بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأنفال من الآية (١٥ إلى ٣٥)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري حفظة الله
قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} أمر المؤمنين بأنهم إذا قابلوا الأعداء من أنهم لا يفروا من الزحف ، وليس هذا محصوراً فقط على غزوة بدر وإنما هو على الصحيح شامل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} لأن من مقتضيات الإيمان من أنه لا يُفر من الزحف، ولذا قال ﷺ كما في الصحيحين ( اجتنبوا السبع الموبقات ) ، ذكر ﷺ (والتولي يوم الزحف ) ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا } ، {زَحْفًا} أي من أنهم أعداد كثيرة بحيث لو رآهم الرائي كأنهم يزحفون لانضمام بعضهم إلى بعض، وقوله {زَحْفًا} هل هو يعود إلى كفروا؟ أو يعود إلى لقيتم؟ إن كان عائداً إلى قوله لقيتم ، دل هذا على أن هذا العدد الكبير هو في شأن جيش المسلمين، وإن قيل إنه راجعٌ إلى الذين كفروا فإنه راجعٌ إلى عدد هؤلاء الكفار، وسواء قيل بهذا أو بهذا فإنه لا يجوز أن يُفر من الزحف. {زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} أي فلا تعطوهم الأدبار وهو الظهور {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} ولذا قال هنا {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} ولم يقل الظهور باعتبار ماذا؟ باعتبار التقبيح لأي شيء؟ للفرار من الزحف لأن الإنسان يأنف من أن يُذكر دبره، {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي من يول دبره فإنه يغضب الله عليه {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} إلا من كان في حالتين قال: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ} إنسان ولاهم الدبر من أجل أن يذهب إلى مكان أفضل من أجل أن يقاتلهم أو أراد أن يخدعهم من أنه فر و أراد شيئاً آخر {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ} أي منضماً إلى فئة من أهل الإسلام يحتاجونه في القتال ، ما عدا هاتين الحالتين {فَقَدْ بَاءَ} يعني رجع {بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} إثبات صفة الغضب لله عزوجل بما يليق بجلاله وبعظمته {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} أي مثواه جهنم {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وهو ذمٌ لها أي بئس المرجع، ومن ثم فإن العبد قد لا يكون متحيزاً إلى فئة ولا متحرفاً لقتال ومع ذلك يجوز له أن يفر من الزحف، كما سيأتي معنا في قوله تعالى في نفس السورة {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ} ومن هنا فإنه إذا كان الأعداء بمثلي أي بضعفي أهل الإسلام فإنه لا يجوز لهم أن يفروا، أما إذا كان أكثر -كما سيأتي- فإنه يجوز لهم الفرار، ولذا ابن عباس رضي الله عنهما قال: “من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فما فر”، قال هنا {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} هنا يستدل بها الجبرية إذ قالوا إنه لا إرادة للعبد فيما يتعلق بأفعاله، فإن مثل هذه الحركة كما زعموا مثل هذه الحركة يقولون هي ليست من إختياري أنا وهذا ضلال مبين، فأنا لي إختيار لما رفعت يدي، لكن لا أستطيع ان أرفعها إلا بمشيئة الله عز وجل فلو شاء الله أنني لا أرفعها لن أستطيع ذلك، ولذلك هنا ماذا قالوا الجبرية؟ قالوا إن العبد مجبر على فعله بدلالة هذه الآية فيقال لهم لم تفهموا هذه الآية الفهم الصحيح فقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} فلم تقتلوهم منفردين، وإنما قتلتموهم إذ أعانكم الله بالملائكة، فقتلتهم الملائكة معكم، إذاً هذا القتل الذي جرى منكم إنما هو بأمر الله عز وجل وبإرادته، فمنكم قتلٌ لكن ذلكم القتل جعل الله له أسباباً وهو قتال الملائكة معكم، وأيضاً كلُ تلك الأسباب منكم ومن الملائكة إنما هي بمشيئة الله عز وجل قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَى} لأن النبي ﷺ أخذ حفنة من تراب فقال شاهت الوجوه فوصلت هذه الحفنة اليسيرة إلى عين كل واحدٍ من هؤلاء وكان عددهم ما يقرب من الألف، فقال عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَى} يقول إبن القيم رحمه الله والقول قوله فيما يتعلق بالقتل {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} كما في شفاء العليل أيضاً قال “الرمي هنا يتضمن الحذف والإيصال” فيقول: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أثبت الله للنبي ﷺ الرمي الذي هو الحذف، لكن نفى عنه إيصال هذه الحفنة إلى عين كل واحدٍ منهم، فالذي أوصلها هو الله، إنما من النبي ﷺ نوعٌ من الرمي وهو الحذف {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} أي وليختبر المؤمنين منه عز وجل بلاءً حسناً، ووصفه بأنه حسن ومن ذلك النصر ومن ذلك الغنيمة فدل هذا على أن النعمة هي بلاءٌ من الله عز وجل من أجل أن يختبر العباد ووصف هنا البلاء بالحسن باعتبار المنة على الصحابة رضي الله عنهم فقال هنا {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سميعٌ لأقوال كل جيش وعليم بحالهم وذلك لأن من ضمن ما قالوا، قال بعض كفار قريش “اللهم من كان منا أقطع للرحم فأحِنه الغداء” يعني أي استأصله الغداء، ولذا سيأتي في الآية التي بعدها {إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} قال هنا {ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ} أي مضعف {كَيْدِ الْكَافِرِينَ} فإنهم خرجوا بطراً ورياء، ولذا سيأتي معنا {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} كما في نفس السورة، قال هنا {ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ {يعني من قال منكم “اللهم إنا نستفتح من كان منا أقطع للرحم فأحِنه الغداء” يعني أنزل عليه العذاب، هنا ماذا قال عز وجل }إِن تَسْتَفْتِحُوا{ يعني أنتم أيها المشركون }إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ {وهو حُكم الله فحَكَم الله عليكم بما جرى لكم } وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ{ إن تنتهوا عن هذا الاستفتاح وعن الشرك بالله فهو خير لكم }وَإِن تَعُودُوا نَعُد{ إلى الشرك وإلى محاربة النبي ﷺ نعد }ولَن تُغْنِيَ{ أي ولن تفيد }ولَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ{ أي جماعتكم }شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ{ لم؟ لأن الله عز وجل قال }كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ{ }وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ{ , }وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ { فالله عز وجل الله معيته مع المؤمنين وهي معية التأييد والنصرة وهي المعية الخاصة، إذاً قوله }إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ{ هو للكفار وهو أظهر و أنسب من حيث السياق من قول من يقول إن قوله }إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ{ هم أهل الايمان , ثم بعد ذلك لكلٍ من العلماء طريقة في تفسير ما بعدها من كلمات لكن السياق يدل على أنه يتعلق بالكفار. }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ{ لما ذكر ما يتعلق بأهل الكفر من محاربة الله ومحاربة دين الله , أمر أهل الأيمان بطاعته وأن لا يكونوا كأهل الكفر}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ{ أي ولا تنصرفوا عنه }وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ{ وأنتم تسمعون مواعظ الدين وأنتم تسمعون أحكام الدين } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{ أي سمعوا سمعاً مجرداً وهم لا يسمعون سماع انتفاع , لأن قلوبهم غير مقبلة على الدين } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{ }إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ{ دل هذا على أن كل ما يدب على الأرض فإنه يطلق عليه دواب , حتى كما قال العلماء يطلق على الآدميين ولذا وصَف هؤلاء الكفار بأنهم مثل الدواب , بل هم أشر الدواب لقوله }إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ{ الصم الذين لا يسمعون الحق , البُكم الذين لا ينطقون بالحق , }الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ {أي لاعقل لهم ينتفعون به لمَ؟ لأنه لما أتى بقوله “لا يعقلون” دل هذا على أن من كان أصم ومن كان أبكم ربما يعقل ويفهم لكن هؤلاء هم صمٌ عن سماع الحق , بكمٌ عن نطق الحق , أيضاً هم لا يعقلون فلا يفهمون الحق }إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ {وقدَّم ما يتعلق بالسمع , لأن الإنسان يتلقى عن طريق السمع ثم يحصل منه الكلام , ولذا أتى بعدها بالبُكم }الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ{ }و لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ{ لو علم الله فيهم خيراً لقبول الحق لأسمعهم سماع تفهم وتدبر } وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ{ أي فرضاً لو أسمعهم سماع تدبر وتفهم، ولو أسمعهم ما حالهم؟ }لَتَوَلَّوا{ أي لانصرفوا وهم معرضون , باعتبار أن قلوبهم لم تُقبل على الخير، فكما قال عز وجل }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{ }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ{ بعض الصحابة رضي الله عنهم كما في الصحيح وهو أبو سعيد المعلى رضي الله عنه كان يصلي فناداه النبي ﷺ فلم يأته إلا بعدما انتهى من الصلاة فقال ﷺ لمَ لم تأتي؟ فقال إني أصلي فقال ﷺ ألم يقل الله عز وجل }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ{ ومعلوم من أن الحياة هنا حياة الإيمان حياة القلب كما قال تعالى }اومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس{ فقال هنا }إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ{ ومعلوم أنه ﷺ ما يدعو الصحابة ولا أحداً من الأمة إلا لما يحييه، وإنما نصَّ هنا }إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ{ لبيان الواقع لأن واقع النبي ﷺ لا يدعو أبداً إلا لما فيه حياة }إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ { }وَاعْلَمُوا{ تنبيه وتحذير }وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ{ يحول بينه وبين الإيمان وبين الكفر فلا أحد يستطيع أن يؤمن إلا بقدرٍ من الله وبمشيئةٍ من الله، ولا أحد يستطيع أن يكفر إلا بقدرٍ من الله عز وجل فهو يحول بين المؤمن وبين الكفر حتى لا يقع فيه، ويحول بين الكافر وبين الإيمان حتى لا يؤمن ، كل ذلك بقضاءٍ من الله عز وجل وبقدر، ومر معنا تفصيل ذلك في قوله تعالى }سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا {وفصَّلنا في ذلك تفصيلاً بيِّنا، فقال هنا }وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ{ يعني اغتنموا ما تبقى من حياتكم فإنكم تتمنون من أنكم ستعملون العمل الصالح وإذا بالموت يفجأكم، فاغتنموا ذلك وإن كان الأظهر ما ذكرناه سابقاً ومعلومٍ أن الإنسان عليه أن يستعد للموت، قال هنا }وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{ الجميع يُحشر إلى الله ومن ثم يعاقب كل شخص بما عمل إن خيراً فخير وإن شراً فشر. {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} الفتنة هنا العذاب {وَاتَّقُوا} أي واحذروا واجتنبوا {فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} أي لا تصيب من ظلم فقط وإنما تصيب الجميع وذلك إذا كما قال ﷺ كما ثبت عنه “إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمَّهم بعقابٍ منه” إذاً إذا فُعلت الذنوب وفُعلت الفواحش ولم يحصل إنكارٌ من الصالحين فهنا إذا أتى عذاب الله فإنه يعم. لكن لو قال قائل هناك أثر من أن النبي ﷺ أخبر عن ربه من أنه لما أرسل جبريل من أجل أن يقلب قرية على رأسها من أجل ما فعلوه من الذنوب، قال يا رب إن فيهم فلاناً كان صالحاً، فقال فبه فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه من أجلي ، هذا أثرٌ ضعيف لا يصح عنه ﷺ ، ومن ثم فإن الذنوب إذا فُعلت ولم يأتي إنكارٌ لها فنزل عذاب الله عمَّ هذا العذاب الصالح وغير الصالح ، لم؟ لو قال قائل لماذا الصالح يعذب؟ لأنه ظلم كيف ظلم ؟ ظلم لأنه رأى المنكر فلم يغيره ولم ينكره ، فلما لم ينكر المنكر مع قدرته على ذلك هنا يكون ظالماً فدخل من بين من ظلم نفسه ، ولكن إذا أنكروا المنكرفإنه لا يعمهم هذا العذاب وإنما يكون على من ظلم فقط ، ولذا قال عز وجل كما مر معنا {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} قال هنا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا} تنبيه وتحذير آخر {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فهو عز وجل يُملي للظالم كما ثبت عنه ﷺ “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته” ومن ثم فإن هذه الآية عامة خلافاً لمن خصصها ببعض الصحابة في زمن ما جرى بينهم من فتن كقول الزبير رضي الله عنه فيما يتعلق بهذه الآية ، قال “كنا نظن أنها ليست فينا فإذا بها تعنينا” هذا وإن كان ثابتاً عنه رضي الله عنه إلا أن الآية عامة في كل إنسان وفي كل طائفة وفي كل حالٍ وفي كل زمن ، { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ } ذكَّرهم الله عز وجل { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ } أي أنتم قلة {مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} أي في مكة وحال خروجكم من مكة {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} و التخطف يدل على الأخذ بسرعة {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ} وهذا في أول الإسلام لما كان عدد أهل الإسلام كانوا قلة {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ} بأن مكَّن الله عز وجل لكم بالهجرة إلى المدينة {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} كما في غزوة بدر {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} أي من جميع أنواع الطيبات {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فهذا سبيلٌ إلى شكر الله عز وجل وانظر كيف بدل الله حال الصحابة رضي الله عنهم ومن ثم فإن العبد متى ما كان مؤمناً تقياً وكان في حالة بؤس أو فقر أو حالة سيئة فإنه إن صبر واتقى الله عز وجل سيغير من حاله، انظر إلى حال الصحابة رضي الله عنهم في أول الإسلام يخافون أن يتخطفهم الناس فما الذي جرى؟ مكَّن الله عز وجل لهم في أرض المدينة سكنى وأيضاً نصرهم وأيضاً رزقهم وأغدق عليهم من النعم وكل هذا يستوجب الشكر لله عز وجل. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لما أمرهم بطاعة الله ورسوله ﷺ وبالإستجابة لهما كما في الآيات السابقات ذكر هنا النهي عن الخيانة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ} بمخالفة شرعه { لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} وذلك بمخالفة أمره بحيث يأتي الإنسان بما يأتي من البدع وما شابه ذلك {وَتَخُونُوا} أي هنا نهي أي ولا تخونوا {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} أي ما اؤتمنتم عليه من حق الله عز وجل مما يتعلق بهذا الدين ومن حق المخلوقين {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وأنتم تعلمون قبح من خان وأيضاً تعلمون عظم ذنب من خان {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} {وَاعْلَمُوا} هذا ايضاً فيه تنبيه وتحذير {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} وهذا يدل على أن العبد ربما تحصل منه خيانة بسبب حبه للولد أو بحبه للأموال، ولذا قال {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي فتنة واختبار لكم وهنا الحصر كما بُين في آية أخرى ليس حصراً شاملاً وحقيقياً وإنما هو حصرٌ نسبي لأنه قال عز وجل في آية أخرى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فمن اتقى الله فيهما فهما زينة له في الحياة الدنيا ومن لم يكن كذلك فإنهما يكونان له فتنة {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ} {عِندَهُ } تدل على العظمة والقرب { وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ} أي ثوابٍ عظيم وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن ثواب الآخرة أعظم وأعظم وأعظم من نعيم الدنيا بل ليس بشيء نعيم الدنيا ، ولذا قال تعالى {وما الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} {وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ} نادى أهل الإيمان وبيَّن لهم أن تقوى الله لها ثمرات من ثمارها ؟ إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ما هو الفرقان ؟ كل ما قاله المفسرون يشمل العلم والبصيرة في الدين ويشمل النصرة و يشمل المخرج من الكروب والهموم الغموم ويشمل التأييد يعني { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} إذاً تتحصلون على العلم النافع وعلى البصيرة في الدين ويكون لكم مخرج مما أصابكم من الكروب والهموم وأيضاً تنتصرون على أعدائكم وأيضاً تكون العاقبة الحسنة لكم فمن كان صاحب حقٍ من علمٍ أو ما شابه ذلك فإن التمكين يكون له ولو طال الزمن فقال هنا { إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} أيضاً {وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي يستر عنكم سيئاتكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} هو صاحب الفضل العظيم فمن كان متقياً لله عز وجل فإن هذا فضلٌ من الله عز وجل عليه وأيضاً يدل على من ازداد في تقواه فإن الله يتفضل عليه ويزيده من فضله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي واذكر يا محمد وقت ما كان يخطط له الأعداء من كفار قريش، هل يقتلونك أو يحبسونك أو يخرجونك من مكة {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} أي ليحبسوك و يوثقوك بالسلاسل {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} أي من مكة فأجتمع رأيهم على أنهم يقتلونه وذلك بأن يأخذوا من كل قبيلة شاب فيجتمعون عليه فيقتلونه قتلة رجل واحد حتى يضيع دمه بين القبائل {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ومر معنا ما يتعلق بصفة المكر لله عز وجل في قولة تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ} لكن ماذا قال هنا ؟ {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} لأن المكر نوعان مكرٌ محمود ومكرٌ مذموم ، فإيصال العذاب لمن يستحق فهو مكرٌ محمود ولذا قال {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا} أي سمعنا قولك {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا} أي لو نشاء لقلنا مثل هذا القول الذي تقوله وهذا تدليس منهم فلو كانوا يستطيعون لصنعوا لكن هذا تدليس على ماذا؟ على الضعفاء وعلى الصغار منهم، قال هنا {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا} يعني يقولون أي ما هذا ؟ إن بمعنى ما {إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي حكايات وخرافات الأوليين كما زعموا {إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فالله عز وجل تحداهم بأن يأتوا بسورة فما استطاعوا كما ذكر عز وجل في سورة البقرة {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} وتأمل هنا لما قال هنا {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} ماذا حصل منهم؟ حصل منهم الإعراض في أول السورة إذا تليت الآيات على أهل الإيمان ماذا قال عز وجل؟ {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فشتان ما بين الفريقين { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} يعني ما أتى به محمد هو الحق من عندك {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ} وقيدوها بالسماء لمَ ؟ من باب التأكيد على أنه يكون عذاب يعني أنزل علينا العذاب إن كان الذي أتى به محمد هو الحق ، سبحان الله من طمس الله على قلبه لم يهتد إلى القول الصحيح لم يوفقوا فإنهم لم يقولوا “وإذ قالو اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأهدنا” لكن هؤلاء لظلمهم ماذا قالو؟ {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أو بأي عذاب مؤلم {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} ما كان الله ليعذب أمةً وبينها نبيها {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وذلك لأن ضعفاء المسلمين من بينهم مستضعفون وكانوا يستغفرون الله ولذا قال {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وهذا أظهر من قول من يقول من أنهم كانوا يستغفرون الله في طوافهم أي الكفار فيقولون “غفرانك” قال هنا {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ثم قال بعدها {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي ومالهم ألا يوقع بهم الله العذاب بعد خروج النبي ﷺ وخروج الضعفاء المساكين من بينهم فهم أهلٌ للتعذيب بعد خروج النبي ﷺ والمستضعفين من مكة، {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ} هذه هي الأسباب {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وهم يصدون أي يصدون غيرهم عن المسجد الحرام ، {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، فيصدون من أتى إلى هذا البيت الحرام وقال هنا {يَصُدُّونَ} بصيغة الفعل المضارع باعتبار أنهم مستمرون في صد الناس عن المسجد الحرام، ولذا قال عز وجل {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} وقال هنا {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} ولذا يصدون عن المسجد الحرام وهو ليس ملكاً لهم ولذا قال عز وجل {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} أي ما كانوا أولياء لله {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} لهذا المسجد {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} أحق الناس بهذا البيت من اتقى الله عز وجل و من اتقى الله عز وجل أيضاً هم أولياء لله {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ} أي ما كانوا أولياء لهذا المسجد {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} لا يعلمون حقيقة ما هم عليه من الكفر ولا يعلمون شدة عذاب االله عز وجل ثم قال بعدها {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} أي {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} المكاء هو الصفير و {وَتَصْدِيَةً} التصفيق بمعنى أن هؤلاء كيف يكونون ممن يَسلمون من عذاب الله ، وكيف يكونون أولياء لهذا المسجد وهذا صنيعهم عند الكعبة وهذه صلاتهم وقال هي صلاتهم باعتبار ما كانوا يعتقدونه وإلا فهي ليست بصلاة {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} أي فذوقوا العذاب بسبب كفركم .