الدرس (10) أقسام المياه وأنواع النجاسات( حكم القيء ـ المغسولات ثلاثة ــ يعفى عن يسير النجاسات )

الدرس (10) أقسام المياه وأنواع النجاسات( حكم القيء ـ المغسولات ثلاثة ــ يعفى عن يسير النجاسات )

مشاهدات: 545

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – باب المياه – الدرس العاشر

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة : [الصحيح من قولَي العلماء :

أن القيء نجس أما القيح والصديد فإنه طاهر على القول الصحيح،

 وأما ما يَخرجُ من الحيوان الطاهر في الحياة من لعاب ونحوه فطاهر ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح/ هذه المسألة لها ثلاثة فروع  :

الفرع الأول/ القيء:

والقيء: اختلف العلماء في حكمه أهو طاهر أم نجس  ؟

فبعض العلماء: كابن حزم رحمه الله يرى أنه طاهر،

 ودليله: عدم الدليل، إذ قال رحمه الله : لا دليل على نجاسته.

 

القول الثاني : وهو قول كثير من العلماء  :

[ أن القيء نجس ودليلهم هو القياس ، إذ قيس هذا القيء على الغائط  ، فقالوا  : ” إنه طعام استحال إلى المعدة فأشبه الغائط  ” ] وهذا هو القول الراجح.

 

وابن حزم رحمه الله من الظاهرية والظاهرية لا يرون أن القياس من مصادر التشريع،

والصحيح: إنه من مصادر التشريع والأدلة على ذلك كثيرة محلها في أصول الفقه، ومن بين هذه الأدلة:

قوله تعالى  : { فاعتبروا يا أولي الأبصار }

وكقوله عليه الصلاة والسلام : (( وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر  ؟  فقال عليه الصلاة والسلام : أرأيتم إذا وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فقالوا : نعم ، قال فكذلك إذا وضعها في حلال ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثاني : القيح والصديد .

فالقيح والصديد اختلف فيه العلماء :

ففي إحدى روايات الإمام أحمد رحمه الله :

أنه نجس إلا أنه أخف في النجاسة من القيء .

القول الآخر : وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أنه طاهر لعدم الدليل،

 ولا يصح أن يقاس على البول أو على الغائط،

 والقيح والصديد كما هو معروف هي الإفرازاتُ التي تخرج من بعض الجروح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الفرع الثالث/ ما يخرج من فم الحيوان الطاهر في الحياة من لعاب ونحوه: فهو طاهر،

وذلك كلعاب الهر وكلعاب المأكول لحمُه.

والأدلة على هذا كثيرة، منها: ما سيأتي في بعض المسائل،

 ومنها: أن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يجدون حرجا في سيلان لعاب هذه البهائم،

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في البلوغ :

(( أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب ولعاب ناقته يسيل على أحد الصحابة )).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [الصحيح من قولي العلماء :

يُضُرُّ بقاءُ طعمِ النجاسة، أما بقاءُ اللون والريح عجْزا فإنه لا يضر ]

الشرح/ سبق معنا :

أن النجاسة الحكمية لا تزول إلا بذهاب ريحها ولونها وطعمها

فمتى ما بقي ولو نوعٌ واحدا من هذه الأمور الثلاثة: فإن النجاسة ما زالت باقية،

إلا أنه في حالة العجز: يعفى عن اللون والريح كما قال الفقهاء، أما الطعم: فلا يُعفى عن الطعم،

ولماذا فرّقوا؟ ج/ فرّقوا لأن الطعم يندر بقاؤه، بينما اللون والريح فقد يبقى مع الغَسل.

والدليل على هذا التيسير:

(( أن خولة بنت يسار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض وما يبقى منه من أثر ،

فقال عليه الصلاة والسلام : يكفيك الماء ولا يضرك أثره ))

 

أما في حالة عدم العجز: فلا يُعفى عن شيء من هذه الأمور الثلاثة،

 ويعضُدُ هذه المسألة القاعدةُ الشرعية ( المشقةُ تجب التيسير ) ، ويدل لذلك الواقع: فلو أكل إنسان وجبة دسمة وغسل يده بمنظف قد تبقى الرائحة واللون بينما الطعم لا يبقى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [ الصحيح من قولي العلماء :

المغسولات ثلاثة  وهي :

أولا : ما يمكن عصْرُه فيجب عصْرُه

ثانيا : ما لا يمكن عصْرُه فيجب تقليبُه

ثالثا : ما لا يمكن عَصْرُه ولا تلقيبه فيُدَق .

والمراد من ذلك: ذهابُ أكثرِ الماء؛ ولذا: لو صُب عليه ماءٌ كثير طَهُرَ ولم لم يُعصر ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح/ قلنا كما سبق: [ أن النجاسة يجب أن يذهب منها طعمُها وريحها ولونها ]

ثم جاء الحديث هنا عن [ الماء المنفصل من هذه النجاسة لتطهيرها ] :

فما هو الحكم في هذا المغسول مع وجود هذا الماء ؟

الجواب/ أن يقال؛ النوع الأول :

إن كان المغسول يمكن عصره فيعصر ،

لكن أين يكون عصره هل هو خارجَ الإناء ؟ الجواب: نعم يكونُ خارجَ الإناء.

وبعض العلماء ييسر في ذلك ويقول : لو عصَرَه  داخل الإناء فلا بأس

والصحيح: أنه يُعصَرُ خارجَ الإناء، وذلك لأن ما قيل ليس بمنضبط، فقد تكون النجاسةُ في هذا المغسول كثيرة والماء في الغسلة الأولى قليل فيتنجس هذا الماء.

 

النوع الثاني: ما لا يمكن عصره، وذلك كالفَرْشِ ونحوِه فهذا يُقَلَّب

 

النوع الثالث : ما لا يمكن عصره ولا تقليبُه فيُدَق

يُدقُّ بأي آلة تُفرز هذا الماء الذي غُسِلَ به هذا الشيء، وذلك كالفَرش المتصل كفرش المساجد.

 

والمراد من ذلك: ذهابُ أكثرِ الماء، لأن ذهاب كل الماء يشق ويعسُر.

وقد يكونُ المغسول مقدورا على عصره لكنه يطهر ولو بدون عصْر، وذلك إذا صُب عليه ماءٌ كثير أو وُضِعَ في غدير فإن كثرةَ الماء لا يَحتاج معها إلى عَصر لزيادة هذا الماء وغلبتِه على النجاسة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [الصحيح من قولي العلماء :

رجح شيخ الإسلام رحمه الله وتلميذه ابن القيم :

أنه يعفى عن يسير النجاسات مطلقا في المائعات والأطعمة دفعا للمشقة ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح/ هذه المسألة وهي:

مسألة يسير النجاسات: هل يُعفى عنها أو لا يُعفى؟

وقولنا [عن يسير النجاسات] يُثبت نجاستِها، فهي نجِسة، لكن لما كانت يسيرة يُعفى عنها أو لا يعفى؟

اختلف العلماء في هذا:

القول الأول : وهو مذهب الحنابلة والمشهور عنهم :

[ أنه لا يعفى عن يسير النجاسات، ويستثنون من ذلك يسيرَ الدم من حيوانٍ طاهر كبهيمة الأنعام أو كدم الآدمي على رأيهم،، شريطةَ ألا يكون هذا الدم في مائع أو مطعوم ]

يتضح ذلك بالمثال/ قالوا : ” يسير الدم “

اليسير: هو الذي لا يفحُش في نفْسِ كل شخص بحسبه ، فما لا يفحش في نظره فإنه يسير،

 وأما إذا فحُشَ فهو الكثير  .

ولكني أرى أن ضَبْطَه بالعُرف يكونُ أحسن، لأن هناك من هو موسوس فيجعل اليسيرَ فاحشا،

 وهناك المُفَرِّط فيجعلُ الفاحشَ يسيرا.

 

وقولهم  : [ دم  ] : يخرج ما عدا الدم كالبول والغائط ونحوهما ،

وقولهم  : [ من حيوان طاهر في الحياة ] :  يخرج دم الحيوان النجس في الحياة كالكلب ونحوه فإن يسير دمه نجس .

وقولهم : [ في غير مائع ولا مطعوم ] :  أي يعفى عن يسير دم الحيوان الطاهر في الحياة إذا وقع على غير مائع كالماء والعصير ، أو على غير مطعوم كالخبز وسائر الأطعمة .

 

فإذا وقع الدم مثلا على ثوب: فيعفى عنه لأن هذا الثوب ليس بمائع ولا مطعوم .

 

وأما القيء: فيرون أنه نجس لكنهم يستثنون قيءَ الغلام الرضيع، فإنه نجس عندهم ويكتفي فيه بالنضح قياسا على البول، وذلك لأن القيء أخف.

 

وقال بعض العلماء: [ في مسألة قيء الغلام الرضيع ] :

قالوا  : [ هو من النجاسات المتوسطة فيجب فيه الغَسل كبول الجارية وكغائطه ]

وذلك لأن الأصل في النجاسات يتمُّ تطهيرُها بالغَسل ، فلا يُعدل عن هذا الأصل إلا بدليل،

ولو لم يأت دليلٌ في الاكتفاء بنضح بول الغلام الرضيع لما اكتُفيَ فيه بالنضح

ولذلك لما جاء عند الترمذي وغيره : قال علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بول الغلام الرضيع : ((  ينضح من بوله  )) وهذا هو الراجح.

 

القول الثاني : أنه يعفى عن يسير النجاسات مطلقا من دم ونحوه

وهذا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، حتى قال: يُعفى عن هذا اليسير ولو كان في مطعوم،

دفعًا للمشقة، ويستدل على ذلك بأدلة، منها  :

ما هو عام ومنها ما هو خاص، فمن أدلة العموم  :

قوله تعالى :  { ما جعل عليكم في الدين من حرج }

وقوله تعالى :{ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج }

وقوله تعالى :{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }

 

ومنها  : ما هو على وجه الخصوص :

قوله عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود :

(( إذا وطيء أحدكم الأذى بخفيه ــ وفي رواية ــ : بنعليه فليدلكهما بالتراب ))

ومثل هذا الدلك لا يزيل كلَّ النجاسة.

 

ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام كما في المسند وسنن أبي داود  :

(( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه))

ولا شك أنه يبقى أثرٌ من آثار هذه النجاسة بعد الاستجمار

 

ومنها: ما جاء في الصحيحين، قوله تعالى عليه الصلاة والسلام :

(( إذا صِدتَ بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكُل ))

وهذا الصيد قد لا يَسلم من وجود بعض لعاب الكلب ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بِغَسل المصيد وما كان الصحابة يفعلون ذلك.

والأدلة كثيرة؛ حتى إنه ليَستِدل زيادة على هذه النصوص  :

يستدل بفعل بعض الصحابة : فقد جاء في سنن أبي داود أن عائشة رضي الله عنها قالت :

( كانت لإحدانا الدرع تحيض فيه فترى قطرة الدم فتبلها بريقها)

 ولا شك أن الريق لا يحصل معه تطهير كافي .

ويُستدل أيضا بالقاعدة الشرعية : [ المشقة تجلب التيسير ]

فلهذه النصوص وغيرِها اختار رحمه الله هذا القول .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وفي نظري: أن هذا العفو ليس على إطلاقه

بمعنى: لو رأى الإنسان يسيرا من البول أو يسيرا من الغائط

في رأيي: أنه لا يصلي فيه بناءً على أنه يسير، لأن النصوص المذكورة إنما جاءت في شأن مَن يقعُ عليه الحرج لو أمِرَ بِغَسْلِ يسيرِ النجاسة، وذلك مِثلُ الحائض فالدمُ معها يتكرر، مِثلُ مَن به سَلَسُ بول فإنه يُعفى عن يسيرِ بوله دفعًا للمشقة،

 وليس معنى هذا أن المُعافى تأتيه حالةٌ طارئة فيرى نجاسةً يسيرةً فيدعُها!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ