الدرس ( 117 ) النية ( 2 ) ( أيقطع صلاته لو تردد أو فعل محظور ـ علق قطع النية ـ شك في النية )

الدرس ( 117 ) النية ( 2 ) ( أيقطع صلاته لو تردد أو فعل محظور ـ علق قطع النية ـ شك في النية )

مشاهدات: 588

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (117) من الفقه الموسع

من شروط صحة الصلاة: النيّة

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: ما الحكمُ فيما لو لم يَبقَ على تعيينِ نيته، وفي المقابل لم يقطع هذه النية؟

هذه المسألة لنجعل لها قاعدة يسيرُ عليها المذهب، حتى ننطلقَ مِن خلالها إلى ما ذُكِرَ مِن مسائلَ متفرقة تُنُوزِعَ فيها.

القاعدة [أن جميع العبادات تبطل إذا نوى قَطْعَها، إلا الحجَّ والعمرة] وهذه قاعدة متفق عليها.

والدليل على هذا: ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ: ” إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ “

 

فهذا دليلٌ على وجوبِ استمرارِ النيةِ في العبادة

وأما الدليلُ على كونِ الحج والعمرة لا يبطلان ولو نوى القطع، بل لو صرح بلسانه وقال: قطعت نُسُكي: فإن هذه العبادة لا تبطل

وهذا مما يتميز به الحج والعمرة: لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ] البقرة -196[

ولْتعلم: أن النيةَ في عبادة الحج يُتسامحُ فيها كثيراً إذا تُتبعت النصوصُ الواردةُ فيها.

ــــــــــــــــــ

القاعدة الثانية وهي عند فقهاءِ الحنابلة فيما اشتهر عندهم

[أن استمرار العزْم شرط من شروط صحة العبادة]

ومِن ثَم: تأتينا مسائل متفرقة تُنُوزِعَ فيها.

 

مسألة: لو أن المصلي علَّقَ قَطْعَ الصلاةِ على شرط، كأن ينويَ إن كَلّمَه فلان قَطَعَ صلاتَه،

 أو ينويَ بأن طُرِقَ عليه الباب أن يقطعَ صلاتَه

فهل تبُطلُ هذه الصلاة لوجود هذه النيةِ المعلقِ فيها قَطْعُ الصلاةِ على شرط؟

اختلف العلماءُ في هذه المسألة:

القولُ الأول: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد:

أنه متى ما نوى قطْعَ الصلاةِ مُعَلِّقاً قَطْعَها على شرط: فإنها تبطل، سواءً كلّمه فلان أو لم يكلمه، طُرِقَ عليه الباب أو لم يُطرَق

ويستدلون على ذلك بالحديث المذكور آنفا: ” إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ “

وعندهم شرط وهو: أن استمرارَ العزمِ المَحْضِ شرطٌ من شروط صحة العبادة؛ وذلك لأنه تابعٌ للنية.

 

 

 

 

 

 

القول الثاني: أن صلاته لا تبطل

ويستدلون على ذلك بالحديث المذكور آنفا، وهو حديث عمر: ” إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ “

فيقولون: إن الأصلَ هو بقاءُ النية، والقاعدةُ: أن الأصلَ بقاءُ ما كان على ما كان، ولا يكونُ العزْمُ مُخرِجاً النيةَ عن أصلْها، وهذا هو الصواب

بدليل: أنه قد يكلمُه فلان ولا يقطعُ صلاتَه، أو يُطرَقُ عليه الباب ويتراجعُ عن هذا الشرط.

وهذا هو اختيارُ الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-

 

فعندنا إذاً في هذه المسألة والتي تليها، عندنا أمران:

وهذان الأمران هما سببُ وقوعِ هذا الاختلاف

الأمرُ الأول: وهو متعلق بالحنابلة: أن العزم شرطٌ لبقاء النية

الأمر الثاني: وهو متعَّلق أصحاب القول الثاني: أن الأصل بقاءُ النية.

ولذا قد تلحظون بأنه في مسألة سابقة: لو نوى الصلاةَ بزمنٍ قبلَها، وهذا الزمنُ طويل فصلّى، فلا تصح صلاتُه على المذهب، ولكن -كما رجّحنا- أن الصلاةَ صحيحة بناءً على أن النيةَ باقية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: ما الحكمُ فيما لو كان يصلي وفي أثناءِ صلاتِه تردد أيقطعُها أو لا يقطعها:

كأن يُطرَقَ عليه الباب فتردد: أيُبطِلُ صلاتَه لكي يفتحَ الباب؛ ويَرُدَّ على الطارق؛ أم لا يُبطلُها؟

ج/ قولان لأهل العلم:

القول الأول: وهو المشهور من المذهب، والأدلةُ هي نفس الأدلة.

القول الثاني: وهو نفْسُ ما ذُكِر في المسألة السابقة من الترجيح والاستدلال

فتكونُ الصلاة في مثل هذه الحال على القول الراجح: صحيحة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: لو عَزَمَ على فِعلِ مَحظورٍ في الصلاة فلم يفعله، كأن يعزِمَ على الحَدَث، أو يعزم على الأكل، أو على الشرب، فما الحكم في مثل هذه الحال؟

ج/ المذهبُ يتفقُ مع أصحابِ القولِ الثاني في المسألتين السابقتين، يتفقُ معهم في هذه المسألة على صحةِ الصلاة؛ وذلك لأنه لم يعزِم على قَطْعِ النية، ولم يتردد فيها؛ ولم يُعلقها على شرط، وإنما هو عَزْمٌ حاصلٌ على فِعلِ محظور، وبما أن هذا المحظورَ المُبطِلَ لم يُفعَل: فالأصلُ بقاءُ نيتِه.

وهذا مما يُدخَلُ به عليهم في المسألتين السابقتين، وذلك بأن النيةَ قد حصل لها نوعٌ من الاختلال

لكن قد يُجيبون: بأن النيةَ ما حصل لها ما يَنقُضُها؛ لأن العزمَ هنا عَزْمٌ على فِعلِ محظور، فالنيةُ عنده باقية؛ والعزمُ على فِعل الصلاة باقٍ، لكن الذي جرى هو: عَزْمُه على فِعلِ المحظور،

وهذا قد يكونُ حتى للصائم: كأن لا يقطع نيتَه في الصوم وإنما يعزِم على أن يأكل أو أن يشرب، فالحكمُ في مسألة الصائم كالحكم هنا

هو لم يعزم على قطْعِها، ولم ينو قَطْعَها -يعني عبادة الصوم- فإن النيةَ باقيةٌ عندَه

لكن حصل عَزْمٌ على فِعلِ المحظور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ قال بعضُ فقهاءِ الحنابلة: إذا شكّ في النيةِ استأنف الصلاة

صُورتُها:

لو أن الإنسان دخلَ في الصلاة؛ فلما دخل في الصلاة شَكَّ: هل نوى أن يصلي أو لم ينو؟

فيُلزَمُ باستئناف الصلاةِ مِن جديد

مثلا: لو كان الشكُّ قد حصل له في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر، فإن عليه أن يستأنف وأن يكبر تكبيرة الإحرام من جديد ويأتي بأربع ركعات

لكن هل هذا القول مُسَلَّمٌ به؟

الجواب: غيرُ مُسَلَّم به؛ لأنه مَرَّ معنا أنه من تكليف ما لا يُطاق، أن يقال للإنسان: صلِّ ولا تنوِ الصلاة، فإنه بدخوله في الصلاة أو عند إرادته للصلاة قد نوى، فكيف يشك في هذا، هذا أمْرٌ صعب!

لكن قد يقول قائل: هذا موجود في الواقع، والواقع من الأدلة القطعية

ما ثبت عن طريق الحِس فإنه دليلٌ قطعيّ ليس دليلاً ظنيا

لو قيل: ما هو هذا الواقع؟ لأجاب فقال: إنا نرى كثيراً من الناس يدخلون في الصلاة ثم يستأنفونها من جديد.

ولو سألتهم: لقالوا شككنا! هل نوينا تكبيرةَ الإحرام أم لم ننو!

فما الجوابُ عن هذا؟

الجواب عن هذا: أن هذا الواقع ليس واقعاً مُطبَقاً مِن الكل، ثم هو يخالفُ ما عليه حالُ النبي ﷺ والصحابة، فإنهم ما كانوا يشكون كما يشك هؤلاء، فيُحكمُ على هؤلاء بأنهم موسوسون

-وهذا موجود نسألُ اللهَ أن يشفينا وإياهم-

فإن البعضَ من هؤلاء قد يبدأ مع الإمام مِن صلاة الفجر ثم يُعيدها! ويفرُغُ الإمام مِن الصلاة وتطلُع عليه الشمس وهو كلما دَخَلَ في الصلاة أعادها! ظنًّا منه أنه لم يحقق النية!

وهذا مِن تلاعب الشيطان؛ ومِن خطورةِ الجهل

فإن هؤلاء لو علِموا ما ذَكَرَه العلماء مِن سهولة النية لما تجرّعوا مِثلَ هذه الآلام، والآصار والأغلال.

إذاً مثل هذه المسألة التي ذَكَرها الفقهاء يبعُدُ أن تقع.