تفسير سورة آل عمران ــ الدرس ( 36 )
من الآية ( 49) إلى الآية ( 63)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آل عمران: ٤٩
{ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي وجعلناه وذلك هو عيسى وجعلناه رسولا إلى بني إسرائيل { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ } أي بأني { قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } وذكر بعد هذا الكلام ذكر عدة آيات وأفرد الآية هنا مما يدل على أن كل ما أوتي عيسى عليه السلام على وجه الانفراد يكون آية عظيمة تكفي في بيان صدقه عليه السلام
{ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ }
وهذه الآيات من ربه عز وجل فلم يأت بها عليه السلام مما يدل على صدقه
{ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ } أي بأني أخلق لكم من الطين { كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ } أي كصورة وكشكل الطير { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ }
وهنا ذكر من أن هذا النفخ إنما يكون طيرا بإذنه عز وجل القدري ، فهو على كل شيء قدير ، وليس هذا الأمر من تلقاء ومن قبيل عيسى عليه السلام إنما هو سبب بل إن عيسى عليه السلام في خلقه لهذا الطين على شكل الطير لا يكون إلا بإذنه عز وجل كما أن النفخ المذكور هنا لم يكن إلا بإذنه عز وجل
ولذا قال عز وجل في سورة المائدة : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي }
{ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ } أي أشفي الأكمه قيل : هو الأعمى الذي كف بصره وقيل : هو الذي يضعف بصره بالليل أو بالنهار
وقيل : هو الذي ولد وهو أعمى
وهذا هو الأقرب باعتبار أن هذا أعظم من حيث هذه المعجزة
{ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ } والبرص مرض معروف يظهر على الجلد
{ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ } فهو يحيى الموتى بإذنه عز وجل ، وليس هذا من فعل عيسى عليه السلام من قبل نفسه فإن الله عز وجل هو الذي أقدره على ذلك ولكن بإذنه عز وجل
وهذه كلها آيات ودلائل على نبوة عيسى عليه السلام
{ وَأُنَبِّئُكُمْ } أي أخبركم { بِمَا تَأْكُلُونَ } أي ما تأكلونه من حيث نوع الطعام ومن حيث المقدار { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } أي ما تدخرونه وتبقونه ، وهذا ولا شك أن فيه دلالة على أن هذا الأمر لم يؤته من قبل نفسه وإنما هو من علم الله عز وجل
{ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } ولذا قال { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي ما ذكر مما أعطاني الله عز وجل وأقدرني الله عز وجل عليه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فمن كان مؤمنا حق الإيمان فإن تلك المعجزات دلائل واضحة على صدق عيسى عليه السلام
{ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } آل عمران: ٥٠
بمعنى أنه مصدق لما جاء في التوراة ، ولذا قال عز وجل : { وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ }
{ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ }
{ وَلِأُحِلَّ } أي لأبيح { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } الذي حرم عليكم في التوراة أحل لكم البعض
وقيل : البعض هنا بمعنى الكل
ولكن : البقاء على ظاهر السياق هو الأولى : أي أن تحليله لما حرم عليهم في التوراة ليس للكل ، وإنما للبعض
{ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } أي بعلامات ودلائل
إذن ما الواجب عليكم ؟
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه
{ وَأَطِيعُونِ } إذ إني أنا رسول من عند الله
وهذه الجملة { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } قالها عيسى عليه السلام كما قالها أنبياء من قبله كما ذكر عز وجل عنهم في سورة الشعراء
كل نبي يقول لقومه { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } آل عمران: ٥١ { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ }
قال هنا { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي } وقدم نفسه من حيث الربوبية بمعنى الله عز وجل هو ربي وأيضا هو ربكم فلست برب ولست بإله ولست بخالق
قال { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } ولذا في الآية الأخرى قال في سورة أخرى قال { إِنَّ اللَّهَ هُوَ } أتى بضمير الفصل من باب التوكيد{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } ولذا ماذا قال بعدها { إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ٦٤ }
فإذا كان هو الله عز وجل إذا كان هو ربي وربكم فالمتعين إذاً علي وعليكم أن نعبد الله
لأن الذي يعبد هو الرب ولذا قال { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [آل عمران:51]
عبادة الله توحيد الله هو الصراط المستقيم ما عدا ذلك فهو طريق معوج وطريق ضلال ، ولذا قال عز وجل عنه في سورة مريم :
{ ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ٣٤ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٣٥ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }
لكن ما الذي جرى ؟ { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ }
ولذا في يوم القيامة ماذا يقول عيسى عليه السلام : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } [المائدة:116]
{ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [آل عمران:51]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } آل عمران: ٥٢
{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } أي فلما وجد عيسى منهم الكفر إذ إنهم اختلفوا منهم من آمن ومنهم من كفر
ولذا قال عز وجل في سورة مريم لما قال : { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ٣٦ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ٣٧ }
وقال عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ١٤ }
{ فَلَمَّا أَحَسَّ } أي وجد { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } أي من أنصاري في الدعوة إلى الله
{ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } والحواريون : سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها أو يقصرونها أقوال ، المهم أن هؤلاء وفقهم الله عز وجل بأن يقولوا هذا القول وأن يؤمنوا بعيسى عليه السلام
وهذا توفيق من الله
ولذا قال عز وجل في سورة المائدة { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }
هنا { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أسلموا
وهنا : { وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } دل هذا على ماذا ؟
دل هذا على أن هذا الإسلام الذي قالت به الحواريون هو إسلام عام إسلام نافع وعظيم في زمن عيسى لكن بعد مجيء النبي عليه الصلاة والسلام فإن الإسلام الذي أتى به نسخ الإسلام السابق
ولذا قال عز وجل كما مر معنا { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }
الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام
وقال تعالى { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : (( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ))
إذاً قول هؤلاء الحوارين من أنهم أسلموا إسلام عام
من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فواجب عليه أن يؤمن به وأن يؤمن وأن يتبع الإسلام الخاص الذي أتى به
{ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } آل عمران: ٥٣
انظر : دعوا الله
وهنا توسل : دل هذا على أن التوسل بالعمل الصالح موجود في الأمم السابقة كما مر معنا في قوله تعالى عن المتقين { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
هنا ماذا قالوا : { رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ } أي على عيسى من الكتاب
{ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ } الرسول هنا المقصود عيسى لأنه هو السابق فـ [ ال ] هنا للعهد الذهني
{ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }
{ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } أي ممن يشهد لله بالتوحيد وممن يشهد للأنبياء بالرسالة ، وأن نكون من جملة الشاهدين الذين هم أعظم ممن يكون من الشهداء وهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام
وهؤلاء الذين اتبعوا عيسى حالهم كحال من ذكر الله عز وجل عنهم في سورة المائدة وهم النصارى { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }
وأمة محمد عليه الصلاة والسلام من أعظم الشهداء
ولذا قال عز وجل :{ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
كما مر معنا تفسير ذلك في سورة البقرة
{ رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ } دل هذا أيضا على ماذا ؟
على أن البدع منبوذة حتى في الأمم السابقة لأنه لا يتم اتباع الرسول حتى في الأمم السابقة إلا باتباعه بما أتى به من الله لا بالبدع ولا بالخرافات
ولذلك : جرى ما جرى من النصارى الذين لم يوفقوا فابتدعوا في الدين
{ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } آل عمران: ٥٤
{ وَمَكَرُوا } أي مكروا من ؟ اليهود ، مكروا بمن ؟ بعيسى عليه السلام لما أرادوا أن يقتلوه
{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } ومكر الله عز وجل صفة من صفاته لكن لا يوصف بها على وجه الإطلاق صفة الرحمة صفة المغفرة هذه صفة على وجه الإطلاق تطلق على الله من صفاته الرحمة
لكن صفة المكر لا تطلق على الله وإنما تقيد ، الله عز وجل له صفة المكر لمن يمكر بأوليائه وبأنبيائه وبشرعه ، لا تطلق عليه هكذا ، لم ؟
لأن المكر نوعان منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم ، فالمكر الذي يستحقه من يستحقه يكون المكر به يكون محمودا وكمالا وعدلا
كما مر معنا في قوله عز وجل { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ }
ومن ثم : قال عز وجل كما ذكر عز وجل عن حال قوم ثمود :
{ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
والنبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه في السنن من دعائه :
(( اللهم أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي )) وهذا موضع الشاهد (( وامكر لي ولا تمكر علي ))
فإذن صفة المكر لله عز وجل تثبت لكن على وجه التقيد ، يمكر بمن يمكر بأوليائه أو بأنبيائه أو بشرعه ، خلافا لمن حرفها ونفاها عن الله
{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } ولا ينفى ما أثبته الله لنفسه وأثبته له نبيه عليه الصلاة والسلام : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
فهل نحن أعلم من الله بالله ؟ وهل نحن أعلم من رسول الله بالله ؟
وهل نحن أفصح كلاما من الله ؟ وهل نحن أفصح كلاما من رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ وهل نحن أنصح لخلق الله من رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟
فإذا أتت الصفة مثبتة لله عز وجل فنثبتها على الوجه الذي يليق به
ولا تشبه ولا تكيف
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }
{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
ولذا قال هنا { خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } لأن المكر الذي يوقعه الله عز وجل بأعدائه أو بأعداء رسله وأوليائه مكر هو خير ومحمود وكمال
ومن مكره عز وجل بهؤلاء من أنه عز وجل ألقى الشبه على شخص منهم فظنوا أنه عيسى
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ }
{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } آل عمران: ٥٥
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }
{ مُتَوَفِّيكَ } عيسى عليه السلام جاءت الأحاديث الكثيرة من أنه عليه السلام في الأحاديث في الصحاح وفي السنن وفي غيرها من أنه ينزل في آخر الزمان فيحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام ولا يقبل إلا الإسلام لا يقبل الجزية ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير من باب بيان أن ما عليه النصارى إنما هو ضلال مبين فهو عليه السلام يأتي في آخر الزمان وينزل إلى السماء الدنيا فيحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام
ومن ثم : فإنهم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله عز وجل ولذا قال :
{ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ }
هنا قال { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } لاشك أن عيسى ، وهذا هو القول خلافا لمن قال بقول آخر من أنه مات ، لا ، عيسى الآن موجود وهو حي ، ودع عنك ما يقال من العقليات بل إنه رفع لظاهر وصريح القرآن
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا }
{ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } إما أن يكون معناها : أي { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } أي قابضك كما يقول الشخص لشخص آخر : وف لي ديني فإذا وفاه دينه وقبضه قبض الدين هنا استوفى الدين فيكون معنى الوفاة هنا القبض يعني أنه قبض الله عز وجل ورفعه
أو يكون ذلك التوفي بمعنى النوم لأن النوم يطلق عليه وفاة
قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ } فيكون عيسى أصابه النوم وهي الوفاة الصغرى
أو يكون معنى { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } أي متوفيك بعد ما تنزل في آخر الزمان وإذا كان في آخر الزمان وقتل المسيح الدجال هنا يمكث عيسى عليه السلام ثم يتوفاه الله ويصلي عليه المسلمون كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة
وإن كان الأكثر من حيث ذكر الرفع هنا الأظهر من أنه إما أن تكون الوفاة هنا وفاة نوم أو قبض
الشاهد من هذا : الذي يجب أن يؤمن به المسلم من أن عيسى الآن حي وفي السماء ، ورآه النبي عليه الصلاة والسلام وسينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام
{ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } كما قال عز وجل { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ }
لما أرادوا أن يمكروا به وأن يقتلوه
{ وَمُطَهِّرُكَ } أي مخلصك بحيث لا يصيبك أذى من أهل الكفر
{ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
فمن اتبع الرسل حق الاتباع فإن لهم التمكين والرفعة في الدنيا وفي الآخرة
ولذا قال عز وجل : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا }
لكن هنا قال : { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
لأن من اتبع عيسى حق الاتباع وأدرك محمدا عليه الصلاة والسلام هنا :
يكون اتبع عيسى لكن من أدرك حال النبي عليه الصلاة والسلام وزمنه ولم يؤمن فليس داخلا في هذه الآية
{ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ }
المرد والمصير إلى الله
{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فيما جرى بينكم من خلاف
كما قال عز وجل : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ٣٧ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٣٨}
{ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( 56 ) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( 57 ) } آل عمران: ٥٦ – ٥٧
{ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } هذا هو الحكم : بيان حال هؤلاء المختلفين أهل الحق وأهل الضلال لأن أهل الحق هم على الحق وعلى الاجتماع لكن من خالفهم فهو من ؟ صاحب الضلال والاختلاف
{ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } وأي عذاب إذا أوقعه الله بالإنسان ؟ عذاب شديد
{ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } ليس هناك أحد ينصرهم فيدفع عنهم هذا العاب
ولذا قال { فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } تأمل أول السورة قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }
وقال بعدها : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ١٠ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ١١ }
{ وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } فيعطيهم أجورهم موفاة { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ١١٢ }
وقال عز وجل : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ٩٤ }
{ وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ٥٧ }
{ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } من ؟ الكفار ؛ لأن الكفر ظلم وإذا كان عز وجل لا يحب الظالمين فإنه لا خير لهم وإنما لهم العذاب والسوء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } آل عمران: ٥٨
{ ذَلِكَ } أي ما ذكر من حال عيسى وما جرى من شأن عيسى ومريم وزكريا
{ ذَلِكَ } يا محمد : { نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ } أي من العلامات الواضحات البينات لمن له قلب يهتدي
{ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } أي القرآن ، الذكر الحكيم أي القرآن
{ الْحَكِيمِ } بمعنى اسم الفاعل بمعنى الحاكم فهو حاكم على الكتب السابقة وأيضا به الأحكام الفاصلة
وأيضا على اسم المفعول محكم متقن : { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ }
ولا تعارض بينه وبين من يقول الذكر الحكيم هو اللوح المحفوظ لأن القرآن كما قال عز وجل : { بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) } البروج: ٢١ – ٢٢
لكن السياق يدل على ماذا ؟ يدل على أن الذكر الحكيم هو القرآن
{ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ٥٨ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } آل عمران: ٥٩ حاله من حيث إيجاده كمثل آدم
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ } من ؟
{ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ } من ؟ آدم ، لأن عيسى لم يخلق من تراب
{ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ } يعني آدم ، فحال عيسى هنا تشبيه الغريب بالأغرب بمعنى آدم عليه السلام لم يخلق لا من ذكر ولا من أنثى
وهذا هو ما يكون من شدة الغرابة ، بينما عيسى خلق من أنثى ، فلو كان كما زعمتم من أنه ابن لله أو أنه هو الله لكان آدم على ما قلتموه يكون أولى ولكن آدم وعيسى مخلوقان خلقهما الله عز وجل
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } قال الله لعيسى : كن فكان
ولذا قوله هنا { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } توضيح للآيات السابقة
{ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }
{ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } وهي كلمة كن ثم هنا ذكر آدم وذكر عيسى
لأن الخلق على أربعة اصناف :
ــ صنف خلق لا من ذكر ولا من أنثى وهو آدم
ــ وصنف خلق من أنثى وهو عيسى
ــ وصنف خلق من ذكر دون أنثى وهي حواء ، وسميت بهذا الاسم لأنها خلقت من حي
ــ والصنف الرابع خلق من ذكر وأنثى وهم ما سوى هؤلاء من البشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } آل عمران: ٦٠
{ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } أي هذا الحق يكون خبر لمبتدأ محذوف أو فاعل جاءك الحق من ربك يا محمد هذا هو الحق من ربك ليس من قولك ولا من تلقاء نفسك
{ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } أي من الشاكين
والخطاب : موجه للنبي عليه الصلاة والسلام مع أن لم يشك ولم يمتري عليه الصلاة والسلام وحاشاه
وهذا أيضا نظيره { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ }
ومع ذلك حاشاه عليه الصلاة والسلام أن يحبط عمله
فإذا كان الخطاب موجها للنبي عليه الصلاة والسلام مع أن هذا لن يقع منه وحاشاه ، فما ظنك بغيره ؟!
فهو تحذير للأمة فهو وإن كان خطابا للنبي عليه الصلاة والسلام فهو خطاب للأمة من باب التحذير فإنه لو افترق أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام شاكا فهو قد نهي عن ذلك وحاشاه إذن من دونه من باب أولى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } آل عمران: ٦١
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ } أي في عيسى { فَمَنْ حَاجَّكَ } أي من جادلكم في عيسى
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } أتاك العلم ، العلم { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ٥٨ } الآيات السابقة
لأن وفد نصارى نجران أتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وزعموا ما زعموا في شأن عيسى عليه السلام
فبعد هذا البيان الذي بينه الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام وبينه لوفد نصارى نجران قال عز وجل :
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا } هذه تسمى بآية المباهلة { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ }
الابتهال من حيث الأصل الابتهال هو الدعاء باللعنة ثم بعد ذلك أطلق على أي دعاء
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال : (( والابتهال أن تمد يديك ))
وضحه ابن عباس وهو الراوي وهذا حديث صحيح مرفوعا وموقوفا من أن اليدين حال الدعاء تكون قبيل الوجه وأطراف الأصابع تكون حيال الرأس
فأطلقت كلمة الابتهال من حيث الأصل هي الدعاء باللعنة ثم أطلقت على أي دعاء
وذلك إذا كان الإنسان في حالة ملحة يكون هذا الابتهال مع أن الابتهال أيضا يكون حتى وهو دعاء الله عز وجل يكون في غير الأحوال الملحة لدى العبد
{ ثُمَّ نَبْتَهِلْ } تفسير الابتهال { فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
لعنة الله على من هو كاذب نحن أم أنتم ، فدعاهم إلى أن يبتهلوا عليه الصلاة والسلام ولكنهم خافوا ، قالوا لو فعلنا لهلكنا ، فصالحوا النبي عليه الصلاة والسلام على أن يدفعوا الجزية
وهذه وهي آية المباهلة بين من ؟ بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين النصارى
ومر معنا في سورة البقرة { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٩٤ }
على قول يرجحه ابن كثير ورجحنا خلاف ابن كثير قال هذه آية مباهلة بين أهل الإيمان وبين اليهود
وقال هناك آية مباهلة بين المسلمين وبين المشركين الكفار
{ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } كما سيأتي بيانه إن شاء الله
المهم قال { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ }
من هم أبناء النبي عليه الصلاة والسلام ؟ هنا استفيد من هذه الآية استفيد من أن أولاد البنت أبناء للجد الذي هو أبو الأم
ولذا : يأخذ من هذه الآية وغيرها يأخذ الفقهاء من أن الإنسان لو قال :
هذا وقف على أولاد أولادي ، فإنه يدخل الذكور والإناث ويدخل على القول المرجح يدخل فيه أولاد البنات
ولذلك قال عز وجل : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ٨٤ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ }
وعيسى : عيسى له أب ؟ لا ، ومع ذلك صار من الذرية
{ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا } لأنه أتى بالحسن والحسين في هذه المباهلة
{ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62 ) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) } آل عمران: ٦٢ – ٦٣
{ إِنَّ هَذَا } أي ما ذكر عن عيسى لهو القصص الحق أي ما قص عليك وما ذكر لك هو الحق الذي لا مرية فيه الذي لا مرية فيه
كما قال قبلها { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ٦٠ }
{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } تبين في تلك الآيات أن عيسى ليس إلها وليس ابنا لله وليس ثالث ثلاثة
ولذا قال بعدها { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ } أي لا معبود بحق إلا الله
{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
{ الْعَزِيزُ } القوي الغالب الذي لا ينال بسوء والذي هو حكيم يضع الأمور في مواضعها اللائقة بها
فالذي يستحق أن يكون إلها وأن يعبد هو العزيز القوي الغالب الحكيم
وليس المخلوق الذي يعتريه النقص
ولذا تأمل سبحان الله !
قال هنا { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
وليس عيسى وليس ما سواه يكون إلها إنما الإله هو الله
قال هنا في ختام الآية { وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
تأمل في أول السورة { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ } ممن صور عيسى
{ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٦}
ولما قال عز وجل { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ } أي بالعدل بالتوحيد هو الإله الواحد الأحد ، { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٦٢ }
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ٦٣ }
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي انصرفوا ولم يقبلوا بعد هذه الآيات الواضحات وبعد هذا الحق { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ٦٣ }
ورتب هذا على علمه { فَإِنْ تَوَلَّوْا } من انصرف عن هذا التوحيد وعن هذا القصص الحق فالله عليم به لأنه مفسد ولم يذكر له جزاء
مما دل على ماذا كما سلف وكررنا : التفكر في معاني أسماء الله
قد يذكر الشيء في الآية ثم يذكر الاسم لله أو الصفة من باب أن يتبين للإنسان من أن الله عز وجل لما ذكر اسمه أو صفته يستغنى بذلك عن ذكر الحكم
فإذا كان عليما بالمفسدين إذاً ما حال هؤلاء المفسدين
علم يترتب عليه جزاء وحساب سيحاسبهم وأعظم الإفساد الشرك بالله عز وجل
ولذا قال تعالى { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا }
ولذا قال هنا { فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ } لأن ضد الإفساد الإصلاح
ولذا أعظم العدل هو التوحيد
والصلاح والإصلاح لا يتحقق إلا بالتوحيد { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١٨ }
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ٦٣ }