الدرس ( 121 ) صفة الصلاة ( 2 ) ( أيهما أفضل السكنى بقرب المسجد أم السكنى بعيدا عنه ؟ )

الدرس ( 121 ) صفة الصلاة ( 2 ) ( أيهما أفضل السكنى بقرب المسجد أم السكنى بعيدا عنه ؟ )

مشاهدات: 481

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (121) من الفقه الموسع

صفة الصلاة، آداب المشي إلى الصلاة

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ أيهما أفضل: السُّكنَى بقرب المسجد، أم السكنى بعيداً عنه؟

الشرح/ هذه المسألة قال عنها ابنُ حجر -رحمه الله-: استحباب السكنى قرب المسجد إلا إذا وُجِدَت مصلحةٌ راجحة.

ولعله أن يَستدل بما يأتي، لأن مَن بين هذه الأدلة ليست موجودة فيما ذَكَرَ -رحمه الله- وإنما ذَكَر:

الدليل الأول: أن بني سَلِمَة لمَّا أرادوا أن ينتقلوا إلى قُرب المسجد كما جاء عند البخاري، قال ﷺ:

” يَا بَنِي سَلِمَةَ ألَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ “،

 وفي حديث آخر: ” يا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ “

يعني: ألزموا ديارَكم، ولذا أرادوا أن يبتاعوا بيوتَهم؛ فلمَّا سمعوا من النبي ﷺ ذلك قالوا كما جاء عند مسلم: ” ما كانَ يَسُرُّنَا أنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا “

 

وقد ذُكِرتْ العلةُ في نهي النبي ﷺ في انتقالهم: ذلك حتى لا تعرى المدينة، كما جاء عند البخاري:

” أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أنْ يَتَحَوَّلُوا إلى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ أنْ تُعْرَى المَدِينَةُ “

وذلك لأنهم إذا انتقلوا عَرتْ جوانبُ المدينة من الناس فلربما يقلُ الأمن، ولربما لا تُهابُ المدينة فمُكثُهُم فيه منفعةٌ ومصلحة وهي حراسةُ المدينة.

فوجه الاستدلال في استحباب القرب: أن النبي ﷺ ذَكَر العِلة؛ ولم ينههم ﷺ عن الانتقال مجردا، فدلَّ على أن الأصل استحبابُ السكنى قريباً مِن المسجد.

 

الدليل الثاني: وهو لم يذكره -رحمه الله- أن النبي ﷺ كان قريباً من المسجد.

 

قلت: ويُحتمل أن يكون للبعيد أفضلية لما يأتي:

الدليل الأول: قوله عز وجل: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} ] يس -12[، فسرها بعضُ العلماء: بأنها المشي إلى المساجد.

الدليل الثاني: قوله ﷺ لبني سَلِمَة ” ألَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ “

الدليل الثالث: قولُه ﷺ لهم ” دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ “

الدليل الرابع: ما جاء عند البخاري: ” أَعْظَمُ النَّاسِ أجْرًا في الصَّلاةِ أبْعَدُهُمْ، فأبْعَدُهُمْ مَمْشًى “

 

الدليل الخامس: ما مر معنا من حديث: ” لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عنْه بهَا خَطِيئَةً “

 

الدليل السادس: ما جاء في صحيح مسلم من حديث أُبَيَّ -رضي الله عنه- في قصة ذلك الرجل الذي مسكنه بعيدٌ عن المسجد

” كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ – أَوْ قُلْتُ لَهُ -: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَفِي الرَّمْضَاءِ؟

 قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي -فأخبِرَ النبيُّ ﷺ – فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ “.

 

والذي يظهر لي -والله أعلم- أن ما ذَكَره ابنُ حجر -رحمه الله- هو الأظهر، وليس لِمَا ذكرتم وإنما

أولا: لأن هذا فِعلُ النبي ﷺ وكان قريباً من المسجد.

ثانيا: أن حال الصحابة في حديث أُبَيَّ يدل على أن الأكثرَ منهم كان قريباً من المسجد.

ثالثا: أن أمْرَه ﷺ لبني سلمة بالبقاء يدل على أن معظم الصحابة -رضي الله عنهم- إن لم تكن الغالبية الكبرى كانوا قريبين، إذ لو كان هناك غيرُ بني سَلِمَة لما أمَرَهم النبي ﷺ بالبقاء.

 

إذاً/ الأفضليةُ لمن هو قريب، اللهم إلا إذا وُجِدَت مصلحة راجحة؛ فيكونُ البُعد أفضل؛ وذلك كحال بني سَلِمَة حتى لا تَعرَى المدينة.

وكذلك كما قال ابنُ حجر -رحمه الله-: ” إذا كان يريدُ كَثرة الأجر ما لم يَشُق عليه “.

وهذا قولُه -رحمه الله- ولكن فيه شيءٌ مِن النظر، إذا أتتنا مسألةُ الذهابِ إلى المساجد:

ما هو الأفضل أهو القريب؟ أم البعيد؟ أم الأكثر جماعة؟

في حينها -إن شاء الله- يتبين هذا الشق الذي ذَكَره -رحمه الله- مِن أن البُعد أفضل إذا كان مقصودُه أن يحصل على أجرٍ كبير.

 

لو قال قائل: هل يشترط أن يحتسب الأجر في ذهابه ورجوعه؟

الجواب: من لم يحتسب العمل الصالح فلا أجرَ له، لقوله ﷺ:

” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى “

إذا احتسبَ ذلك مِن أول مرة وغاب عن ذِهنِه؛ فإنه يُكتَبُ له لما جاء عند ابن ماجة: ” الخيرُ عادة “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولو قال قائل: مَن كان قريباً من المسجد أيُسَنُّ له أن يُقارِبَ بين خُطاه حتى تكونَ خَطواته في العدد كخطوات مَن بَعُد؟

الجواب عن هذا: اختلف العلماء في هذا

القول الأول: لا يُقارِبُ بين خُطاه وإنما يمشي مشيا معتاداً.

القول الثاني: يُسن له ذلك، وقد أوردوا أثَراً عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-

وإذا قيلَ بترجيح القول الثاني: فلا يتكلف الإنسان مقاربة الخُطى تكلفاً يَشُقُّ عليه، أو يُذَمُّ في حركته،

ومع هذا كله فإننا نقول:

إن من بَعُد في خطواته ليس في الفضل والأجر كأجر مَن قَرُب وقارَبَ بين خطواته؛ وذلك لأن الخطوات البعيدة يحصُلُ فيها مِن المشقة ما لا يحصل مِن الخَطوات المُقارَب فيها.

ــــــــــ

ولو قال قائل: روايةُ الضم في (خُطوة) أو رواية الفتح في (خَطوة)، ألا تعطينا مُؤشِّراً على توضيح هذه المسألة؟ فإن (الخَطوة) كما سبق عبارةٌ عن المرة الواحدة

بينما الضم: (الخُطوة) عبارة عما بين القدمين

فهل تُفيدُ في هذا روايةُ الضم أو روايةُ الفتح، هل تفيدنا في هذه المسألة؟

الجواب: لو نظرنا إلى (خَطوة) و (خُطوة) لوجدنا أن:

(الخُطوة) عند أهل اللغة اسمُ هيئة

بينما (خَطوة) اسمُ مرة

فيُرادُ مِن الفتح هنا: العدد الذي هو الكَم

ويُرادُ مِن الضم: الهيئة الذي هو الكيف

وبالتالي: فإن القريب لو شاء أن تكونَ خَطواته كخطوات مَن بَعُد فإن روايةَ الفتح هي المناسبة له، لكن مِن حيثُ الهيئة: فإن من بَعُد أفضل

فلا يتساويان في الكيف إنما يتساويان في الكم الذي هو العدد.

 

وبالتالي: لو أن البعيد أراد أن يُقارِبَ خُطاه؛ فما الأفضلُ له؟

روايةُ الفتح، والذي ينبغي للمسلم ألا يتكلف، فإن قارَب خُطاه كما رآه بعضُ العلماء لا يتكلف.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ