الدرس ( 106 ) شروط الصلاة ـ اجتناب النجاسة ( 5) ( حكم الصلاة في معاطن الإبل والغنم والبقر وعلى الحمار)

الدرس ( 106 ) شروط الصلاة ـ اجتناب النجاسة ( 5) ( حكم الصلاة في معاطن الإبل والغنم والبقر وعلى الحمار)

مشاهدات: 622

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (106) من الفقه الموسع

من شروط الصلاة اجتناب النجاسة (5)

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة أخرى:

[ الصلاة في أعطان الإبل ومباركها؟ ما حكم ذلك؟]

اختلف العلماء في هذه المسألة:

فبعض العلماء يرى: أن الصلاة في مَبارِكِ الإبل أنها صحيحة، وأن النهي الوارد فيها للتنزيه لا للتحريم.

قال ابن حجر -رحمه الله- ولعل هذا هو الأولى.

 

لو قال قائل: لماذا قال ابن حجر -رحمه الله- هو الأولى؟

الجواب عن هذا يأتي في بيان ذكر الحكمة من النهي عن الصلاة في أعطان الإبل.

 

القول الثاني: أن الصلاة في أعطان الإبل محرمة، ولا تصح الصلاة فيها.

لأن ﷺ كما جاء عند مسلم قال: ” صلُّوا في مرابضِ الغنمِ، ولا تُصلُّوا في أعطانِ الإبلِ “.

 

فيكون هذا الحديث مخصصا لعموم قوله ﷺ: ” جُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا “.

 

قبل الترجيح/ لو قال قائل:

هُنا أمْرٌ بالصلاة في مرابض الغنم، أهذا الأمر للوجوب من حيث الأصل وهو أن الأصل في الأمر يقتضي الوجوب؟

فيُجاب عن هذا بأن هناك مسألة أصولية اختلف فيها علماء الأصول:

وهي عبارة عن قاعدة وهي:

هل الأمر الوارد بعد النهي يقتضي الإباحة؟ أم أنه يعود إلى ما كان عليه في الأصل؟

فإن كان في أصله مباحاً كان مباحا

وإن كان واجباً كان واجبا وهلم جرا.

فبعض العلماء قال بالقول الأول: وهو أن الأمر الوارد بعد النهي يقتضي الإباحة

فيكون الأمر هنا في هذا الحديث للإباحة.

 

لِمَ ذَكَر النبي ﷺ مرابض الغنم؟

الجواب: دفْعا لما قد يُتوهم من أن الغنم تأخذ حكمَ الإبل.

 

وأما على القول الثاني للأصوليين:

هو أن الأمر بعد النهي يقتضي ما كان عليه قبل النهي، فيكون أيضا للإباحة.

لكن أيوجدُ مثالٌ على أن الأمرَ الواردَ بعد النهي اقتضى خلافا الإباحة؟

نقول: نعم، وهذا هو الصواب في هذه المسألة الأصولية، وهو أن الأمر بعد الحظر يعود لما كان عليه.

مثالُه/ قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ] التوبة -5[   

فالأمر بالقتل هنا للوجوب، مع أن الذي قبله نهي؛ لمَ؟ لأن الأصل في قتال الكفار من حيث الحكم الشرعي الأصل فيه الوجوب {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} ] الأنفال -39[   

فيكونُ الراجح في هذه المسألة:

أن الصلاة في أعطان الإبل لا تجوز ولا تصح، للدليل الذي أوردناه،

 وكما قلت لكم القاعدة في الأصول:

أن جهة الأمر والنهي إذا كانت متحدة فإنها تقتضي البطلان؛ لأننا:

ـــ مأمورون بالصلاة، هذا جهة الأمر.

ــــ ومنهيون عن الصلاة في أعطان الإبل، هذه جهة النهي.

فنجد أن جهة الأمر والنهي اتحدتا فيكون الحكم هو عدم الصحة: لقوله ﷺ – كما عند مسلم – “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” يعني: (مردود)

 

أما مثال:

كون الأمر غيرَ جهة النهي سيأتي -في مسألة قادمة بإذن الله تعالى-

 

ولو قال قائل: على هذا الترجيح: ما هي معاطن الإبل؟

فالجواب: أن معاطن الإبل هي: مَبارِكُها التي تأوي إليها عند رجوعها مِن المرعى.

وبالتالي: لو أنها بَرَكَت في مكان لعارض، وأراد، أحدٌ أن يصلي في هذا المكان الذي بركت فيه لعارض كاستراحة أو نحوها كما يحصل في الصحراء، أحيانا تبرك الناقة ثم تقوم، فَصُلِيَ في هذا المكان أو أُرِيدَ أن يُصلى فيه؟

فالجواب: أن الصلاة صحيحة؛ لأن هذه الحالة لا تدخل ضمن الحديث، فالنبيُّ ﷺ نص على المبارك والأعطان.

 

لو قال قائل:

لو أن هذا المَبرَك لا يوجد فيه إبل بمعنى: أنه صُلِيَ فيه والإبل قد خرجت للمرعى؟

فالجواب عن هذا: أن الحكم هو هو لا يختلف

لأن النبي ﷺ نهى عن الصلاة في معاطن الإبل ولم يحدد ولم يعين: أهي موجودةٌ أو غير موجودة؟

فدل على أن: الحكم متعلق بالمكان، وليس متعلقا بالإبل ذاتها.

ولمَّا لم يكن متعلقاً بالإبل ذاتِها من حيث الصلاة اختُلِفَ في الحكمة،

ومن هذه الحكمة: جنح بعض العلماء إلى أن النهي للتنزيه.

 

أولا/ في قضية الحكمة كما ذكرتُ آنفا: يُنظر فيها إلى الشرع من حيث الأمر ومن حيث النهي، بقطع النظر عن الحكم الأخرى.

فبعض العلماء قال: إن الحِكمة تعبدية -وسبق أن أوضحت كلمة تعبدية-

نحن نقول: إذا قال العلماء هذا الحكم تعبدي فالمقصود منه ((أن تتعبد لله عز وجل))

لأن المتفق عليه بين العلماء:

أنه ما من أمرٍ شرعي أو نهي شرعي، إلا ويتضمنُ مصلحة أو يدفع مفسدة، لأن المُشرع هو الله عز وجل، والله عز وجل حكيم، فليست هناك أوامر أو نواهي خالية من الحكمة

ما من أمر شرعي أو نهي شرعي إلا وله حكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها؛ لأن الله عز وجل قال:

{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ] الإنسان -30[   

فدل على أن مشيئته بالأمر لنا أو بالنهي لنا صادر من علم وحكمة، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}

 وليس عن عبث؛ لأن ابن آدم قد يأمر ويكون أمره عبثا وقد ينهي ويكون نهيه عبثا،

لكن الخالق عز وجل لا يأمر ولا ينهي إلا لِحِكْمه.

إذاً هناك حكَم في الأمر والنهي.

ــــــ

واصطلح العلماء: على أن الحكمة إذا لم تتضح لهم يقولون: هذا تعبدي

بمعنى: ما عليك إلا أن تتعبد الله عز وجل بامتثال هذا الأمر أو بترْك هذا النهي.

 

قال بعض العلماء:

إن الحكمة في النهي لأن أعطان الإبل نجسة.

وهذا هو قولُ للشافعي -رحمه الله- وسبق معنا في كل ما يؤكل لحمه فبوله، وروثه، ومنيه، وقيؤه، طاهر عند جمهور العلماء ما عدا الشافعي فإنه لا يرى الطهارة.

 

فيقولون: إن أعطان الإبل وأرواثها نجسة، والإنسان مأمور بأن يجتنب النجاسة في أموره كلها فكيف بالصلاة.

ويجاب عن هذه الحكمة بأمور:

أولا: أن هذا مردود بأمْرِه ﷺ بالصلاة في مرابض الغنم فإن في أعطانها وأماكنها روثا.

الأمر الثاني: ما جاء في الصحيحين في قصة العُرَنِيين، -وسبقت معنا- أنهم قومٌ وفدوا على النبي ﷺ فاجتووا المدينة، يعني: لم يناسبهم جو المدينة؛ لأنها كانت موبوءة بالحمى فشكوا مرضا في بطونهم فأمرهم ﷺ أن يخرجوا إلى إبل الصدقة؛ لأنها ترعى في الصحراء العشب المتنوع وتتحرك، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فدل على طهارتها.

 

قد يدخل علينا من قال بأن الحكمة هي النجاسة، قد يقول: لا نسلم لكم في هذا الحديث، لم؟

قال: لأن هؤلاء مرضى، والمرض قد يُستباحُ معه المحرم دفْعا لضرورته.

فيجاب عن هذا: بأن يقال إن بعض العلماء قال: لا ضرورة في دواء

وبالتالي: فإن الإنسان لو نُصِح باستخدام نجاسة لإزالة مرضه بشربها أو أكلها فلا يُقْدِمْ؛ لأن العلاج غير متيقن في هذا الدواء، ولأن هناك أدوية أخرى تُغني عن هذا الدواء، لأن وسائل العلاج متعددة: أهي وسيلة واحدة أم أنها وسائل؟!

ج/ وسائل متعددة.

ولذا: قد يكون للمرض الواحد ولاسيما في هذا العصر قد يكون للمرض الواحد آلافُ العلاجات.

 

الجواب الثاني/ لو سلمنا بأن شربهم من أجل دفع المرض

فيجاب عن هذا:

بأن النبي ﷺ لم يأمرهم بأن يغسلوا الأواني التي شربوا فيها.

ومِن ثَم: فإن هذه الحكمة ضعيفة

فإذا كان هذا المكان قد هُجِرْ ولم يبقى محلا لأعطان الإبل أو لمباركها فإن الحكم يزول فتصبح كالأماكن الطاهرة، ودليل هذا: أن الشرع حذر من الصلاة في المقابر تحذيراً بليغا -وقد مر معنا في الدرس الماضي، ومر معنا في التوحيد-

 

ومع ذلك كما جاء عند البخاري:

” رأى النبي ﷺ أرضا بها مقابرُ بعضَ المشركين، فساوم أهلَها على أن يتخذ فيها مسجدا الذي هو مسجده، فقام النبي ﷺ بنبش القبور وتسوية الأرض وشرع في البناء مع الصحابة -رضي الله عنهم-

مع أن هذا المكان في أصلِه مقابر أو مقبرة، فدل على:

 أنه متى ما هَجَرتْ الإبل هذا المكان فلا اعتداد به.

 

قال بعض العلماء: إن الحكمة في النهي عن الصلاة في مبارك الإبل شدة نفورها، وفيها من الغِلظة ما يجعلها تصيب هذا المصلي بأذى، أو تشوش عليه صلاتَه.

والجواب عن هذه الحكمة:

أن هذا منتقض بمرابض الغنم، فإنها قد تصيبُ المصليَ بأذى أو تشوش عليه صلاتَه.

ومن ثم: فإن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- جعل هذه الحكمة حكمةً ضعيفة

ولكن الصواب أنها ليست ضعيفة ذلك الضعف، لِمَ؟

لأنه ورد في حديث أن النبي ﷺ علل فقال:

” لَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل؛ لِأَنَّهَا من الْجِنّ خلقت، أَلا ترَوْنَ إِلَى هيآتها وعيونها إِذا نَفرت “

فعلل الحكمة بنفورها وشِدتها،

فتكون علة التشويش ضعيفة، لكن علة النفور لها وجهتها، ولا تقُاسُ على الغنم، ولا يُقاسَ عليها الغنم؛ لأن الغنم فيها سكينة، ولذا قال ﷺ كما عند البخاري:

” السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ، والجَفاءُ وغِلَظُ القُلُوبِ فِي الفَدّادِينَ أهْلِ الوَبَرِ “

 

وأخبر ﷺ أن الشاة مِن بهائم أهل الجنة:

” صلُّوا في مُرَاحِ الغنمِ، وامْسَحُوا رُغَامَها، فإنَّها من دَوَابِّ الجنةِ “

والأحاديث في الغنم كثيرة

 

وحتى من خلال الحس والواقع فرْقٌ في الغلظة بين الإبل وبين الغنم.

لو قال قائل: إن هذا قد ينتفي بخلو المكان من الإبل؟!

فيجاب عن هذا:

أن النبي ﷺ لمَّا ذكر نُفْرتها ذكر تلبس الشيطان، بها وأنه على ذروة كل بعير شيطان، فأصبحت العلة مركبة من أمرين:

ـــ من الشيطنة

ــ والنُّفْرَة

وهما صفتان متلازمتان

لأن طبيعة الشيطان: العجلة والنُّفرَة والشدة.

وهذا واضح في كيفية تلقي الشيطان لأمر الله عز وجل حينما أمَرَ إبليس أن يسجد لآدم

فالنفرة التي هي ملاصقة للغضب هذه من صفة الشيطنة.

وجوابٌ آخر:

وهو أن النبي ﷺ ذكر النهي عن أعطان الأبل معمماً، لكن الغالب في هذه المبارك أن يكون فيها إبل، فلو قيل بهذا المدخل لنقول: إن الغالب في الإبل أن يكون حالُها في مباركها -أو يكون بعضُها- في مباركها.

فذِكْر النفور وذكر الشدة بناء على غالب وجود هذه الإبل.

 

الحكمة الأخرى:

وهي حكمة يراها شيخ الإسلام -رحمه الله- فيقول:

إن العلة والحكمة هي الشيطنة في الإبل بخلاف الغنم؛ وذلك لأن الإبل خلقت من الشياطين، كما جاء في مسند الإمام احمد وسنن النسائي وابن ماجه فقال ﷺ: ” خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ “

وكذلك الحديث الآخر: قوله ﷺ: ” عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ “

وفي مسند الإمام أحمد قوله ﷺ:

” لَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل؛ لِأَنَّهَا من الْجِنّ خلقت، أَلا ترَوْنَ إِلَى هيآتها وعيونها إِذا نَفرت “،

فتكونُ العلةُ هي الشيطنة وكونُها من الجن.

 

وأما النفرة علامة أنها خلقت من الشياطين لأنه قال: ” أَلا ترَوْنَ إِلَى هيآتها وعيونها إِذا نَفرت

فهذه قرينةٌ ودلالةٌ على أنها من الجن.

هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-

وهي علةٌ قوية ولكن الإمام البخاري -رحمه الله- لمَّا بوب في صحيحه قال:

((باب الصلاة في مواضع الإبل))

وذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه روى عنه نافع قال: رأيتُ ابنَ عمر يصلي إلى بعيره فقال ابن عمر: رأيت النبي ﷺ يفعل ذلك.

يقول ابن حجر -رحمه الله-:

 كأن الإمام البخاري -رحمه الله- يجنحُ إلى أن قول من يقول بأن الحكمة والعلة هي الشيطنة ليس بصحيح، وذلك لو كان الأمر كذلك لما صُلي إلى البعير، وجعل البعير في قبلة المصلي.

وكذلك ما جاء عند البخاري:

أن النبي ﷺ كان يصلي النافلةَ على بعيره.

ولذا قال بعضُ العلماء من أجل هذا: كان الحديث الذي فيه النهيُ عن الصلاة في مواطن الإبل أنه للتنزيه وليس للتحريم.

وبالتالي قال ابن حجر -رحمه الله-: وهذا هو الأولى.

وما ذكره ابن حجر -رحمه الله- قولٌ يمكن قبوله لو كان النص الذي ورد فيه النهي هو: الصلاةُ على البعير أو إلى البعير، لكن النهي الوارد هنا: نهيٌ عن الصلاة في معاطن الإبل.

ومن ثَم: فإننا لا نلجأ إلى القول بالكراهة دون التحريم من أجل عدم ظهور العلة ظهوراً واضحا،

ولا شك أن ما ذكره ابنُ حجر مبينا ما ذهب إليه البخاري -رحمه الله- لا شك أنه يُوهن ما ذهب إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- وذلك لأن في بعض الروايات: ” عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ “

 

فنخلص من هذا:

إلى أن النهي باقٍ على التحريم، وأن الصلاة لا تصح في معاطن الإبل.

وأن العلة إن لم تظهر فإنها تكون كما قال أصحابُ القول الأول:

 هي تعبدية فيجب أن نمتثل بهذا النهي ترْكا.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وبالمناسبة كفائدة عرضية لما ذُكِرَ البعير:

اختلف العلماء: هل صلى النبي ﷺ على الحمار أم لم يصلِ؟

شيخ الإسلام -رحمه الله- وجملة من العلماء يرون أن النبي ﷺ لم يصل على الحمار.

وما جاء عند مسلم: ” أن النبي ﷺ صلى على حمار ” قال شيخ الإسلام كما في الاختيارات:

” إن عَمْرو المازني قد غَلَط حينما ذَكَر أن النبي ﷺ صلى على الحمار، وإنما المعروف أنه صلى على البعير أو الراحلة، وأن الذي صلى على الحمار هو: أنس وليس هو النبي ﷺ “

ولذا قال -رحمه الله-: ” ولهذا لم يذكر البخاري حديث عَمْرٍو هذا “

 

وذهب بعض العلماء – وهو مما يظهر من كلام ابن حجر-رحمه الله-:

 – ذهب إلى أن النبي ﷺ صلى على الحمار، قال: ويشهدُ له ما جاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه رأى النبي ﷺ يصلي على الحمار وهو ذاهبٌ إلى خيبر.

قال: وله شاهد من حديث عَمْرو في صحيح مسلم.

ولذا قال النووي -رحمه الله-  

” إن تغليط الثقات مما لا ينبغي، فلعله ﷺ صلى على الحمار مرة، وعلى البعير مرة “

 

وعلى كل حال سواء كان ﷺ صلى على الحمار أم لم يصل، فإن الصلاة على الحمار صحيحة.

لِفِعل أنس -رضي الله عنه-، ولذا لم يُنكر على أنس -رضي الله عنه-

ولذا جاء عند البخاري عن ابن سيرين أنه قال:

” استقبلنا أنسا حين قَدِمَ من الشام فرأيته يصلي على حمار، ووجهُه عن يسار القبلة “

فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة؟ فقال: لأني رأيت الرسول ﷺ يفعله.

 

ولذا قال بعض العلماء:

يستدل بصلاة أنس على الحمار، أو بصلاة النبي ﷺ على الحمار إن ثبت، قالوا: يستدل به على صحة الصلاة على المركوب النجس.

فيجاب عن هذا:

بأن هذا القول لا يثبت إلا إذا أثبتنا أن الحمار نجس -وسبق معنا- مسألة طهارة الحمار من عدمها.

ورجحنا فيما مضى:

أن الحمار طاهر في ظاهره، وأن عرقه وريقه وما يخرج من فمه طاهر

أما فضلاتُه: فإنها نجسة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا فائدة أخرى -ذُكرت فيما سبق-

مسألة: نقض الوضوء بأكل لحم الإبل

وقد ذُكرت قصةٌ باطلة حَكمَ عليها الألباني -رحمه الله- في السلسة الضعيفة بأنها باطلة:

أن النبي ﷺ والصحابة أكلوا لحم جَزور، وكان يخطُبُ بهم فخرجت ريحٌ مِن أحدِهم، فأمَرَ ﷺ مَن أكل لحم جَزور أن يتوضأ؛ حتى لا يُحرج هذا الذي خرجت منه الريح!

وهذه قصة باطلة؛ لأنها تنفي الحكم بنقض الوضوء من لحم الإبل

فكأن الأمر مبني على عدم إحراج النبي ﷺ لهذا الصحابي!

ولكن القصة باطلة، وما بُني على الباطل فهو باطل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: هذا حكم الإبل، وهذا هو حكم الغنم -لكن قلنا:

 إن الغنم، إن الأمر بالصلاة في مرابضها للإباحة.

لو اعترض معترض: فقال إن النبي ﷺ علل فقال: إنها بركة، أفلا يدل هذا على الاستحباب أقل ما يكون؟

فيجاب عن هذا: أن قوله ﷺ:”إنها بركة” في مقابل قوله ﷺ في الإبل: “إنها من الشياطين”

في مقابل قوله ﷺ: ” الجَفاءُ وغِلَظُ القُلُوبِ فِي الفَدّادِينَ أهْلِ الوَبَرِ “

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولو قال قائل: هذا هو حكم الإبل والغنم، فما هو الحكم في البقر؟

فالجواب عن هذا:

أن بعض العلماء نقل إجماعَ العلماء على أن البقر كالغنم في الحكم.

كما نقل ذلك ابن المنذر

لكن يُعكر عليه: أنه جاء في المسند من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابض البقر والإبل.

فهذا الفِعل يدل على أن البقر ليس كحكم الغنم وإنما هو كحكم الإبل.

ولكن هذا الحديث ضعيف ضعفه ابن حجر -رحمه الله- في الفتح.

وبالتالي فإن الحكمَ يبقى على ما هو عليه

وهو ما نُقِل من إجماع وما هو على الأصل، والأصل:

أنه لم يرد حديث في النهي عن الصلاة في مرابض البقر.

 

ولو قال قائل: يمكن أن يقال:

 إن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لما سئل عن البقر: قال: وهل هي إلا من البُدن؟

فالجواب عن هذا: أنها مثل الإبل فيما قرره الشرع، وذلك كإجزاء الواحدة في الأضحية وفي الهدي عن سبعة كما هو الحكم في الإبل.