بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (105) من الفقه الموسع
– من شروط الصلاة اجتناب النجاسة (4)
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسائل متعلقة بـ: [من المواطن التي لا تصح فيها الصلاة]
الحُش: وهو مكانُ قضاء الحاجة
وعلل العلماء بتحريم الصلاة في هذا المكان مع بطلان الصلاة فيه بما يأتي:
أولا: لأنه مأوى الشياطين.
وقد مر معنا في حديث عليّ رضي الله عنه:
” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ “
ولذا: حرِص ﷺ كما مر معنا في قصة نومهِ ﷺ في خيبر أنه أمَرَ الصحابة أن يرحلوا، وعلل بقوله:
” هذا مكان حضر فيه الشيطان “
الأمر الثاني: أنه مَحَلٌّ للنجاسة، ومَحَلٌّ للخبث، ومعلومٌ أن الصلاة لا تصح في المكان النجس.
بالنسبة إلى الحُش: ليس هناك دليل منصوص على الحش فيما أعلم ولكن ما ذكره العلماء في مَحَلِّه،
ويقويه ما جاء عند ابن ماجه مرفوعا:
” إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضِرَةٌ، فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ، وَالْخَبَائِثِ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل: [ما حكم الصلاة في الحمام؟]
اختلف العلماء في هذه المسألة:
قال بعضُ العلماء – ويُنسَبُ هذا الرأيُ إلى جمهور العلماء – قالوا: إن الصلاة في الحمام جائزة، ويستدلون على ذلك بعموم قوله ﷺ: ” جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً “
القول الآخر: أن الصلاة في الحمام محرمة، ولا تصح في نفس الوقت، ودليلهم ما مر معنا قوله ﷺ:
” الأرضُ كلُّها مسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ “
وأجاب الجمهور عن هذا الحديث:
ـــ إما بِضَعفِه عند بعضهم كما مر معنا أو – وهو قول لبعضهم -:
هو محمول على حمام نجس، وليس على عموم الحمامات.
والصواب: أن الصلاة في الحمام لا تجوز ولا تصح، لوجود النص القاطع بهذا.
فيكون قوله ﷺ: ” الأرضُ كلُّها مسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ “،
مخصصا لعموم ما جاء في الصحيحين: ” جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً “،
أما الجواب عن جوابهم في الحديث:
فيقال: ما قيل إن فيه اضطرابا فقد رُد من قبل شيخ الإسلام وغيره من المحققين، من أن الحديث لو تُتبعت طرقه حق التتبع لما قال مَن ضّعفه بضعفه.
وأما قولُ بعضهم: بأن الحديث محمول على الحمام النجس:
فيجاب عنه: بأن النبي ﷺ عمم، ولم يقل حماماً نجسا
ويَرد توجيههم: بأن المكان النجس لا تصح الصلاة فيه -قطعا- لا الحمام ولا غير الحمام.
فدل على: أن تنصيص النبي ﷺ على الحمام يدل على أمر يتعلق بهذا الحمام.
ولو قال قائل: ما الحكمة في كون الحمام لا تصح فيه الصلاة؟
ج/ قد قيل: بأنه عُرضةٌ للنجاسة.
وقيل: لأن عورات البعض تنكشف فيه.
وسبق معنا: أن مِثل هذه الحِكم إذا لم تكن منصوصة في النص فإنها قابلة للقَبول والرد،
ثم إنها لا تنحصرُ فيما ذكره العلماء السابقون، فقد يأتي عالم في هذا العصر ويأتي بحكمة أخرى؛ لأن الحكم كثيرة في المأمور أو في المنهي عنه.
ومِن ثَم: فإن المسلم يجب عليه أن يمتثل الأمْرَ بالفعل، والنهيَ بالترْك، دون النظر إلى الحكمة.
فقد سبق معنا: أن الحكمة هي أمر الشرع أو نهيه، قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ] الأحزاب -36[
وعائشةُ -رضي الله عنها- كما في الصحيحين لما سألتها تلك المرأة:
ما بالُ الحائض تقضي الصَّوم ولا تقضي الصَّلاة؟
ما قالت رضي الله عنها: إن الصلاة تتكرر وتكثر فتكون مشقة، بينما الصوم لا يتكرر وتنتفي معه المشقة في قضائه، مع أنها حكمة في محلها لكنها رضي الله عنها ردت السائلة الى أعلى الحكم:
فقالت: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ “
والحكمة لا يمنع أن يُسأل عنها، لأن هناك حكايات ووقائع حصلت للصحابة مع رسول الله ﷺ وسألوا عن الحكمة:
ــ مثل ما جاء عند مسلم وغيره لما قال ﷺ للنساء: ” إِنِّي رَأَيتُكُنَّ أَكثَرَ أهل النَّارِ “
فقالت امرأة جزلة لِمَ يا رسول الله؟ فسألت عن علة الحكم
حكم على أن أكثر أهل النار هم النساء فسألت عن الحكمة ولم يوبخها ﷺ بل أجابها فقال: “يكفرن العشير” …الحديث
لكن المذموم هو:
أن يبقى الإنسان غيرَ ممتثلٍ للأمر بالفعل، أو غير ممتثل للنهي بالترك حتى تستبين له الحكمة!
فالواجب أن يأتمر إذا أُمر وينتهي إذا نهي، بقطع النظر عن معرفته للحكمة؛ لأنك عبدٌ لله عز وجل
فما عليك إلا أن تسمع وأن تطيع، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ] النور -51[
فإذا عبدتَ الله عز وجل ولو من غير معرفة للحكمة كان هذا أبلغ في الامتثال واليقين، وإذا علمتَ الحكمة مع عملك بهذا الأمر أو بتركك لهذا النهي كان أبلغَ للاطمئنان.
فالصواب إذاً في هذه المسألة: أن الصلاة في الحمام لا تصح ولا تجوز.
وقد يُستدل بحديث: ” الأرضُ كلُّها مسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ “
يستدل به – من باب القياس الأولوي – يستدل به على تحريم الصلاة في الحش
لأن الحُش هو: مكان قضاء الحاجة.
بينما الحمام الوارد في الحديث المقصود منه هو:
المكان المُستَحَم، أي: المُغتَسَل الذي يغتسِلُ فيه الناس
فإن هناك حمامات في الماضي كان الناس ينزلون إليها في السُّفُل وتنبعث منها حرارة، ويحرصون عليها لاسيما في أيام الشتاء.
فإذا كان الحديث نص على تحريم الصلاة في الحمام فمن باب أولى أن يكون الحكم في ((الحش)).
فائدة: صح عند ابن ماجه: قوله ﷺ: ” إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ ” فهذا الدليل يؤكد القياس الذي قِسناه مسبقاً -من أن الصلاة في الحش لا تجوز؛ لأنها مأوى الشياطين، ولكنه ليس نصاً صريحاً في الموضوع، وإنما هو عن طريق القياس لأننا قِسنا الحُش على الحمام.
والعلة في الحمام قيل: النجاسة؛ وقيل: كشف العورة؛ وقيل: مأوى الشياطين.