بسم الله الرحمن الرحيم
من شروط صحة الصلاة: استقبال القبلة
الدرس (115) من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل:
[لو اختلف مجتهدان في تعيين جهة القبلة؛ فشخص آل به اجتهادُه إلى أن القبلة من هذه الجهة،
والآخَر آل به اجتهاده إلى أن القبلة من الجهة الأخرى؛
أيقتدي أحدهما بالآخر أم أن لكل شخص أن يصلي وحده؟]
اختلف العلماء في هذه المسألة:
فالقول الأول: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-:
من أن المجتهدَين إذا اجتهدا فاختلفا في جهة القبلة: فلا يتبع أحدُهما الآخَر، بل يلزم كل واحدٍ منهما أن يصلي منفردا؛ وذلك لأن الاجتهاد مبنيٌّ على غلبة الظن ليس يقينا
وهذا يعود بنا إلى مسألة مرت بنا يرى فيها المذهب: أن خبر الثقة المجتهد لا يُقبل؛ بل لابد من أن يكون المُخبِرُ مخبراً عن يقين، وأما في هذه المسألة فإن الأمر ليس عن يقين.
القول الثاني: أن لكل منهما أن يقتدي بالآخَر ولو كان مخالفا لاجتهاده؛ وذلك لأن المجتهد فيما يتعلق بنفسه ليس متيقنا، فقد يكون اجتهادُه مخالفاً للصواب؛ وهذا حاصل كثير
ومن ثم: فإن له أن يقتدي بصاحبه؛ لأن الشرع جاء بالتسامح فيما يغلب على الظن
دليلُ ذلك: ما جاء في الصحيحين في قوله ﷺ: ” فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ “
وهذا في سجود السهو في الصلاة
ولذا: فإن المختلفين في الفروع يقتدي أحدُهما بالآخر
فكذلك الشأن هنا: فلو أن شخصا يرى أن أكل لحم الجزور ليس بناقض للوضوء
والآخَر: يرى أنه ناقض للوضوء فيجوز أن يقتدي بصاحبه، حتى لو كان في اجتهاده أن هذا الإمام صلاتُه غيرُ صحيحة.
وهذا إذا كان الاختلافُ ليس عن انحرافٍ يسير
فإن كان الاختلاف في جهة، لكن هناك انحرافٌ يسير اختلفا فيه؟
فالجواب عن هذا: أن هذه الحالة غيرِ داخلةٍ معنا؛ لأن الانحراف اليسير كما مر معنا لا يضر.
لو قال قائل: ماذا يصنع مَن كان معهما مِن المُقَلدين؟
فنقول: إن المقلد إذا اتفق هذان المجتهدان على أن يأتم أحدُهما بالآخر فإنه يدخل معهما،
لكن لو أن هذين المجتهدين أخذا بقول المذهب؛ فبمن يقتدي؟
أو لو أن هذا المقلدُ سأل مجتهدين قد صليا؛ ويريد أن يصلي؛ فأخبره أحدُهما بأن القبلة من هذه الجهة؛ وأخبره الآخر بأن القبلة من الجهة الأخرى؛ فماذا يصنع؟
الجواب: يقلد أوثَقهما عنده، والأوثق من حيث الديانة، ومن حيث العلم.
لو قال قائل:
إذا كانا في الثقة سواء، أو كان يجهل أن أحدهما أوثقُ مِن الآخَر؛ فهما عنده مستورا الحال؟
فالجواب عن هذا:
أنه يتحرى، بمعنى: أنه ينظر الى ما تطمئن إليه نفسُه من قول أحدِهما.
لو قال قائل: لو أخذ بالأوثق منهما أو بالتحري فتبين أنه قد صلى على غير القبلة؟ فما حكم صلاته؟
نقول: الصلاةُ صحيحة؛ لأنه قد استفرغ جُهدَه وطاقتَه في معرفة اتجاه القبلة؛ وقد قال عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ] التغابن -16[ ، وقال ﷺ: ” إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ “
ولأن الصحابة -رضي الله عنهم- لما جاءهم الخبر: بأن القبلة قد تغيرت جهتُها من المقدس إلى البيت الحرام؛ انحرفوا وهم في صلاتهم ولم يستأنفوا الصلاة.
فدل على تسامح الشرع في مثل هذا الأمر؛ لأن ما في أثناء الصلاة لا يختلفُ عما بعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: المجتهد لو صلى على حسب اجتهاده؛ فتبين له أنه قد صلى إلى غير القبلة، فما الحكم؟
الحكم: صلاتُه صحيحة، والأدلة هي نفس الأدلة السابقة في مسألة المُقَلِّد.
لو قال قائل: أتستوي هذه المسألة في حالة الحضر والسفر، أم أن الأمر يختلف؟
الجواب عن هذا: معلوم أن الاجتهاد يُحتاجُ إليه في السفر؛ وذلك لِفَقْدِ المُخبِر؛ فيكونُ الاجتهاد حاصلاً له في السفر، ولا إشكال هنا، لكن الإشكال:
لو اجتهد في الحضر مع وجود المُخبِرِ الثقة المتقين:
شخصٌ نزل فندقاً وعنده أدواتُ الاجتهاد، عنده قدرة على أن يجتهد في الحضر كما هو قادرٌ على الاجتهاد في السفر؛ لكن عنده مِن نُزَلاء الفندق أو مِن القائمين على الفندق مَن سيُخبِرُه خبراً متيقناً عن القبلة، أيجتهدُ في مثل هذه الحال أو لا يجتهد؟
المسألةُ فيها قولان:
القول الأول: وهو -المشهورُ من مذهب الإمام أحمد- أنه لا يحق له أن يجتهد؛ وذلك لأن الاجتهادَ مبنيٌّ على غلبة ظن، وغلبةُ الظن يؤخذ بها مع عدم اليقين، وهنا اليقينُ موجود
وهذا مبني على قاعدتهم ’’أنه لا بد من اليقين’’ لكن في السفر تعذرَ اليقين، والقاعدة في الشرع:
’’ إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن’’
وعلى هذا القول لو صلى على اجتهاده فتبين خطؤه: فيلزمُه أن يعيد الصلاة.
لكن على قولهم: لو اجتهد فأصاب القبلة؛ أتصح صلاتُه أم لا؟
إن قالوا: لا تصح صلاتُه، فهذا هو الموافق لقواعدهم -كما سيأتي في مسألة تُطرَح إن شاء الله-
وإن قالوا: تصح الصلاة فقد خالَفوا قواعدهم؛ لأنهم إن اعتبروا هذا الاجتهاد فقد رأوه اجتهاداً صحيحاً؛ وبالتالي يحصل التناقض، وحتى يخرجوا من هذا التناقض عليهم أن يقولوا: لا تصح صلاتُه سواءً أصاب بهذا الاجتهاد أم لم يُصِب؛ لأن هذا الاجتهاد غيرُ معتبرٍ عندهم، فوجودُه كعدمه.
ــــــــــــــــ
القول الثاني: أن له أن يجتهد في الحضر كما له أن يجتهد في السفر، وليس هناك دليلٌ يمنع مِن هذا الاجتهاد بدليل: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا في بعض الأحيان يجتهدون في الأحكام الشرعية مع وجود النبي ﷺ الذي معه العلمُ اليقين
فإذا جاز هنا جاز هنا ولا فرق
ولم يأتِ دليلٌ على أن الاجتهاد جائزٌ في السفر دون الحضر، وإنما مأمورٌ الإنسان أن يجتهد،
ولا أدل على قصة الصحابة -رضي الله عنهم- الذين كانوا في سَفرةٍ مع النبي ﷺ، -سبق ذِكرُها- وكانوا بالليل فاجتهدوا فصلوا فلمَّا أصبحوا أخبروا النبي ﷺ؛ فنزل قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ] البقرة -115[
وهذا هو الصواب: أن له أن يجتهد في الحضر كما أن له أن يجتهد في السفر.
وبالتالي: إن أصاب القبلةَ فصلاتُه صحيحة على هذا القول، وكذلك إن لم يُصِب القبلة فصلاتُه صحية
والأدلة هي نفس الأدلة التي مرت معنا في مسألة المقلِّد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: لو كان هناك مجتهد فصلى إلى جهةٍ غيرِ مجتهدٍ فيها؛ فتبيّن أنه قد أخطأ في القبلة، فماذا يلزمُه؟
يلزمُه أن يعيد الصلاة.
لكن إن تبين له أنه أصاب القبلة، فما حكم صلاته؟
اختلف العلماء:
القول الأول: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد: أن صلاته غيرُ صحيحة ويلزمُه أن يعيد الصلاة؛ لأنه غيرُ متيقنٍ للجهة حينما صلى، فهو في حكم مَن شكّ أو مَن دون ذلك.
القول الثاني: أن صلاتَه صحيحة، وهؤلاء ينظرون إلى الواقع بقطع النظر عن الاجتهاد مِن عدمه؛
وذلك لأن الشرع أمَرَ أن تكون هذه الصلاة باتجاه القبلة؛ فلما حصل هذا ووافق ما يريدُه الشرع فإن الصلاة صحيحة، أما الاجتهاد فهو وسيلةٌ لمعرفته القبلة؛ ليس الاجتهادُ مقصودا لذاته وإنما هو مقصود لغيره. وهذا هو الأقرب، ويُرجحه ابن عثيمين -رحمه الله-
لو قال قائل: هذا المجتهد فما هو حال المقلد؟
هذا المقلد عنده مجتهدون ولم يلتفت إلى اجتهادهم، وإنما صلى إلى جهة هكذا دون أن يسأل المجتهد،
فما حكم صلاته؟
القول فيها كالقول في المسألة السابقة نزاعاً ودليلا.
ـــــــــــــــــــــــ
مسألة: لو أن المقلد لم يجد من يقلده فماذا يصنع؟
نقول كما قلنا في مسألة سابقة: يتحرى، فإذا تحرى فيُنظَر:
إن أصاب فالصلاةُ صحيحة، وإن تبين خطؤه فالصلاةُ كذلك صحيحة؛ لأن هذا وِسعُه وطاقتُه؛ ليس عنده أحد يسأله؛ فليس عنده إلا أن يتحرى.
لو قال قائل: هذا هو حال المقلد، فما هو حال الأعمى الذي لم يجد مَن يسأله؟
فالجواب: نفس الجواب السابق في المسألة السابقة.
ــــــــــــــــــــــــ
مسألة: قلنا المجتهد متى يحقُّ له أن يجتهد؟
الجواب: في حالة السفر قولاً واحدا، لكن في حالة الحضر مختلفٌ فيه
لكن نحن نقول حتى ندخُلَ في مسألة أخرى:
هذا الاجتهاد الذي حصل في السفر قولاً واحدا، أو حصل في الحضر على القول الراجح
متى يكونُ الاجتهادُ مقبولا بالاتفاق؟
ج/ يكون في حالة السفر.
تأتينا مسألة: إنسانٌ اجتهد في السفر لصلاة الظهر
-انظروا الفقه قواعد-
يعني: يمكن إذا نظرنا إلى أقوال المذهب في هذه المسائل نجد أنه مبنيٌّ على قاعدة
فلو أن المجتهد في السفر اجتهد لصلاة الظهر فصلى؛ ولم يتبين له شيء أصاب أم أخطأ:
لأنه إن تبين أنه أصاب فلا إشكال، وإن تبين أنه أخطأ فعليه أن يعيد اجتهاده
نقول: عليك أن تعيد اجتهادَك لصلاة العصر
لو أنه اجتهد فصلى في جهة فإن تبين أنه أصاب الجهة فنقول:
صلِّ صلاةَ العصر على هذه الجهة
وإن تبين أنه أخطأ فنقول: لا تصل صلاة العصر على هذه الجهة، وإنما أعِد اجتهادَك
إن سُتِرَ الحال، ما علم أصاب أم أخطأ؛ هنا تأتي المسألة:
فإن لم يتبين له أنه في هذا الاجتهاد أنه أصاب أو أخطأ فماذا عليه إذا جاء وقتُ العصر؟
اختلف العلماء:
القول الأول: المشهور على مذهب الإمام أحمد بناء على قاعدة اليقين التي قرروها؛ وأنه أخِذَ بغلبة الظن من باب تعذر اليقين
ماذا يقولون؟
يقولون: يجتهد مرةً أخرى؛ لأن اجتهاده الأول ليس عن يقين، وبالتالي قد يكون اجتهادُه الأول خاطئا فعليه أن يعيد اجتهادَه لصلاة العصر.
إذاً:
إذا جاء وقتُ المغرب فعليه أن يعيد اجتهاده لصلاة المغرب.
مكث في هذا السفر أو في هذه الصحراء شهرا
عليه أن يعيد هذا الاجتهاد لكل صلاة، حتى نعلم أن هذا الرجل قد بذل جُهدَه في إصابة القبلة.
القول الثاني: أنه لا يلزمُه أن يجتهد لكل صلاة، فشأنُه كشأن المجتهد في مسائل الشرع
فإن المجتهد العالِمَ إذا اجتهد في مسألة ما؛ فإنه لا يلزمه أن يجتهد مرة أخرى إذا عُرِضَت عليه إلا إذا حصل ما يثيرُ الشبهة في الاجتهاد السابق؛ إما (بإثارة نفسِه) أو (غيره)
كأن: يطرأ عليه شكٌّ في نفسِه أن المسألة قد يكون قولُه فيها قد خالف الصواب؛ فعليه أن يعيد الاجتهاد.
أو بإثارة غيرِه: كأن يسمع دليلاً مِن شخص يثيرُ شُبهةً فيما ذَهَب إليه مِن ترجيح
وهذا هو الصواب، فنقول:
إذا اجتهدت في إصابة جهة القبلة فلا يلزمُك أن تعيد الاجتهاد مرة أخرى للصلاة القادمة؛ إلا إذا وَجدتَ ما يثيرُ الشبهةَ والشك في نفسِك؛ أو أثارَها غيرُك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة أخيرة نختم بها هذا الشرط:
وهي فائدة وتعد قاعدة عند علماء الأصول: لأن الحديث عنها جَرَّنا إلى ذلك مسائلُ الاجتهاد
القاعدة عند الأصوليين: ’’ أن الاجتهاد لا يُنقَضُ بالاجتهاد’’
ما مثالُها؟ وما دليلها؟
مثالُها:
لو أن مفتياً أفتى بناءً على اجتهاده بأن القول في هذه المسألة قولٌ مستحب، فأخذ بهذه الفتوى مسلم، وبعد حين اجتهد هذا العالم بإثارة من نفسِه أو بإثارة مِن غيره، اجتهد فرأى أن القول فيها هو القولُ بالوجوب خلافاً لاجتهاده السابق؟
فإنه في مثل هذه الحال لا يُنقَضُ اجتهادُه السابق، فلا يُلزَم أن يذهبَ الى مَن أفتاه بالاستحباب، فيقول: إن رأيي قد تغير من الاستحباب إلى الوجوب، لم؟
لأن الاجتهاد السابق لمَّا طرأ عليه الخطأ أو الشبهة قد يطرأ على الاجتهاد الثاني
ومثلُ ذلك:
لو أن القاضي حكم بحكم اجتهاد؛ ثم تبين له بعد حين أن اجتهاده الحالي يُخالف الاجتهادَ السابق:
فلا يُنقَضُ حُكْمُه.
وكأن يجتهد حاكم ثم يتبنُ له بعد ذلك أن اجتهاده الأول ليس على صواب: فلا يُلزَم بِنَقْض الحكم السابق.
وكما لو أفتى مُفتٍ بأن المسألة القول فيها هو الحرمة، ثم تبين له الجواز: فلا يَلزم المفتي أن يعود إلى المستفتي ويخبرَه، وذلك لأن اجتهاده الأخير كما غلَب على ظنه أنه هو الصواب قد يأتي اجتهادٌ لاحق يجعل هذا الاجتهاد ليس صوابا.
ودليلُ هذه القاعدة؟
أرى أن مِن أدلتها ما سبق معنا مِن اجتهاد المجتهد وبعد اجتهاده يخطئ، وما يُشابه هذه الأدلة.
الدليلُ الثاني: ما رواه الدار قطني والبيهقي عن الحكم ابن مسعود الثقفي أنه قال:
“توفيت امرأة عن زوج وعن أم وعن إخوة لأم، وعن إخوة أشقاء “
فعُرِضَت هذه المسألة الفرضية على عمر -رضي الله عنه- فحكم فيها في أول الأمر بأن للزوج النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث.
وحكم بأن للأم السدس؛ وذلك لوجود جَمْعٍ من الإخوة حجبوها حجْبَ نُقصان مِن الثلث إلى السدس،
بقي الثلث، وحكم بأن للإخوة من أم بأن لهم الثلث لقوله تعالى:
{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ] النساء -12[ ، وهنا عندنا جمْعٌ من الإخوة من أم، والإخوة هنا في هذه الآية إخوة مِن أم لقراءة ابن مسعود رضي الله عنه
وآخِرُ السورة يبينُ فيها جل وعلا إرثَ الإخوةِ الأشقاء والإخوة لأب، وهي آية الصيف:
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} الآية ] النساء -176[
هنا أين نصيبُ الأخوة الأشقاء؟
الآن قلنا: الإخوة لأم لهم الثلث، عبارة عن سدسين، النصف والسدس عبارة عن ثلثين
يعني عن أربعة أسداس
أربعة أسداس + سدسين = اكتملت النتيجة
فهنا أخَذَ الزوجُ النصف
وأخذت الأم السدس
وأخذَ الإخوةُ لأم السدس
اكتمل هنا
هنا: مبنيٌّ على ماذا؟
القسمةُ هنا مبنيةٌ على ما جاء في الحديث المتفق عليه، قال ﷺ:
” أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَر “
فهذا الحديث نص على أهل الفروض وعلى أهل العَصَبة
أهلُ الفروض: هم الذين يرثون بالتقدير، سدس، نصف، ربع، ثلث
أما العَصَبة: فهم الذين يرثون من غيرِ تقدير، بمعنى أنهم يرثون المتبقي قلَّ أم كثر
وهنا: الزوج: صاحبُ فرض، كما جاءت بذلك النصوص
الأم: صاحبةُ فرض
الإخوة لأم: أصحابُ فرض
الإخوة الأشقاء: ليسوا أصحابَ فرض، إنما هم عَصَبة
وبناء على الحديث نقدم ما قدمه الحديث: ” أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا “
نحن في هذا التفريض ألحقنا الفرائضَ بأهلها.
الشطر الآخر من الحديث: ” فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَر “
هذا هو حقُّ العَصَبة
هل بقي شيء؟ ما بقي شيء
ومن ثم: لو أن الهالك هنا رجل، هلك هالك عن:
زوجة
وعن أم
وعن إخوة لأم
وعن إخوة أشقاء
هنا تتغير، الزوجة كم نصيبها مع عدم الفرع الوارث؟
الربع.
الأم: نصيبها السدس لوجود الجمع من الإخوة.
الإخوة لأم: نصيبهم الثلث.
الإخوة الأشقاء: بقي شيء؟ بقي، إذاً الباقي للإخوة الأشقاء -هنا طبقنا الحديث-.
مرت الأيام: وإذا بنفس الحادثة تُعرض على عمر -رضي الله عنه-
[هلك هالك عن زوج وعن أم وعن إخوة لأم وعن إخوة أشقاء]
فأراد أن يقضي على قضائه السابق
فجاء أحد الإخوة الأشقاء، فقال: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا أليست أمُّنا واحدة؟
نحن في الأم مجتمعون، حُرِمنَا بهذا الأب؟
فهنا اعترض بأمْرٍ وهو أنهم يشتركون مع الإخوة لأم –الأم واحدة-
فقام -رضي الله عنه- فقام فشرّك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث
فلم يجعل الثلث المتبقي للإخوة لأم
وإنما جعل الكلَّ من الإخوة لأم والأشقاء يشتركون في الثلث
-والمسألة مسألة فرضية ليست في هذا المَحَل-
وإنما أتِيَ بها من باب التوضيح والتدليل لهذه القاعدة المهمة التي يحتاج إليها طالب العلم
ولذا تسمى هذه المسألة ” المسألة المُشَرَّكَة “
نتيجة تشريك عمر الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث
وتسمى ” المسألة الحمارية ” للاعتراض السابق.
والمسألة مسألة نزاع بين الفرضيين:
أيُشَرَّك بينهم؟ أم أن الإخوة الأشقاء يسقطون؟
جمْعٌ مِن المحققين يرون بالرأي الأول الذي أخذه عمر، وهو الأقرب؛ لاتباع الدليل:
” أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَر “
ولا اعتبارَ ولا اعتدادَ بالقياس، ما قاسه هذا الرجل لا يُلتفَتُ إليه.
يلتفت إليه متى؟
لو لم يكن هناك نص، لكن بما أن النص قطعَ فنقطع به
فنقول: يُحجَبون أو يسقطون
هذه المسألة الحمارية أو المُشَرَّكَة، فهنا اجتهد عمر -رضي الله عنه-
ولذا قيل له: ألم تقضِ فيها عام كذا بكذا؟
فقال -رضي الله عنه- (وهذا هو موضع الشاهد من الدليل) تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا اليوم،
ولم يذهب -رضي الله عنه- إلى مَن قسم له في الحالة الأولى؛ وأن يخبره بأن اجتهاده قد تغير.
___________________________________________