التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (109) إلى (117) الدرس (41)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (109) إلى (117) الدرس (41)

مشاهدات: 505

تفسير سورة آل عمران ــ الدرس (41)

من الآية (109) إلى (117)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ  } آل عمران: ١٠٩

له ملك السموات وما في الأرض ومع ذلك فالناس والخلق هم تحت سيطرته ، وهو مالكهم ومالك لما يملكون ومع ذلك نزه نفسه عن الظلم لأنه عز وجل مالك للسموات والأرض والذي يحتاج إلى الظلم من ؟

هو الناقص ، الناقص في ملكه ، الناقص في صفاته لكن الله هو كامل لكمال عدله ولكمال ملكه لهذه السموات ولهذه الأرض

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال الله ( إني حرمت الظلم ) التحريم هنا هو المنع يعني منعت ( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظَالموا ) وضبطت ( فلا تظَّالموا )

ومن ثم فإن في هذا ردا على من قال إن الله يظلم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا

هذه طائفة ضلت ، هناط طائفة ضلت فقالت الله عز وجل لا يقدر على الظلم

وهذا ضلال مبين فالله على كل شيء قدير وهو قادر على أن يظلم لكن لكمال عدله ورحمته لا يظلم

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ  }

كل الأمور ترجع إلى الله ؛ لأنه مالك لكل شيء حتى الأمور في هذه الدنيا مردها إلى الله ، ومن ثم فإن على العبد وتأمل معي قال { وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ  }  قال في صدر الآية { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ } لم يقل ( وإليه ) قال { وَإِلَى اللَّهِ } صرح باسمه عز وجل من باب أن هذه جملة تدل على التعظيم الأولى وتلك جملة تدل على التعظيم

وإذا كانت الأمور ترجع إلى  الله في الدنيا وفي الآخرة لأنه في الآخرة معلوم أن الأمور ترجع إلى الله { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }         { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤ } { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } كذلك في الدنيا الأمور ترجع إلى الله ما من شيء يقع إلا بأمر الله وبقدر من الله

ومن ثم لما قال عز وجل بعد قوله { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }    { وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ  } دل على أن العبد عليه أن يعلق قلبه بالله لأن الله هو مالك السموات والأرض لا يعظمه شيء فمهما كان الإنسان في ضائقة ومحنة فإن الله قادر على أن يرفعها لأنه عز وجل ترجع إليه الأمور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } آل عمران: ١١٠

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } تذكير لهم بالمنن والنعم منه عز وجل إذ فضل هذه الأمة على جميع الأمم السابقة ويذكرهم بما سبق قال هنا { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }

لماذا أمرتم بالدعوة إلى المعروف وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ لأن لكم خصيصة لكم مكانة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } يعني أنتم خير الأمم

{ كُنْتُمْ } إما أن تكون الكاف زائدة للتأكيد يعني أنتم خير أمة كما قال تعالى { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا } في آية أخرى { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ }

وإما أن تكون وهو الأقرب والأظهر مع أن السابق لا تناقض بينه وبين هذا { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } يعني في اللوح المحفوظ كتبتم في اللوح المحفوظ أنكم أنتم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام خير الأمم ولا تناقض أيضا بينها وبين ما يكون من أنكم كتبتم في الكتب السابقة من أنكم خير أمة لا تناقض بين هذا وبين هذا

ومما يؤكد هذا أيضا من أن صفة النبي عليه الصلاة والسلام في الكتب السابقة قال عز وجل { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } إذا قام بهذا الأمر نبيكم أيضا واجب عليكم أن تقوموا بهذا الأمر ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه ( أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأفضلها عند الله  )

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }  يعني أنتم أخرجتم بمعنى أنكم اصطفيتم من أجل هؤلاء الناس من أجل توصلوا إليهم الخير ، وفي هذا فضيلة لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وأعظم ذلك نشر العلم نشر العلم الصحيح هو من الأمر بالمعروف ومن النهي عن المنكر {  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }  ليس ذلك من غير صفات وإنما { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } أتى بصيغة الفعل المضارع مما يدل على الاستمرار { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }

لو قيل لماذا أخَّر الإيمان ؟

والعلم عند الله { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } لأن الآيات السابقات تدل على ماذا ؟ تدل ذاكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فذكرهم بما أمروا به ثم بين عز وجل لما ذكر { وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن تكون له فضيلة ومزية إلا بالإيمان ، وبيان أيضا أن من أركان الإيمان العمل الصالح لأن الإيمان قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، ومن ذلك من الأعمال  { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }

{ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } أولئك الذين أرادوا أن يجعلوا الفرقة بينكم فيما بينكم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ١٠٠ }

وما ذكره عز وجل عنهم في مقدمة السورة { وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }

وفي قوله { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ٧٠ }

لو أن هؤلاء آمنوا لكان خيرا لهم { وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ } كعبد الله بن سلام ومن آمن من هؤلاء

{ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } وأعظم من خير خير عظيم لأن ما يترتب على الإيمان إنما هو ثواب عظيم { مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} يعني ما آمن إلا القلة لكن الفسقة والفسق هنا مخرج عن ملة الإسلام كما قال عز وجل لما ذكر إبليس { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ }

قال هنا { وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } مذكرا لحالهم { فَمَنْ تَوَلَّى } في نفس السورة { فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ٨٢ }

فقال هنا { وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } آل عمران: ١١١

{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } يعني بمعنى أن الإنسان لو أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فإن الأذية من هؤلاء اليهود تحصل له إنما هو أذى يعني باللسان { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } يعني باللسان وأيضا ربما أن الإنسان يحصل له ضرر فيما يأمر به من معروف وينهى فيه عن منكر لكنه أذى ليس بذلك الأذى ، لم

لأنه أذى في سبيل الله وهناك خير عظيم يعقبه ذلك في دنياه وفي أخره

{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } يعني باللسان كما صرح المفسرون ولعل قولهم باللسان باعتبار ما بعدها : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ } بمعنى أنهم جبناء ، ولذلك قال عز وجل في سورة الحشر { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى }

{ وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ } ومن تولى ربما يتولى ويخرج من المعركة من أجل أن يفيء إلى جماعة أخرى أو يغير المكان لكن بين هنا بعدها     { وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } دل على أن إدبارهم ليس لغرض الرجوع مرة أخرى أو لشجاعة أو أنه يفيء إلى مجموعة أخرى تناصره ، لا ، دل على أنه تولي لا نصرة معه

{ وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ  } آل عمران: ١١٢

{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } الضرب هنا الملازم للشيء  كما يقال ضرب على الدرهم وهو الحديد إذا ضربت عليه نقوش فإنها تلازمه { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } بمعنى أن الذلة ملازمة لهم { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا } أينما وجدوا  { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } الذل هذا لا يمكن أن يزول إلا بواحد من أمرين { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } بمعنى أنهم يدخلون في الدين ، وقيل { بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } بمعنى الجزية { وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } إن قيل { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } يعني الإسلام { وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } يعني الجزية وإن قيل { بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } الجزية فيكون { وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } الأمان

وعلى كل حال الإسلام هو حبل الله { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } ومما يقوي قول من يقول إنه الإسلام الآيات السابقات      { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا }

{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } بمعنى دفع الجزية أو أمان بمعنى يدخل في ديار أهل الإسلام بأمان من اهل الإسلام

{ وَبَاءُوا } أي رجعوا وبأي شيء رجعوا ؟ { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } رجعوا بغضب من الله غضب الله عليهم وهنا إثبات صفة الغضب لله بما يليق بجلاله وبعظمته وليس معنى ذلك الانتقام أو إرادة الانتقام كما حرفت هذه الصفة بل غضبه عز وجل يليق بجلاله وبعظمته { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ولذلك قال تعالى : { فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } { فَلَمَّا آَسَفُونَا } يعني أغضبونا { انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } فدل على أن الانتقام ليس هو الغضب وإنما من آثار الغضب الانتقام وإنما تثبت الصفة بما يليق بجلاله وبعظمته

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } أي الفقر وأنت حينما ترى اليهود ترى الذلة عليهم ملازمة فهم يخافون جبناء { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ } { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } المسكنة الفقر سبحان الله ! كيف وهم أغنى الناس في مثل هذا الزمن وأرصدته  عالية ؟

المقصود من ذلك ليس فقر المال وإنما هو فقر القلوب فإنك لا تجد يهوديا ولو كان ثريا إلا والمكسنة ضربت عليه ، لم ؟

لأن قلبه ليس بغني ، ولذلك ثبت قوله عليه الصلاة والسلام ( وإنما الغنى غنى القلب )

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ }  في آية البقرة قال عز وجل { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } أتى بالمسكنة بعد الذلة ، هنا أخر المسكنة ، لعلها والعلم عند الله لما كان الحديث عن ذل أهل الكتاب أتى السياق فيما يتعلق بذلهم قال { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ }  وترتب على ذلك أنهم باءوا بغضب من الله ثم ذكر المسكنة بمعنى أنهم كما أنهم جبناء أيضا ذكرت المسكنة التي هي الفقر بخلاف الآية التي في سورة البقرة فإن في سورة البقرة ليس فيها ما يتعلق بهذا الخوف والجبن لأن ما قبلها { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ }           { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ }

قال هنا { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ }

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ } أين ؟ ارجع إلى السورة { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ٧٠ } قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ٩٨ } وكفرهم بآيات الله مستمر حتى لما أتى النبي عليه الصلاة والسلام كفروا

{ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ } { وَيَقْتُلُونَ } مر معنا لماذا لم يقل وقتلوا وإنما أتى بصيغة الفعل المضارع ،  ومر معنا عند آية البقرة وفي نفس السورة أيضا { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ }

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ } تعدوا على حق الله وتعدوا على حق رسل الله { وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ }  سبحان الله !

قال هنا { وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } في سورة البقرة { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } تغير صيغة الجمع وأتى بكلمة ” ال ” في الحق في سورة البقرة هنا لأن والعلم عند الله أنه من باب التذكير وإحضار الذهن لما تغير لفظ الجمع وتغيرت كلمة الحق بترك كلمة ” ال ” باعتبار أن يذكر حتى يستحضر الذهن الفعل الشنيع من هؤلاء فإنه لما غاير بين الألفاظ في السورة هنا وفي سورة البقرة وحتى في مطلع السورة قال { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ } انتبه في سورة البقرة { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أتى بكلمة { النَّبِيِّينَ } وكلمة الحق

في أول سورة آل عمران { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ }  كسورة البقرة لكن لما أتى إلى كلمة الحق لم يأت بكلمة ” ال “هنا غير في لفظ الجمع قال { الْأَنْبِيَاءَ } والحق لم يأت ب ” ال “

ولعله والعلم عند الله من باب تذكير أهل الإسلام بشناعة ما فعله هؤلاء وأي شناعة أعظم من أن تقتل أنبياء الله عز وجل ؟!

{ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } وأتى بكلمة { بِغَيْرِ حَقٍّ } لأن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبدا لكن من باب شناعة ما فعلوه

{ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } ومر معنا في سورة البقرة { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }  من أن العصيان هو الوقوع في الذنب والاعتداء هو الإهمال في الواجب { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{  لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } آل عمران: ١١٣

{ لَيْسُوا سَوَاءً } إن وقفت { لَيْسُوا سَوَاءً } باعتبار أن أهل الكتاب قد تقدم ذكرهم { مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }  فقال { لَيْسُوا سَوَاءً }  يعني من تقدم ليسوا سواء منهم أهل الإيمان وأكثرهم أهل فسق

وإن وقلت { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } يعني وأخرى غير قائمة

{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ } بمعنى أنها مستقيمة على شرع الله { قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ } بخلاف أولئك { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ٧٠ }

{ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ }  وفي أي زمن ؟ في أعظم الأوقات التي يكون القلب حاضرا { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ٦ }

{ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يعني وهم يصلون لأن تلاوة الآيات لا تكون في السجود ، ولذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قراءة القرآن والإنسان ساجد كما في حديث علي ( إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع أو ساجد ) ، لم ؟ لأن مقام الركوع والسجود مقام ذل ولا يناسب القرآن العظيم ، إنما يناسبه القيام

ولذلك قراءة القرآن إنما تكون في القيام وليس في الركوع وفي السجود    { يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يعني يصلون

قال بعض الصحابة قال إن هذه الآية إنما هي في أهل الإسلام وسياق الآيات يدل على أنها في أهل الكتاب ولاشك ولا ريب من أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام من أنها داخلة بل إن من آمن من أهل الكتاب فقام فصلى وتلا الآيات فإنه يكون من أمة محمد عليه الصلاة والسلام

إذن لا فرق بين هذا وبين هذا فالجميع ممن آمن من أهل الكتاب وأمة محمد عليه الصلاة والسلام يكونون أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولذا قال كما عند مسلم ( والذي نفس محمد بيده لا يسع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار )

فدل هذا على أن من كان في عصر النبي عليه الصلاة والسلام فهو من أمته من حيث الدعوة فمن دخل في دينه فيكون من أمة الإجابة

ويستدلون على ذلك وهو دليل ولاشك أنه يكون أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام يكونون داخلين في ذلك ، النبي عليه الصلاة والسلام لما تأخر وأخر صلاة العشاء فقال عليه الصلاة والسلام ( ليس هناك أحد من أهل الأرض يصلي غيركم ثم  قرأ الآيات { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } آل عمران: ١١٤

{ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } ذكر هنا ما يتعلق بالإيمان لأن الأصل من أن أهل الكتاب أول ما يطالبون به إنما هو الإيمان لكن فيما سبق قال عن أمة محمد{ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } فهم أهل الإيمان أصلا لكن ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما سبق من باب الحث على هذين الأمرين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال هنا { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } لأن ما يفعله الإنسان من عبادة يعني لو فعل أهل الكتاب أي عبادة من غير إيمان فإنه لا فائدة من تلك الأعمال { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } تعداد لصفاتهم { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وأعظم المعروف التوحيد وأعظم المنكر الشرك بالله

ويلي الأمر بالمعروف فيما يتعلق بالتوحيد بيان السنة

والنهي عن المنكر بعد الشرك البدع

{ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } مع ذلك كله يسارعون في الخيرات بمعنى أنهم أصحاب إيمان وينفعون غيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأيضا فيما يتعلق بذواتهم يسارعون إلى الخيرات يعملون الأعمال الصالحة بل يسارعون إليها ومن ثم ختم الآية بقوله { وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ }  من جلمة الصالحين والصالح هو الذي قام بحق الله وقام بحق المخلوقين وتأمل هذه الصفات

صفات لكنه عطف بعضها على بعض { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ١١٤ } من باب تعداد صفاتهم كما مر معنا في قوله تعالى في نفس  السورة { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ١٧ }

وذلك لأن الصفات إما أن تأتي من غير عطف كما تقول مثلا : زيد رجل كريم عظيم حليم ، هذه من غير واو

فإن أتت بالواو فهنا يكون ذكر الواو من باب جعل كل صفة لها ميزة كأنها جملة خاصة تدل على فضيلة هؤلاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ  } آل عمران: ١١٥

{ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ } قال هنا { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ } هنا شرطية { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ } أي خير قل أو كثر من أعظم الخير ما سبق من صفات

أيضا ما عدا هذه الأعمال والصفات التي اتصفوا بها { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ } عام ولو قل { فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } أي فلن يجحدوه { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ  } عليم بأهل التقى ممن ليس كذلك ومن ثم لما قال { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ  } فيه ماذا ؟

فيه إدخال السرور على المتقي لأن الله عز وجل عالم بحاله فالمتقي إذا استحضر ولذلك كما سلف وأكرر دائما على المسلم أن يتفقه معاني أسماء الله وصفاته حتى تزيد إيمانه وحتى يقبل على الله وحتى يعظم الله وحتى يحب الله

{ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ  }

فإذا علم المتقي من أن الله عالم بحاله هنا يطمئن ويزداد في الخير لأن الله لن يظلمه بل يوفيه أجره وأعظم من ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }  آل عمران: ١١٦

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } لما ذكر حال أهل الإيمان ذكر حال أهل الكفر

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ } أي لن تفيد ولن تدفع { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

هذه الآية مرت معنا في أول السورة { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ١٠ } تكررت هذه الآية ومر تفسيرها لكن أقف في ختام الآية السابقة قال { وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } هنا قال { وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }  فلربما أنه لما قيل ربما يتوهم من أنهم وقود النار ، والوقود إذا احترق انتهى فبين في هذه السورة من أنهم وقود النار من أنهم مستمرون على أنهم وقود النار، كما قال عز وجل { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } فكونهم يكونون وقودا للنار لا يعني أنهم إذا انتهوا واحترقوا أنهم لن يعادوا بل هم ملازمون للنار ومصاحبون لها وخالدون فيها كما جاءت بذلك الآية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}آل عمران: ١١٧

{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ }

{ صِرٌّ } يعني حر أو نار وقيل شدة برد ولا تناقض بين هذا وبين هذا

لم ؟ لأن البرد إذا أتى إلى الزرع أحرقه { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ } أي زرع قوم { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بالمعصية وبالذنوب بمنع الزكاة وما شابه ذلك

{ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } هذه الريح أهلكت هذا الزرع وهذا يدل على أن ما ينفقه هؤلاء الكفار في صد الناس عن دين الله فإنه يذهب هباء منثورا ، ويكون وبالا عليهم

قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ }

وفي أول السورة وكما سلف يتذكر الإنسان ويتأمل في آيات السورة كلها

قال عز وجل { كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ١١ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ }  ولو أنفقتم الأموال { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ١٢ }

ولذلك :

هذه الآية هي نظير تلك الآية على المعنى الآخر قال عز وجل { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ }

قال هنا { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أيضا في يوم القيامة         { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ٢٣ } حتى ما أنفقوه مما في صورته كأنه عمل صالح كإطعام مسكين أو إغاثة ملهوف فإنه يصبح هباء منثورا

{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ } هم الذين ظلموا أنفسهم { وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} { وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} هنا في هذه الآية لم يقل كانوا في آيات أخر { كَانُوا }

والعلم عند الله : من أنه قال هنا { وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } فهذه الآية الظلم واقع من أنفسهم على أنفسهم في حاضرهم كما أنه ظلم واقع كما في الآيات الأخر واقع في الماضي ودل هذا على ماذا ؟

دل على أن الظلم الماضي يجر ظلما آخر فالسيئات تتلوها سيئات ، كما أن الحسنات تتلوها حسنات { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧ }