الدرس (17) باب آداب الخلاء الجزء (2) (حكم نتر الذكر والوضوء في مكان البول والبول واقفا والابتعاد عند قضاء الحاجة)

الدرس (17) باب آداب الخلاء الجزء (2) (حكم نتر الذكر والوضوء في مكان البول والبول واقفا والابتعاد عند قضاء الحاجة)

مشاهدات: 477

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس السابع عشر

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يستحب ألا يتوضأَ في المكانِ الذي بال فيه]

الشرح/ دليل هذه المسألة:

ما جاء في سنن أبي داود أن الرسول ﷺ نهى أن يغتسل الرجلُ في المكان الذي بال فيه، ونصُّ الحديث:

” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلْ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوِسْوَاسِ مِنْهُ “

فعلَّل عليه الصلاة والسلام هذا النهي بأن هذا الفعل ينشأُ منه الوسواس،

والوسواس إذا دخل على الإنسان أشغله وأذهب عنه خشوعه.

وهذه العلةُ المنصوصة فيها مقال:

فبعض العلماء كالألباني رحمه الله يرى أنها ضعيفة

وعلى افتراض ضَعفِها فإن معناها صحيح

 

ولذا/ استحب بعض العلماء إذا توضأ الإنسان أن ينضح على فرجه وعلى سراويله ماء، قَطْعا للوسواس حتى إذا وسوس الشيطان فقال إنه خرج منك شيءَ فليقل: هذا من الماء

وكذلك الشأنُ في الاغتسال.

 

وبعض العلماء: يرى أن المكان إذا كان مبلطا يرى أن النهي يزول، وذلك لذهاب هذا البول مع الماء فيؤمنُ في هذا المكان من وصول النجاسة إلى صاحبها،

والصحيح: أن النهي عام في أي موضع يبول فيه الإنسان

 

وهذا النهيُ: ذكر الفقهاء أنه للكراهة وليس للتحريم، وهذا بناءً على ما سبق إيضاحُه من أن النهي إذا كان مترتب عليه مفسدة يسيرة فلا يتعدى الكراهة، وذلك لأن وصولَ هذه النجاسة غيرُ مُتَيَقّن وإنما هو مِن بابِ الاحتياط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [لا يستحب نتر الذكر بعد البول ]

الشرح/ دليل هذه المسألة، ما جاء في سنن ابن ماجه:

أن رسول الله ﷺ قال: ” إذا بالَ أَحَدُكُم فَلينتُر ذكرَه ثَلاثَ مرَّاتٍ “

وهذا الحديث فيه أمْرٌ بالنتر، ومِن ثَم:

فإن هذا الأمر عند بعض العلماء أمر للاستحباب استدلالا بهذا الحديث.

 

وقال بعض العلماء: إنه لا يستحب نتر الذكر

 بل قال شيخُ الإسلام رحمه الله : إن فِعلَه بدعة ، وذلك لضعف هذا الحديث ، ولأنه يُفضي إلى مرض يصاب به الإنسان، وهو: مرض السلس .

ولذا قال رحمه الله :

[ إنَّ ذَكَرَ الإنسان مِثلُ ثديِ المرأة إن تَرَكْتَه قَرْ ـ يعني: استقر ـ وإن حركته دَرْ .]

إنما المشروع في حقِّ الإنسان إذا فَرَغَ مِن حاجتِه أن يَغسِلَ ذَكَرَه ثم يقوم.

 

وصفة [ النتر]: غيرُ صفة المسح، وذلك لأن القائلين بالاستحباب يقولون: ينتر ذَكَره ويمسحه من أصله حتى يُخرج ما بقي من هذا البول.

فالنتر:

أن يحرك ذكره من الداخل وذلك أن يستدعي البول من الداخل دون أن يكون ليده أيُّ أثر،

 بينما المسح: آلتُه اليد، يُمسِكُ ذَكَرَه مِن أصلِه إلى آخِرِه.

 

وما يشابه النتر: ما قاله البعض من أنه يتحركُ حركاتٍ في موضع الخلاء حتى يتيقنَ من خروج البول بكليته، وليس على هذا دليل، ولذا: فالمشروع هو ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يجوز البول قائما إذا أمن من التلوث، وأمن من أن يُنظرَ إلى عورته]

الشرح/ هذه المسألة اختلف فيها العلماء:

فقال بعض العلماء: [ يُكره أن يبول قائما ] ويستدلون على ذلك بأدلة منها:

أولا/ أن رسول الله ﷺ كان يبول جالسا، والدليل:

قول عائشة رضي الله عنها كما في سنن النسائي قالت:

((من حدثكم أن رسول الله ﷺ كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا جالسا ))

الدليل الثاني/ ما جاء عند البخاري في التاريخ: من حديث ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال :

” إن من الجفاء أن تبول قائما “

 

القول الثاني: يقولون بالجواز، لا يُكره البولُ قائما

ويشترطون فيه شرطين:

الشرط الأول/

إذا أمِنَ من أن يتلوث بالنجاسة إذا بال قائما، لأن البول وهو قائم لا يُؤمَنُ معه من أن يصيب الإنسان شيء من البول

الشرط الثاني /

أن يأمن من أن يُنظَرَ إلى عورته، وذلك لأن البولَ حالَ القيام لا يُؤمَن معه مِن كَشْفِ العورة.

 

ولذا/ جاء في سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يقضي حاجته لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض: ” كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ “

 

فإذا انتفى هذان الشرطان فإنه لا يجوز البول قائما؛

 أما إذا أُمِنَ منهما فإنه لا يُكره.

 

ويستدلون بما جاء في الصحيحين: ” أن النبي ﷺ أتى سُباطَةَ قوم فبال قائما “

السباطة: مجمع الأوساخ.

فهذا الفعل يدل على الجواز

ولذا/ أمر عليه الصلاة والسلام حذيفة أن يجلس عند عَقِبِه عليه الصلاة والسلام فيستُرَه.

 

وأجاب أصحاب القول الأول:

عن هذا الحديث فقالوا: إن فِعلَه عليه الصلاة والسلام ما كان في حال السعة وإنما كان في حال العذر

فقد جاء في مستدرك الحاكم:

من أنه عليه الصلاة والسلام: ” بال قائما لمرض في مأبِضِه “

والمأبض : هو باطنُ الفخذ مما يلي الركبة، أو نقول: هو ما خلف الركبة،

فما بال عليه الصلاة والسلام قائما إلا بسبب هذا الجُرح الذي في مأبِضِه.

 

وقالوا أيضا: إن حديث حذيفة يُحتمل فيه ضيقُ المكان، أو يُحتمل فيه ارتداد النجاسة إليه، لأن البول في هذا الموضع قد يُفضي إلى ما ذُكِر .

 

وأجابوا أيضا عن حديث حذيفة: بأن حذيفة قد عورض بقول عائشة رضي الله عنها بل هو معارض بحديث: ” إن من الجفاء أن تبول قائما “

 

وأجاب مَن قال بعدم الكراهة، بما يأتي:

أولا : إن حديث:(( إن من الجفاء أن تبول قائما )) حديثٌ ضعيف مرفوعا وإنما هو عند البيهقي موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا لا يعدو أن يكون رأياً من آرائه رضي الله عنه .

 

أما قول عائشة رضي الله عنها:

فقولها لا يعارِضُ حديثَ حذيفة وذلك لسببين :

الأول : أن حديث حذيفة أصح من حديث عائشة، لأن حديث حذيفة في الصحيحين وحديثها في سنن النسائي، وما في الصحيحين أصح مما ليس في غيرهما

السببُ الثاني : أن القاعدة الأصولية تقول : [(من علم حجة على من لم يعلم )]

وتقول القاعدة الأخرى: [ المثبت مقدم على النافي ]

فتكون عائشةُ رضي الله عنها أخبرت بحسب عِلمِها، وحذيفة معه زيادةُ عِلم

ومَن علم حجة على من لم يعلم .

ولأنها رضي الله عنها نفت وهو رضي الله عنه أثبت [ والمثبت مقدم على النافي ]

 

أما قولُكم: [ أن النبي ﷺ ما بال قائما إلا لجُرح في مأبضه ]

فهذا الحديث في المستدرك وهو ضعيف، والضعيف لا تقوم به حجة .

 

أما قولكم :

[ إن فعله عليه الصلاة والسلام إنما كان في حالة ضيق لا حال سعة لكون هذا البول عند السُباطة ]

فهذا احتمال ضعيف، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أمَر حذيفة أن يقوم عند عَقِبِه

ومثل هذا الاحتمال لا يُلغى به حكم، إذ لم يَذكر عليه الصلاة والسلام أيَّ علة وأي احتمال مما ذكرتموه

وذلك لأن هذا الفِعلَ مما يخالف عادته -كما زعمتم- فلو كان كما قلتم لأشار إليه عليه الصلاة والسلام،

 بل إن الاستدلال يُقلَبُ عليكم: إذ إن النبي ﷺ اضطردت سنتُه على أن يبتعد إذا أراد قضاء الحاجة

فلما لم يبتعد دل على أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين جوازَ هذا الفعل

فإذاً: القول بعدم الكراهة هو القول الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يستحب في الفضاء إذا أراد قضاء الحاجة:

أن يبتعد حتى لا يُسمع له صوت ولا يُشم منه ريح

وأما إذا ترتب على القرب رؤية عورته فيجب البعد]

الشرح/ دليل هذه المسألة:

ما جاء في الصحيحين: من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال :

” فذهب رسولُ الله ﷺ حتى توارى عنّي “

وجاء في السنن: ” كان رسولُ الله ﷺ كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ “

 

فيكونُ البُعد على حالتين:

الحالة الأولى : حالة استحباب

والحالة الثانية :حالة وجوب

 

أما حالة الاستحباب: هو بُعده حتى لا يُسمعَ منه صوت ولا يُشم منه ريح

 

وأما حالة الوجوب: تكونُ فيما لو لم يبعد نُظِرَ إلى عورته، وحِفظُ العورة واجب، فيكونُ البُعدُ واجبا.

 

وأما إذا لم تُنظَر عورتُه في القُرب، وإنما سُمِعَ له صوت أو شُمَّ منه ريح: فيكونُ قد تَرَكَ الأولى.

 

ولو قال قائل: حديثُ حذيفة السابق يدل على قُربه عليه الصلاة والسلام، فما الجواب؟

الجواب/ كما سبق: لم يبتعد عليه الصلاة والسلام لكي يبين جوازَ البول قائما

 وحفظ العورة واجب، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود:

” مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ “

والغائط: هو المكان المنخفض من الأرض، هذا هو معناه في أصل اللغة، لكنه أُطلِقَ على الخارِجِ مِن الإنسان مِن بابِ تسميةِ الحال بالمَحَل كما هو تعبير البلاغيين ويجعلونه من المجاز

ولكن المجاز على الصحيح لا يكونُ لا في السنة ولا في القرآن ولا في لغة العرب، وإنما هو أسلوبٌ من أساليب اللغة العربية

فقوله عليه الصلاة والسلام: ” من أتى الغائطَ فليستتر “

الفعل المضارع مجزوم بلام الأمر، وهذه هي إحدى صيغ الأمر، والأمر يقتضي الوجوب.

 

وكذلك/ ما جاء في سنن أبي داود:

بإسناد حسن عن معاوية بن حيدة قال: ” يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ” احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ “

فلم يستثنِ عليه الصلاة والسلام إلا صِنفين: الزوجة والأمَة.