الدرس ( 21 ) باب آداب الخلاء الجزء ( 6 ) ( حكم قضاء الحاجة في الماء الراكد وحكم البول في إناء )ـ

الدرس ( 21 ) باب آداب الخلاء الجزء ( 6 ) ( حكم قضاء الحاجة في الماء الراكد وحكم البول في إناء )ـ

مشاهدات: 522

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس الحادي والعشرون

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يحرم قضاء الحاجة في الماء الراكد وعلى ما نهي عن الاستجمار به]

الشرح/ هذه المسألة لها فرعان:

 

الفرع الأول/ قضاء الحاجة في الماء الراكد الذي لا يجري

الفرع الثاني/ النهي عن قضاء الحاجة على ما نُهي عن الاستجمار به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الأول/ قضاء الحاجة في الماء الراكد:

دليل هذه المسألة/ ما جاء في الصحيحين:

قال عليه الصلاة والسلام: “لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه “

 

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:

فقال بعض العلماء: إن النهي للكراهة،

 وذلك بناء على ما سبق ذكره في مسألة طهارة الماء القليل والكثير،

 فيرى مَن يرى أنه للكراهة باعتبار هذا الماء باقي على طِهوريته إذ لم يتعرض النبي ﷺ لنجاسة الماء أو لطهارته إنما لأن هذا الأمر غيرُ مستساغ عقلا أن يجمع بين البول والاغتسال من هذا الماء

وهذا هو رأي المالكية.

 

ولكن رأي الجمهور على خلافهم: فيرون أن النهي للتحريم، وهو الصواب، لأن النهي يقتضي التحريم

 

وهذه المسألة جاءت أدلتها متنوعة في المعنى وفي الأسلوب:

فيحدث أبو هريرة رضي الله عنه، فيقول: قال رسول الله ﷺ:
” لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ” أخرجه الإمام مسلم

 

وللبخاري: ” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه “

 وفي رواية لمسلم: ” ثم يغتسل منه “

 

وعند أبي داود: ” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة “

 

فأفادت هذه الروايات من الأحكام ما يأتي:

أولا/ تحريم الاغتسال من الجنابة في الماء الدائم:

كما في قوله ﷺ: ” لا يغتسل أحدكم من الماء الدائم وهو جنب “

 

الحكم الثاني/ النهي عن البول في الماء الدائم ولو لم يغتسل فيه:

لرواية أبي داود إذ فصّل عليه الصلاة والسلام فقال: (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ))

فهذا حكم، وتتمة الحديث حكمٌ آخَر، إذ قال عليه الصلاة والسلام :

((ولا يغتسل فيه من الجنابة ))

 

الحكم الثالث/ النهي عن الجمع بين البول والاغتسال:

وظاهر الرواية أن هذا الاغتسال ولو لم يكن من الجنابة لقوله عليه الصلاة والسلام في رواية البخاري:

” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ” ولم يذكر الجنابة.

 

الحكم الرابع/ أن النهي عن الجمع بين البول والاغتسال:

يشمل البولَ في الماء الراكد والانغماسِ فيه كما سبق في الحكم الثالث، ويشمل البول فيه ثم الاغتراف منه للاغتسال كما في رواية مسلم : (( ولا يغتسل منه ))

 

الحكم الخامس/ أن ظاهرَ الحديث يقتضي:

 أن الاغتسالَ في الماء الدائم من غير حدثٍ أكبر ولم يبل فيه لا بأس به.

ليس هذا من أجل تنجيسه وإنما من أجل تنفير الناس منه، فالناسُ تنفر من هذا الماء الذي بيل فيه أو اغتُسل فيه من الجنابة

 

الحكم السادس/ أن الغائط يأخذُ هذا الحكم بل هو أشد:

للقاعدة [ أن مفهوم الموافقة قد يكون أولى بالحكم من المنطوق ]

كما أخذنا في التوحيد عند قوله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } فالضرب من باب أولى،

 وكذلك/ الغائط هنا من باب أولى

 

الحكم السابع/ أن هذا الحكم شامل للماء القليل والكثير لعدم التفريق.

 

الحكم الثامن/ أن المياه المستبحرَة لا يدخل فيها هذا النهي: وأُخرِجَت بدليل الإجماع،

فقد اتفق العلماء على خروج هذه الصورة من هذا النهي،

 والإجماع حجة سواء كان إجماعا قطعيا أو ظنيا كما هو مقرر في الأصول،

 فالإجماع مصدر من مصادر التشريع.

 

الحكم التاسع/ أن الماء الجاري لا يدخل في النهي:

فهو ظاهرٌ في تأكيده عليه الصلاة والسلام على أن الجاري غير داخل في هذا النهي لرواية البخاري:

” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ” ثم أكّد فقال: ” الذي لا يجري “.

 

الحكم العاشر/ أن هذا الحكمَ شاملٌ للرجل وللمرأة على حد سواء:

لكن لو قال قائل: لو كانت المرأة حائضاَ فاغتسلت فيه فهل تدخل في النهي؟

فالجواب/ أن دخولها واضح وظاهر، فالحيض يشترك مع الجنابة في كونهما حدثاً أكبر، ولأن النفس تعافُ هذا الماء فيما لو اغتسلت الحائضُ منه أكثرَ من إعافتها لو اغتسلت فيه من الجنابة.

 

ولذا/ كما سيأتي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت:

 ” يا رسول الله إني أظفر شعر رأسي فهل أنقضه لغسل الجنابة؟ قال: ” لا “

وجاءت رواية: ” أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال لا “

 

من ثم قال بعض العلماء:

إن رواية الحيضة شاذة، فيجب عليها أن تنُقَض شعر رأسها للاغتسال من الحيض؛

 والمسألة محل خلاف نأتي عليه بإذن الله تعالى في موضعها،

 فإن كانت غير ثابتة فدل على أن الجنابة أخف من الحيض.

 

ولو قال قائل: لماذا أخرِجَ الماء الجاري؟

الجواب/ لأن الشرع أخرجه

ولأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما

والنفسُ لا تعافُ الماء الجاري لو اغتُسل فيه من الجنابة أو بيل فيه وذلك لذهابِ هذا الماء وعدم استقراره، بينما الدائم فمستقر

ومثل هذا الحديث يؤكد ما سبق: من أن إيصال الأذى إلى الناس لا يجوز.

 

لو قال قائل: إن النبي نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة وهذا النهي للتنزيه وذلك لحديث الجفنة، فقال: (( إن الماء لا يجنب ))

فهذه الجفنة ماؤها راكد والنهي للكراهة، فماذا لا نقول بالكراهة أيضا هنا؟

الجواب/ أن هذا الحديث ليس فيه إرادة انغماس لأنها جفنة، حتى قيل إنها صغيرة فكيف ينغمس فيها وحديثنا هنا إنما هو عن الانغماس لا الاغتراف، بل إن هذا الحديث فيه تنصيص على علة تقذيره على الناس؛ ولذا/ فإنها قالت: ” إني كنت جنبا ” فالنهي هنا إنما هو من الفعل أما الاستعمال فيجوز

 

يعني: يجوز لك استعمال هذا الماء الذي بيل فيه أو اغتسل فيه من الجنابة، وذلك لأن النبي ﷺ لم يذكر للماء حكما، لم يقل هذا الماء يجوز استخدامه أو لا يجوز استخدامه، فنبقى على الأصل وهو أنه طهور،

ما لم يتغير بالنجاسة

ولذا/ كما مر معنا في حديث بئر بضاعة أنها تلقى فيها النتن ولحوم الكلاب قال النبي ﷺ : “إن الماء طهور لا ينجسه شيء “

أما بالنسبة للاستعمال فلا حرج في ذلك ما لم يتنجس لأن ما تنجس يخرج عن حكم الطهورية فالنهي عن الفعل فقط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثاني: لا يجوز أن يقضي حاجته على ما نُهيَ عن الاستجمار به:

فالشريعةُ نَهَت عن أشياء يُستجمر بها، وسيأتي إيضاحها بإذن الله تعالى في باب الاستجمار.

وإليك بعض الأمثلة: [ وذلك مثل: العظم والروثة ]

فإن العظم والروثة لا يجوز لإنسان أن يقضي حاجتَه عليها

وذلك لأن الشريعة نهت عن الاستجمار بهما حتى لا يفسدا، فمن باب أولى أن يُنهى عن قضاء الحاجة عليها وهذا يأخذ حكم الأولوية.

وسيأتي لهذا المسألة مزيد بسط بإذن الله تعالى في بابها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: [الصحيح لا يكُره البول في إناء]

الشرح/ هذه المسألة اختلف العلماء فيها :

فبعض العلماء يقول: يكره البول في إناء إلا إذا وجدت حاجة، فإذا وجدت حاجة فإن القاعدة الفقهية تقول [ إن المكروه تبيحه الحاجة ]

فمع الحاجة ينتقل هذا الحكم من الكراهة إلى الجواز، أما مع عدم الحاجة فيكره.

 

فلو قيل لهم: جاء في سنن أبي داود:

” كان للنبي ﷺ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ “

فأجابوا بأن هذا الحديث ضعيف

ونحن نقول : [ إن الصحيح أنه لا كراهة ] لأن هذا الحديث ثابت، وقد صححه الألباني رحمه الله وغيره،  ويؤيده:

أن أبا موسى رضي عنه كما عند مسلم: ” كان له إناء يبول فيه ” فلا وجه للكراهة لأن صيغة:

” كان له قَدَحٌ ” تفيد الاستمرار مع وجود الحاجة وعدمها، وذلك لأن ( كان ) كما هي القاعدة تفيد الاستمرار في أصلِها ما لم يأت دليل يخرجها عن هذا الأصل

 

وهناك حديث عند النسائي:

(( أنه عليه الصلاة والسلام بال في مرض موته في إناء ))

وهذا قد يصلُح دليلا للقول الأول لأن المرض حاجة

ولكننا نقول: [ إن هذا الحديث لا ينفي جواز البول في إناء من غير حاجة ]