الفقه الموسع
الدرس ( 139 )
تتمة مسائل البسملة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد بيان الراجح في كون البسملة آية أو ليست بآية من القرآن وكان الراجح :
أنها آية تبتدئ السورة بها وليست من السورة نفسها ويستثنى من ذلك سورة براءة
فإذا كان هذا الراجح فينظر في المسألة التي تليها :
وهي أن البسملة هل هي بما أنها لم تكن آية من سور القرآن هل هي آية في سورة الفاتحة أم ليست بآية ؟
هذه المسالة اختلف فيها على قولين :
القول الأول :
ــــــــــــــــــــ
أن البسملة آية من الفاتحة :
ويستدلون على ذلك بما يلي :
أولا :
ـــــــــــ
ما جاء بالتصريح في ذلك :
هو حديث أبي هريرة عند الدارقطني :
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين إلى أن قال :
” فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها “
وهذا نص واضح في أن البسملة آية من سورة الفاتحة
الدليل الثاني :
ـــــــــــــــ
ما جاء في صحيح مسلم:
من حديث أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال فيما يرويه عن ربه عز وجل :
قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين الى ان قال فإذا قال : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))
قال الله عز وجل : (( هذه لعبدي ولعبدي ما سأل ))
وهذه : اسم إشارة يدل على المفرد المؤنث
ففهم من اسم الإشارة :
أن المقصود من قسم الصلاة :
أن القسم الأول :
حمد وثناء وتمجيد لله عز وجل
والصنف الثاني وهو النصف الآخر :
أن نصف الفاتحة ثناء وتضرع إلى الله عز وجل
ومن ثم : فإن عدم ذكر البسملة لا يدل على أنها ليست من الفاتحة
القول الثاني :
ــــــــــــــــــــــ
أن البسملة ليست من الفاتحة
ويستدلون على ذلك بما يلي :
أولا :
حديث أبي هريرة المتقدم
فإذا قال العبد : (( الحمد لله رب العالمين ))
قال الله عز وجل : حمدني عبدي
وإذا قال : (( الرحمن الرحيم ))
قال الله عز وجل : أثنى علي عبدي
وإذا قال : (( مالك يوم الدين ))
قال الله عز وجل : مجدني عبدي ،
وإذا قال : (( إياك نعبد وإياك نستعين ))
قال الله عز وجل : هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل
فإذا قال : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))
قال كما في رواية مسلم الأخرى قال :
(( هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل ))
وهؤلاء : اسم إشارة ينصرف الى الجمع
فيكون من قوله عز وجل :
((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ )) إلى قوله : ((وَلاَ الضَّالِّينَ )) ثلاث آيات
ويكون قوله عز وجل : ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) هذه الآية الرابعة
وإذا قال : ((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} )) هذه ثلاث آيات
إذاُ هي سبع من غير البسملة
ومن هنا يتضح ما استدل به أصحاب القول الأول براوية مسلم التي هي هذه فأرادوا بهذا أن يردوا على ما استدل به أصحاب القول الثاني برواية هؤلاء .
الدليل الثاني :
ـــــــــــــــــ
أن البسملة في كونها ليست بآية هذا مما يتناسب مع اللفظ والمعنى :
أما تناسبه من حيث اللفظ فإنك إذا قلت :
((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ))
هذه هي الآية السادسة
الآية السابعة : (( غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))
هذه هي السابعة .
فبهذا التقسيم من غير البسملة يتناسب اللفظ بين آيات السور .
لكن لو قلنا : إن البسملة آية
إذاً :
((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} )) آية
((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} )) آية
((الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} )) آية
((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} )) آية
((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} ))
((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} ))
فيه تناسب بين هذه الآيات الست
لكن الآية السابعة : ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))
طويلة جدا
وكذلك من حيث التناسب المعنوي :
فإن البسملة لو كانت آية :
((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} )) هذه لله على قولهم
((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} )) لله
((الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} )) لله
((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} )) بين الله وبين العبد على قولهم
((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} )) على قولهم : تكون للعبد
وبهذا لا يستقيم المعنى
وهذا هو القول الراجح .
أما ما استدل به أصحاب القول الأول :
فأما الجواب عن حديث أبي هريرة :
فإن معظم المحدثين يرون أنه من قول أبي هريرة وليس مرفوعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام
الوجه الثاني :
على افتراض أنه مرفوع فإنه حديث شاذ لأن الثقة خالف من هو أوثق منه : ولاشك أن رواة مسلم أوثق من رواة الدارقطني
أما ما استدلوا به من رواية مسلم :
فهذه لعبدي
فيجاب عنها من وجهين :
الوجه الأول :
أن رواية هذه فسرتها رواية هؤلاء
الوجه الثاني :
أن الحديث لم ينص على ذكر البسملة فلو نص على ذكر البسملة لكان الاستدلال بهذه الرواية لكم فيها وجه لكن الحديث لم يتعرض أصلا لذكر البسملة
ولو قال قائل :
يوجد في المصاحف أنها هي الآية الأولى من سورة الفاتحة
فما الجواب عن هذا ؟
الجواب :
أن هذا بناء على اجتهاد من رقم لأن بعض المصاحف ليست موجودة فيها فهذا يختلف باختلاف من يرى أنها آية وبين من يرى أنها ليست آية
أو من أثبتها رأى أنه من باب الاحتياط أن يجعلها آية
إذاً ثبت عندنا في هذه المسالة أن الراجح أن البسملة ليست آية
لكن يشرع ذكرها
لم ؟
أولا :
للخروج من خلاف من يقول : إنها آية من سورة الفاتحة فإنه إذا لم يقرأها فإنه على قول من يقول : بأنها آية يقول بأن صلاته ليست صحيحة وأما من قرأها فإنه بالإجماع يصحون صلاته
الأمر الثاني :
أن فعل النبي عليه الصلاة والسلام يدل على حرصه عليه الصلاة والسلام لقراءتها وكذلك حرص الصحابة من بعده
تأتينا مسالة أخرى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على القول بمشروعية قراءتها
ما الأفضل فيها الإسرار أم الجهر ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يقول :
السنة الجهر بها
ويستدلون على ذلك بما يلي :
أولا :
ــــــــ
ما جاء في مستدرك لحاكم :
من أن ابن عباس أخبر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجهر بها .
الدليل الثاني :
ما جاء في مستدرك الحاكم :
من حديث أنس :
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجهر بها
الدليل الثالث :
ما جاء عند الدارقطني من حديث علي :
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلوات المكتوبات
الدليل الرابع :
ما جاء عند الدارقطني :
من أن أنس أخبر بأن معاوية صلى بأهل المدينة فلم يقرأ بـ [بسم الله الرحمن الرحيم ] فأنكروا عليه
فما صلى بهم بعد ذلك إلا وهو يقرءوها
الدليل الخامس :
ما جاء عند النسائي:
من حديث نعيم بن المجمر :
أنه قال صليت خلف أبي هريرة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال : والله إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدليل السادس :
ما جاء عند البخاري:
من حديث أنس أنه سئل عن قراءة النبي عليه الصلاة والسلام ؟
فقال : كانت قراءته مدا
فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن
ويمد الرحيم
الدليل السابع :
ما جاء في المسند وسنن أبي داود والترمذي :
أن أم سلمة قالت : كان النبي عليه الصلاة والسلام يقطع قراءته آية آية يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف
يقرأ الحمد لله رب العالمين ثم يقف
لكن لو قال قائل :
لماذا استدل بحديث انس وحديث أم سلمة ؟
لأنهما ذكرا هذا فيما يتعلق بالنسبة لأم سلمة فيما يتعلق بالصلاة ، وفيما يتعلق بحديث أنس في صحيح البخاري ” كانت قراءته مدا “
فهذا مطلق محتمل داخل الصلاة ومحتمل خارج الصلاة
بينما نزول سورة الكوثر خارج الصلاة .
هذه أدلة من قال بسنية الجهر
القول الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا : السنة الإسرار بها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويستدلون على ذلك بما يلي :
أولا :
ــــــــــــــ
ما جاء في الصحيحين :
من حديث أنس أنه قال : (( صليت خلف النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ))
وفي رواية مسلم :
(( لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول السورة ولا في آخرها ))
يزيد هذا تفسيرا :
ما جاء في مسند الإمام أحمد :
من أن أنس أخبر : (( كانوا لا يجهرون بها ))
ويزدها تفسيرا وتأكيدا :
ما جاء في معجم الطبراني :
(( أنهم كانوا يسرون بها ))
ثانيا :
ــــــــــ
ما جاء عند الخمسة من حديث : عبد الله بن المغفل :
(( أنه أنكر على ابنه مستدلا بفعل النبي عليه الصلاة والسلام وبالخلفاء الراشدين ))
القول الثالث :
ـــــــــــــــــ
يجوز الأمران
فإن أسر فحسن وإن جهر فحسن
وأدلتهم هي الجمع بين الأدلة
فيكون النبي عليه الصلاة والسلام قد فعل هذا أحيانا ، وفعل هذا أحيانا
ولذا قال ابن القيم :
” وكان يجهر بها أحيانا ويخفيها في أكثر الأحيان “
مع أنه رحمه الله ، – وهذا يجعل قوله كما قال الألباني : “يتناقض “
مع أنه قال في آخر كلامه :
” ليس هناك حديث صحيح في الجهر بها ، وما صح فإنه غير صريح “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ