التفسير المختصر الشامل ( 17 )
تفسير سورة البقرة
من الآية ( 188) إلى الآية ( 196)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) } :
نهى عز وجل عن أن يأكل المسلم مال أخيه بالباطل بأي نوع من أنواع الباطل بالغصب بالسرقة بالرشوة بالميسر بالتزوير
فكلمة ( الباطل ) تدل على أن العبد لا يجوز له أن يأكل مال أخيه المسلم
{ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ } :
ولذلك قال { أَمْوَالَكُمْ } لأن مال أخيك هو مال لك يجب عليك أن تحافظ عليه
ولذلك :
النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه في الصحيح
(( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ))
{ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا } أي تتوصلوا بها
ما هي ؟
الأموال لا تتوصلوا بهذه الأموال إلى الحكام إلى القاضي فتقع منكم الرشوة من أجل أن يحقوا لكم باطلا أو يبطلوا حقا
{ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ } أو تدلوا بالحكومة لعذوبة ألسنتكم فتدلوا بهذه العذوبة وبهذه الحكومة إلى الحكام
فإن حكم القاضي لا يغير من حقيقة الأمر
ولذلك :
النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال : (( ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له قضاء فإنما أقضي له جمرا من النار ))
{ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا } : فإنه وإن حكم لك القاضي بهذا المال أو بهذا الحق وهو ليس حقا لك فإنه يعني حكم القاضي لا يبيح لك محرما
{ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا } أي لتأكلوا نصيبامن أموال الناس
{ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ } ما أكلتم هذا المال إلا عن طريق الإثم
لكن لو أن الإنسان أكل مال الآخرين بالتراضي و بالمعاملات الحلال فإن هذا جائز
ولهذا قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }
{ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ } ووصف الجزء من المال بأنه فريق باعتبار أنه لو أخذ جزءا يسيرا فإنه لا يجوز له
{ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } :
وأنتم تعلمون خطورة ما تفعلونه
وأنتم تعلمون أن هذا ليس بحق لكم وإنما توصلتم إليه إما بالرشوة
ولذلك قال بعض العلماء : إن الرشوة تفقأ عين القاضي
وإما لعذوبة السنتكم لفصاحتها
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ } :
قالوا ما بال الهلال يبدو في أول الأمر صغيرا ثم يكبر ثم بعد ذلك يكون صغيرا
وذكر هذه الآية والعلم عند الله وهي ذكر الأهلة إنما ذكرت بعد الصوم لأن الصوم إنما يثبت برؤية الهلال (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))
وما يذهب له الآن من تطبيق الحساب الفلكي في ثبوت دخول الشهر فإن هذا ليس من شرع الله
وقد نص شيخ الإسلام من أن هذا الأمر لم يكن معهودا من السلف ومن حث عليه أو أمر به فإنه يكون من ضمن من ابتدع في شرع الله عز وجل
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ } يا محمد جوابا لهم : هم يسألون لماذا تبدأ صغيرة ثم تكبر ثم تصغر
{ قُلْ } جوابا لهم وهو جواب أنفع من سؤالهم { قُلْ هِيَ } أي الأهلة
{ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } بمعنى أنهم يعرفون الأوقات من أجل ما يكون بينهم من المعاملات ما يكون من الديون ما يكون من عدد النساء وما يتعلق بهذا الأمر
{ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } نص على الحج لأهمية الحج ولأن الحج لأنه قال { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } ولأن الحج إنما يكون لعموم الأمة فتجد أن الأمة فيما بتعلق بهلال ذي الحجة يحرصون على أن يعرفوا متى يدخل شهر ذي الحجة
فهو يتعلق بعموم الأمة
{ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } ومن ذهب من ذهب من بعض العلماء إلى أن الحج يصح في كل زمن باعتبار هذه الآية فإن مثل هذا القول ترده الآية لأن الآية إنما ذكرت مواقيت للناس والحج
ولذلك كما سيأتي { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } فدل على أن الحج لا ينوى بالحج إلا في أشهره { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ }
{ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ } :
{ وَلَيْسَ الْبِرُّ } في الآيات السابقة { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ }
لأن البر خبر ليس قدم هنا لم يقدم فكان مرفوعا { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا }
كانوا يعتقدون من أنهم إذا أحرموا من أنهم لا يكون لهم تقوى إذا دخلوا من أبواب بيوتهم وإنما ينقبون أو يفتحون باب من الخلف فيدخلون منه
فقال تعالى : { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا }
البر من اتقى الله وهذه الآية تعود بنا إلى الآيات السابقة التي يرد بها على أولئك الذين ظنوا أن البر محصور في استقبال المشرق أو المغرب
{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ }
وانظر إلى هذه الآية تجد أن في ختامها { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }
وهنا ذكر التقوى { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى }
لو قال قائل : ما صفة هذا المتقي ؟
نقول ارجع إلى قوله تعالى { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} الآيات
وارجع إلى قوله تعالى { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الآية
{ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } فليس هذا هو البر وليس هذا هو التقوى { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } جملة عامة بمعنى أن الإنسان إذا أراد أن يأتي إلى الشيء فليأت إليه من بابه
لو أن الإنسان أراد أن يخطب امراة مثلا فليأت لخطبتها من الباب الشرعي بأن يأتي إلى ولي أمرها
{ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } من أراد أن يطلب العلم الشرعي فليطلبه من بابه الذي يوصله إلى هذا العلم الشرعي الذي ينتفع به
{ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ } كرر التقوى لأهميتها ولأنه يترتب على التقوى حصول المرغوب وزوال المكروه
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لأن الفلاح حصول المرغوب وزوال المكروه
فتقوى الله وسيلة إلى أن ينال الإنسان وأن يظفر الإنسان بكل خير وأن يجنب بإذن الله كل شر
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أمروا هنا بالقتال
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } بعض أهل العلم قال هذه الآية منسوخة
وخذها قاعدة :
إن أمكن أن يجمع بين الأدلة سواء كانت الأدلة في القرآن أو في السنة أن يجمع بينها من غير أن نقول بالنسخ فهو أولى لأن الأصل عدم النسخ
ولأن القاعدة الأصولية تقول : [ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ]
قال بعض أهل العلم هذه منسوخة بالآيات التي أمرت بالقتال في كل الأحوال
{ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ }
ولكن الذي يظهر وهو رأي ابن كثير من أن هذه الآية ليست منسوخة وإنما قوله تعالى { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ }
معنى ذلك الذين يقاتلونكم بمعنى أنه حث لهم أن يقاتلوا من يقاتلهم ، وليس معنى ذلك أنهم يقاتلون من قاتلهم وإنما فيه حث من أن هؤلاء الكفار حريصون على قتالكم فقاتلوهم أيضا ، الجزاء من جنس العمل
{ وَلَا تَعْتَدُوا } :
أمروا بالقتال ولكن القتال هنا يكون بضوابطه الشرعية
ومما يدل على أن الإسلام ليس دين سفك دماء أو إرهاب أو ما شابه ذلك كما يقال
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } بشروطها بشروط هذه العبادة وهي عبادة الجهاد { وَلَا تَعْتَدُوا } أي لا تتجاوزوا وهي كلمة عامة لا تعتدوا في جميع أموركم ومن ذلك إذا قاتلتم الأعداء
ولذلك في صحيح مسلم :
النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرسل جيشا أو سرية وأمر أميرا عليها قال (( اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلو ولا تغدروا ولا تمثلوا ))
لأن هذا من الاعتداء
{ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } وكفى بهذا النهي من أن ينزجر المسلم عنه من أن الله نهى عنه وهو عز وجل لا يحب المعتدين
مما يدل على أنه عز وجل يحب المحسنين العادلين
{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) }
{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } : أي حيث وجدتموهم { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أخرجوكم من دياركم
أخرجوكم من مكة
{ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ }
الفتنة : الكفر وإرادة هؤلاء منكم أن تعودوا إلى الكفر أشد من القتل أشد من قتالهم هم يقولون إن قتالنا عظيم لكن حرص هؤلاء الكفار على أن يترك المسلمون الدين وأن يكفروا بالله أشد من القتل
{ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ }
بعض أهل العلم قال : هذه الآية منسوخة
بمعنى أنه يقتل هؤلاء في الحل وفي الحرم لقوله عز وجل { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ }
والتي تدل عليه الأدلة كما سبق من حيث إن الأصل عدم النسخ تدل على أن الأصل في هذا من أن المسلم لا يقاتل في المسجد الحرام إلا إذا ابتدأ الكافر بقتاله
وذلك :
لأن الآيات التي تدل على النهي عن قتال هؤلاء في المسجد الحرام هي مخصصة لتلك الآيات التي تدل على عموم قتلهم
{ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } فإن ابتدأوكم بالقتال فقاتلوهم
{ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ }
{ فَاقْتُلُوهُمْ } ولم يقل فقاتلوهم فاقتلوهم لأنه يترتب على قتال هؤلاء لكم أن يحصل منكم قتل فلو حصل منكم قتل لهؤلاء لأنه قد يحصل قتال ولا يحصل قتل لكن لو ترتب على ذلك قتل فإنه لا جناح عليكم لأنهم هم المعتدون اعتدوا في المسجد الحرام وفي الأشهر الحرم
{ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } هذا الجزاء السابق جزاء الكافرين وهؤلاء كفار وأرادوا منكم أن تعودوا إلى الفتنة ، والفتنة ما هي ؟ الكفر
بعض الناس يظن أن الفتنة هي عامة
بعض الناس يقول : إذا حصلت فتنة والفتنة أشد من القتل وهذا خطأ
المقصود من الفتنة الكفر أن يريد هؤلاء بكم أن تكفروا بالله عز وجل
{ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) }
إن انتهوا عن الكفر ودخلوا في الدين فإن الله غفور رحيم سيغفر لهم ما مضى وسيرحمهم
ولذلك :
قال عز وجل : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ }
{ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) }
{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } حتى لا يقع كفر وشرك وحتى لا يرتد من يرتد فإن خطر هؤلاء الكفار خطر عظيم
ولذلك مما يدل حتى لا ينسب إلى الإسلام من أنه دين يحب سفك الدماء
لو كان كذلك لما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لا تمثلوا بالكفار ) لكان القول منه مثلوا بهم
ولما نهاهم عن قتل الصبيان والنساء
فدل هذا على أن الدين دين رحمة ، ولذلك حتى لو أن الكافر لو أراد أن يدفع الجزية حتى لا يدخل في الإسلام فإن الشرع أجاز ذلك كما سيأتي بإذن الله
(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) دين الإسلام
ولذلك قال عز وجل في سورة الأنفال :
(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) أكد ذلك
( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
فإن انتهوا فالله مطلع عليهم ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) )
وسينصركم وسيتولى أموركم
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) إن انتهوا فلا عدوان عليهم لأن العدوان إنما يكون على الظالمين
وقال هنا { عُدْوَانَ } مع أنه حق لأنه نظير المجازاة كما قال عز وجل :
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا }
فقال : { عُدْوَانَ } من باب المشابهة لأن أولئك اعتدوا فوصفت المجازاة من المسلمين لهؤلاء الكفار بالعدوان نظير المشابهة
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا }
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) فمن اعتدى فهو ظالم فبفعلهم هذا هم الظلمة
الذين اعتدوا على شرع الله
{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } يعني الشهر الحرام الذي قاتلوكم فيه فقاتلتموهم فيه نظيرالمجازاة { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ }
أو { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } الشهر الحرام الذي قضيتم فيه العمرة التي صددتم عنها في الحديبية بالشهر الحرام
{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }
عممها { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } حتى لا يحصر الأمر في قضية اعتداء أو في قضية في الأشهر الحرم
{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } سماه هنا ووصفه بأنه اعتداء من باب المقابلة فقط وإلا فليس اعتداء لأ نه أخذ حق
{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }
بمثل ما اعتدى عليكم وليس بالأكثر
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } لأن تقوى الله مانعة العبد من أن يعتدي على الآخرين أو أن يعتدي على حق الله
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } :
{ وَاعْلَمُوا } أمروا بأن يعلموا من باب التنبيه من أن الله مع المتقين وأن من لم يعتد ومن قام بالأحكام السابقة فهو من المتقين
وإذا كان الله مع المتقين فإنه لا يحزن لأن الله معيته الخاصة مع المتقين تقتضي النصرة والتوفيق والتيسير والتأييد منه عز وجل ، الحفظ والإعانة
( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) )
( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) : أمروا بالإنفاق في سبيل الله ، وسبيل الله عام في كل سبيل من سبل الخير لكن من ذلك الجهاد في سبيل الله
{ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } فلا يجوز للإنسان أن يلقي نفسه إلى التهلكة ولذا قال عز وجل { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }
{ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
ومن التهلكة : كما قال بعض العلماء عدم الإنفاق في الجهاد في سبيل الله
ومن التهلكة : أن الإنسان يهلك نفسه فيما يتعلق بشرع الله
من ذلك أن الإنسان قد يذنب الذنب فيقول إن الله لن يغفر لي فيقنط من رحمة الله فإذا به يفعل الذنب تلو الذنب ويترك الخير من باب أنه يقول إن الله لن يغفر لي فهذا من التهلكة
فهذه الآية وهذه الكلمة من الآية عامة { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }
{ وَأَحْسِنُوا } لما نهاهم عن التهلكة أمرهم بالإحسان وأطلق { وَأَحْسِنُوا } أحسنوا في القول أحسنوا في الفعل
أحسنوا حتى مع الأعداء لأن الإحسان إليهم يجعل هؤلاء يحبون الإسلام
ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قال (( عجب الله من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل ))
بمعنى أنهم يؤسرون وإذا رأوا سماحة المسلمين ورأوا يسر المسلمين دخل الدين في قلوبهم
ولذلك قال عز وجل :
{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }
والأسر الحقيقي إنما يقع على الكافر وليس على المسلم
ومع ذلك أمر المسلم بأن يحسن فيحسن إلى الإنسان
وهذه مطلقة
{ وَأَحْسِنُوا } العلة { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
وهذا فيه إثبات صفة المحبة لله على ما يليق بجلاله وبعظمته
فإذا علم العبد أنه متى ما أحسن في عمله حتى في عمله الدنيوي الذي يأخذ عليه أجرة
إذا علم الإنسان أنه متى ما أحسن في عبادته علم أن الله يحبه فإنه في مثل هذه الحال يكون حريصا على الإحسان
ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله: (( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه )) يعني أن يحسنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) }
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } :
هذه الآية نزلت في السنة السادسة من الهجرة لما صد كفار قريش النبي عليه الصلاة والسلام عن البيت لكي يؤدي العمرة وليست دليلا على وجوب الحج لأن هذه في السنة السادسة
أما الدليل الذي يدل على أن الحج لم يأت وجوبه من هذه الآية وإنما وجب في السنة التاسعة قوله تعالى في سورة آل عمران { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } وذلك في السنة التاسعة من الهجرة
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } هم أحصروا عن ماذا ؟
أحصروا عن العمرة ولم يحصل هناك فرض حج
مما يدل على ماذا ؟
مما يدل على أنه متى ما وجب على العبد إذا نوى ودخل إذا دخل في نسك العمرة يجب عليه أن يتم نسك العمرة ويجب عليه إذا دخل في الحج أن يتم حجه
وأما ما يفعله البعض من أنه يحرم بالعمرة ثم يذهب وإذا رأى زحمة أو ما شابه ذلك رجع
فإنه لا يزال محرما { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ }
وليعلم :
أن العبد متى ما دخل في حج أو في عمرة فإن ذمته لا تبرأ إلا بواحد من ثلاثة أمور :
ـــ إما أن يكمل هذا الحج أو هذه العمرة وينتهي منها
ـــ وإما أن يحصر منها بعدو أو مثلا بضياع نفقة أو بأمر منعه من إتمام الحج
ـــ أو إذا استثنى بمعنى أنه قال عند إحرامه : ” إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني “
وإلا فإنه لا تبرأ ذمته
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ونص هنا على كلمة لله مما يدل على أن العمرة والحج ، وكذلك سائر العبادات لا تكون مقبولة إلا إذا أخلص العبد فيها لله عز وجل
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }
فإن أحصرتم هل نص على نوع معين من الإحصار هل قال فإن أحصرتم بعدو فإن أحصرتم بضياع نفقة فإن أحصرتم بمرض
فإن أحصرتم بحادث ، لم ينص على شيء مما يدل على العموم
وهذا هو القول الصحيح
خلافا لمن حصره بالعدو لأن بعض العلماء يقول لا يتم إحصار إلا إذا منعك شخص من الدخول بناء على سبب نزول هذه الآية من أن المشركين صدوا النبي عليه الصلاة والسلام
ولكن الصحيح من أن الإنسان متى ما أحصر بأي نوع من أنواع الحصر فإن له أن يتحلل من إحرامه
لكن متى ؟
إذا كان معه هدي يذبح الهدي ثم بعد ذلك يحلق رأسه ثم يتحلل من إحرامه ويعود ولا شيء عليه
{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } عمم هنا وخذها قاعدة :
[ حذف المعمول يدل على العموم ]
قال: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } لم يقل فإن أحصرتم بعدو أو بضياع نفقة
كما قال تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا } يعني فصلوا فإن خفتم حال الخوف ووجبت عليك الصلاة
فإن خفتم في حال الخوف من سبع من عدو مما يشابه ذلك فلك أن تصلي على حسب حالك
{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }
أقل الهدي شاة شروطها كشروط الأضحية
فإن ذبح بقرة هذا أفضل
فإن ذبح بعيرا أو ناقة فهذا أفضل
{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ }
لا تحلق رأسك ولا تتحلل من إحرامك حتى يبلغ الهدي محله
هم أحصروا محل الهدي الذي سيذبح في مكة لكنهم منعوا فيكون محل الهدي هنا وهو هدي الإحصار في المكان الذي أحصرت فيه
{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ }
دل هذا على أنه مع وجوب ذبح الهدي إذا كان معه هدي فإنه يحلق رأسه ثم يتحلل وينصرف إلى أهله
{ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ }
{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا } أحل به المرض وهو في نسك عمرة أو في نسك حج أو به أذى من رأسه
الأذى : لا يلزم أن يكون مرضا ، ولذلك قال : { أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } قد يكون الأذى في الرأس قد يكون مرضا وقد لا يكون مرضا
لكن إن تأذى الإنسان بشيء فإنه والحالة هذه ماذا يصنع ؟
{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } ويريد أن يحلق رأسه
أو كان مثلا مريضا لابد أن يغطي رأسه حال الإحرام هنا فله أن يفعل المحظور بأن يغطي رأسه
أو إذا كان به أذى من رأسه له أن يحلق رأسه
كما حصل لكعب بن عجرة لما كثر القمل في رأسه وتناثر على وجهه أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يحلق رأسه وأن يدفع فدية محظور
{ أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } عليه فدية ، فعليه فدية حال فعل هذا المحظور ، ولا يكون عليه الإثم لكن من اعتدى على محظور من محظورات الإحرام من غير عذر فإنه يكون آثما وعليه الفدية
لكن :
إن كان لعذر كما هنا في هذه الآية وكما حصل لكعب بن عجرة فإنه لا إثم عليه لكن عليه الفدية
فإن فعل المحظور ناسيا أو جاهلا فإنه لا إثم عليه ولا فدية
{ أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } على باب التخيير
أو هنا للتخيير
{ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ } مطلق { أَوْ صَدَقَةٍ } : مطلق
{ أَوْ نُسُكٍ } مطلق
بينها حديث النبي عليه الصلاة والسلام لكعب بن عجرة لما أمره أن يحلق رأسه وكثر القمل عليه لما أمره أن يحلق رأسه أمره بأن يختار إما أن يذبح شاة وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام
قال هنا { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ } كم يوم ؟
ثلاثة ايام أطلقها ولو لم تكن متتابعة ولا يلزم أن تكون في مكة
{ أَوْ صَدَقَةٍ } كم ؟ إطعام ستة مسكين لكل مسكين نصف صاع
المساكين هؤلاء مساكين الحرم
{ أَوْ نُسُكٍ } أو ذبح شاة وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن قوله عز وجل { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } النسك هنا : النسك يطلق على العبادة ويطلق على الذبح
ولو قال قائل : من أين لكم من أن الذبح نسك ؟
نقول هذه الآية : { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }
{ فَإِذَا أَمِنْتُمْ } زال الخوف الذي به حصل الإحصار ولم تستطيعوا أن تكملوا العمرة أوالحج (فَإِذَا أَمِنْتُمْ ) حال الأمن { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } يعني في حال الأمن الأفضل في حقكم نسك التمتع ونسك التمتع هو أن الإنسان يحرم في أشهر الحج في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة يحرم بالعمرة ثم ينتهي منها من نفس السنة ويبقى في مكة ولا يعود إلى أهله ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن
فهنا إذا أحرم بالعمرة تحلل وجاز له من المحظورات ما كان محرما عليه فيستبيح المحظورات إلى أن يأتي اليوم الثامن ويدخل في الحج
هنا من أجل هذا التمتع الفاصل بين العمرة والحج هنا تمتع حصل له نسكان حج وعمرة وهناك فاصل نظير هذا الفاصل عليه أن يذبح هدي المتمتع
{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ }
أقل الهدي : ذبح شاة إن ذبح بقرة فأفضل إن ذبح ناقة أو بعيرا فأفضل
ويشترط في هدي التمتع أن يأتي بالشروط التي هي شروط الأضحية
{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ }
والقران مثله
لو أن الإنسان قرن بين الحج والعمرة بمعنى أنه يقول : لبيك عمرة وحجا فيأتي بالحج كصفة الإفراد
والفرق بين القارن والمفرد :
لا فرق من حيث الصفة
الإفراد مثل القران لكن الفرق أن على القارن أن عليه هديا
{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ }
بعض أهل العلم قال : لو أنه أخذ العمرة في أشهر الحج وبقي في مكة ولو لم ينو من أن العمرة عمرة حج فحج فإنه يلزمه هدي التمتع لأنه متمتع ولو لم ينو
هذا قول يختاره شيخ الإسلام
وهناك قول آخر من أنه لابد من النية لقوله عليه الصلاة والسلام (( إنما الأعمال بالنيات )) كما في الصحيحين
فإنه إذا لم ينو حال العمرة من أنها عمرة تمتع فإنه لا يكون له حج تمتع
واستدلال شيخ الإسلام لظاهر هذه الآية فلم يذكر نية { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ }
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} : هذا الهدي هدي التمتع { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ }
أطلق ولو لم تكن متتابعة بأن يصوم في أيام الحج إن لم يستطع فأباح له النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري أن يصوم أيام التشريق
{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } الحديث دل على إذا رجع إلى أهله يعني في بلدته
بعض أهل العلم قال : { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } بمعنى أنه إذا فرغ من أعمال الحج وتهيأ للخروج فإنه لا إشكال في ذلك
لكن التقيد بالحديث يكون أولى
هل قال سبعة أيام متتابعة ؟ أطلق
دل على أنها لو كانت متفرقة فلا حرج في ذلك
{ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } أي إلى أهليكم
{تِلْكَ} الأيام {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } هي عشرة لكن لماذا قال { كَامِلَةٌ } من باب التأكيد ومن باب الحرص على أنه لا ينقص منها كأنها في سياق الأمر يعني أكملوا هذه الأيام العشرة
{ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ } أي هذا الهدي { لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ } أي
{ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ } أي لمن لم يكن نفسه { لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } يعني أهل مكة لو تمتع الواحد منهم فإنه لا هدي عليه { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }
من هم حاضروا المسجد الحرام ؟ هل هم أهل مكة هل هم من في الحرم هل هم من دون الميقات ؟
الصواب :
أنهم أهل مكة وأهل الحرم
لأنهم في الحقيقة هم حاضروا يعني هم قريبون من المسجد الحرام أما من دون الميقات فإنه على هذا القول يلزم أن من دون ذي الحليفة أنه لا هدي عليه وكيف والمسافة بعيدة جدا
{ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ } وأهله بمعنى إن لم يكن نفسه
دل هذا على أن النفس يطلق عليها أهل كما أنه يطلق على الزوجة أهل
{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ }
ويطلق على القوم أهل :
{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ }
{ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فلا هدي عليهم
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } سبحان الله ! في الآيات وفي الأحكام يأمر الله عز وجل بتقوى الله لأن تقوى الله وسيلة إلى الفلاح وسيلة إلى الخير وسيلة إلى زيادة الإيمان { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أمروا بالتقوى وأمرهم بأن يعلموا { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } لمن خالف تلك الأحكام وهي عامة لمن خالف شرع الله فهناك عذاب شديد له ، وكذلك الشأن في من خالف تلك الأحكام السابقة