الدرس (11) أقسام المياه والنجاسات(حكم ما يطوف علينا ـ الآدمي المؤمن والمشرك ـ ما يؤكل لحمه)

الدرس (11) أقسام المياه والنجاسات(حكم ما يطوف علينا ـ الآدمي المؤمن والمشرك ـ ما يؤكل لحمه)

مشاهدات: 499

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع

كتاب الطهارة – باب المياه – الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

مسألة : ما يطوف علينا كــ [ الهرة والبغل والحمار ]  فهو طاهر،

 بخلاف فضلاته ودمه وأجزائه فإنها نجسة

ويستثنى من الطوافين  : الكلب فإنه نجس]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح : هذه المسألة لها شقان .

الشق الأول : طهارة ما يطوف علينا  :

 

أصل هذه المسألة  : هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم في السنن إذ قال في الهرة :

(( إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم ))

 

ومن هذا الحديث :

نظر بعض العلماء إلى علة خفية وعدل عن العلة المنصوصة الصريحة .

وهذا مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه إذ قال :

[  إن الهرة وما دونها في الخلقة طاهر وأما ما كان أكبر فهو نجس ]

 

ولذا  : فالفأرة والحية عندهم طاهرة باعتبار أن العلة هي الخلقة،

 وأما ما كان أكبر منها وذلك كالحمار والبغل فإنها نجسة .

 

والقول الثاني : وهو الصحيح المبني على علة منصوصة صريحة :

أنه لا يعتد بالخِلْقَة وإنما الاعتداد بالتطواف  :

لقوله عليه الصلاة والسلام :

(( إنها من الطوافين عليكم ))

فما كان نظيرها في التطواف فيأخذ حكمها فيكون الحمار والبغل كحكم الهرة.

 

ويستثنى من ذلك الكلب، ومرادنا بالكلب  :

هو الذي يجوز اقتناؤه لأن من اقتنى كلبا كما قال عليه الصلاة والسلام غير كلب صيد أو زرع أو ماشية فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراطان .

وأُخرج الكلب  : للحديث السابق في الصحيحين بل عند الجماعة :

” طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ “

ولا يقل أحد إن المراد بهذا الكلب هو الكلب الذي لا يجوز اقتناؤه لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفصل

[ وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال ]

وكيف يعلق عليه الصلاة والسلام هذا الحكم على كلب منع من اقتنائه

 

فيكون الحيوان الطائف بنا طاهرا في الحياة  .

ومعنى [ طهارته في الحياة ]:

أن لعابه وريقه ومخاطه وظاهر جسمه  طاهر

 

أما بقية فضلاته وهذا هو  : الشق الثاني :

بقية فضلاته فنجس  ،كدمه وبوله وروثه:

 

ومما يدل على هذا التفصيل  : أنه عليه الصلاة والسلام أتي له بروثة حمار ليستجمر بها فقال :

(( إنها ركس ))

 

ومع هذا القول فقد كان عليه الصلاة والسلام يركب الحمار، ولم يتوق عليه الصلاة والسلام هذا الحمار حال نزول المطر ، فدل على أن ظاهره وعرقه ولعابه ومخاطه طاهر

والمراد بالحمار : الحمار الأهلي

وهذا الحمار الأهلي قد جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام :

” إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ “

إذ أمر عليه الصلاة والسلام أبا طلحة أن يقول هذا القول في غزوة خيبر

 

أما الحمار الوحشي  :

فهذا يجوز أكْلُه ومن ثم فجميع فضلاته طاهرة، وقد أكَلَه عليه الصلاة والسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة : الاستجمار مطهر ولو تجاوز محله .

الشرح : هذه المسألة مسألة عَرَضِيّة يُقَصدُ منها بيان الطهارة مِن عدمها في مسألة الاستجمار،

 وإلا فالاستجمار له باب مستقل .

وأصل هذه المسألة : قوله عليه الصلاة والسلام في المسند وسنن أبي داود :

(( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه ))

 

وكذا فعله عليه الصلاة والسلام فقد اقتصر على الأحجار، وقال عن بعض ما لا يجزئ :

 (( إنهما لا يطهران)) كما في العظم والروثة كما جاء عند الدارقطني

فدل على أن ما عداهما: يُطَهِّران

 

لكن هذا التطهير: هل هو تطهيرٌ مطلق، أم تطهير مقيد بموضع الحاجة  ؟

قال بعض العلماء :

وهو مذهب الحنابلة  : الاستجمارُ مُطَهِّر ما لم يتجاوز الخارجُ مَحَلّه، فإن تجاوز مَحَلَّه كأن زاد عن المَحَل فلا يُجزئ غير الماء، وذلك لأن هذه الأحاديث محمولة على ما جرت به العادة .

وقال بعض العلماء : أنه يُطَهِّر ولو تجاوز المَحَل، ويستدلون بما سبق من نصوص وهذه النصوص لم تفرق ، إذ إنه عليه الصلاة والسلام أفصح الناس بيانا،

 وهذا هو الصحيح فما أطلقه الشرع لا يجوز تقيده إلا بتقيد من الشرع .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة : [ الآدمي المؤمن طاهرٌ حسا ومعنى

أما المشرك فنجس معنى  طاهر على الصحيح حسا ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح : هذه المسألة فُرِّقَ فيها بين الآدمي المؤمن وغير المؤمن،

 فأما المؤمن فهو طاهر، ظاهرا وباطنا، حِسا ومعنى، والدليل على طهارته حسا :

قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : (( إن المؤمن لا ينجُس ))

فقوله عليه الصلاة والسلام: ” إن المؤمن لا ينجس” يدل على العموم لأن القاعدة الأصولية تقول :

[ إن الفعل المنفي يدل على العموم ] فلا يكون نجِسا لا في ظاهره ولا في باطنه .

 

ومن أدلة طهارته: قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين في شأن من وقصته دابته:

” اغسلوه بماء وسدر ” فلو كان نجسا لما أفاد فيه الغَسل ، لأن الكلب لو غسلته آلاف المرات ما طهر ،

ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

(( اغسلنها ثلاثا أو سبعا إن رأيتن ذلك ))

ووجه الدلالة من هذا الحديث كوجه الدلالة من الحديث السابق.

 

 وأما الأدلة على  طهارته معنى: والمراد طهارة القلب فكثيرة،

 من بينها: ما جاء في حديث البراء الطويل :

(( أن روح المؤمن إذا قُبضت وصُعِدَ بها إلى السماء فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيب ))

ومنها : قوله تعالى  :{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }

ومنها  : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي بعد الوضوء :

(( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ))

 

أما الآدمي المشرك : فإنه من حيث الحس طاهر، والأدلة على طهارته :

قوله تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ }

فبهذه الآية أباح لنا اللهُ عز وجل طعامَ أهلِ الكتاب ونساءَهم عن طريق النكاح، ومعلوم أن أيديهم تُلامِسُ هذا الطعام وأن المتزوج بنسائهم سيلامس بدن نسائهم .

ومن الأدلة  :

أنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (( استعمل مزادة امرأة مشركة ))

ومن الأدلة :

ما جاء عند البخاري  :(( أن عمر رضي الله عنه توضأ من جرة امرأة نصرانية ))

ومن الأدلة : ما جاء عند البخاري  :

(( أن زينب بنت الحارث اليهودية قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة ، فأكل عليه الصلاة والسلام جزء يسيرا منها وكان معه البراء بن معرور))  والنصوص في هذا المعنى كثيرة.

 

أما بالنسبة إلى قلوبهم فهي نجسة :

قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ }

والمراد من هذه النجاسة ، النجاسة المعنوية لدلالة النصوص السابقة على طهارتهم حسا .

وقال عز وجل عن المنافقين كما في سورة التوبة :

{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة : كل ما يؤكل لحمه فبوله وروثه ومنيه وقيؤه ولعابه طاهر ، ما لم يكن أكثرَ علفه النجاسة ، وهذا ما يسمى بالجلالة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح : هذه المسألة تُعد ضابطا عند كثير من العلماء، بينما بعض العلماء لا يرى هذه المسألة أصلا فكيف يراها ظابطا

وممن لا يرى طهارةَ فضلات ما يؤكل لحمُه الإمام الشافعي رحمه الله فيقول :

[ روث وبول ما يؤكل لحمه نجس ]

ويستدل على ذلك  بما جاء في الصحيحين  :

[ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مر على قبرين يعذبان فقال عليه الصلاة والسلام : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير  بلى إنه كبير فقال عليه الصلاة والسلام : ” فكان أحدهما لا يستَتِرُ من البول والآخر يمشي بالنميمة )  ]

فقوله عليه الصلاة والسلام  : ( كان لا يستتِرُ مِن البول )

( ال ) في ( البول ) تفيد العموم فيشمل أي بول

 

وخالفه في ذلك كثير من العلماء، فقالوا : [ إن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر  ]

ويستدلون على ذلك: بما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم  :

[ ( أمر العرنيين الذين قدموا إلى المدينة فأصابهم مرض في أجوافهم فأمرهم عليه الصلاة والسلام بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة وأن يشربوا من أبوابها وألبانها )]

ولم يأمرهم عليه الصلاة والسلام بغسْل أفواههم وغسْل أوانيهم .

فدل هذا على طهارة بول الإبل فيقاس عليها كل ما يؤكل لحمُه

 

ويستدلون أيضا: بما جاء عند مسلم إذنه عليه الصلاة والسلام  :

[ ( بأن يُصَلّى في مرابض الغنم ) ]

ومرابضها لا تسلم من الغالب من الأبوال والأرواث.

 

وأما نهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في معاطن الإبل، فذلك لأن الإبل  :

ــــ قال بعض العلماء  : [ إن التفريق بينها وبين الغنم تفريق تعبدي ]

ـــ وقال بعض العلماء : العلة كِبَرُ جِسمها، إذ إنها قد تشوش على المصلي.

 وهذه العلةُ عليلة، لأن الغنم قد تُشَوش أيضا.

 

ـــ وقال بعض العلماء وهو قول شيخ الإسلام رحمه الله:

[ لأن الإبل خلقت من الشياطين  ] كما في السنن وليس معنى ذلك أن أصل مادتها من الشياطين وإنما لأنها تتسم بالشيطنة والغضبية نُسبت إلى هذا الوصف، كما قال تعالى  :{ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} مع أنه ليس مخلوقا من عجل وإنما لأن العجلة غلبت عليه، وإلا فإنه مخلوق من نطفة من ماء،

 كالإبل، قال تعالى  :{ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} أي من نطفة

 

ويؤكد هذا: ماء جاء في مسند الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام  ( على كل ذِروَةِ بعير شيطان)

فالعلة تَلَبُّس الشيطان بها فأشبهَت الصلاةَ في الحمام، فقد نهى الشرعُ عن الصلاة في الحمام لأن الحمام مأوى الشياطين.

وظاهر تبويب البخاري رحمه الله :

يُضَعِّفُ ما ذكَرَه شيخُ الإسلام رحمه الله في باب الصلاة على الدابة

فظاهره أن العلةَ لو كانت كما قال شيخُ الإسلام

[طبعا البخاري قبلَ شيخ الإسلام بكثير، البخاري في القرن الثاني، بينما شيخ الإسلام في القرن السابع،

لكن لأن شيخَ الإسلام رحمه الله تبنّى هذا القول فنُسِبَ إليه]

فظاهرُ تبويب البخاري رحمه الله يدلُّ على تضعيف مَن سبقَ شيخَ الإسلام في هذه العلّة

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى على راحلته، فيكف يتوافق هذا الفعل مع هذه العلة؟

فإما أن ننافح عن علة شيخ الإسلام رحمه الله وإما أن نرجع إلى قول من يقول إنها تعبدية

وإما أن نبحث عن علة أخرى

وهي ستمر بنا في مسألة : ” الصلاة في معاطن الإبل “

 

وأما ما استدل به الإمام الشافعي  :

يقول عليه الصلاة والسلام : ( كان لا يستتِرُ مِن البول )

فنقول: أنه لا شك أن الأصل في ( ال ) أنها للعموم، ولكن خرجت هنا عن العموم إلى العهد فتكون ( ال ) هنا للعهدية لما جاء في رواية البخاري : [ ( كان لا يستنزه من بوله ) ]

 

فقوله  : (( لا يستنزه من بوله )) :

المقصود به الآدمي ، فتكون رواية : ( كان لا يستتِرُ مِن البول ) أي: بول الآدمي.

 

 

يُستثنى من ذلك الجلّالة، والجلَّالة: هي التي يكون أكثرُ علفها النجاسة

والدليل على ذلك: ما جاء في سنن أبي داود : (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكْل الجلالة وعن شُرب ألبانها )) وفي حديث آخر : (( نهى أن تُركب ))

وذلك خيفةً مِن أن تَعرَق فيُلوث عرقها راكبها وهذه الجلالة

 

وهذه الجلالة كيف يتم تطهيرها ؟

قال بعض العلماء  : [ تُحبس، فإذا حُبست مدةً وأطعمت الطعام الطاهر فإنها تطهُر  ]

وكل بهيمة جعلوا لها مدةً معنية فيرون  :

أن الإبل والبقر تُحبس ( أربعين يوما )

وأن الغنم تحبس ( سبعة أيام )

وأن الدجاج يحبس ( ثلاثة أيام )

 

وقال بعض العلماء :

[ لا يشترط َحْبُسها وإنما تُطلق، فإذا كان أكلُها للطيب أكثر جازَ أكْلُها ]

 

وبعض العلماء علّق حكمَ الجواز بذهابِ الرائحة والنتن: وهذا هو الصحيح

لأن النجاسة ( عين مستقذرة متى ما زال أثرُها زال حُكْمُها )

وهذا القول هو قول الحنابلة إذ يرون تحريمَ أكْلِها،

 أما الأئمة الثلاثة فيرون جواز أكْلِها مع استحبابهم لِحَبْسِها.