الدرس ( 20 ) باب آداب الخلاء الجزء (5 ) ( حكم البول والغائط والتنخم في أماكن الناس وطرقاتهم )

الدرس ( 20 ) باب آداب الخلاء الجزء (5 ) ( حكم البول والغائط والتنخم في أماكن الناس وطرقاتهم )

مشاهدات: 516

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس العشرون

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يحرم أذية الناس بأن يبول أو يتغوط في أماكنهم وطرقاتهم]

الشرح/ أصلُ هذه المسألة نصوص كثيرة، من بينها:

قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }

وقال عليه الصلاة والسلام: ” لا ضرر ولا ضرار ” كما عند ابن ماجة وغيره

وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :

” اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” الَّذِى يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ “

” اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ” أي: ما يجلبُ لَعْنَ الناس.

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي حسنه الألباني رحمه الله:

” اتقوا الملاعنَ الثلاث: البرازُ في الموارد وفي الظل وقارعة الطريق “

وقارعة الطريق: هي وسطه وأعلاه.

 

وقد جاءت أحاديثُ ضعيفة ذكرها ابن حجر رحمه الله في البلوغ عن النهي عن قضاء الحاجة على ضِفاف الأنهار وتحت الأشجار المثمرة، وهي وإن كانت ضعيفةً سندا إلا أنها صحيحةً معنى لدخولها في جملة الإضرار بالناس

 

فنخلص من هذا:

أن أماكن الناس الدينية أو الدنيوية لا يجوز فيها قضاء الحاجة

وقد نص النبي ﷺ على بعض الأشياء كالطريق والظل والمياه، وغيرُها يُقاسُ عليها بجامعِ الإضرار ويدخل غيرها تحت النصوص العامة الناهيةِ عن إيقاع الضرر بالمسلمين،

 فظل الناس ومشمسهم وأسواقهم ومياههم وطرقاتهم وتحت الأشجار المثمرة ونحوها:

 لا يجوزُ فيها قضاء الحاجة.

 

ولو قال قائل: جاء في الصحيحين:

[ أن أعرابيا بال في المسجد فزجره الصحابة رضي الله عنهم وقال عليه الصلاة والسلام :

” لا تُزرموه ” أي: لا تقطعوا عليه بولَه.

فهذا الصنيع من الأعرابي وهذا النهي منه عليه الصلاة والسلام للصحابة يدل على: التسامح،

 فيكف يُنهى عن ما هو أقل مكانةً من المسجد؟

 

الجواب/ أن النبي ﷺ لم يترك الأعرابي دون توجيه إذ قال عليه الصلاة والسلام :

“إن هذه المساجد لا يصلح فيها مثل هذا إنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن “

وأما نهيه عليه الصلاة والسلام للصحابة رضي الله عنهم

فهو نهي يراد منه دفع مفاسد متعددة نظير وقوع مفسدة واحدة، وذلك لو أنهم زجروه لترتب على هذا الزجر مفاسد كبيرة ، فالبول في المسجد لاشك أنه مفسدة لكنه تُرِك حتى لا تنجم مفاسد أكبر وذلك مثل :

  • انتشار البول في مواقعَ أكثرَ من هذا المسجد لو أفزع هذا الأعرابي
  • تنفيرٌ لهذا الأعرابي لأن الأصل فيه الجهل

ولذا قال الأعرابي: “اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا” فقال عليه الصلاة والسلام:

” لقد حجرت واسعا ” يعني: ضيّقت واسعا، لأن رحمة الله وسعت كل شيء.

  • أن البول سينتشرُ على ملابسه.
  • حصولُ الضرر على بدن هذا الأعرابي، لأن قطْعَ البول على صاحبه يورث أمراضا

فلهذا المفاسد وغيرها منع النبي ﷺ صحابته أن يزجروه.

 

ومن النصوص الواردة في هذا الباب :

ما جاء عند ابن ماجه: قوله عليه الصلاة والسلام:

” مَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي، أَوْ وَسْطَ السُّوقِ 

فيؤخذ من هذا الحديث: تحريمُ قضاء الحاجة بين القبور، وعد النبي ﷺ قاضيَ الحاجة في القبور كقاضيها في السوق؛ وهذا التشبيه تشبيه في أروع صوره، وذلك لأن الأسواق هي محل اجتماع الناس وكذلك القبور كما قال ابن القيم رحمه الله أفنيتها هي محل اجتماع الموتى، فعلى أفنيتها يتزاورون ويتلاقون وتزاورهم ثابتٌ في الآثار -ويستفيضُ بنا الحديث عن هذا بإذن الله تعالى في كتاب الجنائز-

 

ولو قال قائل:

لو قضيتُ حاجتي في مَجمَعِ أناسٍ يعصون الله عز وجل حتى أنَفَّرَهُم، فهل يجوز هذا؟

الجواب:

أن هذا الفِعلَ إذا ثبت أنه يقطع هذه المعصية ويدرأ هذه المفسدة فيجوز، وأما إذا لم يُتحقق ذهاب المفسدة -وهو الغالب – بل ربما تتزايد ويستطيرون شرا: فإنه لا يجوز، وذلك لأن الشريعةَ جاءت بتقليل المفاسد قدْرَ الإمكان إن لم يُقضَ عليها.

 

وهل يُقاس غير البول والغائط عليهما بجامع إيقاع الضرر بالمسلمين وذلك كالتنخم مثلا أو التقيؤ؟

الجواب: نعم، القياس منضبط لأن النبي ﷺ قال: (( اتقوا اللاعنين ))

وفي الحديث الآخر: (( اتقوا الملاعن الثلاث ))

وهذا الفِعلُ يجلب سُخْطَ الناس، ويؤيده أن النبي ﷺ نهى عن إلقاء الأذى في الطرقات

ولذا/ قال عليه الصلاة والسلام في شُعَبِ الإيمان (( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ))

والحديث الوارد عند مسلم :

عمّم قال ( في طريق الناس ) فيشملُ كلَّ موضعٍ مِن الطريق ، لكن الحديث الآخر ذكر قارعة الطريق وذلك لأن الأذية تحصل في قارعة الطريق، أي: الطريق المقروع المسلوك بالأقدام

أما لو كان في زاوية الطريق مما يلي حائطا: فيظهر الجواز، وذلك لأن الضرر منتفٍ

كما هي القاعدة في الأصول: [ أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ]

والقاعدة الأخرى:

[ إذا وُجدت العلة وجد المعلول، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول ]