التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (15) إلى (19) الدرس (78)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (15) إلى (19) الدرس (78)

مشاهدات: 464

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المائدة من الآية [١٥ : ١٩ ]

التفسير المختصر الشامل لفضيلة الشيخ زيد البحري – حفظه الله –

الحمد لله ر ب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى ألله وأصحابه وسلم إلى يوم الدين أما بعد: فكنا قد توقفنا عند قول الله ﷻ: المائدة – الآية 15 ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ ﴾

هذه الآية بيّن الله ﷻ مخاطبًا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كما سبق ذِكرهم في الآيات السابقات فاليهود نقضوا العهد ،والنصارى كذلك ، وهنا خطاب من الله ﷻ لهذين الصنفين اليهود والنصارى.

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رسولنا﴾: وهو النبي محمد ﷺ ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾: يبين لكم ما كنتم تخفونه بهذه الكتب التي أنزلها الله ﷻ ﴿وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾؛ أنه يتجاوز عن كثير مما أخفيتموه وهذا العفو مما أمر به الله ﷻ نبيه ﷺ أن يتركه وأن لا يبينه مما فيه مصلحة، تقتضيه المصلحة في بيانه وذلك: كإثبات أنه رسول من الله ﷻ  وما شابه ذلك مما غيّره أهل الكتاب مما ذكره ﷻ في كتابه فهذا العفو إنما هو بأمر الله ﷻ وتركه ولم يبينه من باب أنه ربما لا تقتضي المصلحة والفائدة في بيانه.

﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ وهذا النور الذى أتاكم هو: النبي محمد ﷺ وهناك من قال إن النور هو: الإسلام ولا شك أن الإسلام نور ولا شك أن النبي محمد ﷺ نور ولكن الأظهر أن النور المذكور هنا مع أنه لا يتعارض مع من قال أنه الإسلام ؛ لا شك أن الأظهر هو: النبي محمد ﷺ لأنه ذكر الكتاب بعده وبيَّنا عند قول الله ﷻ في أواخر سورة النساء ما هو هذا النور الذي وصف به النبي محمد ﷺ ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾. ما هو هذا النور الذي وُصِف به النبي ﷺ هل هو نور حسيّ أو معنويّ ورددنا على الصوفية هناك .

فقال هنا: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ وهو: القرآن فهذا القرآن نعمة من الله ﷻ عليكم وكذلك هذا النبي هو نعمة من الله ﷻ عليكم لو آمنتم بهذا النبي ﷺ وبهذا القرآن ولذا ماذا قال بعدها؟
المائدة – الآية 16 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

المائدة – الآية 16﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾: فمن اهتدى بهذا الكتاب وتابع النبي ﷺ ولعل ذكر النور هنا والترجيح من أنه هو الرسول بمعنى أن هذا الهدى لا يكون هدىً إلا إذا كان الإنسان متبعاً لما في القرآن ومتبعًا لطريقة النبي ﷺ ولعل ذكرهما لهذه المناسبة -والعلم عند الله- من باب بيان أن القرآن لا يفهم إلا على مقتضى ما جاء به النبي كما قال تعالى: ﴿أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ  خلافا لما يدعيه أهل الفرق الضالة والمنحرفة من أنهم يأتون بالنصوص الشرعية وتلك النصوص الشرعية لا يفهمونها على فهم النبي ولا على طريقته ولا على طريقة من جاء بعده من السلف.

﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾: يهدي به الله يعني القرآن ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى الكتاب وإلى النبي ﷺ لأن الهداية التي للنبي ﷺ هي هداية البيان ومن اهتدى بالقرآن فقد اهتدى بالنبي ﷺ فكلاهما. يتضمن أحدهما الآخر

وفُهِم من الآية: أن من هو حريص على اتباع رضوان الله فإن الله يهديه ويوصله إلى سبل السلام أي إلى الطرق التي يسلم بها ويسلم فيها ومن ذلك: يدخل فيه كل ما ذكره المفسرون. ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾:أي إلى طرق الإسلام وإلى الجنة لأنها دار السلام وكذلك يهدي إلى طريق الله لأن من أسمائه السلام كما ذكر ﷻ في أواخر سورة الحشر.

كأن هذه الآية تذكرنا بما مر معنا عند قول الله  : ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ ﴾  وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا﴾ فمن اتبع رضوان الله فقد اتقى الله ومن ثم فإن العاقبة له أنه يُهدى وأن الهداية لا شك أن من بينها العلم وقال هنا:  ﴿سُبُلَ السَّلَامِ﴾: مع أن السبل إذا أطلقت؛ إنما تطلق وتضاف إلى سبيل الشياطين لكن؛ سبيل الله يكون مفردًا إذا ذكر ولذا ماذا قال تعالى؟   الأنعام – الآية 153وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ فما الجواب هنا؟

الجواب هنا: أن كلمة سبل أضيفت إلى السلام فدل على أن المقصود منها هنا طرائق الإسلام المتعددة وكل طريقة تهدي الإنسان إلى السلام والسلامة فيسلم فلا تعارض هنا، فالجمع هنا باعتبار خصال وطرق الخير ولذا قال ﷻ  ونظير هذه الآية:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا  لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾  جمعها لنهدينهم سبلنا ومن الهداية كما نص على ذلك بعض السلف في قوله تعالى في لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾  العلم الشرعي فدل هذا أن ما ذكرناه من أن تقوى الله سبيل إلى أن يكون الإنسان يزداد في العلم الشرعي؛ هذه الآية أيضا تضم إلى الآيات الأخريات فقال هنا: ﴿يهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور﴾ ومر معنا الحديث عن هذه الآية عند قول الله ﷻ في سورة البقرة – الآية 257﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ وبيناّ التوضيح والبيان الشافي حول هذه الجملة.

قال هنا : (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سبحان الله فإن من اتبع رضوان الله ظفر بالمطلوب وتخلص من المكروه فهنا من اتبع رضوان الله ما هو المطلوب و ما هو النافع؟ من أنه يهدى إلى سبل السلام وتخلص من الشيء المكروه أو المكروب و الضار ﴿وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ﴾ وقيد هنا الإذن فدل هنا على: أن العبد محتاج الى الله ﷻ فلا يمكن أن يظفر الإنسان بمطلوبه ولا يمكن أن يتخلص مما يكرهه إلا بإذنه ﷻ وإلا فالعبد ضعيف ولذا قال بإذنه. ﴿وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ والصراط المستقيم هو الصراط الذى لا اعوجاج فيه ولذا ماذا قال  في سورة الفاتحة؟ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة : 6-7]

سبحان الله قال هنا [ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] قال قبلها ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ ذكر الهداية هنا -والعلم عند الله- من باب بيان أن الصراط المستقيم لا يمكن أن يكون العبد حاصلًا عليه ولا سائرًا عليه إلا إذا اتبع القرآن واتبع النبي ﷺ ولذا ” قال ﷺ كما عند مسلم تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدى كتاب الله ” و زاد الإمام مالك في موطأه (وسنته) فدل على أن الهداية لا تكون إلا عن طريق شرع الله ﷻ المائدة – الآية 17  ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ سبحان الله ذكر ما يتعلق بالنصارى فإن النصارى لم يهدوا إلى الصراط المستقيم ولذا فإن عبادتهم مبنية على هدى أم على ضلال؟ مبنية على ضلال أي على جهل فقال هنا مبينا أن من بين من لم يهدى بانصرافه عن الصراط المستقيم من هم النصارى حتى يذكر أيضا النصارى الذين في عصر النبي ﷺ بأن حالهم كحال أولئك إذا بقوا على معتقدهم السابق قال تعالى:

﴿ لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ إذا بيان أن اعتقاد أن المسيح هو الله أو اعتقاد أي مخلوق بأنه هو الله يكون هو الله يكون الكفر ؛ ثم بين ضعف أي مخلوق وضعف عيسى -عليه السلام- وضعف من في الأرض قل يا محمد قل: ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ أي من يمنع الله ﷻ ومن له القدرة لأن يمنع الله من أن ينزل ما أراده بعيسى و بأمه وبمن في الأرض جميعا ﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ لو كان عيسى إلهًا ولو كانت أمه إلها كما قال ﷻ  [وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ] هذا مذكور في آخر هذه السورة ، لو كان هؤلاء آلهة لاستطاعوا أن يدفعوا عن أنفسهم عذاب الله ولكنهم من بين سائر المخلوقين ولذا قال :

﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ ثم قال سبحان الله قلت لكم في سورة البقرة من أنه إذا نفى ﷻ  عن نفسه أن يكون له ابن ذكَر أنه مالك للسماوات والأرض ؛ قال هنا لما ذكر ما يتعلق بنفي الألوهية عن عيسى وأمه ماذا قال؟  ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة : 17] سبحان الله إذًا هو مالك للسماوات وللأرض ومن بين من في الأرض هو عيسى فهو مملوك لله ﷻ  فكيف يكون إلها وكيف تكون أمه إلها ولذلك قال بعدها ناصًّا على كلمة الخلق يخلق ما يشاء ومن بين ممن خَلَقَ خلق عيسى فأنتم وقعتم في الضلال بسبب أن عيسى خلق من أم من غير أب وأنه روح من الله وأنه كلمة الله فهنا ظننتم واعتقدتم أنه إله ﷻ  يخلق ما يشاء ومن ذلك أنه خلق عيسى من أنثى دون ذكر ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ علي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ على كل شيء قدير لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض لا يعجزه أن يهلك هؤلاء ولم يعجزه أن يخلق عيسى عليه السلام من أنثى من غير ذكر

 ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ هنا مازال السياق يتحدث عن اليهود والنصارى سبحان الله الآيات السابقة فيها إنكار على اليهود والنصارى ومن بين هؤلاء النصارى الذين زعمت منهم طائفة من أن عيسى ابنٌ لله ﷻ  هم وصلوا إلى مرحلة أخرى من الضلال..  فكما أن النصارى زعمت أن عيسى ابن الله كذلك هم واليهود قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ليس المقصود من هؤلاء من أنهم أبناء الله حقيقة؛ وإنما مقصودهم أنه هو أب لنا باعتبار العطف والحنان ونحن أبناء له باعتبار قربنا منه من حيث المنزلة.

 ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾  فهو يحبنا و يرحمنا فنحن بمنزلة الأبناء عنده فرد الله عليهم قل يا محمد لهؤلاء رادًّا عليهم قل : ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ﴾ ومن هو حبيب لا يعذب حبيبه ومن هو بمنزلة الأب لا يعذب أبناءه ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ هذه تشمل: ما مضى من أنه أوقع بهم العذاب وبأسلافهم وأيضا سيعذبكم إن بقيتم على هذه العقيدة الفاسدة فأعد لكم عذابا أليما وهذا موجود في كتبكم فدل هذا أن ما زعمتموه ضلالٌ مبين

﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ أي أنتم من جملة البشر الذين خلقهم الله ﷻ ولا فضل لكم على أحد إلا بالتقوى لكنكم لم تتقوا الله ﷻ ولذا ماذا قال ﷻ كما مر معنا في سورة البقرة – الآية 139 [ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُون ] وأنتم في حقيقة الحال لستم بمخلصين؛

﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ﴾ بمعنى أن من كان مؤمنا وقد أتى بالذنب العظيم ولكنه دون الشرك فإنه تحت مشيئة الله ﷻ إن شاء عذبه بقدر ذنبه وإن شاء رحمه وفى هذا دلالة على أنكم لستم داخلين أيضا في هذه الآية لأنكم كفار فلو أنكم أسلمتم وكانت لكم ذنوب كنتم كسائر البشر تحت مشيئة الله ﷻ ولذا قال تعالى : ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَاءُ﴾ وتأمل اليهود كما في سورة النساء {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} في سياق تلك الآيات ذكر

 ﴿ إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَاءُ]﴾.. [﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ﴾ وقدم المغفرة على العذاب باعتبار ما جاءت به الأحاديث الصحيحة: سبقت رحمتي غضبى وفى رواية غلبت رحمتي غضبى .

﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [المائدة : 18] فهو ﷻ  مالك للسماوات وللأرض  وما بينهما وأنتم يامن زعمتم هذا الزعم أنتم من بين من هو في الأرض انتم مملوكون لله ﷻ ولا فضل لكم على أحد إلا بتقوى الله ﷻ ثم قال مؤكدا لما مر: ” وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” وإليه المرجع فإليه المرجع فيحاسب كل إنسان حسب عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ .

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ علي فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة : 19]

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ مازال السياق يتحدث عن اليهود والنصارى وهنا في هذه الآية فيه إقامة الحجة عليهم يا أهل الكتاب ممن هم في عصر رسول الله ﷺ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يعنى محمدا ﷺ يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ: أي يوضح لكم على انقطاع من الرسل وذلك لأن عيسى عليه السلام هو آخر أنبياء بنى إسرائيل بعده النبي محمد ﷺ ولذا قال ﷺ كما ثبت عنه قال: ” ليس بيني وبينه نبي “. لو قال قائل هناك كما في كتب التاريخ من أن هناك خالد العبسي ذكروا من أنه كان نبيا أهذا الكلام يكون صحيحا؟ فالجواب عن هذا: وهو خالد ابن سنان كما ذكر بعض أهل التاريخ من أنه نبي فالجواب عن هذا؛ هذه الآية مع الحديث يرد ما ذكروه فليس بين النبي ﷺ وبين عيسى ﷺ أحد من الأنبياء ولو قال قائل لعلهم استدلوا بحديث عند الحاكم لما سئل عن خالد ابن سنان قال ﷺ ذاك نبي ضيعه قومه لكن الحديث لا يصح فدل هذا على: أن خالد ابن سنان كما زعموا ليس نبيا وليس بين عيسى وبين النبي ﷺ أحد من الأنبياء ، ومن ثم فإنه في تلك المدة واختلف العلماء في المدة التي بين عيسى و بين النبي ﷺ أرجحها ما جاء به الدليل عن سلمان الفارسي كما جاء في صحيح البخاري بينهما ستمائة سنة؛ هذا هو الزمن الذى هو الأرجح والأظهر من خلاف أهل العلم، ثم إن تلك الفترة ما بين عيسى وبين النبي ﷺ اندرست فيها كثير من معالم الدين إلا بعض الأشياء ولذلك النبي ﷺ كما في الصحيح قال أن الله نظر إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب ولذلك؛ تجدهم في الأحاديث ورقة ابن نوفل بناءً على ما بقي من دين الأنبياء،

 

 وكذلك ما كان ممن بقى من دين إبراهيم مما جاءت به السنة؛  فقال هنا على فترة من الرسل ومر معنا أهل الفترة ما حكمهم؟ هل هم مسلمون أم كفار؟ يعذبون أم لا يعذبون؟

مر هذا مفصلا و موضحا في سورة النساء في قوله عز وجل: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء : 165] .

﴿أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِير﴾ٍ أي لئلا تقولوا.

 (من بشير) أي يبشرهم بالخير ، (من نذير) أي يحذرهم من الشر وهنا ما نافية وأكد (تقولوا ) بمن الزائدة التي تأتى للتوكيد الأصل في غير القرآن ما جاءنا بشير ولا نذير ثم أكد ﴿فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ علي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فقد جاء الإثبات بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ من هو؟

النبي محمد ﷺ وَاللَّهُ علي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فله القدرة التامة والكاملة ﷻ ومن ذلك من أنه أرسل هذا الرسول والله على كل شيء قدير ولذلك ماذا قال الله تعالى : الأنعام – الآية 91﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ علي بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ..﴾ فدل هنا على أن اليهود والنصارى قد قامت عليهم الحجه بإرسال الرسول.