بسم الله الرحمن الرحيم
الفقه الموسع – الدرس الخامس عشر- باب الآنية
فضيلة الشيخ زيد البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب الآنية ]
مسألة: [إذا مات الطائر وفي بطنه بيض صلب فباطنه طاهر
كما لو ماتت الشاة وأخرج من بطنها جنين حي]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح/ الطائر إذا مات فإنه نجس، لكن لو أن في بطنه بيضا فإن هذا البيض يختلف حكمه من حيث الظاهر ومن حيث الباطن :
فيكون حكم ظاهره النجاسة
وحكم باطنه النجاسة إن كان غيرَ صلب، فإن كان البيض صلبا فباطنه طاهر
كذلك : إذا ماتت الشاة وأخرج من بطنها جنين حي ، فإن هذا الجنين طاهر، وذلك بعد غَسْل ظاهِرِه
وإنما قيد البيض بصفة الصلابة لأنه يكون في حكم المنفصل المستقل عن هذا الطائر
أما لو كان غيرَ صلب فإن فيه دلالة على أنه لم يخرج عن أجزاء هذا الطائر الميت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [الصحيح أن لبن الميتة نجس أما الأصواف ونحوها فطاهرة ومثلها القرن والحافر]
الشرح/ هذه المسألة لها عدة فروع :
الفرع الأول :
إذا كان في هذه الميتة لبن، فما حكم هذا اللبن، أحكمه الطهارة أم النجاسة؟
اختلف العلماء في هذا:
فقال بعض العلماء : إنه طاهر ما لم يتغير ولا دليل على نجاسته، وهذا هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله، وذلك مبني على رأي سابق له وهو: أن المائعات لا تتنجس إلا بالتغير ،
وكما هي القاعدة الشرعية: الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ،
فلما لم يتغير فعلةُ النجاسة قد انتفت فينتفي معلولُها وهي الحكم بالنجاسة .
وقال بعض العلماء : أن لبن الميتة نجس ،وذلك لأن عفونة الميتة تسارع إلى هذا اللبن ، ومسألة عدم تغيره نادرة جدا، والتحقق من وجود التغير من عدمه تعسُرُ في اللبن، لاسيما أنه في ضَرع نجس ويختار هذا القول الأخير: سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ،
وكلا القولين فيهما قوة والأحوط :
أن يحكم بنجاسته لأن ما علل به الشيخ رحمه الله تعليل قوي ظاهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرع الثاني : أصواف الميتة:
والصوف إنما هو للغنم
والوبر للإبل
والشعر للبقر والمعز
والريش للطير ،
فالأصواف والأوبار والأشعار والريش طاهر.
وذلك إذا جُز جَزا، أما قلْعُه فإنه، أي: فإن جذوره متلبسة في الميتة،
ومن ثم فإن طهارته تكون بجزه لا بقلعه
والدليل : قوله تعالى في بهيمة الأنعام :{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }
وهذا استدلال الفقهاء وله وجه من القوة، لأن الآية عممت إذ ذكرت في صدر الآية الأنعام وهو شامل لما في الحياة وبعدها ،
وكذا: يُلحق على رأي شيخ الإسلام رحمه الله [ القرن والحافر ]
وذلك لعدم وجود الدليل على نجاستهما
ويُلحق أيضا رحمه الله [ عظم الميتة] : فيقول : إن عظمها طاهر
وذلك لأن هذا العظم ليس فيه دم، فكيف يُحكم بنجاسته إذ إن الحيوان الحساس المتحرك كالبعوضة والذباب ونحوهما لو مات: فميتته طاهرة مع أن فيه دماً غيرَ سائل فمن باب أولى هذا العظم الخالي من الدم ،
وفي إلحاق العظم نظر : فالتعليل لاشك أنه قوي ، لكن هذا العظم ليس عظما مستقلا عن الميتة وإنما هو من أجزائها وقد قال تعالى :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } وهذا شامل لجميع أجزائها التي لها تلبُّسٌ بالنجاسة، وذلك حتى لا يُقال ما بال الشعر والظفر والحافر والقرن،
ولا قياس مع النص فيكون حكم العظم: كحكم أجزائها
ويلزم على قوله :
[ أنه يجوز أن تطبخ هذه العظام في ماء ويوضع معها ما يحسنها طعما وتُشرب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لما قالوا : (( هلا انتفعتم بإهابها قالوا : إنها ميتة ، قال : (( إنما حرم أكلها )) ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة : [الصحيح أن مصران الميتة إذا جعلت حبالا لا تطهر]
الشرح : هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء :
بعض العلماء يقول : إن المصران إذا جعلت أوتارا أي: حبالا فإنها تطهر
والصحيح : أنه لا دليل على طهارتها وذلك لعموم النص في تحريم الميتة فلا معنى لإخراج المصران ولا دليل يقوم على طهارة هذه المصران إذا وضعت كما ذكروا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة : [ما أُبِين من حي فهو كميتته طهارة ونجاسة حلا وحرمة ، ويستثنى من ذلك المسك وفأرتُه والطريدة]
الشرح/ فقولنا : [ ما أبين من حي] : يعني ما قُطع من حي
وهذا الضابط دليله: قوله صلى الله عليه وسلم في السنن : (( ما أبين من حي فهو ميتة )) ومعنى أنه ميتة: يعني في الحِل والحرمة في الطهارة والنجاسة
فمثال الحِل :
السمك ميتته حلال، فلو أن شخصا جَز قطعة من سمكة حية، فهذه القطعة حكمها كحكم السمكة إن كانت ميتة، فميتة السمك حلال، فكذلك هذه القطعةُ التي استُؤصلت من السمكة حكمها: حلال.
مثال الحرمة: الشاة لو ماتت فيحرم أكلها، كذلك لو أن شاة قطعت يدها وهي حية فهذه القطعة حرام لأنها كحكم الشاة لو ماتت.
مثال الطهارة: الآدمي بعد موته طاهر، كذلك لو أن يده قطعت وهو حي فيده طاهرة.
مثال النجاسة : كالمثال السابق في الشاة، فالشاةُ لو ماتت نجسة فكذلك ما قطع منها وهي حية.
ولذلك : مَن يصيد في الصحراء عن طريق الرمي يتنبه إلى هذه المسألة، ولاسيما في صيد الضب فقد يرميه فيستأصل قطعةً منه ثم يدخل الضب في جُحره، فتكون هذه القطعةُ نجسة ومحرمٌ أكلُها، وذلك كميتة الضب فلو مات الضب فهو نجس ويحرم أكلُه.
ويستثنى مما ذُكر مسألتان .
1ـــ مسألة المسك وفأرته
2ـــ مسألة الطريدة .
أما مسألة المسك وفأرته أي: وعائه، فالدليل عليها :
قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : ” ما من مكلوم يكلم في سيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك ))
وقال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري: ” مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسلك ونافخ الكير “
فشبه الجليس الصالح بحامل المسك ، فلو كان المسكُ نجسا لما حَسُنَ أن يُؤتى به في مقام التشريف والتكريم، فالإتيان به في هذا الموضع يدل على طهارته لا على نجاسته.
بل قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : ” أطيب الطيب المسك “
وطريقة استخلاص المسك:
أن هناك غزالا يسمى بغزال المسك، يستخلص منه هذا المسك، والطريقة: أنهم يطردونه طردا فينزل من سُرَّتِه دم، فيربطون هذا الدم ربطا محكما حتى لا يتغذى من جسم هذا الغزال، وبعد حين ينفصل هذا الدم وهذا الدم انفصل من حي
والغزال إن مات فهو: نجس، فكذلك ما انفصل منه في حال حياته إلا هذا المسك،
فينفصل هذا الدم ثم يُفتح فإذا به طيب مِن أحسن الطيب، ووعاء هذا الطيب يسمى بالفأرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية المستثناة من هذا الضابط (الطريدة )
وذلك أن يُطرد الصيد فلا يُتمكن من رميه ولا من الإجهاز عليه إلا بتقطيعه، فيقطع هذا قطعة والآخَرُ قطعة حتى يُجهزوا عليه، فإذا قطعوه ولم تبق له حياة: فيكون طاهرا حلالا
قال الإمام أحمد رحمه الله: [ كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه في مغازيهم ]
أمَّا إذا قُطِّع منه قطع ثم هرب منهم: فترجع هذا القطع إلى حكمها السابق وهو: الحُرمة والنجاسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يسن تغطية الإناء ووكاء السقاء في الليل لأن في السَّنة ليلة ينزل فيها وباء]
الشرح/ دليل هذه المسألة :
قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين قال:
” أغلق بابك واذكر اسم الله عليه فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكئ سقاءك، وخَمِّرْ إناءك ـ يعني غطِ إناءك ـ ولو أن تعرض عليه عودا “
وقال عليه الصلاة والسلام: ” إذا كان جنح الليل فأكفتوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر”
وفي رواية :(( فإن لها انتشارا وخَطْفَة ))
فهذه جملة آداب حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بالليل :
ـــ حفظ الصغار وذلك عند غروب الشمس
ـــ وإغلاق الأبواب
ـــ وإيكاء السقاء
ـــ تخمير الإناء ولو بعود يُعرَضُ عليه
ونص هنا على الاستحباب مع أن الأمر كما هو مقرر في الأصول يقتضي الوجوب ولم أر من قال بالوجوب ، وعدم العلم لا يدل على العدم
وهذه قاعدة: [عدم علمك بالشي لا يدل على عدمه]
فعدم عِلمك إما أن يكون تقصيرا في البحث أو قصورا في فَهمك.
فالأمر يقتضي الوجوب
لكن لتعلم: أن جمهور العلماء يرون أن الأمر إذا جاء في باب الآداب أنه أمر استحباب،
وأن النهي إذا جاء في باب الآداب أنه نهى كراهة .
ولهم تعليل وهو:
أن الآداب لا يحصل في تَرْكِها -إن كان أمرا -لا يحصل منها مفسدةٌ كبرى وإنما هي مفسدة صغرى وكذلك إن كان النهي في الآداب ففعله لا يترتبُ عليه مفسدة كبرى
والشريعة من حيث النصوص والتتبع لها:
تعتبر المصالحَ الخالصة أو الراجحة ،وكذا تنظر إلى المفاسد الخالصة أو المفاسد الراجحة
وقولنا: [ إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء ]
جاء هذا مبينا عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام :
” إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء إلا وقع فيه شيء من هذا الوباء “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة : [ويسن إطفاء النار عند النوم]
الشرح/ دليل هذه المسألة:
أن بيتا احترق على أهله فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام :
(( إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها ))
وقال عليه الصلاة والسلام : (( فإن الفويسقة أي الفأرة تضرم النارعلى أهل بيتها )) أي: تُشعِل
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: (( فربما اجترت الفويسقة الفتيلة ))
سؤال: وهل يدخل في هذا الحكم أجهزة التدفئة؟
الجواب: نعم تدخل، لأنها نار، والحديث عام سواء كانت نارا خالصة لا يحيط بها شيء أو نارا مصنعة.
وقد سمعنا أن هناك مَن احترق بيتُه بسبب التدفئة المعاصرة والمراد بما يسمى (الدفايات)
أما المكيف ونحوه فلا يدخل في هذا.
أما إذا كانت المدفئة لا تصدر لهبا إنما تدفئتها أنها تخرج غازا بما يسمى الآن بمدفئة الزيت، فهذه لا تدخل في ذلك والله تعالى أعلم.