التفسير المختصر الشامل ( 30 )
تفسير سورة البقرة
من الآية ( 283) إلى الآية آخر السورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ٢٨٣ } [البقرة:283]
{ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ } هذه الآية ذكرها عز وجل بعدما ذكر آية الدين ، وآية الدين تضمنت بعض الأحكام التي بها يوثق هذا الدين ، وذلك بالكتابة وبالإشهاد فقال هنا عز وجل مبينا أن الدين قد يوثق بالرهن
والرهن : هو توثقة دين بعين ، يمكن أن يستوفى هذا الدين من عين هذه العين المرهونة أو من ثمنها إذا بيعت
والرهن : له أحكامه المتعددة وقد سبق معنا في شرحنا على الفقه تفاصيل تتعلق بالرهن
{ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا } أي لم تجدوا كاتبا كما بيّن لكم في الآية السابقة ، أو وجدتم كاتبا لكن لم يوجد المداد أي الحبر أو الأقلام التي يمكن أن يكتب بها
{ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ } بمعنى : أن هذا الدين يوثق بالرهن
وقوله { فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞ } يدل على ما قاله بعض العلماء : ” من أن الرهن لا يلزم إلا إذا قبض “
بمعنى إذا قبضه المرتهن الذي هو صاحب الحق لأن الراهن هو صاحب هذه العين المرهونة ، فإذا قبضه المرتهن فإنه يكون هذا الرهن لازما
{ فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞ } وذكر السفر هناك ، بعض أهل العلم قال : إن الرهن لا يكون إلا في السفر بدلالة هذه الآية ، ولكن الصحيح أن الرهن يكون في السفر لدلالة هذه الآية ويكون في الحضر
ولذلك : ثبت الحديث وأحاديث أخرى ثبت الحديث (( أن النبي عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي بدين عليه ))
دل هذا على أن الرهن كما يكون في السفر يكون في الحضر
{ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا }
بمعنى :
أن بعضكم أمن صاحبه فلم يوثق هذا الدين لا بكتابة ولا بإشهاد ولا برهن
فالمتعين على هذا الذي عليه الحق أن يؤدي هذه الأمانة العظيمة
{ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُ } وذلك لأن الله عز وجل مطلع عليه وعالم بحقيقة الحال
ولذلك جاء في صحيح البخاري أخبر النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من أن رجلا من بني إسرائيل أسلف رجلا ألف دينار فقال ائتني بالشهيد قال كفى بالله شهيدا ، قال ائتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا ، فأعطاه الألف دينار ، وكان بينه وبين صاحبه كان بينهما بحر فلما أتى وقت السداد لم يجد هذا المدين سفينة لكي يوصل هذا الألف إلى صاحبه ، فلما لم يجد أخذ خشبة ونقرها ثم وضع فيها الألف الدنيار ، ثم قال : اللهم إن فلانا قد استسلفت منه ألف دينار فقال : ائتني بالشهيد فقلت : كفى بالله شهيدا ، فقال : ائتني بالكفيل ، فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي ، فقال : اللهم إني استودعتكها ، ثم رماها في البحر ، والشخص الذي هو صاحب الحق إذا به على حافة البحر ينتظر أن يؤت بماله ، فلما لم يجد شيئا لم يأته صاحبه المدين رأى خشبة ، فلما رأى هذه الخشبة قال : أستدفئ بها ، فأخذها فلما كسرها وجد الألف الدنيار ، وذلك المدين لما أتى إلى الشاطئ بعد حين وجد مركبا فأتى إلى صاحبه فقال : خذ هذه الألف فقال : ألم تبعث إلي شيئا ؟ قال : ألم أقل لك من أني بحثت عن مركب فلم أجد شيئا ، فقال له : لقد أدَّى الله عز وجل ما أرسلته في الخشبة فانصرف راشدا ))
فتبيَّن هنا :
من أن هذه القصة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام تؤكد على هذه الأمة من باب الأولوية فيما إذا كان الإنسان عليه دين ، ولم يكن لهذا الدين إثبات من شهود أو كتابة أو رهن فواجب عليه لأن هذه الأمة لها فضلها والمتعين على من فضله الله عز وجل أن يكون أحرص من غيره ممن فضل عليه
{ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُ } هذه أمانة يجب أن تؤدى
{ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } قال : { وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ }
أتى باسم الله وباسم الرب كما مر معنا فيما يتعلق بالحقوق
انظروا : هنا فيه بيان من أن التوحيد عظيم ، وشأنه عظيم حتى في المعاملات
فإنه كما سلف أمر الله عز وجل باتقائه لأنه عز وجل هو المتفرد بالربوبية وهو المتفرد بالألوهية كما دل على ذلك اسم الله ، وهو العليم المطلع على كل شيء فله الأسماء الحسنى والصفات العلى ففي قضية إملاء الدين :
{ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ }
هنا في أثناء السداد إذا لم يكن لهذا الدين توثقة بكتابة أو بإشهاد أو برهن
{ فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ }
{ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ} وهذا شامل { وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ}فإنها إن كتمت الشهادة ولو كانت هذه الشهادة على الإنسان نفسه أو على قريبه فيجب أن يؤديها
ولذا قال عز وجل :
{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا١٣٥ }[النساء:135]
{ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ} ومن أعظم ما تكتم الشهادة أن يكتم دين الله
وتأمل معي ما ذكرته لك سابقا من أن الإنسان يستحضر ما يكون في السورة من آيات
من أعظم ما يكون الكتمان أن يكتم دين الله ، ولذلك قال تعالى عن اليهود وعن النصارى { أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ١٤٠ } [البقرة:140]
{ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُ } فهو آثم لكن ذكر هنا ما يتعلق بالإثم في القلب لأن القلب محل الخير ومحل الشر
{ فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُ } بمعنى أن من كتم الشهادة فليتق الله عز وجل حتى لا يمسخ الله عز وجل قلبه فيكون في قلبه الشرور
{ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُ } وذكر القلب أيضا هنا لأن القلب كما جاء في الصحيحين : قال عليه الصلاة والسلام :(( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ))
ومن ثم :
فإن على المسلم عليه أن يتعاهد قلبه في كل شيء فيما يتعلق فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين المخلوقين
{ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ } كل ما يعمله الإنسان فالله عز وجل عالم به ومن ذلك :
فيما لو أن الإنسان كتم الشهادة فيما لو أن الإنسان لم يؤد الأمانة التي عليه
ومن ثم قال { وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ }
وإذا كان الله عالما ولايزال ولم يزل عالما سبحانه وتعالى ، فهنا فيه وعيد شديد في حق من خالف مما جاء في هذه الآية ، وفيه أيضا وعد من الله بالثواب لمن قام بما ذكر في هذه الآية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ٢٨٤ } [البقرة:284]
{ لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ } أي له ملك { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ } وأتت هذه الآية بعدما ذكر ما يتعلق بالديون وما يتعلق بالنفقة وما يتعلق بالأموال الربوية وما شابه ذلك
بمعنى : أن ما ذكر من أحكام فتعلموا أن تلك الأحكام المتعلقة بالمال تلك الأموال هي ملك لله
{ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ }
{ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ }
فالمال الذي بيد الإنسان هو مال الله ومن ثم فإن عليه أن يتقي الله في هذا المال من حيث النفقة ومن حيث المعاملات التي يتعامل بها
{ لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ } ومن ذلك أنتم ملك لله
ومن ثم :
فإنه قال بعدها { وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ } أي وإن تظهروا ما في أنفسكم { أَوۡ تُخۡفُوهُ } أي تضمروه وتكتموه { يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ } فلا أحد يعترض على الله عز وجل في حسابه لخلقه
وهذه الآية : اختلف المفسرون فيها اختلافا كثيرا : هل هي متعلقة بالآيات السابقة أو أنها ليست متعلقة ؟
وكيف يكون في هذه الآية نسخ لأن هذه أخبار ، والنسخ لا يدخل في النصوص التي هي خبر إنما النسخ وهو رفع الحكم إنما يكون في الآيات المتعلقة بالأحكام الشرعية
أما أخبار الله فإنها لا تنسخ
وليتبين هذا : من أنه لما نزلت هذه الآية كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة من مجموعها
لما نزل قوله تعالى {وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُ } أتى الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام وجثوا على الركب قالوا :(( يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصدقة أما هذه فلا نستطيعها أيحاسبنا الله عز وجل على ما يكون في قلوبنا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، فلما أذعنت قلوبهم وخضعت أنزل الله عز وجل قوله { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ } إلى آخر الآية ، ثم قال بعد ذلك { لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ } فهذه الآية نسخت الآية التي قبلها
فقوله نسخت : النسخ لا يكون في الأخبار
ومن ثم :
لهذه الكلمة في الحديث : (( فنسختها )) وكذلك الحديث في الصحيح من أنه عليه الصلاة والسلام قال : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ))
فكيف تكون المحاسبة في الآية السابقة على ما يضمره الإنسان في قلبه ؟
ومن ثم :
نشأ الخلاف بين المفسرين في توجيه هذه الآية
وأقول : إنه ولله الحمد ليس هناك تعارض وإنما الآية واضحة وصريحة
بمعنى :
أن النسخ الحاصل في قول الراوي (( فنسختها )) : النسخ هنا ليس هو رفع الحكم ، وإنما هذه الآية بينت مع الحديث : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ))
بينت أن تلك المحاسبة لا يدخل فيها ما خطر على القلب ولم يستقر
أما ما استقر في القلب فإن الله عز وجل يحاسب العباد على ذلك
لكنه عز وجل لما قال { وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ } لا يلزم من المحاسبة العقاب والمؤاخذة لأنه قد يحاسب ، ولكنه لا يعاقب
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه :
(( الله عز وجل يضع كنفه على عبده يوم القيامة فيقول : أتذكر ذنب كذا وذنب كذا فيقول : يا رب أذكر ، فيقول : أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ))
فدل هذا على أن المحاسبة للمسلم إنما هي محاسبة تقرير للذنوب
ولذا :قال تعالى لأن محاسبة المؤمن عرض وليست كمحاسبة الكافر{ فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ٧ فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا٨ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا٩}
ومن ثم :
فإن قوله تعالى { وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ } يحاسب الله عز وجل المؤمن على ما استقر في قلبه
أما الخواطر التي تأتي ثم تزول فحديث : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ))
أما التي تستقر فالله عز وجل يحاسب المؤمن ولكن لا يلزم من المحاسبة أن يعذبه أو أن يعاقبه
(( يدني عبده يوم القيامة ثم يضع كنفه عليه ويقرره بذنوبه ))
ومن ثم :
فإنه في هذه المحاسبة تشمل المؤمن والكافر ، فالكافر يحاسب بدلالة هذه الآية لأنه من باب أولى فلا يغفر له ما وقع في قلبه لأنه قد ارتكب ما هو أعظم من الذنوب وهو ذنب الكفر
ومن ثم : فإن مجيء هذه الآية { يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ } ليكن المسلم على تعاهد لقلبه مما يخطر فيه
ولذلك مر معنا { وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ } في نفس السرورة
وقال تعالى { وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ }
{ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ } رحمة منه وفضلا { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ } بعدله عز وجل
{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء ، ومن ذلك أنه يجمع العباد يوم القيامة فيحاسبهم عز وجل
وهو قادر عز وجل على أن يحاسب المؤمن محاسبة مؤاخذة لكن من فضله ومن إحسانه عز وجل فإنه يحاسبه ولكنه حساب عرض
ولذلك :
ليكن المسلم كما سبق على تعاهد مع قلبه ولعل قوله تعالى هنا { وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ } ما يخفى في القلب وتقدم في الآية السابقة عن الشهادة { وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ } بمعنى أن الإنسان يكون في تعاهد مستمر مع قلبه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ٢٨٥ } [البقرة:285]
{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ } لما قال عليه الصلاة والسلام : (( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا ، فقالوا : سمعنا وأطعنا )) آمنوا
فأخبر الله عز وجل عن إيمان النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه
وانظر هذه الآية من أواخر سورة البقرة :
وذكر فيها الإيمان وتأمل أول السورة ذكر فيها صفات المتقين وأنهم أهل الإيمان
وبين عز وجل في ثنايا السورة البر : { وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ }
وبيّن فيها من أنه عز وجل أمر النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه بالإيمان
{ قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا }
ففي ختام هذه الآية وكما سلف قلت لكم من يقرأ السورة ينظر في أولها وفي أوساطها وفي ثناياها وفي آخرها
هنا تشريف لهذه الأمة وتشريف للنبي عليه الصلاة والسلام مع أتباعه
{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ } يعني آمن المؤمنون أيضا
{ كُلٌّ } أي من النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك آمن أتباعه
{ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦ } ومر معنا تفسير هذه الكلمات في قوله { قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ } ومر معنا الحديث عن كلمة أحد فيما يتعلق بإطلاقها حال الإثبات وحال النفي وهل تأتي مفردة أم تأتي جماعة ؟
{ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ }
{ سَمِعۡنَا } سماع ليس سماع أذن فقط وإنما سماع قبول
{ وَأَطَعۡنَاۖ } سمعنا لقولك وأطعنا لأمرك
{ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ }
{ غُفۡرَانَكَ } اغفر غفرانك
على أنه مفعول مطلق أو على أنه مفعول به نسألك غفرانك
{ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ } المرجع وفي هذا إثبات ليوم القيامة
وهذه الآية ذكرت أصول الإيمان أركان الإيمان ستة : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره
{ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ }
اليوم الآخر { وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ }
أين الإيمان بالقضاء والقدر لما قالوا { سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ }هنا آمنوا بما قضاه الله وبما قدره الله عز وجل عليهم من هذا الأمر
فهذه الآية تضمنت ماذا ؟
تضمنت أصول الإيمان الستة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ٢٨٦ } [البقرة:286]
{ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ } :
هذه نسختها : قلنا النسخ هو البيان والتخصيص يعني خصص من قوله تعالى { وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ } خصص من هذه المحاسبة ما جاء في الحديث (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ))
والنسخ يطلق عند المتقدمين عند السلف يطلق أيضا على التخصيص
يطلق على التخصيص ، ولا يلزم منه النسخ الذي هو رفع الحكم
{ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ } إلا طاقتها وقدرتها ، ومر معنا هل يطلق على أحكام الشرع هل يطلق عليها تكليف أو لا ؟
مر معنا في قوله تعالى { لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ }
{ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ }
{ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ }
{ لَهَا مَا كَسَبَتۡ } من الخير { وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡ } أي من الشر
وقوله { لَهَا مَا كَسَبَتۡ } فيما يتعلق بالخير لم يقل اكتسبت لأن كسب الخير سهل ميسر
{ ٱكۡتَسَبَتۡ } يكون ذلك بتعب وبمشقة ولكن في قوله { وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡ }
قد يطلق على ما يفعله العاصي يطلق عليه كسب { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّئَِّاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۢ بِمِثۡلِهَا }
هذا نسأل الله السلامة والعافية من حيث الأصل المعصية فيها كلفة فيها مشقة في فعلها
فإذا بلغ الإنسان نسأل الله السلامة والعافية بحيث يستمرئ الذنب هنا يكون اقترافه لهذا الذنب على يسر وسهولة
حتى قال ابن القيم قال : ” إن العبد إذا استمرأ الذنوب فإنه يفعل الذنب من غير لذة يجدها في قلبه ، وإنما انطبعت هذه كعادة له نسأل الله السلامة والعافية “
{ لَهَا مَا كَسَبَتۡ } قال { لَهَا } أي تستحق اللام هنا لام الاستحقاق
{ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ } أي ما عملته عليها لا يزاد عليها { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ }
السيئة سيئة لكن الحسنات تضعف
{ مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا}
لكن : قد يرد أن من يكسب الذنب يطلق عليه كلمة له { إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ }
يعني أنتم تستحقونها لأنها من فعلكم ومن كسبكم
{ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا } دعاء { رَبَّنَا } : يدعون الله { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ }
{ إِن نَّسِينَآ } من النسيان كأن يفعل العبد ذنبا على وجه النسيان وهو الذهول
{ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ } أي وقعنا فيه عن طريق الخطأ لا عن طريق العمد ، وهذا هو الأصح لأنه قيل الخطأ فيما لو وقع الإنسان في الذنب عمدا
وإن كان قولهم يمكن إذا تاب لأن من تاب فكما قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ))
لكن الظاهر من سياق الآية :
{ إِن نَّسِينَآ } أي جهلنا فوقعنا في الخطا نسيانا
{ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ } أي فعلنا هذا الشيء من غير عمْد منا
قال الله عز وجل كما في الحيدث القدسي في الصحيح قال : (( قد فعلت ))
وفي رواية قال الله : (( نعم ))
{ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا } أي مشقة وعنتا { كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ } لأن أهل الكتاب مما كلفوا من الأعمال منها من أن توبتهم القتل
من أن النجاسة إذا وقعت على ثيابهم يقطع الثوب
{ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ }
وتأمل : سبحان الله !
من خضع لأحكام الشرع ومن آمن وأطاع الله وحرص على ذلك وأخذ أحكام الشرع وقد طابت نفسه وانشرح صدره فالله عز وجل يخفف عنه
انظر في نفس السورة :
لما ذكر ما يتعلق بأهل الكتاب قالوا سمعنا وعصينا فلما قالوا سمعنا وعصينا حملوا الآصار
لكن هذه الأمة :
صحابة النبي عليه الصلاة والسلام لما قالوا سمعنا وأطعنا
انظر :
قال الله : (( قد فعلت ))
وفي رواية : (( قال الله : نعم ))
ولذلك : أهل الكتاب حملوا من الآصار لو أنهم آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام وأطاعوه لرفعت عنهم الآصار
قال تعالى : { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ }
{ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ } : أي ما لا قدرة لنا به
الجملة السابقة فيما يتعلق بالآصار التي كانت على الأمم السابقة هنا { رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ } من البلايا والمصائب ومما لا نستطيعه عامة
{ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ } قال الله : (( قد فعلت ))
وفي رواية : (( قال الله : نعم ))
{ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ }
انظر : تتابعت ، فالعفو يتضمن المغفرة والرحمة
المغفرة كذلك
الرحمة تتضمن أيضا المغفرة والعفو
هذا إذا أفردت ، لكن إذا اجتمعت من باب :
أولا : الثناء على الله عز وجل ، ومن باب سؤال الله عز وجل ، ومن باب بيان حاجة العبد إلى دعاء الله عز وجل
{ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ }
{ وَٱعۡفُ عَنَّا } العفو هنا هو ترك المؤاخذة على الذنب
{ وَٱغۡفِرۡ لَنَا } أي ذلكم الذنب الذي لم تؤاخذنا به استره
{ وَٱرۡحَمۡنَآ } زوال الذي لا يلائم الإنسان زوال المكروه في العفو وفي المغفرة
{ وَٱرۡحَمۡنَآ } يعني أعطنا المحبوب ، أعطنا المحبوب
هذا إذا اجتمعت
ويتضمن ذلك أيضا :
{ وَٱعۡفُ عَنَّا } أي فيما بيننا وبينك من تقصير
{ وَٱغۡفِرۡ لَنَا } أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهر عبادك على ما نخفيه من هذه الذنوب
{ وَٱرۡحَمۡنَآ } أي وفقنا في المستقبل حتى لا نقع في هذه الذنوب
{ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا } : انظر { أَنتَ مَوۡلَىٰنَا }: توسل بماذا ؟
توسل بأسماء الله وصفاته ، كما سيأتي بيان أقسام التوسل الجائز
فالتوسل الجائز ثلاثة أقسام فقط :
أن يتوسل العبد إلى الله بأسمائه وصفاته { وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ }
أن يتوسل إلى الله بعمل صالح قام به الداعي وليس بعمل صالح قام به غيره
الثالث التوسل بدعاء الصالحين لا بذواتهم
{ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا } انظر : { أَنتَ مَوۡلَىٰنَا } تأمل ما مضى من آيات
{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ }
فهو عز وجل الذي أخرج هؤلاء من الظلمات من ظلمات الجهل والشكوك وما شابه ذلك إلى النور نور الإيمان نور العلم كما سبق
أيضا { أَنتَ مَوۡلَىٰنَا } تجاوز عنا
{ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ } فأنت المولى
وأيضا { أَنتَ مَوۡلَىٰنَا } فانصرنا على القوم الكافرين فإن الولاية هنا ولاية خاصة تخص المؤمنين
لأن ولاية الله نوعان : عامة لجميع الخلق يتولى أمور الخلق ويدبر أمورهم ويصرف أحوالهم
{ ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ }
لكن الولاية الخاصة خاصة بأهل الإيمان
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَأَنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ١١ }
لا مولى لهم من حيث الولاية الخاصة
فالولاية الخاصة هنا ، لمن ؟ لأهل الإيمان
{ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ}
فالولاية الخاصة تقتضي التوفيق والسداد والنصرة والتمكين في الأرض وتأمل ما جاء في الآية في قصة بني إسرائيل
ولما قتل داود جالوت ، ولما التقى طالوت بمن معه بالجنود بجالوت
{ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ }
ولذلك : مما تتمضنه الولاية الخاصة النصرة
قال تعالى :
{ بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ١٥٠ } [آل عمران:150]
قال عز وجل : { وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ٣٩ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَىٰكُمۡۚ نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ٤٠ }
وهذه الآية والتي قبلها : { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ }
أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال : (( من قرأ الآيتين اللتين من أواخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ))
قيل : كفتاه من قيام الليل
وقيل : كفتاه من الشرور وهذا هو الأقرب
فهذه السورة سورة عظيمة
وبحمد الله تم الانتهاء من تفسير هذه السورة