الفقه الموسع
الدرس ( 130 )
مسألة :
ما السنة في نظر المصلي في صلاته ؟
ما حكم رفع البصر إلى السماء في الصلاة وفي الدعاء ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسائل :
ــــــــــــــــــــــــــــ
ما حكم رفع البصر إلى السماء في الصلاة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف العلماء في هذه المسألة :
قال بعضهم : يكره :
ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين :
قوله عليه الصلاة والسلام :
((لينتهينَّ أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء أو لتخطفن ))
وفي رواية لمسلم : (( أو لا ترجع إليهم ))
وفي رواية عند البخاري أنه شدد الإنكار فقال :
(( لينتهن أو ليخطفن ))
ليخطفن : لبناء الفعل على اسم الفاعل
وفي رواية للبخاري مضبوطة بهذا النطق :
((ليُنتهيَن )) لبنائه على اسم المفعول
ويستدلون بما جاء في سنن أبي داود وهو سبب هذا الحديث :
أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل على بعض أصحابه في المسجد وهم يصلون وقد رفعوا أبصارهم إلى السماء “
وذكر الحديث
القول الثاني :
ــــــــــــــــــــــ
أن هذا الفعل محرم ، ولكن لا تبطل به الصلاة
وهو قول الجمهور
أما القول الأول : فهو رواية عن الإمام أحمد وقد يأتي ذكر هذه المسألة في باب مكروهات الصلاة التي ذكرها الحنابلة
لأن النص جاء بالوعيد الشديد الذي قد يوصل إلى الوقوع في الكبيرة
القول الثالث :
ــــــــــــــــــــــ
قال الشوكاني بالغ ابن حزم فقال :
” تبطل به الصلاة “
وكما قلت لكم “ : ” إن قاعدة ابن حزم أن فعل المنهيات في الصلاة يبطل الصلاة “
ولو قال قائل :
ما الحكمة في النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ؟
فالجواب عن هذا :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن أول الحكم هو اتباع الشرع بامتثال ترك المنهي
وقد سبق معنا أن أعلى الحكم هي اتباع الشرع
أما ما استنبطه العلماء فإنهم اختلفوا :
الطائفة الأولى :
وهي لا يعتد بها في قولها ولكن يذكر من باب الرد عليهم لأن السلف كفروهم وهي طائفة الجهمية :
قالوا : نهي عن رفع البصر إلى السماء لأن الله ليس في العلو ، فلو رفع بصره إلى السماء لظن أن الله في العلو وليس في العلو
القول الثاني مع أنه هو الأول في الحقيقة :
أن النهي من أجل ألا تُختطف الأبصار بسبب الأنوار التي تنزل بها الملائكة
ولذا في قصة أسيد بن الحضير كما في صحيح البخاري لما قرأ القرآن ونزلت الملائكة ورأى النور :
فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى عنهم ))
ويؤيد هذا القول :
ما جاء في رواية أبي داود :
(( لا تُلتمع ))
القول الثالث :
ــــــــــــــــــــــــــ
وهو بالحقيقة هو القول الثاني :
أن النهي من أجل إحضار القلب والخشوع في الصلاة
وهذا هو رأي شيخ الإسلام كما ذكر في الفتاوى
وهو الصواب
ويستدل على ذلك :
بأن إغضاض الطرف يحصل به خشوع البصر الذي يعود على القلب بالإقبال على الصلاة ))
قال تعالى :
(( خشعا أبصارهم ))
وقال تعالى :
(( خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي ))
وأما ما ذكرته الجهمية :
فالجواب عما ذكروه من ثلاثة أوجه ذكرها شيخ الإسلام في الفتاوى :
الأول :
ـــــــــــــ
التقرير المسبق لكم في كتاب التوحيد من أن علو الله عز وجل دل عليه أكثر من ألف دليل
وذكرنا أن العلماء جعلوا ما يصل إلى عشرين طريقة في إثبات العلو
وفي كل طريق فيه أدلة كثيرة
الجواب الأول :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنه لو كانت هذه العلة لنبه النبي عليه الصلاة والسلام عليها
الوجه الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لو كان النهي من أجل هذه الحكمة لنهي المسلم عن النظر إلى السماء في جميع الأحوال
مع العلم أن النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى السماء :
(( قد نرى تقلب وجهك في السماء ))
النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عباس في قصة نومه في بيت خالته ميمونة ورؤيته لصلاة النبي عليه الصلاة والسلام قال : قام النبي عليه الصلاة والسلام ورفع بصره إلى السماء
فلو كانت هذه الحكمة لكان النهي شاملا في جميع الأحوال
الوجه الثالث :
ــــــــــــــــــــــــ
لو كان كما قلتم ما جاز لأحد أن ينظر لا إلى عن يمينه ولا عن يساره ولا في أي مكان
لم ؟
لأنهم لما أنكروا العلو وقعوا في شيء فاسد أفسد مما ظنوه قالوا : ليس بداخل العالم ولا بخارجه وليس في جهة
إذاً إذا كان على قولهم ليس في جهة فلا يجوز إذاً أن ينظر أحد إلى أي جهة
وهذا رُتب عليه أن هذا الأمر أفضى بهم أن يقولوا بالحلول بأن الله حل في كل مكان ، أتى عبادهم وزهادهم فوصلوا إلى هذه المرحلة فقالوا :
” إن الله قد حل في كل مكان “
جاء نظراؤهم ومفكروهم بهذه الأفكار الخبيثة ، وهم ما يسمون بالاتحادية ، فقالوا :
إن الله اتحد في كل شيء
فكل ما تراه هو الله
ومن ثم فإن قريشا لم تعبد الأصنام على قولهم إذاً ليسوا بكفار
على قولهم : ليس فرعون بكافر
وهلم جرا من هذه الأفكار الفاسدة التي ترتبت على قولهم
ولو قال قائل :
ــــــــــــــــــــــــــــ
وردت رواية عند مسلم : نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن رفع البصر إلى السماء في الدعاء
فماذا يصنع بهذه الرواية ؟
قال ابن حجر :
يحتمل : أن يحمل المطلق على المقيد فيكون المقصود بالدعاء في رواية مسلم هو الدعاء في صلب الصلاة
ويكون النهي عن رفع البصر في الصلاة خُص به موضع وهو موضع الدعاء في الصلاة
أما ما عدا الدعاء في الصلاة فيفهم على احتماله رحمه الله أنه يجوز
ولكن هذا الاحتمال ليس مقبولا لأمور :
الأمر الأول :
أن مثل هذه المسألة بورود الروايات لا يحمل فيها المطلق على المقيد وإنما يبقى كل حديث على ما هو عليه فيقال :
إن القاعدة المقررة هنا ليس هو حمل المطلق على المقيد
وإنما هي : التنويه بذكر بعض أفراد العام للتنبيه على الاهتمام به
فيكون النهي عن رفع البصر إلى السماء في جميع أحوال الصلاة وبالأخص في الدعاء
مرت بنا قاعدة :
” ان ذكر بعض أفراد العموم لا يدل على التخصيص إنما يدل على الاهتمام بهذا المذكور من أفراد العموم “
كما لو قلت : أكرمْ المصلين
ثم قلت مرة أخرى : أكرم زيدا
وزيد من جملة المصلين
فهل يراد من ذلك أن الإكرام يخص به زيد ؟
أم أن الإكرام يعم ويخص زيد بمزيد من الإكرام
الأمر الثاني :
أن الخلاف وقع بين العلماء في النهي عن رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء خارج الصلاة
كما لو دعا إنسان وهو خارج الصلاة كمثل حالتنا هذه ورفع بصره الى السماء أيجوز له أم لا يجوز ؟
اختلف العلماء في مسألة رفع البصر في الدعاء خارج الصلاة
فقال بعض العلماء كما نقل ذلك النووي عن القاضي عياض في شرح صحيح مسلم قال :
إن بعض العلماء قالوا :يكره
ولعلهم يستدلون بالرواية المذكورة في صحيح مسلم :
فإنه ذكر الدعاء ولا فرق أن يكون ذلك الدعاء خارج الصلاة أو داخلها
وقال بعض العلماء :يجوز
وهم الأكثر كما نقل :
ويستدلون على ذلك بأن رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء خارج الصلاة بأن السماء قبلة للدعاء
فكما يجوز رفع الأيدي إلى السماء فكذلك يجوز رفع البصر
ويؤخذ على الرأي الأول :
أو قد يعترض عليه بما يلي :
أولا :
ـــــــــــــــ
أن الرواية التي جاءت عند مسلم نصها :
(( عند الدعاء في الصلاة ))
فخصص الدعاء بداخل الصلاة
ويمكن أن يجيب عن هذا الدليل : بأن المقصود هو الدعاء سواء كان خارج الصلاة أو داخل الصلاة
فما أكد عليه الصلاة والسلام على كلمة الدعاء إلا لأن النهي وارد على هذا الدعاء بقطع النظر عن أن يكون داخل الصلاة أو خارجها
الأمر الثاني :
ـــــــــــــــــــــــ
ما جاء في حديث أم سلمة الذي مر معنا :
وحديث أم سلمة :
(( كان إذا خرج من بيته رفع طرفه إلى السماء فقال : اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي ))
وهذا الحديث أقوى في الاستدلال من الحديث السابق
لأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع طرفه إلى السماء وقال هذا الدعاء
ويمكن أن :نجيب عن هذا الحديث :
بأن هذه الجملة وهي رفع الطرف إلى السماء مضعفة فقد ضعفها بعض العلماء
ولذا يرى الألباني في أول أمره أن هذه الجملة صحيحة
وله كتاب :
” ضمن فيه الأحاديث التي تراجع عنها من الصحة إلى الضعف أو من الضعف إلى الصحة ، وأثبت أن جملة رفع الطرف إلى السماء في حديث أم سلمة لا تصح “
ومن ثم يبقى قولهم فيه شيء من القوة
وأما أصحاب القول الثاني :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن ما نقل من الأكثرية بهذا التعليل فإنه نقل لا ينبغي أن ينقل من الإمام النووي دون أن يعقب عليه
لم ؟
لأن الأشاعرة يرون أن قبلة الداعي إلى السماء وهذا باطل من وجوه
ذكرها ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية
وبطلانه فيما يلي :
أولا :
ــــــــــــ
أنه لم يرد عن سلف هذه الأمة أنهم قالوا بأن قبلة الداعي هي السماء
فكيف يكون الأكثر يرون أن قبلة الداعي هي السماء
الرد الثاني :
ــــــــــــــــــــــ
أنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام لا من قوله ولا من فعله أن الدعاء قبلته هو السماء
فإن دعائه عليه الصلاة والسلام يتوجه إلى القبلة
ومن قال / : أن هناك قبلتين فقد ابتدع في الدين
أين الدليل على أن هناك قبلتين في الدين ؟
الرد الثالث :
ـــــــــــــــــــــ
أن القبلة هي ما يقابلها الإنسان بوجهه
فضد الاستقبال الاستدبار فالقبلة هي ما يقابلها الإنسان بوجهه
أما ما يحاذي رأسه فإنه لا يسمى قبلة لا لغة ولا شرعا
ونخلص من هذه المسألة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى أن الأولى بالمسلم ألا يرفع بصره إلى السماء أثناء الدعاء لما في رواية مسلم من الإلماحة ولم أر دليلا لا ضعيفا ولا صحيحا ينص على هذه المسألة
والعلم عند الله
ــــــــــــــــــــــــــ