التفسير المختصر الشامل الدرس (19 ) تفسير سورة البقرة من الآية (208) إلى (216)

التفسير المختصر الشامل الدرس (19 ) تفسير سورة البقرة من الآية (208) إلى (216)

مشاهدات: 696

 التفسير المختصر الشامل ( 19 )

تفسير سورة البقرة 

من الآية ( 208) إلى الآية (  216)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) } :

ـ أمر لجميع أهل الإيمان { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ } يعني في الإسلام

{ كَافَّةً } إما أن تعود إلى الضمير في { ادْخُلُوا } يعني : ليدخل كلكم في الإسلام

أو { كَافَّةً } تعود إلى الإسلام يعني : ادخلوا في جميع شرائع الإسلام والقولان لا يناقض أحدهما الآخر

وإن كان الثاني هو الأظهر

 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } لأنه قال : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي طرق الشيطان فإن مما يصرف العبد عن الدخول في شرع الله ، وعن الدخول في شعائر الله ، والأخذ بشعائر الله إنما هو الشيطان { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ } أي الشيطان { لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } أي بين ، تبينت عداوته ، وأيضا أبان هو عداوته لما عصى فلم يسجد لآدم عليه السلام

ومر معنا الحديث عن هذه الجملة بتفصيل عند قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ فَإِنْ زَلَلْتُمْ } وقعتم في الزلل وتركتم شيئا من هذا السلم الذي هو الإسلام من شعائره

{ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } :

فالبينات أتتكم وقامت الحجة عليكم فلستم بجهال { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وهذا كما سبق ذكر هذين الاسمين بعد هذ الحكم مما يدل على أن هناك أثرا لهذين الاسمين على ما ذكر :

من أنه عز وجل عزيز ، والعزيز : هو القوي الغالب الذي لا ينال بسوء ، فهو قوي وغالب ، ولا ينال بسوء ، وسيعاقب الله من زلّ بعد ما جاءته البينات وهو حكيم وضع الأمور في مواضعها المناسبة ، ومن ذلك أنه جعل العذاب لمن عصاه ولمن زل

 { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

وأيضا من حكمته عز وجل أنه شرع التوبة لمن أراد أن يعود فالتوبة مفتوحة أبوابها

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) }

{ هَلْ يَنْظُرُونَ } أي هؤلاء هل هنا استفهام بمعنى النفي أي لا ينتظر هؤلاء ( هل ينظرون )

أي هل ينتظر هؤلاء ( إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) في ظلل من الغمام

الظلل : مجموعة القطع

الغمام : هو السحاب الأبيض

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ }

أيضا وتأتي الملائكة وهنا كثر الحديث من المفسرين حول هذه الآية

كيف يأتي الله في ظلل من الغمام والله لا يحيط به شيء ولا يقله شيء وهو في العلو عز وجل ؟

فالجواب عن هذا :

بأخصر ما يكون وبأوضح ما يكون وتدل عليه الآيات الأخرى :

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } أي مع ظلل من الغمام

كما قال عز وجل في سورة الفرقان { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) } فالله لا يحيط به شيء وهو في العلو عز وجل علو الذات وعلو الصفة

له علو الذات وعلو الصفة وعلو القهر

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ } وهذا الإتيان من الله عز وجل إتيانا يليق بجلاله وبعظمته

وليس المقصود كما ذهب المعطلة من أن الإتيان هو إتيان أمره ، لا ، هو إتيانه هو عز وجل وليس الإتيان إتيان أمره

ولذا قال ابن القيم قال : ” إذا أتى الإتيان مطلقا فالمراد من ذلك إتيان الله عز وجل كما هنا “

وكما قال عز وجل

قال عز وجل في أواخر سورة الأنعام :

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ }

فعطف إتيان الله عز وجل على إتيان الملائكة مما يدل على أنهما يختلفان

ولذلك :

إذا أتت مطلقة ، فالمقصود إتيانه عز وجل إتيانا يليق بجلاله وبعظمته

أما إذا قيدت فعلى ما قيدت :

إتيان عذاب إتيان رحمة فعلى ما قيدت

{ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا }

هنا مقيدة وكذلك الشأن في المجيء

{ وَجَاءَ رَبُّكَ } مجيء يليق بجلاله وبعظمته لأنه مطلق

لكن لو قيد فعلى ما قيد { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ }

فهذا هو الفرق بين مجيء الله عز وجل ، وإتيان الله عز وجل وبين مجيء أمره أو رحمته أو ما شابه ذلك

ولذلك في سورة النحل ماذا قال عز وجل ؟

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ }

لكن إذا أطلق فالمقصود من ذلك :

المقصود : إتيان الله إتيانا يليق بجلاله وبعظمته

{ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } :

قضي الأمر وهو أن هؤلاء دخلوا الجنة وأن هؤلاء دخلوا النار قضي الأمر قضي الحساب

وقيل : قضي الأمر بإهلاك هؤلاء والأول أظهر

{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } :

الأمور كلها ترجع لله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة

لكن :

في الآخرة { وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } كل الأمور تزول إلا أمر الله عز وجل

ولذلك قال تعالى :

{ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } فمُلك الملوك وأوامر الملوك كلها تزول كما مر معنا في قوله تعالى { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }

{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } :

ومن بين هذه الأمور الجملة التي قبلها { وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } :

بمعنى أن هذا الأمر الذي  قضي ليس خاصا ، وإنما كل الأمور وليس هذا الأمر كله يرجع إلى الله

{ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

وفي هذا إنكار على بني إسرائيل الذين في عصره عليه الصلاة والسلام

{ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ }

كم من الآيات والدلائل الواضحة التي جاءتهم

سل بني إسرائيل كم جاءهم موسى من البينات من فلق  البحر ، من تفجير الحجر فأصبح اثنتي عشرة عينا

كم جاءتهم البينات

جاءهم بالتوراة

{ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ } :

فبنو إسرائيل بدلوا نعمة الله ، ولذا لم يقل بدلوا نعمة الله قال

{ وَمَنْ يُبَدِّلْ } :

ليشمل بني إسرائيل ومن حذا حذوهم من هذه الأمة

{ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ }  ومن أعظم النعم ما ذكر نعم الدين نعمة الدين من أعظم النعم

{ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } :

شديد العقاب لمن عصاه قال { مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ } في الآيات السابقة

{ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } تأمل جاء وجاء

المجيء هنا والمجيء هنا

البينات هنا والبينات هنا

{ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

ولذا قال تعالى عن كفار قريش :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) }

{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا }

{ زُيِّنَ } : المزين هو الله لأنه لا يكون إلا ما أمر به الله عز وجل وقضاه وقدره { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }

لكن هؤلاء  البشر لما رأوا زينة الدنيا استحسنوها أكثر مما هي عليه فتوغلت في قلوبهم وذلك بتزيين الشيطان لهم { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا }

وهذا يدل على أن الإنسان كلما ازدانت الدنيا في نظره ، وتحصل عليها إذا لم يتق الله عز وجل فيها فإنه سيكون طاغيا ؛ لأن هؤلاء زينت لهم الحياة الدنيا فطغوا وتجبروا على الفقراء  فقراء المسلمين { وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا }

وهذا الاستهزاء وهذه السخرية ليست مرة واحدة ولذا أتى بالفعل المضارع مما يدل على أن هؤلاء كثير السخرية

{ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } :

كما قال تعالى في أواخر سورة المطفيفين :

 { كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) }

{ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } :

في الدنيا لكن العبرة { وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ثم إن هذه السخرية لن تستمر فإنهم يريدون الاستمرار لكن لا يمكن

قال تعالى : ــ لأن الغلبة لأهل الإيمان ـ : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا }

قال تعالى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا }

{  إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }

{ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } :

ولذلك قال عز وجل عن عيسى عليه السلام :

{ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }

من اتبع عيسى وأدرك النبي عليه الصلاة والسلام واتبعه لأنه قال { إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } لأن من كان كذلك ، ولم يكن متبعا للنبي عليه الصلاة والسلام فإنه والحالة هذه يكون ليس من أهل التقى

{ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لأنهم في الدرجات العالية في الجنة وهؤلاء في النار في أسفل سافلين

{ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وهذا يؤكد على ماذا ؟

يؤكد على عظم التقوى وأن الإنسان لو خلت يده من الدنيا لكن الله أعطاه التقوى فإنها أعظم من الدنيا كلها

{ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  يرزق من يشاء يوسع على هذا لحكمة ويضيق على هذا لحكمة

{ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

بغير مقدار لأنه واسع العطاء واسع الفضل الغني الوهاب يرزق من يشاء بغير حساب بغير مقدار ويرزق عباده المتقين من حيث لا يشعرون

ولذلك قال عز وجل :

{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }

ولذا لما ذكر التقوى { وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

قال :

{ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ورزقه عز وجل لإنسان بأن وسع عليه لا لأنه له منزلة عند الله وتقتيره عز وجل على عبد لا يدل على أنه بغيض عند الله { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا }

ليس المعيار على ما ذكرتموه وإنما المعيار التقوى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) }

 

{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً }

هؤلاء الذين سبق ذكرهم في الآيات أعرضوا عن دين الله ، وأعرضوا عن شرع الله فذكرهم الله عز وجل بحال أبيهم آدم وما أتى بعده إلى قوم نوح

 { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } :

اي جماعة واحدة على التوحيد من بعد وفاة آدم إلى أن حصل الشرك في قوم نوح فبعث الله عز وجل نوحا إليهم

ولذك قال ابن عباس : ” بين آدم وبين نوح عشرة قرون ، { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } ” وهذا هو الصواب

الذي يدل عليه سياق الآيات ، وليس المقصود كان الناس أمة واحدة على الكفر ثم بعث إليهم نوحا ، لا ، كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين

هنا فيه حذف كان الناس أمة واحدة على الدين فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين كما قال عز وجل مصرحا بهذا الفعل في سورة يونس

{ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا }

 { فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ } :

أول النبيين الذين أرسلوا إلى الأرض هو نوح عليه السلام لما عبد قومه ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا

{ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ } لمن أطاع الله { وَمُنْذِرِينَ } أي مخوفين من عصى الله

{ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ } أي الكتب

{ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } تلك الكتب نزلت بالحق ما نزلت بالباطل ومن أعظم الحق الذي في هذه الكتب التوحيد ، ولذلك كل نبي يأتي يدعو قومه إلى التوحيد  { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }

{ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ }

 لِم ؟

{ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ } أي ليحكم به بين الناس { فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ }

من بعد ما جاءتهم الحجج

ومن أعظم هذه الحجج هذه الكتب

فهذه البينات في هذه الكتب

وذكر البينات هنا :

لأن هذه السورة ذكرت البينات في الكتب { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ }

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }

{ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } السبب { بَغْيًا بَيْنَهُمْ } البغي هو التطاول كان من المفترض أن يكون هذا الشرع وأن تكون هذه الكتب يفترض أن تجمعهم لكنهم اختلفوا وهذا يدل على ماذا

على البغي

والبغي يتضن الفساد ولذك يقال عن الزانية ” امرأة بغي ” لأنها فاسدة ومفسدة

فهؤلاء أرادوا الإفساد ، والله أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل أن تصلح الأرض  { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا }

{ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا }

الموفق من وفقه الله { فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ } ليس بقوة الإنسان ولا بحوله وإنما عليه أن يلجأ إلى الله إذ إن الله وفقه وهداه لما اختلف فيه من الحق

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح في قيام الليل يقول  كما ثبت عنه في الصحيحين :

(( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ))

{ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } إلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه

{ والله يهدي من يشاء } وفي هذا رد على القدرية الذين يقولون : إن العبد يخلق الهداية والخير بنفسه ، فالهداية لا تكون إلا من الله هداية التوفيق والإلهام من الله ، أما البشر فلهم هداية وهي هداية البيان والتوضيح والإرشاد

كما قال عز وجل عن النبي عليه الصلاة والسلام { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) }

{ أَمْ حَسِبْتُمْ } ( أم ) هنا المنقطعة بمعنى بل والمتضمنة للاستفهام بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة

الجنة سلعة الله غالية

{ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } وفي هذا تسلية لهم من أن المصائب والضر والبؤس حصل لمن كان قبلهم { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا }

المس يدل على شدة الألم { مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ } البؤس من الفقر والضيق  ونحو ذلك { وَالضَّرَّاءُ } من المرض وما شابه ذلك

{ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا } :

{ وَزُلْزِلُوا }  أي حركوا بأنواع المصائب والبلايا { وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ }

{ حَتَّى يَقُولَ } قال المفسرون : حتى قال لأنه عن شيء ماض { حَتَّى يَقُولَ }

والصحيح :

{ يقول } بصيغة الفعل المضارع يدل على استمرار الدعاء

{ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى  } { متى }

استفهام استبعاد استبعدوا { مَتَى نَصْرُ اللَّهِ } فقال الله { أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا } حركوا بأنواع الزلازل وهذا يدل على أن الإنسان المؤمن مبتلى ولا ينفك عن الابتلاء فمن مقل ومستكثر حسب قدرة الله وحسب ما أراده الله عز وجل

ولذلك :

قال هنا { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ } ليذكرهم بالآيات التي مرت معنا { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }

ومن هنا على المسلم إذا قرأ القرآن وقرأ السورة التي يقرؤها سورة البقرة أو سورة آل عمران أو أي سورة من السور ينظر إلى ترابط الآيات وإلى تناسق الآيات وإلى ترابط هذه الآيات

{ وَزُلْزِلُوا }  أي حركوا بأنواع الزلازل كما حصل للصحابة في غزوة الأحزاب { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا }

كما قال عز وجل { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) }

اختلفت الظنون ظنون المنافقين وظنون أهل الإيمان لكن أهل الإيمان

 { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا }

بعدها بآيات :

{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) }

إذاً لو أن الإنسان ابتلي ببلايا عظيمة واشتد عليه فإن فرج الله عز وجل قريب

ولذلك يقول ابن القيم يقول : ” إن الملذات والراحة إنما تكون من البلايا ” { حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ }

والموفق من ثبته الله وصبر على الابتلاء

ولذلك :

فإنه ما تكون هناك شدة دائمة ولا بؤس دائم ولا مرض دائم :

{ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }

{ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }

لكن المؤمن :

عليه أن يصنع كما صنع النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه إذ دعو الله لأن المؤمن مبتلى { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }

{ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } وهذا هو المعنى الصحيح للآية خلافا لمن قال من أن القول { حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا }

يعني حتى يقول المؤمنون متى نصر الله

والرسول يقول { أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }

لكن :

المعنى الذي تدل عليه الآية وسياق الآية ما ذكرناه

{ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)  }

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ }  أجابهم فبين لهم الشيء الذي ينفق وعلى من ينفق عليه

{ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ } أطلق خير بل عمم خير ولو بما قلّ

{ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ } وهذه الآية إنما هي في صدقة التطوع ؛ لأنه ذكر الوالدين ولا حاجة إلى أن يقال كانت فرضا ثم نسخت { فَلِلْوَالِدَيْنِ } إذاً ما تعطيه لوالديك من مصروف  كما يسمى عندنا في هذا الزمن من مصروف شهري أو من عطايا أو من هدايا فإنه من أعظم الصدقات ولذلك قدم الوالدين

{ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ }  ولم يقل الأقرباء

الأقربين بصيغة أفعل التفضيل يعني كلما كان الإنسان أقرب كلما كانت الصدقة والهدية له أفضل وكلما كان القريب لك شديد العداوة ويبغضك ولا يريد لك الخير فالصدقة منك عليه أفضل

ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :

(( أفضل الصدقة الصدقة على ذي  الرحم الكاشح )) يعني المبغض

 { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا } هذه صعبة إلا من وفقه الله أن  تحسن إلى عدوك { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

{ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى } اليتيم الذي مات أبوه قبل أن يبلغ لأنه بحاجة إلى أن يدخل السرور على قلبه لأنه فقد أباه { وَالْمَسَاكِينِ } أي الفقراء

{ وَابْنِ السَّبِيلِ } وهو المسافر

وقال  { وَابْنِ السَّبِيلِ }

السبيل الطريق ويختلف باختلاف الأعراف لأنه قد يكون الإنسان مسافرا في هذا الزمن ولا يحتاج لأن أمواله موجودة في الصرافات البنكية وما شابه ذلك وعلى كل حال هي عامة في كل زمن حتى في زمننا فإنه يحسن إلى المسافر

{ وَابْنِ السَّبِيلِ } ولما ذكر هؤلاء عمم { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ } أي خير

 { فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } وذكر اسم الله عز وجل العليم كما ذكرنا يترتب على ذلك الثواب والجزاء فإن الله به عليم

وسيكافئ الله عز وجل وسيجزي هذا المنفق أحسن الجزاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) }

{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } أي فرض عليكم القتال { وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } كره لكم لا لأن الله أمر بذلك لأن الإنسان لو كره دين الله كان هذا مما يخل بالتوحيد

كما قال عز وجل : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ } لكن هنا  { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ }  أي من حيث كره النفس من حيث المشقة الذي يكون على النفس وعلى البدن مما يكون من ذهاب الأنفس أو ذهاب الأموال أو التعب والنصب

{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا } عمم ليس المقصود فقط ما يتعلق بما تكرهونه في الجهاد ، هذا عام

{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }

كم من إنسان كره أمرا فيما يتعلق بزواج أو مثلا بتجارة أو بنقصان ربح في تجارة أو كساد في عقار أو في تجارة ما وإذا بهذا الكره له ينقلب إلى خيرات إذ  تتحسن الأمور وكما سبق ما فيه شدة ولا بلاء يدوم

ولذلك قال ابن القيم قال :

”  إن الملاذ في المحن لكن الموفق من وفقه  الله “

الدليل على ما قال هنا { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا } أي شيء تكرهه

ما تدري

ولذلك المؤمن يقول كحال أهل الإيمان الذين دعوا الله كما مر معنا في آيات الحج { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  }

فأنت ملك لله وما تملك لله عز وجل { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }

بل ليس خيرا فقط بل يكون خيرا كثيرا

ولذلك لما ذكر ما يتلعق بالشقاق بين الزوجين :

{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }

لا تكره شيئا لم يلائمك وإنما إذا نزل بك ما يلائمك قل : (( إنا لله وإنا إليه راجعون ))

ربما تكره أن تفوتك رحلة في طائرة أو ما شابه ذلك لا تردي ربما هذه الطائرة يجري لها ما يجري

فإذاً كرهك لهذا الأمر تقول : الحمد لله إذ إن الله لم ييسر هذا الأمر :

{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ  } ربما تحب شيئا من هذه الدنيا وما يتعلق بها

وإذا بهذا المحبوب ينقلب عليك حسرات ومصائب

ولذلك ختم الله الآية بقوله { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }  الله يعلم الذي يصلحكم والبلايا

كما قال السلف : ” ما أتت لتهلكك وإنما أتت لتمتحن صبرك “

 { وَاللَّهُ يَعْلَمُ }  الذي هو خير لك وإذا كان الله هو الذي يعلم فتضرع إلى الله

ادع الله إذا فاتك خير أو حصل لك شر

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }  لأنك لا تدري ما هو الصالح هل الصالح في هذا الأمر أو في هذا الأمر

ولذلك إذا التبس الأمر على الإنسان كما جاءت السنة بذلك أمر بماذا ؟

بالاستخارة

ما مقدمة الاستخارة ؟

 (( اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسالك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب ))

ما تدري

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }