بسم الله الرحمن الرحيم
شرح كتاب ( منهج السالكين ) ـ كتاب الطهارة الدرس ( 13 )
باب التيمم
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
باب التيمم: [ وهو النوع الثاني من الطهارة ]
الشرح/ التيمم هو النوع الثاني من أنواع الطهارة، لأن الطهارة إما أن تكون طهارة بالماء وإما أن تكون طهارة بالتراب، فما مضى طهارة بالماء وما هاهنا طهارة بالتراب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ وهو بدل عن طهارة الماء إذا تعذر استعمال الماء لأعضاء الطهارة، أو بعضها لعدمه أو خوف ضرر باستعماله ]
التيمم يكون صحيحا إذا انعدم الماء قال تعالى: { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } وانعدامُ الماء لا يكون من أول وهلة، فلابد أن يبحث عنه الإنسان وأن يلتمسه، فإذا لم يجده فله أن يعدل إلى التيمم،
وكذلك يصح التيمم مع وجود الماء إذا خاف من استعمال الماء أن يُلحِقَ به ضررا في نفسه أو في ولده أو في ماله، كيف؟ لو استعمل الماء فجسمُه لا يتحمل الماء، يُهَيِّجُ عليه أمراضا: هنا وُجِد الماء وصَحَّ تيممُه، إذاً ما يقال: [ إذا حضر الماء بطل التيمم ] خطأ، لأنه قد يحضر الماء ولا يبطُل التيمم، فقد يكون الإنسان مريضا يتأثر بالماء فيعدل إلى التيمم.
أو لو استعمله تضرر أهلُه: كأن يكون لديه ماء يكفي للوضوء ولكن أهله يحتاجون إلى هذا الماء لشُربِه، فهنا يعدل إلى التيمم.
أو احتاجت إليه بهائمُه: لو كان في الصحراء وعنده ماء لهذه البهائم، ولو توضأ بهذا الماء أو اغتسل بهذا الماء ماتت هذه البهائم، هنا يعدل إلى التيمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( فيقوم التراب مقام الماء بأن :ينوي رفع ما عليه من الأحداث، ثم يقول: [ بسم الله ]، ثمّ يضرب التراب بيديه مرة واحدة، يمسح بهما جميع وجهه وجميع كفيه، فإن ضرب مرتين فلا بأس)
الشرح/
( أن ينوي رفع ما عليه من الأحداث )
لابد من النية لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين:
” إنما الأعمالُ بالنيات ” فإذا أراد أن يتيمم لابد من النية، والنية هي الإرادة، كما أنه لو أراد أن يتوضأ لابد من النية، وتحقيقُ النية سهل ويسير، فمتى ما أراد الوضوء أو أراد التيمم فقد نوى، فلا يُلتفت إلى أعمال الموسوسين الذين يظنون أن تحقيق النية أمرٌ صعب! كلا، متى ما أردتَ الشيء فقد نويتَه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ثم يقول : بسم الله ) باعتبار أن البسملة سنة على قول أو واجبة على قول عند الوضوء،
فيقولون: إن التيمم قام مقام الماء فيأخذُ حُكمَه، ويدخلُ ضِمن حديث النبي ﷺ:
” كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُذكَرُ فِيهِ اسمُ الله فهو أَقْطَعُ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ثم يضرب التراب بيديه مرة واحدة، يمسح بهما جميع وجهه وجميع كفيه )
التيمم يكونُ بِضربَةٍ واحدة على الأرض، فيضرب بكفيه على الأرض ضربةً واحدة، ثم يمسحُ وجهَه ويمسح كفيه،
وهذا التيمم بهذه الصفة يكونُ في الحدث الأكبر وفي الحدث الأصغر:
فلو كانت عليه جنابة وانعدم الماء أو خشِيَ من استعمال الماء، فإن التيممَ عن الجنابة نفس التيمم عن الحدث الأصغر سواءً بسواء، كما في قصة عمَّار بن ياسر – رضي الله عنه – في الصحيحين.
( فإن ضَرَب مرتين فلا بأس) هذا بناءً على ما جاء من أحاديث، ولكن هذه الأحاديث عند المحققين هي أحاديث معلولة، فإن الصواب كما جاء في الصحيحين:
[ أن تُضرَبَ الأرض مرةً واحدة، وأن يكونَ المسْحُ للوجه والكفين ]
أما ما جاء مِن أحاديث: [ ضَرْب الأرض مرتين، أو أن المسْحَ يمتد من الكفين إلى الساعدين، أو إلى المِرفَقين، أو إلى الآباط: فهي أحاديث غيرُ صحيحة ]
فالصواب ما ذُكر: يضرب بيديه الأرض مرةً واحدة ويمسح وجهه ثم يمسح كفيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( قال الله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة6 ) .
ذكر المؤلف هذه الآية من أجل أن يبينَ أن التيممَ يكونُ صحيحا عند انعدامِ الماء،
ولعله يستفاد منها: أن كلَّ ما تصَعَّدَ على وجهِ الأرض مما هو من جنس الأرض يجوزُ التيمم عليه،
مِن ترابٍ وحصى ورمل وجِبْسٍ وما شابه ذلك، لأنه صعيد، وما تصَعَّدَ على وجه الأرض مما هو مِن جنس الأرض.
ولعل الآية يستفاد منها: أن الترابَ يجب أن يكون طيبا طاهرا، فإن كان نجِسا فإن النجِسَ لا يُطَهِّر،
وذَكَر في هذه الآية صفة التيمم وهو: أن يمسح وجهَه، ويمسح كفّيه بالتراب، فبيَّن أن هذا تَطَهُّر، ومَن عَدَلَ عنه أو أَنِفَ منه فإن فيه شَرًّا كبيرا، لأن الله سبحانه وتعالى جعله تطُهَّرا لِرَفْعِ الحَرَجِ والضررِ عَنّا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال:
” أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ولم تَحِلّ لأحدٍ قبلي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عامّة ” متفق عليه).
هذا الحديث بيَّن فيه النبيُّ ﷺ الخصائصَ التي امتاز بها عن الرسل الآخَرين، وهي ليست محصورةً في هذه الخمس، بل وردت أحاديث أكثر مما ذُكِر هنا، وبيّن النبي ﷺ أن من خصائص هذه الأمة هو:
[ التيمم ] لأن الأممَ السابقة لا يصِحُّ منها تَطَهُّرٌ إلا بالماء، أما التيمم بالتراب فإنَّ هذا مِن خصائصِ هذه الأمة، بل إن من خصائصها أن هذه الأرض جُعلت لها ” مَسْجِدًا وَطَهُورًا ” بمعنى: أنه يُصَلّى في أيِّ مَوضع طاهر، ما عدا المواضِع التي استثناها الشرع،
ولذلك الأمم السابقة كانت لا تصح منهم عبادة إلا في مواطِنِها في البِيَع والكنائس وما شابه ذلك، أما نحن أمة محمد ﷺ فقد وسَّع الله عز وجل علينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى 🙁 ومن عليه حدث أصغر لم يحِلَّ له: أن يصلي )
مَن كان مُحدِثًا سواء كان حدثا أصغر أو أكبر لا يجوز له أن يصليَ، لقول النبي ﷺ:
” لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ “
وقال عليه الصلاة والسلام:
” لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ “
فإن فَعَلَ فَصَلّى مِن غيرِ وُضوء مع عِلْمِه متعمدا: فإنه قد ارتكبَ كبيرةً مِن كبائرِ الذنوب، بل ذَهَبَ بعضُ الأئمة كالإمامِ أبي حنيفة – رحمه الله – ذَهَبَ إلى إنه كافر لأنه مستهزئٌ بالله عز وجل، فإنه لما وقف بين يدي الله ولم يأتِ بالوُضوء استهزاءً بالله جل وعلا، ولكن ما عليه الجمهور هو الصواب:
أنه يكون مرتكبا كبيرةً من كبائرِ الذنوب، فلا يجوزُ للمسلم أن يصليَ من غيرِ وُضوء،
ولا يجوزُ له إذا أحَدَثَ في الصلاة أن يبقى فيها، بل الواجبُ عليه أن ينصرف، فقد يأنَف الإنسان من أن يخرُج من صلاته، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود:
” إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لْينْصَرِفْ “
يأخذ بأنفه حتى يُوهِمَ الناس أنَّ به رُعافًا، وأن سببَ خروجِه هو الرُّعاف.