بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (108) من الفقه الموسع
من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدثنا عن الأماكن التي لا يجوز الصلاة فيها، بقينا في مسألة أسطُحِ تلك الأماكن:
سطوحها ما حكم الصلاة فيها؟
الجواب عن هذا، نأتي إليه مفصلا حسب ما سبق:
أولا: سطح المقبرة:
سطحُ المقبرة لا تصح الصلاة فيه، فلو تُصُورَ أن للمقبرة سطحا فلا يجوز الصلاة في هذا السطح؛ لأن العلةَ هي ذريعةُ الشرك بالله عز وجل.
وبالتالي: نعرف أن العلة بالنهي عن الصلاة في المقابر هي النجاسةُ المعنوية لا النجاسةُ الحسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتينا سطح: الحُش:
والحش هو: المكان المُعَدُّ لقضاء الحاجة
هذا السطح اختلف فيه العلماء:
فالمشهور من المذهب: أن الصلاة على الحش لا تصح.
ومِن ثَم: لو أن إنسانا صلى على سقف بيارة:
فإن صلاته لا تصح على المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-
ودليلُهم: أن النبي ﷺ كما سبق قال: ” الأرضُ كلُّها مسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ “
والحُش من باب أولى.
ومن ثم: فإن سطح الحُش تابع للأصل، وذلك لأن القاعدة أن الهواء تابعٌ للقرار.
القول الثاني: أن الصلاة على سطح الحش جائزة وصحيحة.
والدليل هو عموم قولِ النبي ﷺ: ” جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً “
وهذا السطحُ طَهور ليس به نجاسة، ولا يصدق عليه أنه حش
والأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل هو: الطهارة.
وهذا هو القول الصحيح.
ـــــــــــــــ
أما قولُهم: إن الهواء تابع للقرار، فيجاب عنه:
أن الهواء تابع للقرار في المُلك لا في الحُكم
فإن الإنسان له هواءُ داره إلى السماء الدنيا، ولا يجوزُ لأحد أن يعتديَ عليه،
فلو أن جاراً له بنى سبعة أدوار وأمال بعض الأدوار إلى هواء قرارِ جارِه فإنه لا يجوز له إلا بإذنه فللإنسان هواءُ قراره إلى السماء الدنيا، إذاً: هذا الضابط يسري على المُلك لا على الحُكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتينا سطح الحمام:
والقول فيه كالقول في الحش نزاعاً وترجيحاً وأدلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتينا أسطح أعطان الإبل:
المسألة فيها كالمسألتين السابقتين جملةً وتفصيلا؛
وذلك لأن الإبل لا تبرُك في الأسطح وإنما تبرك في معاطنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتينا سطح المغصوب:
والقول فيه كالقول في المسائل الثلاث السابقة من حيث النزاع، ومن حيث الدليل، ومن حيث الترجيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل: هذا هو حكم الصلاة على أسطح هذه المواضع
فما الحكم لو إذا صلى إلى هذه المواضع، فأصبحت هذه المواضع في قبلتِه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
المشهور من مذهب الإمام أحمد:
أن الصلاة تصح ولكن مع الكراهة؛ قالوا: لأنه استقبل ما لا تصح الصلاة فيه.
القول الثاني: أن الصلاة تصح إلى هذه المواضع من غير كراهة؛ وذلك لعموم قوله ﷺ في الصحيحين:
” جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً “،
وبالتالي: فإنه جائزٌ مع عدم الكراهة؛ وذلك لأن الأصل عدمُ الدليل على الكراهة.
وقولهم هذا يُشبه قولهَم في مسألة سابقة:
وهذا شامل لجميع ما سبق من الحمام، والحش، وأعطان الإبل ونحوها.
لكننا نستثني أمراً وهو: المقبرة، فلا يجوز الصلاة إليها، بل لا تصح الصلاة إليها:
لما جاء في صحيح مسلم: قوله ﷺ: ” لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا “
لو قال قائل: هَبْ أن هذه المقبرةَ دُفِن فيها شخص واحد فما الحكم؟
ج/ على الراجح: لا تصح، لو دفن اثنان: كذلك.
لو قال قائل: لو أنه استقبل في صلاته المقبرة، وبينه وبين المقبرةِ مسافةٌ طويلة، يصُدُق عليه أنه غيرُ مستقبلٍ للمقبرة لوجود المسافة الطويلة، فما الحكم؟
فالجواب/ أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما، وبالتالي: فإن الصلاة صحيحة.
لو قال قائل: لو أن هناك جداراً بينك وبين المقبرة؟
فالجوابُ عن هذا: إن كان هذا الجدارُ غيرَ جدارِ المقبرة: فإنه لا يصدق عليه أنه مستقبلٌ للمقبرة، لوجود الفاصل، وبالتالي: تصح صلاته.
وكلُّ هذا إذا خلا القلبُ من تعظيم مَن في القبور، أما إذا وُجِدَ شيء مِن هذا في القلب، فإنه لو كان بينه وبين المقبرة عشرات الكيلوات.
وأما إذا كان الجدار هو نفس جدار المقبرة، فإن الصحيح: أن جدارَ المقبرة تابعٌ للمقبرة،
وبالتالي: فلا يجوز له أن يصلي تجاه المقبرة.
دليلُ هذا الجدار: ما صُنع بقبر النبي ﷺ، فإن الأمة مجمعةً على صحة الصلاة في هذه المواطن التي يكونُ بيتُ عائشة -رضي الله عنها- أمام المُصلّي، لكنه أُحِيط كما سبق بثلاثة جدران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ كره الفقهاء -رحمهم الله- الصلاةُ في مكانٍ فيه رَحى]
الرحى: مصنوعة مِن حَجَرَين، أحدُهما على الآخَر، وفيهما فُوَّهة لِطَحنِ الحَب.
فكرِه الفقهاءُ -رحمهم الله- الصلاةُ في مكانٍ فيه رَحى، ومقصودُهُم:
إذا كانت هذه الرحى يُعمَلُ فيها؛ أما إذا كانت رحًى لا تُستخدم فلا تدخُلُ هنا.
إنما الداخلُ هنا هو: الاستعمالُ لهذه الرحى؛ وذلك لأن صوتَ الرحى تُشغِلُه، وكلُّ ما أشغَلَ المصلي فيُكرَهُ له أن يفعله.
ولذا يأتينا: حكم الصلاة في الطريق:
فإن الصلاة في الطريق ورد حديث ضُمِّنَ سبعة أشياء من بينها:
الطريق
وهذا الحديث في سنن ابن ماجه وضعفه ابن حجر، والترمذي، والألباني
وهو حديث النبي ﷺ:
” أن النبيَّ ﷺ نهى أن يُصلَّى في سبعِ مواطنَ: المزبلةِ، والمَجزرةِ، والمقبرةِ، وقارعةِ الطريقِ، والحمَّامِ، ومعاطنِ الإبلِ، وفوق ظهرِ بيتِ اللهِ تعالى “
والصحيح في هذا الحديث وما ورد فيه: أنه ضعيف، لكن الصحيح: أنه يُفصَّل فيه، وما سبق ذِكْرُه في الحديث سبق الحديثُ عنه، وما لم يسبِق: وذلك كالمجزرة والمزبلة وقارعة الطريق
فإن الصحيح: صحة الصلاة فيها ما لم ينشغل المُصلي بمرور الناس في الطريق، وما لم يكن في هذه المواطن نجاسة، فإذا كان هناك ما يُشغله في الطريق فإن الحكم كما سبق في الرحى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ