الدرس ( 49 ) باب نواقض الوضوء ( 4) ( هل الردة والمعصية من نواقض الوضوء ـ حكم من شك في الحدث )

الدرس ( 49 ) باب نواقض الوضوء ( 4) ( هل الردة والمعصية من نواقض الوضوء ـ حكم من شك في الحدث )

مشاهدات: 459

الدرس التاسع والأربعون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

الناقض الثامن عند بعض العلماء ( الردة )

مسألة: الصحيح أن الردة لا تنقض الوضوء ،

الشرح/ فلو أن شخصا -حمانا الله وإياكم من السوء- كان متوضأً فارتد عن الدين ، ثم أسلم فهو ينتقض وضوؤه أم لا  ؟

القول الأول/ قال بعض العلماء : إن الردة ناقضة للوضوء ، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى:

{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}  وحبوط العمل بالشرك فيه أدلة كثيرة .

ولكنَّ الصحيح: أن الردة ليست بناقضة للوضوء، وذلك لأن الصحيح مِن قولَي العلماء أن الردة لا تُحبط العمل إلا إذا مات عليها، فإذا مات على الكفر حبَطَ عملُه، وإن عاد قبل موتِه فلا يُحبَطُ عملُه، وذلك لأن النصوص الواردةَ في حبوط العمل بالكفر مُطلقة، وقد جاء نصٌّ يُقيّدُها، والقاعدة الأصولية:

  [ أن المطلقَ يُحملُ على المقيد ] فيُقيّدُ المُطلقُ بهذا المُقيَّد، والدليل هو قوله تعالى:

{ومَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} موضع الشاهد {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}

 فإذا مات بعد رجوعه إلى الإسلام فلا يَحبُطُ عملُه.

ــــــــــــــــــــــــ

فهذه هي نواقضُ الوضوء وما اختُلِفَ فيها، وما عداها فلا ينقُضُ الوُضوء:

 فلو أن إنسانا أذنبَ ذنْبًا مِن غيبةٍ وقَذْفٍ ونميمةٍ ونحوِ ذلك:

 فإن وضوءه باقٍ وذلك لعدم الدليل.

لكن قال شيخُ الإسلام رحمه الله: يُسَنُّ الوُضوءُ عُقَيبَ الذنب، ولعله يستدلُّ بما صح عن النبي ﷺ:

 أمْرُهُ ﷺ مَن أذْنَبَ أن يصلي؛ ولأن الوضوء جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بأنه يُكَفِّرُ الذنوب، وذلك أن الخطايا تنزِلُ مع آخِرِ قَطْرِ الماء.

ولو قال قائل: وردَ حديثٌ في الأمرِ بإعادةِ الوضوء والصلاة إذا تقهقهَ الإنسانُ في صلاته؟

فنقول: إن أمْرَ النبي ﷺ بإعادة الوضوء والصلاة لمن تقهقه في صلاته، هذا الأمْرُ في هذا الحديث يُقال به لو صح، لكنَّ الحديثَ ضعيف.

ــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: من شك في الحدث أو في الطهارة بنى على اليقين.

الشرح/ الحَدَث: -كما سبق توضيحُه- هو وَصفٌ قائمٌ بالبدن يمنعُ مِن الصلاة ومما يجبُ له الوضوء.

 

وبيانُ هذه المسألة:

لو ان شخصا كان متوضئًا، ثم شك هل انتقض وضوؤه أم لم ينتقض؟

فالجواب: إن وضوءك باقٍ للقاعدة الشرعية [اليقينُ لا يزولُ إلا بيقين]

ولقاعدة [اليقينُ لا يزولُ بالشك]

ولقاعدة [الأصلُ بقاءُ ما كان على ما كان]

ويدل لها حديثُ عبد الله بن زيد كما في الصحيحين، وحديث أبي هريرة عند مسلم:

 ( الرجل يشكل عليه أحدث أم لم يحدث ، فقال : لا ينصرفْ ) وفي رواية ( لا يخرج ) يعني من المسجد ( حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وإنما ذُكِرَ المسجد لأنه مكانُ الصلاة، فلا ينفي ما عدا المسجد، فلو أشكل عليه الأمُر في غير المسجد فالحكمُ باقٍ؛ فهذه القاعدة شاملةٌ للمسجد ولغيره ، فالنبيُّ ﷺ عَلَّقَ الحكمَ باليقين ، مع أن هناك قرينةً قوية وهي قرقرةُ البطن ، فلم يلتفت إليها النبيُّ ﷺ.

 

ولو قال قائل: إن كان محدثا وهو متيقن، ثم شك في الطهارة، فما الجواب؟

نقول: إنك الآن مُحدِث للقاعدة السابقة،

فلو اعترض معترض فقال: هذا الحديث حديث عبد الله وحديث أبي هريرة إنما هو في الشك الطارئ على الوضوء وليس في الشك الطارئ على الحدث؟

-يقول هذا المعترض: ” نُسَلِّمُ لكم في الصورة الأولى لورود الحديث، لكن لا نُسَلِّمُ لكم في الصورة الثانية لعدم الدليل “

فنقول: إن من مصادر التشريع عند الجمهور، ومن أنواع هذا القياس: قيُاس العكس، فهذه الصورة الثانية عكس الصورة الأولى، وقياس العكس دل عليه الدليل الشرعي قال عليه الصلاة والسلام:

   ( وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟! قال : نعم ، أرأيتم إذا وضعها في حرام أكان عليه وزرا  ؟ قالوا : نعم ، فقال : فكذلك إذا وضعها في حلال ) هنا فيه قياس عكس، فنحن نعمل باليقين.

 

لكن لو قال قائل: لو استربنا في اليقين، وذلك بأن يتيقن الحدث واليقين في وقتٍ واحد، فبماذا يعمل؟

مثالُ ذلك: لو أن شخصا بعد طلوع الشمس قال: أنا متيقن أنه حصل مني بعد طلوع الشمس

طهارةٌ وحَدَث، لكن لا ما أدري أيهما السابق!؟

فنقول له: إن كنت تدري عن حالِكَ قبلَ هذا الوقت فاعمل بنقيضه

مثالُها/ تيقَّنَ الحَدَثَ والطهارةَ بعد طلوع الشمس،

فنقول له: ما قبل طلوع الشمس أحصلَ منك حدث أم طهارة؟

فإن قال: كنت بعد الفجر وقبل طلوع الشمس مُحدثا، نقول: أنتَ الآن على طهارة،

 وإن قال: كنتُ على طهارة؛ فنقول: أنت الآن محدث، بناءً على هذه القاعدة، وهي قاعدة:

 [اليقين لا يزولُ بالشك] فإنه تيقَّنَ زوالَ الحدث قبل هذا الوقت، أو تيقّنَ زوالَ الطهارة قبل هذا الوقت فيكونُ حَدَثُه بعد هذا الوقت أو طهارتُه ناقلا عن الأصلِ السابق: الذي هو حالُه قبل هذا الوقت،

فإن قال: لا أدري فلستُ أعلمُ بحالي قبل طلوع الشمس؟

فنقول: ليست هناك إحالةٌ يُحالُ عليها الحكم، فيجبُ عليك الوضوء، وذلك لانتفاءِ اليقين،

 وقال بعضُ العلماء: لا يُلتفَتُ إلى حالتِه قبل هذا الوقت، فإذا تيقّنَ الطهارةَ والحَدَث وعنده إحالةٌ على ما قبل هذا الوقت: فلا يُلتفَتُ إلى هذه الإحالة، بل نقوُل له: يجبُ عليك الوضوء.

 

فتكونُ الصور في أربع صور -مِن باب حصرِ الذهن-:

الصورةُ الأولى/ إن تيقّنَ الحَدَث وشكَّ في الطهارة: فالأصلُ الحَدَث.

الصورةُ الثانية/ إن تيقّنَ الطهارةَ وشك في الحَدَث: فالأصلُ الطهارة.

الصورةُ الثالثة/ إن تيقّنهما جميعا وهو يعلمُ بحاله قبل هذا الوقت:

 فبعضُ العلماء قال: يجبُ الوضوء، كالشهادتين إذا تعارضتا فتَسقُطان.

وقال بعضُ العلماء: يعملُ بنقيضِ حالته قبل هذا الوقت.

الصورةُ الرابعة/ أن يتيقنهما ولا يدري ما هو حالُه: فهذا يجبُ فيه الوضوء.

حتى إن بعضَ العلماء ذكروا إحدى المسائل فقالوا:

لو أن اثنين تيقنا أنه حصل من أحدِهما حدث:

 فإنه لا يُلزمَان بالوضوء عند إقامةِ الصلاة، وذلك لأن كلَّ شخصٍ قد تيقّنَ بأنَّ طهارَتَه باقية.

وقال بعضُ العلماء: يجبُ عليهما الوضوء. وهذا هو الأقرب لأن الرسول ﷺ ذكَرَ اليقين،

 واليقينُ هنا موجود وهو: وجودُ الحدث، وليس معهما شخصٌ آخَر حتى يُنسَبَ ويُعزَى الحَدَثُ إليه.

 وعلى القول الأول: أنه لا يجبُ الوضوء، فلا يُصافِف أحدُهما الآخَر، ولا يَأُمّ أحدُهما بالآخَر لوجود اليقينِ بالحدث

 وحديثُ النبي ﷺ: ” لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا “

المراد منه اليقين، وليس المرادُ حَصْرَ الحديث في السماعِ والشَّم، ولذا قد يحصُلُ حَدَثٌ مِن غيرِ سَماعِ صوت وشمِّ رِيح.

فلو كان الإنسانُ أصم فتيقّنَ الحَدَث: انتقضَ وضوؤه
ولو كان الإنسانُ أخشَم: أي لا يَشَم، فكذلك.

 فالمرادُ من التنصيصِ على السماعِ والشم، المرادُ هو: اليقين ولو لم يحصُل هذانِ الأمران.