل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على مِلَّة إبراهيم مُطلقًا أو ماشابَهَ ذلك . سيأتي إن شاء الله تعالى ]

 

قال : { وَمَن يَرْغَبُ } :

ومَن يرغبُ : الاستفهام هُنا مُتضمِّن لِلنّفي { وَمَن يَرْغَبُ } أي لا يَرغبُ { عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } التي منها ما سَبَق { إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }

 

 { إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } :

يعني خَسِرَ نفسَه وأهلَكَها وضَلّ . وَسَفِهَ ماذا ؟ النّفْس التي يَحرِصُ الإنسان على أن يُـقَـدِّم لِنَفسِه ما هُوَ أنفَع وأفضل

 

 { إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }:

ونـُصِبَت { نَفْسَهُ } لِلتمييز . يعني : إلّا مَن سَفِهَت نفسُه ، تمييز مُحَوَّل مِن الفاعِل

 

  { إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } هذا يدلّ على ماذا ؟

يدلّ على أنّ مَن تَرَكَ الدِّين فَبِهِ حُمْق وَبِه سَفَه

 { إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }

ولذلك ماذا قال عزّ وجلّ كما سيأتي معَنا ؟

 { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

صاروا سُفهاء باعتِبار أنّهم خالفوا شرع الله عزّ وجلّ

 

{ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } :

اخْتَرناه في الدنيا ( الاصطفاء ) يعني أنّه انْتُقِيَ إبراهيم عليه السلام ، فصار صَفِيًّا :

{ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ }

 

{ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } :

هو مِن جُملة الصالحين ، بل هو مِن أعظم الناس مَنزلة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

{ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }

 

{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } قال : { أَسْلِمْ } مُطلَقَة . دلّ هذا على أنّه إذا قيل لِشخص أَسْلِمْ ، فالمقصود الإسلام الحقيقيّ لِله عزّ وجلّ ، ولا يُسلِم لغَير الله .

 

ولذلك ماذا قال إبراهيم ؟

{ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ( أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) والعالَم : كلّ المخلوقات العُلْوِيّة والسُّفليّة ، فَكُلّ ما سِوى الله فَهُوَ عالَم . على ما قاله عامّة المفسِّرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيان ذلك في سورة الأعراف والشعراء

 

{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ } :

هذه الآيات والتي قَبلها تدلّ على ماذا ؟

تدلّ  على أنّ الأب حريص على أن ينفعَ أبناءه بالدِّين ، وأن يُطيعوا الله عزّ وجلّ

{ وَوَصَّى بِهَا } :

وصيّة إبراهيم لأبنائه { وَوَصَّى بِهَا } ماذا ؟

الكلمة السابقة { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }

ولا تنافي بينها وبين مَن قال المِلّة { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }

 

فِالمِلَّة هي الإسلام { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ }

ولذلك قال عزّ وجلّ :

{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } تفسيرُها هُنا { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ }

{ وَيَعْقُوبُ } : يعني وصَّى أيضًا يعقوبُ أبناءه بهذه .

فهذه الكلمة ( كلمة التوحيد ) وهذا الدِّين العظيم وَرِثَه الأنبياء ، نبيّ عن نبيّ ، لأنّ يعقوب هو ابن إسحاق ، وإسحاق ابن إبراهيم . فَجَدُّ يعقوب إبراهيم عليه السلام.  ويعقوب عليه السلام هل أدركَ إبراهيم أم لا ؟ الصحيح أنّه أدركَه .

ولذلك قال عزّ وجلّ عن يعقوب :

{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }

 

[ وسيأتي لها حديث إن شاء الله تعالى ]

 

{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى } أي اختار { لَكُمُ الدِّينَ }

كما قال عزّ وجلّ عن أُمَّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم :

{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }

 

{ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } :

يعني لِتَبْقَوا على هذا الدِّين حَتَّىٰ يَتَوفّاكم الله عزّ وجلّ ، فَتَموتوا على مِلَّة الإسلام . وفي هذه الجملة التذكير بالموت .

مِن أنّهم يُذَكِّرون أنفسَهم بالموت .

وأيضًا لا يَطمَئنّ الإنسان . وإذا كان لا يَطمَئنّ ؛ لأنّه لا يدري ماذا يُختَم له ، فعَليه بِكثرة الدعاء .

فهذه الآية تَتَضمَّن : التذكير بالموت ، والحِرص على لزوم الخير حَتَّى الممات ، ودعاء الله عزّ وجلّ بِالثبات على هذا الدِّين .

 

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ } : هذا فيه ما يَتضمَّن الإنكار على اليهود

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ } : { أَمْ } بمعنى ( بل )

هذه ( أَمْ ) المُنقطِعة ، تَتَضمَّن الاستفهام 🙁 بَلْ أَكُنتم شُهداء ) أي أَكُنتم حاضرين { إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } لمّا أتى الموتُ لِيعقوب ؟

لَمْ تَحضروا ؛ وذلك لأنّ يعقوب قَبلَكم

 

ولذلك ماذا قال عزّ وجلّ عن هؤلاء ؟

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}

 

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } :

لأنّهم يقولون إنّ إبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا على اليهوديّة والنصرانيّة .

لَكِنْ هذا القَول الذي قالوه سيأتي ذِكرُه :

 { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

 

هُنا قال { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ } ردًّا على ما ذَكَروه  { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ } يعني يعقوب

 { لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي }

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ }

هُـمْ أبناء مَن ؟ أبناء يعقوب . وإسماعيل ليسَ أبًا لَهُم ، وَ إنّما الأب لَهُم ، الذي هو الجدّ ( إسحاق )  وذلك لأنّ العمَّ والِد كما ثَبَتَ بذلك الحديثُ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

 

وذَكَرَهم مُرتَّبِين : إبراهيم ثُمَّ إسماعيل ثُمَّ إسحاق

 

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي }

{ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ } وأَتَوا بكلمة { نَعْبُدُ } مِن باب التنصيص على العِبادة وفضيلة العِبادة

{ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا }

أَتَوا بكلمة { إِلَهًا وَاحِدًا } مِن باب بَيان هذا الأمر العظيم .

{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } : يعني مُنقادون مُخلِصون . لأنّ الإنسان قد يقول القَوْل ، ويقول  : أنا مُـســلـم ولا يفعل

 

 { قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } :

وهؤلاء أبناء يعقوب عليه السلام الذين جرى لهم ما جرى مع أخيهم يوسف كما سيأتي في سورة يوسف

وهؤلاء يدلّ على أنّهم أبناء يعقوب الذين فَعلوا ما فَعلوا مع يوسف ، يدلّ على أنّهم كانوا على مِلَّة التوحيد .

وهل هُـمْ أنبياء أم لا ؟ سيأتي بإذن الله عزّ وجلّ ما يدلّ على أنّهم على الصحيح ليْسوا بأنبياء ، وسيأتي بذلك أدلّة في الآيات القادمات بإذن الله عزّ وجلّ

 

{ تِلْكَ أُمَّةٌ } :

{ تِلْكَ أُمَّةٌ } : أي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق . ولذلك يوسف عليه السلام في سورة يوسف لمّا لَقَّنَهم أبوهم هذه الدَّعَوات قال لِــمَـنْ كان في السِّجن ( لِلغُلامَيْن ) :

{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }

 

{ تِلْكَ أُمَّةٌ } :

أي جماعة . مَن ؟ هؤلاء الأنبياء . ومِن بينِهم أبناء يعقوب على القول بأنّهم أنبياء ، وعلى عَــدَم القول بأنّهم ليسوا بِأنبياء ، أيضًا هُـمْ أُمَّة

 

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } : مَضَت

{ لَهَا مَا كَسَبَتْ } مِن الأعمال .

سبحان الله ! إذا كان هؤلاء ، وفيهِم مَن فيهِم مِن الأنبياء ، لَهُم ما كسبوا مِن الأعمال ، وسَيُجازَون على هذه الأعمال . فأنتم مِن بابِ أَولى .

ولذلك قال :

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

كلٌّ له عَملُه ، فأنتم لن تُسألوا عن أعمال تلك الأُمّة التي قد خَلَت .

 

نتوقّف عِند هذا الحدّ – والله أعلم- وصلَّى الله وسلَّمَ على نبيّنا مُحَمَّدٍ .