الدرس ( 109 ) اجتناب النجاسة ( 8) ( حكم الصلاة داخل الكعبة وعلى ظهر بيت الله )

الدرس ( 109 ) اجتناب النجاسة ( 8) ( حكم الصلاة داخل الكعبة وعلى ظهر بيت الله )

مشاهدات: 577

الفقه الموسع ـ الدرس (109)

من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة

تتمة مسائل متعلقة بـ:

 [ المواطن التي لا تصح فيها الصلاة ]

والحديث عن :

[ أسطح تلك الأماكن ]

وحكم الصلاة داخل الكعبة وعلى ظهرها

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

ورد حديث ضُمِّنَ سبعة أشياء من بينها:

الطريق

وهذا الحديث في سنن ابن ماجه وضعفه ابن حجر، والترمذي، والألباني

وهو حديث النبي ﷺ: ” سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ: ظَاهِرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ، وَعَطَنُ الْإِبِلِ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ “

والصحيح في هذا الحديث وما ورد فيه: أنه ضعيف، لكن الصحيح: أنه يُفصَّل فيه، وما سبق ذِكْرُه في الحديث سبق الحديثُ عنه، وما لم يسبِق: وذلك كالمجزرة والمزبلة وقارعة الطريق

فإن الصحيح: صحة الصلاة فيها ما لم ينشغل المُصلي بمرور الناس في الطريق،

 وما لم يكن في هذه المواطن نجاسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: إذًا/ ما حكم الصلاة على ظاهرِ بيتِ الله؟

نقول: إن الصلاة على ظهر بيت الله كحكم الصلاة في داخل الكعبة.

فالصلاةُ داخل الكعبة، اختلف العلماء فيها على قولين:

القول الأول: لا تصح الصلاة داخل الكعبة، وأدلتهم ما يأتي:

أولا: قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ] البقرة -150[

وإذا صلى داخلَ البيت فإنه لن يُصلي مستقبلاً لجميع البيت، وإنما هو مستقبلٌ لجُزْءٍ منه.

والدليل الثاني: ما سبق ” أن النبيَّ ﷺ نهى أن يُصلَّى في سبعِ مواطنَ “

وهذا هو اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله-

 

القول الثاني: أن الصلاة في داخل الكعبة صحيحة، ويستدلون على ذلك:

بما جاء في الصحيحين: من دخول النبي ﷺ الكعبة، فدخل هو وأسامةُ، وبلال، وعثمان بن طلحة الحَجَبِي، فأغلقها ﷺ عليه فمكث فيها.

قال ابنُ عمر: فسألت بلالاً: ماذا صنع النبي ﷺ؟

فقال: جعل عموداً عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاث أعمدة مِن خلفه، ثم صلى.

وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة.

 

جاء في صحيح البخاري: أنه صلى ﷺ وبينه وبين القبلة ثلاثةُ أذرع.

 

وفائدة تتعلق بدخول النبي ﷺ في الكعبة، وهي: أنه ﷺ جاء عند البخاري أنه دخل البيت فكبَّر في نواحيه ثم خرج ولم يُصَّل، فكيف الجمع بينهما؟

فالجواب عن هذا الإشكال أن يُقال: إن المثبِتَ مُقدم على النافي

ومَن عَلِمَ حُجة على من لم يعلم، فهناك مَن عَلِم أن النبي ﷺ صلى، وهناك مَن لم يَعلَم فنفى.

“وهذه القاعدة المتبعة في الأصول”

وقال بعض العلماء أظنه قولاً أو أنه احتمالًا: إن النبي ﷺ صلى في الكعبة مرةً، وكبر مرةً فيها ولم يُصَّل لاختلاف أسفاره، فسفرةٌ في حجة الوداع، وسفرة في الفتح

وهذا الاحتمال يُرَد، لم يُرَد؟

لأنه لم يُنقَل أن النبي ﷺ دخل في حجة الوداع، وإنما المعلوم أنه دخلها في فتح مكة.

وبالتالي:

يكون دخوله ﷺ للبيت في فتح مكة مرتين، مرةً صلى فيه، ومرةً كبّر في نواحيه.

 

ونعود إلى مسألتنا:

وإذا ثبت: أن النبي ﷺ صلى فيه – فإن الأصل في الفرض والنفل التساوي في الحكم.

فالقاعدة:

[أن ما ثبت في النفل يثبت في الفرض، وما ثبت في الفرض يثبت في النفل، إلا بدليل يُخرج النفلَ مِن الفرض]

ودليل هذه القاعدة ما جاء في الصحيحين: “أن النبي ﷺ كان يصلي النافلة على راحلته”

قال الصحابة -رضي الله عنهم- ” غير أنه لا يفعل ذلك في المكتوبة “

فدل هذا على: أن هذا الاستثناء دليل على أصل سابق، ما هو الأصلُ السابق؟

تساوي الفرض مع النفل في الأحكام إلا بدليل.

وهذا هو القولُ الراجح وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-

 

وأما دليلهم: وهو قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ] البقرة -150[

فالمراد بالشطر: الجهة، وهذا شاملٌ لاستقبال جميع القبلة أو جزء منها.

 

لو قال قائل: ما الذي حملكم على أن تقولوا إن الشطر الجهة؟ ألا تٌعَارضون بقول أصحاب القول الأول بأن الشطر جميع الجهة؟ ألا تحصل معارضة؟

فيُجاب عن هذا الاعتراض، لو اعترض به:

بأن السنة الفعلية من النبي ﷺ فَسرت الشطرَ بالجزء.

وأما ما استدلوا به من الحديث: فإن الحديث -كما سبق- ضعيف والضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت به حكم.

ـــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: علمنا من خلال ما سبق، أن النافلة تصح في داخل الكعبة؟

فنقول: نعم، ما سبق دليلٌ على صحة النفل في الكعبة.

لكن على سبيل الافتراض لو اعترض معترض فقال: نأخذ بقول مَن نفى صلاة النبي ﷺ في الكعبة

أو نأخذ بترجيح مَن قال: إنه صلّى مرةً، وكبَّر مرةً أخرى، فهو محتمل بالنسخ -قد يُقال-

فيقال: جاء في سنن أبي داود أن عائشة -رضي الله عنها- قالت:

” كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ:

” صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ”

وهذا توجيه نبوي لعائشة -رضي الله عنها- بالصلاة في الحِجر لأنه من البيت.

وهذا الحجر أكُلُّه من البيت أم ماذا؟

فيه ستة أذرع وشيْ كما عند البخاري، وضبطه بعض العلماء أنه ما كان متساوياً فهو من البيت، وما انحنى منه فهو خارج البيت.

وحديث عائشة -رضي الله عنها- هذا يعضد قولَنا بصحة صلاة الفرض؛ وذلك لأن عائشة -رضي الله عنها- أحبّت أن تدخل البيت فتصلي فيه، فأرشدها النبي ﷺ أن تصلي في الحِجر، ولم يفرق بين فرض ونفل.

وقد يعترض عليك:

بأن عائشة -رضي الله عنها- أحبت دخول البيت اقتداء بالنبي ﷺ، وستفعل ما فعله ﷺ من حيث صلاة النفل لا الفرض.

لكنه يعضد، فيه شيء من القوة إضافة إلى ما سبق.

ــــــــــــــــــــــــــ

ولو قال قائل: كم صلى ﷺ من ركعة؟

جاء عن عمر -رضي الله عنهما- في سنن أبي داود أن النبي ﷺ صلى ركعتين.

وقد جاء في صحيح مسلم: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه لما سأل بلالا ماذا صنع النبي ﷺ؟

فأخبره بأنه صلى، قال ابن عمر: نسيت أن أسأله كم صلى؟

فبلال أثبت الصلاة حسب سؤال ابن عمر، لكن بلالاً لم يُفصح عن عدد الركعات، وابنُ عمر لم يسأله.

لكن جاء في حديث عمر في سنن أبي داوود: أن النبي ﷺ صلى ركعتين.

ــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: صُححت صلاة النافلة داخل الكعبة، لكن قد لا يستقبلُ

-هو الآن في صلاته داخل الكعبة استقبل جزءاً من الكعبة لم يستقبل الكعبة كلها-

على هذا القول الأول: أنه لو صلى داخل الكعبة، وكان الباب مفتوحاً ووجه تجاه الباب،

 أتصح صلاة النفل هذه أم لا تصح؟

اختلف العلماء في هذه المسألة:

قال بعض العلماء: تصح النافلة؛ وذلك لأن الباب إذا انفتح فيه هواء وهذا الهواء تابع للقرار فتصح الصلاة على هذه الصورة، بدليل:

أنه بالاتفاق تصح صلاة من صلى فوق السطح وليس أمامه شيء، ولذا قد توضع أدوار أعلى وأعلى قد تصل خمسة أدوار -ما يُدرى ما يكون في المستقبل- هُنا لو صلى فليس أمامه جزء من البيت.

 

القول الثاني: أنه لا تصح الصلاة ويستدلون على ذلك:

بأنه في عهد عبد الله بن الزبير لما هُدمت الكعبة بنى أخشابا ًمن أجل أن يصلي إليها الناس في موضع الكعبة.

ومن ثم: قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: هذا دليل على أنه لابد من استقبال شاخصٍ إليها.

وهذا هو الصواب وهو: عدمُ صحة الصلاة.

 

أما ما استدلوا به فإن المصلي حينما يصلي هو يستشعر بأن هناك شاخصاً أمامه يشاهده

وهم يمثلون: لو أن الإنسان لو صلى على أعلى جبل في مكة تجاه القبلة فإن صلاته صحيحة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: لو نذر مسلم أن يصلي داخل الكعبة، أيصح أن يؤديها داخل الكعبة أم خارجها؟

يُجاب عن هذا بما يأتي:

أولا: يُنظر إن كان هذا النذر مقيداً فإنه -يعني على تقيده بالنفل – فإنه في هذه الحالة يصليها داخل الكعبة.

وأما إن كان النذر مطلقا: فإن المسألة فيها خلاف على الخلاف السابق:

ما الخلاف السابق في الفرض؟

إن بعض العلماء قال: لا تصح الصلاة.

وبعضهم قال: تصح.

فعلى قول من يقول بأن صلاة الفرض تصح فلا إشكال هنا.

وعلى القول: بعدم صحة صلاة الفرض داخل الكعبة فإن هذا النذر المطلق لا يصح داخل الكعبة؛ لأن النذر واجبٌ الإيفاءُ به إذا كان طاعة، ولذا قال ﷺ كما عند البخاري: ” مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ “

وبالتالي: فإن النذر يُحذى به حذوَ الفرض؛ لأن النذر في تعريفه -كما سبق في كتاب التوحيد- هو:

((إلزام مكلَّف نفسه طاعةً لم تجب عليه بأصل الشرع))

فإنها في أصلها نافلة، فلما نذر انتقلت من التطوع إلى الفرض، وبالتالي: يُحذى بها حذو الفرض

وبالتالي على هذا القول لا تصح الصلاةُ داخل الكعبة.

 

وعلى هذا القول: الذي يقول لا تصح صلا ة الفرض داخل الكعبة، يقول لا يصح هذا النذر داخل الكعبة

إذا كان هذا النذرُ مطلقا قال: نذرت لله أن أصلي ركعتين.

لو صلاها على هذا القول داخل الكعبة لم تجزئ، ولم تبرأ ذمتُه من هذا النذر.

لكن لو قال: نذرت لله أن أصلي ركعتين داخل الكعبة -هنا قيّد- فلا إشكال

 

نُلخص المسألة مرةً أخرى:

لو قال قائل: لو نذر أن يصلي المسلم لله عز وجل ركعتين؟

 فيُنظر:

إن كان هذا النذر مقيداً، بمعنى: أنه قيّد أن تكون هاتان الركعتان داخل الكعبة في نذره

فقولٌ واحد: لو صلى هاتين الركعتين داخل الكعبة صحت على هذين القولين.

ـــالحالة الثانية: لو نذر نذراً مطلقا لم يقيده بالصلاة داخل الكعبة:

قال: نذرت لله أن أصلي ركعتين.

فأراد أن يصلي هاتين الركعتين داخل الكعبة، يجري على هذه الحالة الخلافُ السابق.

فمن قال: بأن الفرض يجوز ويصح داخل الكعبة فعنده أن هذا يجوز،

وذلك لأن الفرض من حيث أصلُه فرْض فصح داخل الكعبة، فمن باب أولى:

النذر الذي ليس في الأصل فرضا.

 

وعلى القول الآخر، الذي يقول: إن صلاة الفرض لا تصح داخل الكعبة

يقول كذلك: لو نذر نذراً مطلقا فأراد أن يؤدي هاتين الركعتين داخل الكعبة: فلا يصح هذا الفعل ولا تصح الصلاة؛ لأن هذا النذر يُحذى به حذوَ الفرض.

فإنه وإن كان في أصله نفلا فقد أوجبه على نفسه، فيكون حكم هذا النذر كحكم صلاة الفرض داخل الكعبة.

 

ومن ثَم: فإنه لو صلى داخل الكعبة على هذا القول فلا تصح صلاته على أنه وفَّى بنذره، فعليه أن يصلي مرة أخرى خارج الكعبة.

ـــــــــــــــــــــــــ

لو أن إنسانا نذر فقال: نذر عليّ أن أصلي الظهرَ داخل الكعبة

فعلى القول الأول: لا إشكال في ذلك.

على القول الثاني: لا تصح منه هذه الصلاة، ويكونُ هذا النذر ليس نذرَ طاعة، وإنما هو نذر معصية

فيجب عليه أن يصلي الظهر خارج الكعبة؛ لأن صلاة الظهر واجبة عليه.

وأما بالنسبة لهذا النذر فقد -سبق معنا- حكم النذر الذي هو معصية.

وبهذا انتهينا من المسائل المتعلقة بالشرط السابق الذي هو:

” اجتنابُ النجاسة “

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ