﴿ بسم الله الرحمن الرحيـــــــم ﴾
تفسير سورة الأعراف من آية (55) إلى آية ( 72 )
الدرس ( 106 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد ،، فكنا قد توقفنا عند قول الله
عز وجل :
{ ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ﴾ (الأعراف: ٥٥)
لما ذكر عز وجل تلك الدلائل على عظمة الله عز وجل من خلق السموات والأرض، وخلق العرش ومن استوائه على العرش ذكر هنا الأمر بالدعاء لله عز وجل على وجه التضرع والخفاء وذلك لأن من له تلك الأفعال العظيمة فإنه يستوجب على الإنسان أن يعبد الله عز وجل.
{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا }
التضرع هو التذلل والخضوع { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } على وجه الخفاء وهذان من آداب الدعاء وذلك بأن يكون الإنسان حينما يدعو، يدعو متضرعًا خاشعًا، ويكون ذلك في خفاء كما فعل زكريا عليه السلام
{ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } آية 3 مريم.
ولذا النبي ﷺ كما ثبت عنه قال ” اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا ، إن الذي تدعونه أقرب من أحدكم إلى راحلته “
قال هنا : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } وهذا شامل فهو عز وجل لا يحب جميع المعتدين في كل نوعٍ من أنواع الاعتداء وفي كل شيء ومن ذلك الدعاء، ولذا النبي ﷺ كما ثبت عنه قال ” سيكون قوم من أمتي يعتدون في الدعاء وفي الطهور ” فدل هذا على تحريم هذا الأمر ومن الاعتداء في الدعاء؛ كأن يدعو ما يكون مستحيلًا كما لو قال اللهم اجعلني نبيًا أو اجعلني ملَكًا أو ما شابه ذلك مما هو مستحيلٌ أن يقع وكذلك ما كان على وجه التفصيل الذي لا فائدة للمسلم فيه كما قال بعض أبناءِ أحد الصحابة اللهم ارزقني القصر الأبيض عن يمين الجنة فزجره أبوه فذكر هذا الحديث ” سيكون قوم من أمتي يعتدون في الدعاء وفي الطهور “
{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } آية 56 الأعراف
.
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} نهى عن الإفساد وليعلم إن من أعظم الإفساد ما وقع فيه هؤلاء الكفار من الشرك بالله عز وجل والإفساد في جميع أحواله منهي عنه ومحرم وهنا قال: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } هذا أعظم في الذم لأن من أفسد بعد صلاح الأرض يكون أعظم والإفساد بعد الإصلاح في الأرض وذلك بعد أن أتت الرسل بتبيين شرع الله عز وجل فإن الإفساد في الأرض بالشرك وبالذنوب وما شابه ذلك من أعظم الإفساد، وكذلك لا يجوز الإفساد الحسي كأن يُعتدى على الناس في أموالهم وفي أعراضهم وفيما شابه ذلك.
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } هنا لما ذكر فيما مضى آداب الدعاء ذكر هنا أن الإنسان إذا دعا الله عز وجل فيكون بين الخوف والرجاء فقال هنا : { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } فالخوف يدل على الخوف الذي هو ركنٌ من أركان العبادة والطمع يدل على الرجاء وهو الركن الثاني من أركان العبادة.
ودعاء الله عز وجل على هذه الحال يتضمن بل يدل على محبة الله عز وجل فإذًا هنا { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } اجتمعت فيها أركان العبادة الثلاثة المحبة لله ، والخوف من الله ، والرجاء من الله.
{ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } وهذا يدل على أن من أحسن فهو قريب من رحمة الله عز وجل وهذا شرفٌ للمحسنين ومن ثم فإن من أتى بأركان العبادة على أعلى مقاماتها المحبة والخوف والرجاء و أتى بذلك على أعلى الدرجات فإنه يكون من المحسنين وبذلك يتحقق فيه قول النبي ﷺ في وصف الإحسان ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” وهنا أمر يتعلق بالنحو وهو أن الخبر لابد أن يطابق المبتدأ في التذكير وفي التأنيث ومن هنا قال : { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } ولم يقل قريبة ومن هنا فإن للعلماء مسالك كثيرة في توجيه هذا الأمر منهم من يقول إن رحمت الله قريب من المحسنين أي أمرٌ قريبٌ من المحسنين أو شيء قريبٌ من المحسنين وذكروا مسالك كثيرة.
وابن القيم رحمه الله ذكر مسلكًا فقال إن رحمت الله قريب من المحسنين المقصود من القريب هنا هو وصفٌ لله عز وجل { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } فإذا كان الله عز وجل قريبًا من المحسنين إذًا تكون رحمته عز وجل تكون قريبة من المحسنين ومن ثم فإن في ذلك ذكرًا لشيءٍ وتُرِك شيء آخر استُغني عنه لدلالة السياق عليه لأن الله عز وجل إذا كان قريبًا من المحسنين إذًا رحمته عز وجل تكون قريبة ولذا قال عز وجل : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } آية 62 التوبة، أتى بالضمير الذي يدل على شيءٍ واحد ومعلوم أن السابق ذُكر فيه الله والرسول وذلك يُذكر شيءٌ واحد لدلالته على الشيء الآخر فقال هنا: { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } ومن ثم يكون ما قاله ابن القيم رحمه الله هو أظهر ما قيل في هذه المسألة اللغوية لأنها تتضمن فيما ذكره رحمه الله تتضمن مسألة عقدية ومن أراد التوسع في ذلك فليرجع إلى كلامه رحمه الله وكلام المفسرين رحمهم الله في كتبهم : { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } آية 57 الأعراف.
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } هنا أيضًا من الدلائل التي تدل على عظمة الله وأنه هو عز وجل الذي سيُحيي هؤلاء الموتى ومن بينهم هؤلاء الكفار الذين أنكروا البعث بعد النشور ذكر هنا ما يدل على عظمته مما يستوجب أن يعبده العبد وأن يجعل العبادة له عز وجل { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي أن الرياح تبشرُ بقدوم المطر، فالمطر من رحمة الله { بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ } أي قدام رحمته، الرحمة هنا المطر وذلك لأن المطر من رحمة الله عز وجل وأيضًا كما أن الرياح تبشر بالمطر فهي لواقح كما ذكر عز وجل
{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } آية 22 الحجر.
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } وفي ذلك إيناس وتأنيسُ وبشرى للخلق { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ } أي حملت يعني المقصود الرياح { حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا } أي حملت الرياح هذا السحاب { حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا } أي أن هذا السحاب ثقيلٌ بالماء { حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } أي: سقنا هذا السحاب لبلدٍ ميت وأُطلِق على الأرض التي لا نبات فيها بأنها ميتة باعتبار أنه لم يخرج منها نبات ولم ينبت بها شيء وبهذا يصدق على أن الأرض التي هي أرضٌ جدباء يصدق عليها أن تُوصف بأنها ميتة قال : { ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ } أي في هذا البلد { فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } أي مما يكون حسب ما يناسب مما قدره الله عز وجل لهذه الأرض وليس معنى ذلك من أن الأرض تُنبت كل النباتات وجميع النباتات؛ بل كلُ أرضٍ لها ما يخصها من النبات بما قدره الله عز وجل من أسباب تناسبُ هذه الأرض من حيث تربتها ولذا قال بعدها:
{ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } آية الأعراف: ٥٨ قال هنا: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ } أي كما أخرجنا الثمرات من هذه الأرض الميتة { كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } إذًا في هذا ، الدلائل على أنه سيُبعث الناس بعد موتهم وقال { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } لأن هذا أمر واضح تشاهدونه من حيث نبات هذه الأرض الميتة، إذًا الذي قَدِر على أن يُحيي هذه الأرض الميتة هو قادرٌ عزوجل على أن يحييكم بعد هذا الموت ولذا قال عز وجل بعدها: { وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا } آية 58 الأعراف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } آية 58 الأعراف.
{ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي بإذنه عز وجل إذًا البلد الطيب التي هي تربتها طيبة ونافعة وبها خيرٌ يخرج نباتها على حسب تربتها من حيث الطيب ومن حيث النفع لكن كل هذا بأمر الله عز وجل كذلك المؤمن إذا كان قلبه قلبًا طيبًا صافيًا فسمع هذا القرآن فإنه يثمر هذا القلب يثمر أعمالًا صالحة ولذا قال ﷺ كما ثبت عنه في الصحيح قال ” التقوى ها هنا وأشار إلى القلب ” إذًا هذا القلب وهو قلب المؤمن ينتفع بهذا القرآن.
{ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا } الأرض الخبيثة من حيث التربة فإن نباتها لا يخرج إلا قليلًا وبعسرٍ وبمشقة { وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا } وهذا يدل على أن من ليس بمؤمن يأتيه هذا القرآن وتأتيه المواعظ ومع ذلك لا ينتفع بها ومع ذلك لو عمل عملًا صالحًا فإنه ليس على أساسٍ صحيح وإنما يفعله عن ضيقٍ وعن نكدٍ وعن مشقة وعن عُسر ولذا لما كانت هذه الحال كما قلنا هنا قال عز وجل: { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } آية 23 الفرقان.
{ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ } أي نبين الآيات ونصرفها من حيث الترغيب ومن حيث الوعيد ومن حيث بيان ما كانت عليه الأمم السابقة ونصرف هذه الآيات قال: { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } يدل على أن تصريف الآيات كما ذكر عز وجل سبيلٌ إلى شكر الله عز وجل وأن من وفقه الله عز وجل إلى عبادة الله عز وجل فهي من أعظم النعم التي تستوجب الشكر منه لله
عز وجل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } آية 59 الأعراف.
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ } هنا ذكر
عز وجل قصة نوح وهنا ذكرٌ لقصص الأنبياء من باب بيان ما ذكره عز وجل في أول السورة كما قال عز وجل { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } آية 4 الأعراف.
وفي هذا التذكير لكفار قريش ولمن جاء بعدهم بأن من صنع صنيع هذه الأمم السابقة مع أنبيائهم صنعوا معهم الكفر والتكذيب فإن هذا الجزاء يكون جزاءً لهم.
وقصة نوحٍ عليه السلام ذُكرت أولًا لأنه كما جاء بذلك الحديث كما ذكر في حديث الشفاعة الطويل كما ثبت عنه ﷺ هو أول رسول أُرسل إلى أهل الأرض { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ } ونوح عليه السلام قصته ذكَرْتُها في أكثر من درسٍ جمعت فيها ما ذكره عز وجل في سورٍ متفرقة مما ذكره
عز وجل عن قصة نوح جمعتها في أكثر من درس من أراد ان يرجع إليها فهي موجودة ٌ .
إذًا هنا قال عز وجل { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ } إذًا نوح عليه السلام أمر بالعبادة بتوحيد الله عز وجل وذلك لأن نوحًا عليه السلام كما جاء بذلك الحديث الصحيح من أن ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا كانوا رجالًا صالحين لكن قومهم لما مات هؤلاء نصبوا لهم أنصابًا وقالوا لنتذكر عبادتهم فنعبد الله عز وجل فعبدوهم من دون الله لما أتت الأجيال التي بعدهم فأرسل إليهم نوحًا كما ذكر عز وجل في سورة نوح، وهنا ذكر قصة نوح مجملة لم؟ مع أنه ذكرها
عز وجل في سورة هود مفصلة وذكرها في سورة نوح وهنا أتى بقصص هؤلاء الأنبياء مجملة، لم تأتِ على وجه التفصيل لم؟ من باب التذكير بعقوبة الله عز وجل لهؤلاء حتى يرتدع من؟ كفار قريش الذين كذبوا بالنبي ﷺ.
قال نوح عليه السلام لقومه { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ } غيره صفة للإله لأن إله: هو في محل رفع مجرور بمن الزائدة {مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } توعدهم إذا كفروا بالله من أن الله
عز وجل سيأتيهم بعذاب عظيم وهذا العذاب العظيم أتاهم وذُكر مفصلًا في سورة هود وهو الطوفان كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ووصف العذاب بأنه عظيم باعتبار أن هؤلاء كفروا بالله عز وجل و لأنه هو عليه السلام ظل معهم مدةً طويلة ألف سنة إلا خمسين عاما كما قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } العنكبوت آية 14
{ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } آية 60 الأعراف.
قال الملأ وهم أشرافهم؛ وهم أشراف القوم إنا لنراك في ضلال مبين وصفوه بأنه ضال ووصفوا هذا الضلال بماذا؟ بأنه مبين واضح وهذا من أعظم الافتراء إذ نسبوا الضلال المبين الواضح كما زعموا إلى من؟ إلى نبي الله نوحٍ عليه السلام فقال هنا: { قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } آية 61 الأعراف.
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ } لم يقل ليس بي ضلال إنما نفى عنه أدنى ما يكون من المرة الواحدة وهي الضلالة فإذا نُفي الأقل إذًا يُنفى الأعم فقال هنا: { قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ } وهذه كافية كونه رسولًا هذه كافية على هدايته وعلى صدقه { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } وأكد ذلك من أنه أُرسل من رب العالمين الذي هو ربهم وواجبٌ عليهم أن يعبدوه عز وجل { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ثم بيَّن ماهي وظيفته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } آية 62 الأعراف.
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي } وهو عليه السلام كما في سورة نوح بين لهم ذلك { إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا } نوح آية 5، ودعاهم سرًا وجهارًا كما سيأتي بيانه في سورة نوح إن شاء الله تعالى.
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي } ولم يقل رسالة ربي مع أنها رسالة قال رسالات ربي
باعتبار – والعلم عند الله – من أن هذه الرسالة تنوعت من حيث الأحكام، من حيث المواعظ، وأيضًا هو نوع من حيث الأسلوب لهؤلاء فجمعت لهذا الاعتبار، قال: { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } إذًا قال { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي } مجرد الإبلاغ والإخبار عن رسالة ربي { وَأَنصَحُ لَكُمْ } هذا النصح يتضمن ماذا؟ يتضمن أنه مع التبليغ نصحهم بالترغيب ونصحهم بالترهيب { وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ومما علمني الله عز وجل هذه الرسالة وأيضًا هو أخبرني وعلمني بأنه سيكون بكم عذابٌ عظيم إن كذبتم وإن كفرتم ولذا قال هنا: { وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } يتضمن التهديد والتخويف لهؤلاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } آية 63 الأعراف.
{ أَوَعَجِبْتُمْ } مرَّ معنا أن همزة الاستفهام إذا أتى بعدها حرف العطف يتضمن جملة ومر معنا ذلك في سورة البقرة وفي آيات أخرى فيكون هناك جملة حُذفت بمعنى أكذبتم وعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربكم هذا الذكر من الله عز وجل وليس مني ولذا الآية التي قبلها أبلغكم رسالات ربي، قال: { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ }
بمعنى أنهم يستغربون من أنه أتاهم بشرٌ من البشر ليكون رسولاً لهم ولذا قال عز وجل كما في سورة المؤمنون :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ } المؤمنون آية 23
{ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } المؤمنون آية 24
فقال هنا: { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ } وأنا منكم من جنسكم وأيضًا منكم من حيث النسب ولذا قال عز وجل كما في سورة الشعراء { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ } أي هو أخوهم من حيث النسب { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ }.
الشعراء آية 105-106
فقال هنا: { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } أي ليخوفكم
{ وَلِتَتَّقُوا } لأن بعد هذا الإنذار تحصل التقوى { وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } دل هذا على أن من أُنذر فاتقى الله عز وجل فإن الله عز وجل سيرحمه ولذا قال { وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وأتى بكلمة لعل من باب أن يكون العبد بين الخوف وبين الرجاء فإنه ولو عمل واتقى الله وفعل ما فعل ابتغاء مرضات الله فإنه يكون على رجاء من الله ولا يستعظم عمله ولا يتكل على عمله { وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لكن ماهي النتيجة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ } آية 64 الأعراف
{ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ } والذين معه قلة كما بيَّن عز وجل في سورة هود قال عز وجل: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } هود آية 40
{ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ } أي في السفينة { وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } ومن هؤلاء من؟ ابنه كما ذكر عز وجل في سورة هود.
{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ } أي أن قلوبهم بها عمى الضلالة والكفر وهذا سبب ماذا؟ سبب ما وقع عليهم من هذا العذاب بسبب أعمالهم فهم عُمي البصائر بارتكاب الكفر والتكذيب { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ }.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ } آية 65 الأعراف.
{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ} أي وأرسلنا إلى عادٍ أخاهم هودًا هو أخوهم من حيث النسب ولذا ما يُقال في مثل هذا الزمن ممن ينتسب إلى العلم فيقول إن الكافر يجوز أن يقول المسلم له هو أخي أو نحن أخوة من حيث الأرض فإن مثل هذا الكلام لا دليل عليه وإنما كما قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الحجرات آية 10
لكن الأخوة هنا أخوة نسب وليست أخوة دين لأنهم يختلفون عنه في الدين وفارقوا دينه فإذًا { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } إذًا أُرسل إلى عاد هود عليه السلام، عاد بالأحقاف باليمن كما سيأتي ذلك مفصلًا بإذن الله تعالى { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ } إذاً دعا إلى التوحيد وهذا يدل على أن كل نبيٍ أتى فأول ما يدعو إليه؛ يدعو إلى التوحيد فانصراف كثيرٌ من الدعاة في هذا الزمن عن الدعوة إلى التوحيد في محاضراتهم هذا خلاف سنة الأنبياء وخلاف سُنة النبي ﷺ ولذا قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } الأنبياء آية 25
{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ } أنكر عليهم واستفهم بهذا الإنكار آمرًا لهم بأن يتقوا الله عز وجل حتى لا يحل بهم ما حل بقوم نوحٍ الذين سبقوهم ولذا ماذا قال عز وجل عن نوحٍ في الآيات السابقات { وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الأعراف آية 62
وذلك بأن عادًا كانوا بعد نوح، كانوا بعد قوم نوح وهذا يدل على أن هذه السورة ذكرت هؤلاء الأنبياء حسب الترتيب الزمني ولذا كما سيأتي معنا قوله عز وجل عن هود عليه السلام { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } الأعراف آية 69
فقال هنا: { أَفَلَا تَتَّقُونَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } آية 66 الأعراف.
{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } يعني أنت منغمسٌ في سفاهة ولذا أتوا بحرف في الظرفية { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } وقالوا هنا إنا لنراك في سفاهة والسفاهة تدل على خفة الرأي والعقل يعني على عدم حسن التصرف { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } أي نظنك والظن هنا على بابه لم؟ لأنهم لو كان يقينًا من أنهم قالوا إنك من الكاذبين فقد كذبوا أنفسهم لم؟ لأنهم يعرفون صدقه إذ عاش بينهم ولذلك من باب التنفير ماذا قالوا؟ { وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } فجمعوا له بين السفاهة وبين الكذب { وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } آية 67 الأعراف.
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } نفى عن نفسه السفاهة { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ومر تفسيرها في قصة نوح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } آية 68 الأعراف.
أيضًا مع هذا النصح -أنا لكم ناصح- مع أنني ناصح أيضًا أنا أمين، أمينٌ على هذه الرسالة التي أرسلها الله عز وجل إليّ { وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } ومن كان ناصحًا أمينًا فإنه يُطاع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } آية 69 الأعراف.
{ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ } ومر معنا تفسيرها في قصة نوح { لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } جعلكم خلفاء من بعد ما أهلك الله عز وجل قوم نوح ومع هذا كله ماذا قال؟ { وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً } في الخلق: في أنفسكم من حيث القوة، ولذلك في سورة هود قال عز وجل: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } هود آية 52
ولذا قالوا { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } فصلت آية 15. فأيضًا أُعطُوا بسطة فيما أنعم الله عليهم به من البناء وما شابه ذلك من أنواع المعايش ولذا قال تعالى في سورة الشعراء عن هود عليه السلام: { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ – وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ – وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } الشعراء آية 128-129- 130
فقال هنا: { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ } اذكروها بأقوالكم، وبقلوبكم، وبجوارحكم وهذا يستلزم أن تشكروا الله على هذه النعم { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فمن شكر نعمة الله فإنه سبيلٌ إلى أن يكون من المفلحين والفلاح هو زوال المكروه وحصول المطلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } آية 70 الأعراف.
{ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ }
قالوا أجئتنا: وأتى بكلمة المجيء
باعتبار -والعلم عند الله- أي أجئتنا من كونك من البشر ولم تأتنا على أنك ملك، قالوا أجئتنا على أنك بشر ولست من الملائكة وهذا من باب الإنكار، أو أنه كان كما قال بعض المفسرين وهذا محتمل قد يكون صحيحًا وقد لا يكون لأنه شيءٌ مجهول ليس لديّ فيما أعلم دليل على ذلك من أنه كان يتعبد الله عز وجل كما كان يصنع النبي ﷺ، المهم { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ } سبحان الله جعلوا ذلك محل الاستنكار أن يُعبد الله وحده { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ } أي نترك { وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } إذًا كانوا على طريقة أباءهم في عبادة الأصنام ولذا تبجحوا { وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } أي أن كنت من الصادقين فأتنا بما تعدنا وهذا يدل على أنه عليه السلام أنكر عليهم وحذرهم من عذاب الله عز وجل فقالوا هنا: { وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ } آية 71 الأعراف.
{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ}
الرجس هو العذاب وهذا العذاب هو الريح قال عز وجل: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ } الذاريات آية 42
وهذا العذاب أيضًا معه غضبٌ من الله { قَالَ قَدْ وَقَعَ } أي وجب وحق عليكم وأتى بكلمة (على) مما يدل على ماذا؟ على أنهم استحقوا هذا العذاب وهذا الغضب من الله باعتبار فعلهم الخبيث وقولهم الخبيث السابق { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ } هذا استفهام إنكاري { أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ } جعلها مجرد أسماءٍ لأنهم هم اللذين أتوا بها صنعوها وسموها بهذه الأسماء ولذا قال عز وجل :
{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ – وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى – أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ – تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى – إِنْ هِيَ .. } حالهم كحال كفار قريش تشابهت قلوبهم { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم }
النجم آية 19-20 -21-22-23
فقال هود عليه السلام كما ذكر عز وجل عنه هنا قال: { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } ليس لكم حجة على هذا الأمر من عند الله وكما سلف كلمة من سلطان باعتبار أنه لا يمكن أن يأتوا بدليل عقلي أو بدليل شرعي على أن لهم حجة في عبادة هذه الأصنام { مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ } انتظروا عذاب الله { إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ } آية 72 الأعراف.
{ فَأَنجَيْنَاهُ } أتى عذاب الله لهؤلاء فأنجيناه وسيأتي معنا في سورٍ بإذن الله فصلت هذا العذاب { فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } إذًا نجاة هود عليه السلام ومن معه برحمة من اللهَ، ونجاة كل عبد من عذاب الله عز وجل هو برحمة منه عز وجل { فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا } أي استأصلنا { دَابِرَ } أي آخر دل على أن الأولين أيضًا استؤصلوا { وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ } أي أنهم كذبوا بآياتنا واستمروا على هذا التكذيب { وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ } ولعل الإتيان بكلمة وما كانوا مؤمنين ليبين هنا أن الذي نَجَى مَن ؟ هم أهل الإيمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
،،، تم بحمد الله ،،،