التفسير المختصر الشامل ( 34 )
تفسير سورة آل عمران
من الآية ( 29) إلى الآية ( 37)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٩ } [آل عمران:29]
{ قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ } :
ذكر عز وجل هذه الآية بعد نهيه عز وجل عن اتخاذ الكفار أولياء والولاية تتضمن المحبة وهي في القلب ، فبين هنا عز وجل آمرا النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين وأن يقول لهؤلاء إن الله عز وجل مطلع على ما في قلوبكم من حب هؤلاء من عدم ذلك ، ومطلع على كل شيء { قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ }
{ إِن تُخۡفُواْ } أي تكتموا
{ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ } أي تظهروه { يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ } وجزمت هنا لأنها جواب الشرط ، و { يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ } باعتبار ما يترتب عليه من جزاء وحساب وإلا فالله مطلع على كل شيء وعالم بما كان وبما سيكون
{ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ}
لما بين أنه عز وجل عالم بما في الصدور بين أنه عز وجل أنه أحاط علمه بما في السموات وبما في الأرض
{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ } فالله عز وجل له القدرة الكاملة
ولذا :
العلم يتضمن ويستلزم كمال القدرة وفي هذا الرد على القدرية لأنه ذكر هنا العلم وذكر هنا القدرة والقدرية المتقدمون منهم من أنكروا أن الله عز وجل يعلم بالشيء يقولون : لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه
وهذا ضلال مبين
ثم أتت طائفة أخرى فقالت إنه يعلم ولكنه لا يخلق أفعال العباد
فهنا ذكر العلم لأن مما يكون من لوازم كمال العلم كمال القدرة
ولذا قال عز وجل { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا١٢ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ٣٠ } [آل عمران:30]
{ يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا } :
{ يَوۡمَ } منصوبة بفعل محذوف تقديره اذكر ، اذكر يوم وذلك اليوم هو يوم القيامة
وفي ذلك : بيان أن يوم القيامة يظهر الله عز وجل فيه أعمال العباد ويحاسبهم عز وجل على أعمالهم ، وبما أخفته وأضمرته ، أو أظهرته قلوبهم وجوارحهم
ولذا : أتت هذه الآية بعد الآية السابقة
{ يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ } كل نفس { مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا } تجد النفس كل ما عملته أمامها كما قال عز وجل :
{ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا }
وقال تعالى : { وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ }
وقال تعالى : { فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ٨ }
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على ذلك
{ يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ }
أي من ذنوب
{ وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ } أي تتمنى ، والمودة : من أعلى درجات المحبة
{ سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ } أي هذا السوء { أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ } أي مكانا بعيدا
كما قال تعالى في حال من هو مصاحب لذلك القرين { يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ }
{ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ } ومر معنا الحديث عن النفس التي أضيفت إلى الله في الآية السابقة { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ }
{ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ } والرأفة كما قال العلماء هي أخص من الرحمة
{ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ } فمن رأفته عز وجل أنه شرع التوبة لمن أذنب
ومن رأفته عز وجل : أنه يجازي العبد على عمله الصالح القليل يجازيه بالحسنات الكثيرة
ومن رأفته عز وجل بالعباد : أن العبد متى ما أذنب يمهله ويؤخره لكي يتوب
ورأفة الله عز وجل بالعباد شاملة وعامة في الدنيا وفي الآخرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٣١ } [آل عمران:31]
{ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ } ليست محبة الله ادعاء بالقول ، وإنما بالفعل فكل يزعم أنه يحب الله عز وجل { قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ } فاتباع النبي عليه الصلاة والسلام هذا سبيل إلى محبة الله عز وجل
وفي هذا بيان لفضل مذهب أهل السنة والجماعة الذين ساروا حيث سار النبي عليه الصلاة والسلام واتبعوه في كل شيء بخلاف أهل البدع وأهل ألأهواء
{ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ } { يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ } إثبات صفة المحبة لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته
وبعضهم يفسرها بما تستلزمه المحبة فيقول المقصود من ذلك الثواب أو إرادة الثواب
وفي هذا المقام أريد أن أبين أن البعض في هذا الزمن حكم على تفسير البغوي رحمه الله بأنه تفسير على مذهب أهل السنة والجماعة وحكم بذلك حكما مطلقا ، ولم يفصل في ذلك ، فيظن البعض أن تفسير البغوي رحمه الله ولا شك أن تفسيره تفسير عظيم وفيه فوائد عظيمة لكن إطلاق هذا الحكم فيه نظر
ولعل هؤلاء الذين حكموا على تفسير البغوي بهذا التفسير لأنه إذا أتى إلى صفة المحبة أحيانا يقول هي ثواب الله أو إرادة الثواب وغير ذلك من الصفات فبعضهم ربما حكم عليه بما قرأه عن شيخ الإسلام إذ قال تفسير البغوي اختصره من تفسير الثعلبي وتفسير الثعلبي مليء بالأحاديث الضعيفة المنكرة والموضوعة والبدع
قال : أتى البغوي فنقاه وخلصه من هذه الأشياء
فظن البعض أنه بهذا الكلام من شيخ الإسلام يحكم على تفسير البغوي بأن كل ما قاله في الصفات أنه يقبل ، وهذا ليس بصحيح
من تأمل هذا الكتاب وجد أنه أحيانا يفسر بعض الصفات بما تستلزمه الصفة ولا يثبت الصفة
{ يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ } وهذا ولاشك أنه شرف عظيم إذا أحب الله عز وجل العبد ناله الخير فنحن نثبت صفة المحبة لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته وتستلزم هذه المحبة أن الله يثيب عبده ، وأنه يجزيه أحسن الجزاء ، لكن لا تنفى صفة المحبة لله عز وجل
{ يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ } مع محبة الله عز وجل تأتي مغفرة الذنوب ، وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن العبد عليه أن يحرص على اتباع السنة واتباع مذهب أهل السنة والجماعة
فإن في اتباع مذهب أهل السنة والجماعة تحصل محبة الله ومغفرة الله لظاهر هذه الآية
{ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ } إثبات اسمين من أسمائه عز وجل الغفور والرحيم
ويتضمن الغفور صفة المغفرة والرحيم صفة الرحمة ، فمن رحمته عز وجل ومن مغفرته ، وهو واسع المغفرة ، وواسع الرحمة قال عز وجل { وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ } { إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ }
ومن رحمته عز وجل ومن مغفرته عز وجل أن العبد لو أذنب فإن الله عز وجل يغفر له إذا تاب وأناب إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ٣٢ } [آل عمران:32]
{ قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ } بعد ما ذكر أن محبة الله تحصل باتباع النبي عليه الصلاة والسلام ذكر بيان ذلك الاتباع ؟
أن يطاع صلى الله عليه وسلم
{ مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ }
ولذا جمع بينهما هنا فقال { قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ }
فهنا ذكر الرسول مبهما و[ ال ] هنا للعهد الذهني
بمعنى : أنه محمد صلى الله عليه وسلم المذكور في الآية السابقة
{ قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ } انصرفوا{ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ }
وتأمل : قال هنا { فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ }نفى محبته عن الكافرين وأثبتها في الآية السابقة لمن اتبع النبي عليه الصلاة والسلام
ومن ثم : فإنه لما قال عز وجل { فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ }
دل هذا على ماذا ؟ دل على أن عدم اتباع النبي عليه الصلاة والسلام إما أن يكون من الكفار الذين خرجوا من ملة الإسلام
وإما أن يأتي الإنسان ببدعة مكفرة فتصدق عليه هذه الآية ؛ لأن البدع نوعان :
ــ بدعة مكفرة تخرجه عن ملة الإسلام
ــ وبدعة ليست مكفرة يكون في دائرة الإسلام لكنه على خطر عظيم
ومن ثم : فإن البدعة غير المكفرة يصدق عليها ما ذكر هنا باعتبار ماذا ؟
باعتبار أن الكفر هنا ليس كفرا مخرجا عن ملة الإسلام ، وإنما هو كفر دون كفر لأن هؤلاء كفروا نعمة الله إذ جاءهم النبي عليه الصلاة والسلام ولم يتبعوه وإنما ابتدعوا بدعا من تلقاء أنفسهم
ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٣٣ } [آل عمران:33]
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ } أي اختار ، ولعل هذه الآية ذكرت بعد الآيات السابقة التي تتضمن محبة الله عز وجل لأهل الإيمان بين أن ممن أحبه الله عز وجل هؤلاء فإنه عز وجل أحبهم واصطفاهم
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ } أي اختار
{ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ } لأنه خلقه عز وجل من تراب وأسجد له ملائكته كما مر معنا ذكر ذلك ، وما يتعلق بآدم عليه مما له من الصفات في سورة البقرة
وهو أول نبي والنبي يختلف عن الرسول
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ } وهو أبو البشر
{ وَنُوحٗا } لأنه أول رسول إلى أهل الأرض وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن ما قيل من أن إدريس من أنه جد نوح أو أنه قبل نوح فإن هذه الآية ترد ذلك باعتبار ماذا ؟
باعتبار لو أن إدريس كان قبل نوح لذكر ، ثم أيضا في حديث الإسراء والمعراج لما مر عليه الصلاة والسلام كما جاءت بذلك الأحاديث في الصحاح وغيرها لما مر بإدريس قال له إدريس ” مرحبا بالنبي الصالح وبالأخ الصالح “
لكن لما مر آدم ومر بإبراهيم ماذا قالا له ؟
” مرحبا بالنبي الصالح وبالابن الصالح “
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ } ونوح عليه السلام هو أول رسول إلى أهل ألأرض ولأن الرسل من سلالة نوح عليه السلام
ولذلك قال عز وجل كما في سورة الأنعام على أحد الوجهين :
{ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَيۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ٨٤ } الآيات
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا } ولذلك قال عز وجل عن إبراهيم وعن نوح { وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَۖ }
{ وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ } قيل : المقصود من ذلك إبراهيم عليه السلام وعمران
{ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ } أي عالمي زمانهم باعتبار ماذا ؟
أن النبي عليه الصلاة والسلام على هذا القول من أن المقصود إبراهيم والمقصود عمران يكون النبي عليه الصلاة والسلام خارجا من هذه الآية ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الرسل على الإطلاق وبينا ذلك عند قوله عز وجل { تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ }
والصحيح أن قوله { وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ } المقصود إبراهيم وعمران وأيضا من كان من سلالتهما
ومعلوم : أن من سلالة إبراهيم النبي عليه الصلاة والسلام ويكون معنى
{ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ } أي على جميع الخلق
على وجه العموم باعتبار أن محمدا عليه الصلاة والسلام دخل معهم
والمقصود من آل عمران : المقصود آل عمران الذي من ذريته مريم عليها السلام وليس المقصود عمران الذي هو والد موسى عليه السلام لأن سياق الآيات وهذا هو الصحيح هذا القول الصحيح لأن سياق الآيات الآتية يدل على أنه عمران والد مريم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ٣٤ } [آل عمران:34]
هذه ذرية { ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ } أي من سلالة بعض من حيث النسب وأيضا هم ذرية بعضها من بعض من حيث النصرة ومن حيث الدين فالله عز وجل اصطفاهم وهذه سلالة طيبة
{ ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ٣٤ }
{ سَمِيعٌ } : لكل قول
{ عَلِيمٌ } : بكل شيء
ومن ذلك : علمه عز وجل بمن هو أهل لأن يصطفى وأن يختار
قال عز وجل : { ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ }
ولذلك :
قال هنا { سَمِيعٌ } : أيضا : من باب المقدمة لما ستقوله امرأة عمران :
{ إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ٣٥ } [آل عمران:35]
صدر من زوجة وامرأة عمران هذا القول ، وهذا القول يسمعه الله عز وجل { إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي } دعاء منها { إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا }
{ نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا } يعني ما حلمته
{ مُحَرَّرٗا } : يعني عتيقا
وكان ذلك جائزا في دينهم بحيث يكون الولد يكون منذورا لخدمة بيت المقدس
{ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا } وما قيل من أن هذه المرأة كانت لا تلد فرأت طيرا يطعم طيره الصغير فاشتاقت إلى الولد ومن ثم حملت ثم مات زوجها فلا أعلم دليلا صحيحا من السنة على ذلك
{ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي } وهي لا تعلم ما في بطنها
{ مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ } { فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ } أي هذا العمل وهو النذر
{ فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ }
{ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ } كما سلف إذا أتى مثل ها الاسم فهو سميع لكل قول وعالم بكل شيء ومن ذلك : أنه عز وجل يعلم قولها ، ولذلك هنا توسلت باسمين من أسمائه عز وجل ، ومر معنا أن التوسل لا يجوز إلا في ثلاثة أقسام مر معنا مفصلا عند قوله تعالى { رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } في نفس هذه السورة
{ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ } أنت سميع لقولي عالم بحالي وعالم بما في بطني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ٣٦ } [آل عمران:36]
{ فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ } قال هنا { فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا } من باب التأليف لأن ما في هذا البطن تبين بعد الوضع من أنه ليس بذكر
والذي ينذر للخدمة لبيت المقدس إنما هو الذكر ، { فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ } معتذرة { رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ }
{ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ } الله عالم بما وضعت وهو عز وجل عالم بما في بطنها قبل أن تضعه بل هو عالم عز وجل بحال ما في بطنها قبل أن يتخلق
{ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ } ثم قالت معتذرة { وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ }
ليس الذكر كالأنثى من حيث الخدمة لأن المعلوم وهذا أيضا فيه الرد على من قال بتسوية المرأة مع الرجل في كل شيء فإن هذا مما يناقضه الفطرة
ولذلك : قالت امرأة عمران { وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ } مع أن القائل مَن ذكر أم أنثى ؟ القائل أنثى امرأة عمران ، فهي أقرت واعترفت بنفسها مع أنها امرأة قالت { وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ } ومعلوم من حيث التكوين البشري ومن حيث الفطرة أن الأنثى أقل من حيث القوة من الرجل ومن حيث الشرع ، الله عز وجل قال { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ }
وليس معنى هذا أن تهضم حقوق المرأة أو أن يتسلط عليها أو مما شابه ذلك من الحقوق ، فلها حقوق
ولذا ما ينادى به في هذا العصر من إسقاط الولاية من على النساء من أجل أن تكون المرأة أن تكون حرة بنفسها فإن مثل هذا القول مردود بمثل هذه الآيات وقد بينت ذلك في غير هذا الموطن بيانا وافيا
{ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ } هذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن الإنسان إذا كان مستحضرا لاسم لابنه قبل أن يضعه أو لابنته فإنه من حين الولادة يسمى
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال : (( ولد لي الليلة غلام فسميته على اسم أبي إبراهيم ))
وهناك نصوص أخرى فتبين من هذا أنه من حين الوضع سمتها مريم
والنبي عليه الصلاة والسلام حينما ولد له إبراهيم من ذلك الوقت ولم تمض عليه سبعة أيام سماه بهذا الاسم
فمن كان مستحضرا للاسم فإنه يسميه من حين وضعه أما إذا لم يكن هناك اسم ثم بدا له اسم في اليوم الثاني أو الثالث بعد الولادة فالسنة أن يؤخر ذلك إلى السابع
لقوله عليه الصلاة والسلام قال : (( ويسمى ــ يعني في اليوم السابع ـ
(( على كل غلام عقيقة تذبح يوم سابعه ويسمى ))
{ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ }
{ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ } : أي أمنعها بك
{ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ }
{ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ } الشيطان سمي بهذا الاسم لأنه من شطن إذا بعد عن رحمة الله أو من شاط إذا غضب ، والرجيم بمعنى المرجوم الذي أبعد عن رحمة الله ، وبمعنى راجم لأنه يرجم غيره بالإغواء
ولذلك : استجاب الله عز وجل دعاءها
ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قال : (( ما من مولود يولد إلا وينخسه الشيطان فيستهل صارخا إلا مريم وابنها ))
(( إلا مريم وابنها ))
ولذلك : في حديث آخر ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قال : (( فإنه يعني الشيطان لما أراد أن يطعن فيه فطعن في الحجاب ))
إما في الجلد وإما في المهد
المهم : أنه لم يستهل صارخا وهو عيسى عليه السلام وكذلك مريم
وهذا الحديث يدل على أن ما سوى مريم وما سوى عيسى فإنه وإن كان نبيا كما قال بعض العلماء من أنه نخس
وهذا لا يدل على ماذا ؟
لا يدل على أن الشيطان استولى أو أضر بالأنبياء
فإن النبي عليه الصلاة والسلام أتاه الشيطان ومعه شهاب من نار ليحرق وجهه فعصمه الله عز وجل منه
ولا يعني من ذلك لأن الحديث عام قال : (( ما من مولود إلا وينخس الشيطان في جنبه أو في خاصرته إلا مريم وابنها ))
ولذلك : لا يحط من قدر الأنبياء الآخرين
فالشاهد من هذا : من أنه قال عز وجل عن هذه المرأة وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ٣٧ } [آل عمران:37]
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ }
انظر : لأنها لما قالت هي أنثى وليس الذكر كالأنثى فلربما يظن أن قبول هذه المرأة ليس بذلك القبول الكامل لا فوصفه بالحسن { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ }
وأتى بحرف الباء : مما يدل على أن هذا الحرف يدل على التوكيد ، فتقبلها ربها قبولا حسنا لكن أتى بالباء والباء حرف زائد من حيث الإعراب لكن من حيث المعنى ليس في القرآن حرف زائد من حيث المعنى لكنه زائد من حيث الإعراب من باب تقوية هذا الأمر
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ }
{ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا }
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا } بمعنى أنها نشأت وشبت نباتا حسنا
أما ما يذكر مما فيه مبالغة من أن مريم من أنها ينبت جسمها وتنمو في اليوم الواحد كما ينبت غيرها وينمو سنة أو ما شابه ذلك فلا أعلم حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام يصح في ذلك
لكن هي تنبت نباتا حسنا لكن بهذه المبالغات ليس هناك دليل
{ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا }
{ وَأَنۢبَتَهَا } كلمة أنبت المصدر لها إنباتا لكنه قال نباتا فبعض العلماء قال وأنبتها فنبتت نباتا حسنا
ولكن يمكن أن يقال : من أنه لم يأت بالمصدر أن يتساوى حروفه مع حروف الفعل كما في قوله { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا } لكن في غير القرآن بتقبل حسن ، لكن أتى بهذا بـ ” قبول ” وبكلمة ” نبات ” باعتبار التخفيف ، التخفيف من حيث النطق ، وهو أفضل من أن يقال فنبتت نباتا حسنا
والأمر في ذلك واسع
{ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ }
{ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ } يعني أصبح الكفيل لها والذي يرعى شؤونها من ؟ زكريا عليه السلام
وفي هذا أيضا ماذا ؟ في هذا بيان لفضل مريم لأنها إذا تقبلت بهذا القبول الحسن وأنبتت بهذا النبات الحسن فهي تحت رعاية رجل ذلكم الرجل نبي من أنها ستسفيد منه من حيث التربية الإسلامية
وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن الطفل متى ما نشأ في بيت علم ودين فإن ذلك بإذن الله يعود عليه بالنفع
وكذلك اشترط الفقهاء من أنه في الحضانة يجب أن يكون هذا الحاضن لهذا المحضون يجب أن يكون عدلا وليس بفاسقا حتى لا يتربى على يديه ويربيه على الشر
وهنا قال من باب بيان فضلها قال { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ }
{ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ } بمعنى أصبح كفيلا لها
ولعل ذلك كما سيأتي من باب أن زوجة عمران أتت إليهم كما سيأتي بإذن الله تعالى في أواخر الآيات من أنها قالت دونكم هذه النذيرة فاختصموا فيها فاقترعوا فكانت القرعة لمن ؟
لزكريا
{ حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ }
{ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ }
{ ٱلۡمِحۡرَابَ } : هو المكان المعد للعبادة الذي يكون في الغالب يكون الذهاب إليه والصعود إليه بدرج
ولذلك : العلماء اختلفوا في المحاريب ؟ المحاريب الموجودة الآن المحاريب الإسلامية ، ولذلك بعض العلماء قال إنها بدعة مثل هذه المحاريب الموجودة
والصحيح : أنها ليست ببدعة لأنها يستفاد منها في ماذا ؟
في معرفة القبلة لكن القول بالبدعية هذا قول فيه إجحاف ، ويتبنى ذلك الألباني رحمه الله مع أن لي كلاما حول هذا والتفصيل حول هذه المسألة :
لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( لا تتخذوا محاريب كمحاريب النصارى ))
هذا الحديث أصلا فيه مقال وفيه ضعف
ولو صلح فإن النهي صادر عن ماذا ؟ عن اتخاذ محاريب كمحاريب النصارى
وأما ما ورد من بعض الآثار عن ابن مسعود وغيره فلعل المقصود هي المحاريب التي تكون على صفة محاريب النصارى
ومن ثم :
فإن قوله عليه الصلاة والسلام كما عند الطبراني والبيهقي ولفظه : (( اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب ))
فليس المقصود هذه المحاريب التي في المساجد ، وإنما المقصود صدور المجالس فمن يتصدر في المجالس ويتصدر للناس فإنها مذابح تذبح دينه من حيث لا يشعر إلا إذا اقتضت المصلحة الشرعية من أن يكون منه نفع بأن يكون منه نفع متعدي للآخرين
وإلا فالبعد عن هذه المجالس وأيضا يصدق عليها بل يصدق تمام الصدق ما يكون في وسائل التوصل من التباهي والفتاخر من كثرة المتابعين وما يشابه ذلك بل يهنئ بعضهم بعضا باعتبار أن عدد المتابعين له وصل إلى كذا ووصل إلى كذا
والمصيبة إذا كانت تلك التهنئة من أناس يقولون نحن دعاة إلى الله
ومن ثم : فإن قوله عز وجل { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ }
ما هو هذا الرزق ؟ معظم المفسرين يقولون كانت فاكهة الصيف تأتيها في الشتاء وفاكهة الشتاء تأتيها في الصيف
وبعض أهل العم قال إن الرزق هو العلم
ولكن الذي يظهر أن الرزق ليس العلم وإنما هو الرزق
لكن هذا الرزق أهي الفاكهة كما قالوا ؟
الله أعلم ، لا أعلم دليلا صحيحا في تعيين ذلك لكن هو رزق عظيم ذلكم الرزق يأتي في غير حينه بدلالة ما سيأتي من دعاء زكريا عليه السلام لأنه لما رأى ذلكم الرزق إما من حيث العظمة أو من حيث إنه يأتي في غير زمانه قال { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ }
{ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ } من أين كل هذا ؟
{ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ }
{ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ } وفي هذا دليل على إثبات كرامات الأولياء وكرامات الأولياء إثباتها معتقد أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة الذين يقولون إن الكرامات لا توجد لأنها يعني الكرامة لو قيل بها لاختلطت بالمعجزة
ونحن نقول : كرامات الأولياء ثابتة والنصوص كثيرة من حيث السنة النبوية والكرامة هي الأمر الخارق للعادة
بمعنى : أنه من غير المعتاد أن يحصل هذا الشيء
فقنول : الأمر الخارق انتبه هذه قاعدة الأمر الخارق عن العادة
بمعنى ، مثال : لو أن الإنسان مثلا في سفر وكان معه مثلا سيارته مثلا وإذا بهذه السيارة فرغ منها ما يسمى بالوقود ثم إذا بها تشتغل هذا أمر خارق عن العادة
فإذن : هذا الأمر الخارق عن العادة وهذا كمثال هذا الأمر الخارق عن العادة إذا أجري على يد نبي فهو معجزة
إن أجري على يد عبد صالح تقي لله عز وجل فهي كرامة
إن أجري على يد فاسق فاجر فهي شعوذة وسحر
ولذا قال بعض السلف : لا يغرنك الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء حتتى تراه عند الأمر والنهي
عند أمر الله
عند نهي الله
هل هو من المتقين أم لا ؟
ومن ثم : بهذه القاعدة تعرف المعجزة وتعرف الكرامة وتعرف الشعوذة
{ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ }
{ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ } بغير مقدار بغير تحديد ، يرزقه من حيث لا يحتسب
{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ }
تأمي معي : قال { إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ }
في الآيات السابقات ماذا قال عز وجل :
{ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ٢٧ } فرزقه عز وجل عظيم