الدرس ( 13 ) باب الآنية ( الآنية الطاهرة وغير الطاهرة )

الدرس ( 13 ) باب الآنية ( الآنية الطاهرة وغير الطاهرة )

مشاهدات: 492

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس الثالث عشر – باب الآنية

فضيلة الشيخ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الباب في اللغة: هو المدخل للشيء

في الاصطلاح: اسم يجمع مسائل من العلم،

وذِكر الآنية بعد ذكر أقسام المياه وما يتعلق بها ذكر مناسب، لأن الماء بطبيعته سيال فيحتاج إلى ما يجمعه.

 

ومن أولى مسائل هذه الباب:

مسألة: [آنية وثياب عموم الكفار طاهرة ولو لاقت عوراتهم ما لم تتيقن نجاستها والأولى تركُها]

الشرح/ هذه المسألة لها شقان:

الشق الأول: أوانيهم

الشق الثاني: ثيابهم .

 

أما الشق الأول: وهو آنية الكفار حكمها الطهارة :

ويدل لذلك أحاديث وآثار كثيرة :

من بينها: ما جاء في الصحيحين: ” أن رسول الله ﷺ استعمل مزادة امرأة مشركة “

ومنها :

ما جاء عند البخاري: ( ( اليهودية التي وضعت السم في الشاة التي أكل منها النبي ﷺ أو نهس منها نهسة ) )

وهذا دليل على طهارة أوانيهم

ومنها: ((  وضوء عمر رضي الله عنه من جرة امرأة نصرانية ) )

والنصوص كثيرة

وهذه نصوص من السنة ومن الآثار، ومن كتاب الله عز وجل:

قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

فأباح لنا أن نأكل مِن طعامِ أهلِ الكتاب، وطعامُهُم هي: الذبائح كما فَسّرَها ابنُ عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري.

 

ولا شك أنهم سيقدمون هذا الطعام في أواني

فهذه النصوص وغيرها تدل على طهارة أوانيهم .

 

لكن هناك حديث قد يوقعنا في إشكال:

وهو حديث أبى ثعلبة الخُشني رضي الله عنه كما في الصحيحين قال: (( يا رسول الله إنا بأرض أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ))

 

فنهى النبي ﷺ عن استعمال أوانيهم، ولم يرخص إلا إذا عدمت غيرها وترخيصه باستعمالها بانعدام غيرها مشروطٌ بالغَسْلِ أيضا.

والجوابُ عن هذا الحديث حتى تتوافقَ النصوص وتجتمع:

أن يقال: إن هذا النهي على سبيل التنزيه، أو أن سؤال أبي ثعلبة عن قوم عُرفوا باستخدام النجاسة فيها كالخنزير ونحوه، فهذا محمولٌ على قومٍ عُرفوا باستخدام النجاسة.

وجاءت رواية بذلك عند أحمد وأبي داود : (( وهم يطبخون في آنيتهم الخنزير ويشربون فيها الخمر ))

والقاعدة الشرعية تقول:

[ ( إعمال الدليلين أولى من ترك أحدهما ) ]

 

وإباحة آنية الكفار إباحة مطلقة على مختلف نِحَلِهِم ومِلَلِهِم وذلك كأواني المجوس والوثنيين فالأصل فيها الطهارة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الشق الثاني: ثياب الكفار .

 

فثيابهم طاهرة، والدليل على طهارتها:

أن النبي ﷺ يلبس مما خاطوه ونسجوه

ومنها: ما يُغنَمُ مِن الكفار من أسلحةٍ وثياب ونحوها، حتى لو كانت هذه الثياب تُلاقي عوراتِهِم، بناءً على الأصل، مع أنه قد يَغلِبُ على الظن نجاستُها لعدم توقيهم للنجاسة

ولذا :

استحب الإمام أحمد رحمه الله أن تُترك الثياب التي لاقت عوراتهم

 

وكل هذا إذا لم يتيقن نجاستها، فإذا تيقن نجاستها فتخرج عن الأصل

وكما هي القاعدة: [ ( اليقين لا يزول إلا بيقين  ) ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: [كل إناء طاهر ولو ثمينا يباح اتخاذه واستعماله إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما]

الشرح:

هذه المسألة مبنية على الأصل، والأصل في الأشياء الحل والطهارة

لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}

وقال تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

وقال تعالى :{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ }

 

فكل إناء سواءً كان كبيرا أم صغيرا باهظ الثمن أو قليلَ الثمن: فيجوز اتخاذه واستعماله بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون طاهرا

الشرط الثاني: أن يكون من غير الذهب والفضة

 

فمثال ما يجوز اتخاذه واستعماله:

ما كان مصنوعا من لؤلؤ أو زَبَرجَدٍ أو مرجان أو ألماس

 

وتعبير الفقهاء بقولهم: ( ولو كان ثمينا ) :

يشير إلى وجود خلاف، إذ إن بعض العلماء يرى أنه لا يجوز اتخاذ واستعمال ما هو ثمين

وذلك لأسباب، من بينها :

أن فيه نوعاً من الإسراف مع وجود أواني يُستغنى بها عن هذا الثمين

ومنها : أن فيها كسْرا لقلوب الفقراء الذين لا يجدون ما يشبع بطونهم

ومنها: أن فيه تعويدا للنفس على الترف، والنبي ﷺ كما في سنن أبي داود :

(( نهى عن كثير الإرفاه ))

 

وأما من يقول بجواز استعماله واتخاذه، يستدل بقول النبي ﷺ كما في الصحيحين :

 ((  لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ))
وقال عليه الصلاة والسلام :

(( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ))

 

فذكره عليه الصلاة والسلام الذهب والفضة في هذا الحديث دون غيرِهِما: يدل على جواز استخدام ما سواهما،

 وأما ما ذكره القائلون بالمنع فيوافقون عليه لكن لا يصل إلى التحريم والتأثيم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

فخلاصة القول: أن كل إناء ولو كان ثمينا يجوز اتخاذه واستعماله وذلك عند توفر شرطيه ،

الشرط الأول: أن يكون طاهرا

فإذا كان نجِسا فلا يجوز استعمالُه لأن النجس لا خيرَ فيه

الشرط الثاني: أن يكون غير إناء فضة أو ذهب أو مطلي بهما، أو مموه بهما، وذلك لوجود النهي الصريح كما ذُكِرَ في الحديثين السابقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والعلة في تحريم الذهب والفضة:

قال بعض العلماء : ” أن فيها زيادة ترف “

وقال بعض العلماء:” أن فيها كسْرا لقلوب الفقراء “

ولكن الصحيح : أن العلة منصوص عليها فلا يُتَعداها إلى غيرها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:

(( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ))

وبيانُ هذه العلة المنصوصة ما قاله ابنُ القيم رحمه الله:

[ من أن الذهب والفضة تُكسِبُ القلبَ ضَعفا في العبودية، فلا يُقدِمُ عليها إلا من هو بعيدٌ عن عبادة ربه ]

ولذا: أخبر أنها في الدنيا للكفار.

 

ولتعلم: أن هذا الحكم وهو النهي في شأن الذهب والفضة عامٌّ للرجال والنساء على حدٍّ سواء،

 وإنما استُثنيت المرأة في اللباس لحاجتها إلى تكميل نَقْصِها الطبيعي، ولذا/ قال بعض العلماء:

يجوز أن تتحلى بما جرت العادة به ولو كثر، قال تعالى مبينا نقص المرأة وموضحا حاجتها إلى الحلي قال تعالى: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ  }

وسيأتي بإذن الله تعالى حديث عن حلي النساء أوسع من هذا.

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَفِي إِحْدَى يَدَيْهِ ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ، وَفِي الْأُخْرَى ذَهَبٌ، فَقَالَ : ” إِنَّ هَذَيْنِ مُحَرَّمٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ “.

 

وقد قال بعض العلماء:

إن الحديث جاء بالنهي عن الشرب والأكل إذ قال عليه الصلاة والسلام :

(( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما ))

فلا يُتَعدى عن هذا إلى غيرِ الأكل والشرب، ومِن ثَم فعندهم يجوز أن يتوضأ في إناء ذهب أو في إناء فضة أو أن يغترِفَ بهما مِن ماء لأن النهي مختص بالأكل والشرب

وقال بعض العلماء :

إن التحريم عام في الأكل وفي الشرب والاتخاذ والاستعمال وسائر وجوه الانتفاع، لأن قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تشربوا ولا تأكلوا )) جاء في سياق بيان الغالب

والقاعدة الأصولية تقول:

[( إن النص إذا جاء في سياق الغالب فلا مفهوم له )] فيلتغى المفهوم .

 

فيقول أصحاب القول الأول:

[ إن له مفهوما بدلالة أن النبي ﷺ  قال في الفضة:

(( العبوا بها لعبا ))  ]

وهو عليه الصلاة والسلام اتخذ خاتما من فضة

فهذه الأحاديث تدل على الاقتصار على الأكل والشرب

 

ومن ثم :

فإن أصحاب هذا القول يقولون: (( يجوز أن تُلبَسَ الفضة بالنسبة للرجال لأن لبسه للنساء لا إشكال فيه فقالوا: ”  يجوز أن يلبس فضة لقوله عليه الصلاة والسلام : (( العبوا بها لعبا )) ولاتخاذه عليه الصلاة والسلام خاتم الفضة .

ومن ثم :

لو لبس ” كبكا من فضة ” فيجوز على هذا القول أو ” أزِرةَ فضة ”  فيجوز أما الذهب فمحرم، فيحرم لبسه ، لأنه عليه الصلاة والسلام لما رفع الحرير والذهب قال:”هذا حل لإناث أمتي حرام على ذكورها”

ويختار هذا القول شيخ الإسلام ويتبعه في ذلك علامة هذا العصر الشيخ ابن عثيمين يرحمهما الله

 

والصحيح : خلاف ما يراه شيخ الإسلام

وذلك لأن حديث النبي ﷺ: (( العبوا بها لعبا )) ينظر إلى صدره

فصدر الحديث :

قوله عليه الصلاة والسلام: (( من سره أن يلبس حبيبه سوارا من نار فليبسه ذهبا )) وعدد أشياء إلى أن قال: (( أما الفضة فالعبوا بها لعبا ))

 

ودلالة هذا الحديث :

[ أن الذهب كان محرما على النساء وإنما المباح لهن الفضة بدلالة عجز الحديث ثم أبيح لهن الذهب وصدر الحديث يقول: (( من سره أن يُلبس حبيبه )) ولم يقل من سره أن يَلبس .

فيكون : (( العبوا بها لعبا )) يُرد إلى صدر الحديث، يعني: ألْبِسْ حبيبَك ما تشاء من الفضة ،

 والحبيب في هذا هو: الأنثى

ومجيء كلمة الحبيب يراد بها الأنثى وارد في اللغة كمجيء كلمة زوج المراد بها الأنثى

 

ويُرد عليهم أيضا:

بأنه عليه الصلاة والسلام قال: (( فإنها لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة))

فدل على أنها ليست لنا لا الذهب ولا الفضة في الدنيا، ومن بين ذلك اللبس ، لأنه قال عز وجل في نعيم الجنة : (( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ  ))

ونحن نريد الآية الأخرى إذ قال عز وجل: (( وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ))

وهذا نوع من أنواع لبس الفضة إذ لو كانت لنا في الدنيا لبسا لما كان في ذكره عليه الصلاة والسلام أي معنى : (( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )) لما كان فيها أي معنى .

ولا يدخل علينا بلبس خاتم الفضة منه عليه الصلاة والسلام لأن المُشرع أجاز لبس خاتم الفضة فلا يُتعدى عن هذا إلى غيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

وحكم المطلي أو المموه كحكم الكل فحكم بعض الذهب والفضة كحكم جميعه

 

لو قال قائل: إن النبي ﷺ لم يذكر المطلي ولا المموه؟

الجواب: عموم النص يدخل فيه المطلي والمموه لأنه قال: (( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة )) وهذا عام في قليله وكثيره، ولرواية: (( ولا في شيء منهما ))

ولذا: لما انكسر قدحه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري من حديث أنس: (( اتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة ))

 

أما بالنسبة إلى لون الذهب أو لون الفضة :

فيجوز إن لم يكن له جُرم وذلك لأنه استحال فلم يبقَ الذهب ولا الفضة أيُّ أثر.

وضابطُه:

أنه لو عُرض على النار لما نزل منه شيء ويكون حكمه كالعدم

وذلك كالخمر إذا استحالت ولم يبق لها أثرٌ مطلقا فإذا استحالت في الشراب فلا حكم لها

والدليل:

أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يأكلون جبنَ المجوس وهم يضعون فيها أنفحة الميتة، وهي مادة صفراء تكون في كرش البهيمة الرضيعة التي لم تأكل الطعام، فتوضع هذه المادة الصفراء على اللبن فيتجمد

فكانوا يأكلون هذا الجبن لأن هذه المادة قد استحالت ولا أثر لها

وإذا كان هذا اللون لا جرم ولا أثر له من الذهب والفضة فمن باب أولى الألوان الصفراء من غير الذهب